أين قبر فاطمة عليها السلام ؟
الشيخ حسين الراضي
منذ 9 سنواتأين قبر فاطمة عليها السلام ؟
الحديث عن فاطمة عليها السلام وعن فضلها وعظمتها حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن فضله وعظمته ، فهي بضعة منه وروحه التي بين جنبيه ، وهي تحكيه في هديه وفي سمته بل وحتى في مشيه وكلامه ومنطقه وبلاغته ، وما خطبتها المشهورة التي تحدثت فيها عن كثير من أصول العقائد ومعالم الدين إلّا واحد من الأدلّة على ذلك.
فضل فاطمة
وأنّ لنا الإحاطة بفضل هذه المرأة العظيمة الجليلة وقد مدحها الله سبحانه ـ قبل مدح المادحين ـ في القرآن في أكثر من آية كآية التطهير وآية الموّدة وآية المباهلة وسورة هل أتى وغيرها ، فلا غرو حينئذ إذا مدحها أبوها بعد مدح القرآن بقوله صلوات الله عليه : « إنّما فاطمة بَضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ويُنصبني ما أنصبها » (1).
وعن المسور بن مخرمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » (2).
وعن المسور بن مخرمة أيضاً قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّما فاطمة بضعة منّي . يؤذيني ما آذاها » (3).
وفي حديث آخر : « إنّما فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني » (4).
وعن أنس بن مالك ، أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : « حسبك من نساء العالمين : مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون » (5).
وعن ابن عبّاس قال : خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأرض أربعة خطوط فقال : أتدرون ما هذا ؟ فقالوا الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران » (6).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وسلّم » (7).
وقال النبي صلّى الله عليه وآله : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة » (8).
وعن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لفاطمة : « إنّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ » (9).
وغير ذلك من الأحاديث التي خرجت عن حدّ الإحصاء عدداً .
حدّ مسجد رسول الله
في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال سألته (10) عن حدّ مسجد الرّسول فقال : « الْأُسْطُوَانَةُ الَّتِي عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ إِلَى الْأُسْطُوَانَتَيْنِ مِنْ وَرَاءِ الْمِنْبَرِ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَ كَانَ مِنْ وَرَاءِ الْمِنْبَرِ طَرِيقٌ تَمُرُّ فِيهِ الشَّاةُ وَ يَمُرُّ الرَّجُلُ مُنْحَرِفاً وَ كَانَ سَاحَةُ الْمَسْجِدِ مِنَ الْبَلَاطِ إِلَى الصَّحْنِ » (11).
قوله من البلاط : لعلّ المراد به الموضع المفروش من البلاط المتصل بالرواق الذي يزار فيه النبي صلّى الله عليه وآله خلف المنبر وبين المسجد وبينه الآن محجر من خشب (12).
مقدار مساحة المسجد
عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَمْ كَانَ مَسْجِدُ رَسُولِ الله قَالَ : « كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ مُكَسَّراً » (13).
لعلّ المراد بالمكسر حاصل ضرب الطول في العرض. وهذا المقدار كان في زمان الإمام الصادق عليه السلام.
فضل الصلاة في مسْجد الرسول
جاء في صحيحة معاوية بن وهب ضمن حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله : « الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ » (14).
عن هارون بن خارجة قال : الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ تَعْدِلُ عَشَرَةَ آلَافِ صَلَاةٍ (15).
وعن أبي الصّامت قال : قَالَ أَبُو عَبْدِ الله : « صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ تَعْدِلُ بِعَشَرَةِ آلَافِ صَلَاةٍ » (16).
أين يقع بيت الزهراء ؟
يقع بيت علي وفاطمة عليهما السلام مجاوراً لبيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وملاصقاً له من الجهة الشماليّة ، ويحده من الغرب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ومن الجهة الجنوبيّة بيت رسول الله المدفون فيه حالياً ، ومن الجهة الشرقيّة بيت رسول الله التي تسكن فيه زوجته أمّ سلمة رضي الله عنها ، ومن الجهة الشماليّة الطريق المعروف بزقاق البقيع.
وكان له باب شارع إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد سدّ رسول الله جميع الأبواب الشارعة إلى المسجد إلّا باب علي عليه السلام ، وله باب آخر على الطريق كما يوجد في داخله باب أو خوخة متّصل ببيت النبي صلّى الله عليه وآله ، وكان لا ينام حتّى يتفقدهم ، ويوجد في داخله محراب للسيّدة فاطمة صلوات الله عليها تتعبد فيه ، كما أن محراب التهجّد لرسول الله صلّى الله عليه وآله يقع خلفه من الجهة الشماليّة وهو لا يزال موجوداً إلى الآن.
موقع بيتها
جاء تحديد موقع بيت علي وفاطمة عليهما السلام في صحيحة معاوية بن وهب قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام هَلْ قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله : « مَا بَيْنَ بَيْتِي وَ مِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ » ؟
فَقَالَ : نَعَمْ ، وَقَالَ : « بَيْتُ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليه السلام مَا بَيْنَ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ صلّى الله إِلَى الْبَابِ الَّذِي يُحَاذِي الزُّقَاقَ إِلَى الْبَقِيعِ ـ قال : ـ فَلَوْ دَخَلْتَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَ الْحَائِطُ مَكَانَهُ أَصَابَ مَنْكِبَكَ الْأَيْسَرَ ـ ثمّ سمّى سائر البيوت وقال : ـ قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ » (17).
وقال الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 هـ يصف حال هذا البيت في زيارته له : « وإنّي لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق من الله عزّ وجل فلّما فرغت من زيارة النبي صلّى الله عليه وآله قصدت إلى بيت فاطمة عليها السلام وهو عند الاسطوانة التي يدخل إليها من باب جبرئيل إلى مؤخّر الحضيرة التي فيها النبي صلّى الله عليه وآله فقمت عند الحضيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل ... » (18).
وقال الخزرجي المتوفى 741 هـ وهو أحد علماء السنّة : « كان بيت رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب وسيّدة نساء أهل الجنّة فاطمة رضي الله عنهما شمال بيت السيّدة عائشة الصديقة رضي الله عنها ، وأدخل عمر بن عبد العزيز بعض هذا البيت في الحائز الذي بناه محرفاً على الحجرة الشريفة وبقي بقية البيت خارج الحائز من جهة الشمال » (19).
وقال ابن الضياء المكّي المتوفى سنة 854 هـ : « وأمّا بيت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فإنّه كان خلف بيت النبي صلّى الله عليه وآله عن يسار المصلّي إلى القبلة ، وكان فيه خوخة إلى بيت النبي صلّى الله عليه وآله ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا قام من الليل إلى المخرج اطلع منه يعلم خبرهم ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتي بابها كلّ صباح فيأخذ بعضادتيه ويقول : « الصلاة الصلاة ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً » ».
قال الحافظ محبّ الدين بن النجّار : وبيتها اليوم حوله مقصورة ، وفيه محراب وهو خلف حجرة النبي صلّى الله عليه وآله.
قال عفيف الدين المرجاني : وهو اليوم أيضاً باق على ذلك.
ذكر مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله من الليل
وروى عيسى بن عبد الله عن أبيه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يطرح حصيراً كلّ ليلة إذا انكفت الناس وراء بيت علي رضي الله عنه ثمّ يصلّي صلاة الليل ، قال : وذلك موضع الإسطوانة الذي ممّا يلي الدويرة على طريق النبي صلّى الله عليه وآله.
وعن سعيد بن عبد الله بن فضل قال مرّ بي محمّد بن الحنفيّة وأنا أصلّي إليها فقال لي أراك تلزم هذه الاسطوانة هل جاءك فيها أثر ؟ قلت : لا . قال : فألزمها فإنّها كانت مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله من الليل ، ثمّ قال : قلت : هذه الاسطوانة ؟ قال : نعم.
قال الشيخ جمال الدين : وهذه الاسطوانة خلف بيت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فالواقف المصلّي إليها يكون باب جبريل المعروف قديماً بباب عثمان على يساره ، وحول الدرابزين الدابر على حجرة النبي صلّى الله عليه وآله وقد كتب فيها بالرخام هذا متهجّد النبيّ صلّى الله عليه وآله.
قال الحافظ محبّ الدين : « وبيت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ من جهة الشمال ، وفيه محراب إذا توجّه المصلّي إليه كانت يساره إلى باب عثمان » (20) قديماً والمعروف بباب جبريل.
وقال السمهودي المتوفى سنة 911 هـ : « إنّ بيت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ كان فيما بين مربعة القبر واسطوان التهجّد » (21).
أين موقع اسطوانة التهجّد ؟
قال علي حافظ : في تحديد موقعها :
« اسطوانة التهجّد : وموقعها وراء بيت السيّدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ من جهة الشمال وفيها محراب إذا توجّه المصلّي إليه كانت يساره إلى جهة باب عثمان المعروف بباب جبريل وكان رسول الله يخرج حصيراً كلّ ليلة إذا انكفأت الناس فيطرحه وراء بيت علي ثمّ يصلي صلاة الليل فرآه رجل فصلّى بصلاته ثمّ آخر فصلّى بصلاته حتّى كثروا فالتفت فإذا بهم كثيرون فأمر بالحصير فطوي ثمّ دخل فلمّا أصبح جاءوه فقالوا يا رسول الله كنت تصلّي بالليل فنصلّي بصلاتك فقال : إنّي خشيت أن تنزل عليكم صلاة الليل ثمّ لا تقوون عليها ».
قال علي حافظ : وإنّه ليحلو للمرء أن يصلّي إلى هذه الاسطوانة التي عاشت مع رسول الله ، وأن يتوجّه لله بالدعاء عندها وإن كان مسجد رسول الله كلّه هو وأساطينه جميعها محلّ تعبّد وصلاة ودعاء (22).
باب بيتها :
وهو الباب الشارع على المسجد وموضعه في اسطوانة مربعة القبر ، ففي الحديث عن القاسم بن سالم قال : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : « إِذَا دَخَلْتَ مِنْ بَابِ الْبَقِيعِ فَبَيْتُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ عَلَى يَسَارِكَ قَدْرَ مَمَرِّ عَنْزٍ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ رَسُولِ الله وَ بَابَاهُمَا جَمِيعاً مَقْرُونَانِ » (23).
ويؤيد ذلك ما قاله علي حافظ :
« اسطوانة مربعة القبر : ويقال لها مقام جبريل ، وتقع في حائز الحجرة عند منحرف صفحته الغربيّة إلى الشمال بينها وبين اسطوانة الوفود الاسطوانة اللاصقة بشباك الحجرة ، وقد روى سليمان بن مسلم أنّ باب بيت السيّدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ في المربعة وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتيه حتّى يأخذ بعضادتيه ويقول : « السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » (24).
أقول : وقوف النبي صلّى الله عليه وآله على باب علي وفاطمة عليهما السلام وقراءته لهذه الآية في كلّ صباح لمدّة ستّة أو ثمانية أو تسعة أشهر أو سبعة عشر شهراً أو أربعين صباحاً من الروايات التي قد تواترت معناً ؛ فقد رواه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنس بن مالك ، وأبو الحمراء ، ومعقل بن يسار ، وأمّ سلمة ، وأبو برزة ، وأبو سعيد الخدري (25).
هذا الباب الشارع إلى المسجد لعلّه هو الباب الرئيسي. وقد يوجد باب آخر من الجهة الشماليّة على الزقاق ، أمّا الباب المفتوح من الجهة الشرقيّة فهذا متأخّر بعد هدم بيوت أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وتوسعة المسجد في عهد بني أميّة.
كما يوجد باب أو خوخة مطلة على بيت النبي صلّى الله عليه وآله.
أفضليّة الصلاة في بيت فاطمة :
إنّ بيت فاطمة عليها السلام من البيوت المقدّسة التي ينطبق عليها قوله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) (26).
فقد جاء في صحيحة يونس بن يعقوب قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله : الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ أَوْ فِي الرَّوْضَةِ ؟ قَالَ : « فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام » (27).
وعن جميل بن درّاج قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله : الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي الرَّوْضَةِ ، قَالَ : « وَأَفْضَلُ » (28).
أين قبر فاطمة عليها السلام ؟
قال الشيخ الصدوق المتوفى 381 هـ : « اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام.
1 ـ فمنهم من روى أنّها دفنت في البقيع.
2 ـ ومنهم من روى أنّها دفنت بين القبر والمنبر وأنّ النبي صلّى الله عليه آله إنّما قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » لأنّ قبرها بين القبر والمنبر.
3 ـ ومنهم من روى أنّها دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي (29) ».
وقال الشيخ الطوسي المتوفى 460 هـ : « وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها :
1 ـ فقال بعضهم : إنّها دفنت بالبقيع.
2 ـ وقال بعضهم : إنّها دفنت بالروضة.
3 ـ وقال بعضهم : إنّها دفنت في بيتها ، فلمّا زاد بنو أميّة لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد » (30).
هذا مجمل الأقوال في موضع قبرها ولنحاول أن نستقصي مدارك هذه الأقوال وعرض أدلّتها ونرى ما هو القول الصحيح منها.
القول الأوّل : الدفن في البقيع :
القول الأول من الأقوال الثلاثة أنّها مدفونة في البقيع في دار عقيل بن أبي طالب أو بالقرب منها أو مع ابنها الإمام الحسن عليه السلام ، هذا الرأي قال به أكثر العامّة قديماً وحديثاً ، ولم يقل أحد منهم بغير هذا إلّا القليل النادر ، وقد استدلّوا على ذلك بعدّة أدلّة :
الدليل الأول :
حديث النعش أو الهودج الذي وصفته أو صنعته أسماء بنت عميس وفي هذا عدّة روايات :
الأولى : الرواية التي ذكرها ابن عبد البرّ في الاستيعاب بشيء من التفصيل رواها عن أمّ جعفر بنت محمّد بن جعفر بن أبي طالب زوجة محمّد بن الحنفيّة ، والتي رواها عنها ابنها عون بن محمّد بن الحنفيّة ، روتها عن جدّتها أسماء بنت عميس.
فهذه الرواية لم يذكرها ابن شبّه (31) وإنّما ذكرها ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، بسنده إلى محمّد بن اسحاق السّراج ، عن قتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى ، عن عون بن محمّد بن علي بن أبي طالب ، عن أمّه أمّ جعفر بنت محمّد بن جعفر ، وعن عمّار بن المهاجر ، عن أمّ جعفر ـ أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله قالت لأسماء بنت عميس : يا أسماء ، إنّي قد استقبحْتُ ما يُصنع بالنساء ، إنُه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها.
فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ، ألا أُريكِ شيئاً رأيته بأرض الحبشة ! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثمّ طرحت عليها ثوباً.
فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ! تُعْرَفُ به المرأة من الرجال ، فإذا أنا متُ فاغسليني أنت وعليٌّ ، ولا تدخلي عليَّ أحداً.
فلمّا توفيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر ، فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد جعلت لها هودج العروس ـ فجاء أبوبكر ، فوقف على الباب ، فقال : يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلّى الله عليه وآله أن يدخلن على بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وجعلتِ لها مثل هودج العروس ؟ فقالت : أمرتني ألّا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعت ، وهي حيّة ، فأمرتني أن اصنع ذلك لها.
قال أبو بكر : فاصنعي ما أمرتكِ. ثمّ انصرف ؛ فغسلها عليٌ وأسماء » (32).
ويمكن الملاحظة على هذه الرواية :
أولاً : من حيث السند : فبغضّ النظر عمّا قبل محمّد بن إسحاق فإنّ محمّد بن إسحاق وإن كان وثّقه جماعة من العلماء إلّا أنّ آخرين منهم أفحشوا القول فيه وضعّفوه.
قال ابن الجوزي في رواية وقع في سندها محمّد بن إسحاق : « أما محمّد بن إسحاق فمجروح شهد بأنّه كذّاب مالك وسليمان التميمي ووهيب بن خالد وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد. وقال ابن المديني : يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة » (33) ولعلّ ذلك لأنّه رمي بالتشيّع.
وقد وثّقه جماعة أخرى كما ذكرنا (34).
وقال الذهبي : وثقة غير واحد و وهّاه آخرون (35).
ثانياً : من حيث المتن :
1 ـ أنّ أسماء بنت عميس في هذا الوقت كانت زوجة لأبي بكر ، وقد قال البيهقي : « وقد ثبت أنّ أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة ، لما في الصحيح أن عليّاً دفنها ليلاً ولم يعلم أبا بكر ، فكيف يمكن أن تغسلها زوجته وهو لا يعلم ؟ » (36).
ولعلّ الموجودة في منزل علي عليه السلام سلمى زوج أبي رافع أمّ عبيد الله ابن أبي رافع ، أو أمّ سلمة زوج الرسول صلّى الله عليه وآله ، أو امرأة أخرى.
2 ـ على فرض صحّة حديث النعش وأن التي وصفته هي أسماء بنت عميس أو أمّ سلمة زوج النبي صلّى عليه وآله ، المفروض أنّ وصف النعش كان في حياة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهل كان في مرضها التي توفّيت فيه أو قبله ؟ وكلّ ذلك ليس فيه أيّ دلالة على أنّها حملت على ذلك الهودج لأنّ الأمر يرجع في هذا إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتّى ولو عملته أسماء ، فيبقى القرار في الدفن لأمير المؤمنين عليه السلام وأين تدفن ؟
نعم الرواية التي نقلها الحاكم في المستدرك في وصف الهودج عن ابن عبّاس عن أسماء بنت عميس في آخر الرواية : « ثمّ حملناها ودفناها ليلاً » (37).
الظاهر أنّ هذا الكلام لابن عبّاس وليس فيه دلالة على أنّهم حملوها على الهودج ، والحمل يصدق حتّى في داخل المنزل.
بالإضافة أنّ في سندها الواقدي وقد وهّاه قوم ، ومحمّد بن عمر بن علي وهو مجهول كما تقدّم.
الرواية الثانية :
التي نقلها إبن شبّة النميري المتوفى 262 هـ وهو أقدم من تحدّث عن هذا الموضوع.
قال : حدّثنا أبو عاصم النبيل قال ، حدّثنا كهمس بن الحسن قال ، حدّثني يزيد قال : كِمدت فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها سبعين بين يوم وليلة ، فقالت : إنّي لأستحي من جلالة جسمي إذا أخرجتُ على الرجال غداً ـ وكانوا يحملون الرجال كما يحملون النساء ـ فقالت أسماء بنت عميس ـ أو أمّ سلمة ـ إنّي رأيت شيئاً يصنع بالحبشة ، فصنعت النعش فاتُّخِذ بعد ذلك سنة (38).
والجواب :
1 ـ هذه الرواية من حيث السند مرسلة ؛ فإن يزيد : الذي رواها هو يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري المتوفّى سنة 111 هـ كما ذكره ابن حِبَّان (39) وأين هو عن وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام التي توفيت سنة 11 هـ ؟ وبين الوفاتين مائة عام فيبدو أنّه في وقت وفاة فاطمة هو بعد لم يولد.
2 ـ ومن حيث المتن فهذه الرواية ليس فيها أيّ دلالة على دفنها في البقيع فعلى فرض ثبوت تصوير النعش أو عمله فإنّه لا يلزم أنّه قد استعمل بعد وفاتها خصوصاً أنه قد ثبت بالتواتر أنها دفنت ليلاً فلا تحتاج إلى ذلك النعش التي قد رأته أسماء بنت عميس أو أمّ سلمة في الحبشة.
3 ـ أنّ هذه الرواية ذكرت سبب إتّخاذ النعش المغطى هو جلالة جسمها ـ أيّ عظمه وكبره ـ ولم يعرف عن السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها أنّها كبيرة الجسم ، بل هي إلى النحافة أقرب منها إلى السمنة حيث أنهكتها العبادة ، خصوصاً بعد وفاة أبيها لما ألمَّ بها من الحزن والأسى.
4 ـ أنّ الفترة التي كانت فيها أسماء أو أمّ سلمة في الحبشة لم يتسن لأهل الحبشة الإسلام حتّى يهتمّوا بالستر وهل أنّ الحبشة غير المسلمة أكثر غيرة وستراً من المسلمين ؟
5 ـ أنّ هذه الرواية والرواية السابقة التي نقلها صاحب الاستيعاب لم يظهر منهما أنّ النعش قد استعمل في تشييع فاطمة عليها السلام بل ولم يكن فيهما أدنى أشارة إلى ذلك ، وإنّما الرواة قد استنبطوا منهما أنّ فاطمة حملت عليه.
الرواية الثالثة :
نقلها محمّد الياس عن الاستيعاب ج 4 / 1898 ، قال : وقد روي عن ابن عيّاش أنّ فاطمة أوّل من غطي نعشها من النساء في الإسلام ثمّ بعدها زينب بنت جحش صنع ذلك بها أيضاً (40).
أقول : هذه لم تكن رواية ينقلها ابن عبد البرّ وإنّما هو كلام ابن عبد البرّ واستنتاج منه من الرواية المتقدّمة التي نقلها عن أمّ جعفر.
وإليك نصّ كلام ابن عبد البرّ في الاستيعاب : « قال أبو عمر : فاطمة رضي الله عنها أوّل من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر ، ثمّ بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها ، صُنع ذلك بها أيضاً » (41).
وأنت ترى بكلّ وضوح أنّ ابن عبد البرّ يستنتج من الخبر الذي ذكره عن أمّ جعفر المتقدّم ، كما نقله عنه المزي في تهذيب الكمال في ترجمة فاطمة.
بينما الخبر لم ينصّ أنّها سلام الله عليها حملت على ذلك النعش. وكلام أسماء على فرض صحّته إنّما كان قبل الدفن لا بعده.
فالاستنتاج الذي استنجه محمّد إلياس من الروايتين أو الثلاث بقوله :
« وبهذا ثبت أن فاطمة رضي الله عنها كانت تعرف بأنّها تحمل من البيت بعد الموت لتدفن في البقيع لذا كانت تستحي أن تحمل مثل الرجل …
ولو كان المقرّر دفنها في بيتها الذي توفّيت فيه لم يكن هناك ما يقتضي أن تستحي فاطمة من حملها مثل الرجال ، وأن يعمل لها هودج وأن تدفن ليلاً » (42).
أقول : الروايات التي ذكرها لا تثبت ما ذكره والقرار الذي صدر بدفنها في منزلها :
1 ـ أنّه قرار سري ولو مؤقّتاً ولا يراد أن يظهر للآخرين ، وإلّا لماذا تدفن ليلاً ولم تدفن نهاراً جهاراً ؟.
2 ـ مادام ثبت بالتواتر أنّها عليها السلام دفنت ليلاً ـ كما سوف يأتي ـ فلماذا هذا الهودج ؟ وما هي فائدته ، حتّى وإن كان يراد دفنها في البقيع ، حيث أنّ ظلام الليل كاف في سترها عن أنظار الآخرين إن وجدوا ، ولم يكن هناك من الإنارة ما يكشف الجنازة للآخرين.
3 ـ لعلّ ذكر النعش من باب التعتيم على الأمر.
الرواية الرابعة :
الرواية التي ذكرها الشيخ الصدوق في العلل ج 1 ص 219 باب 149 العلة التي من أجلها دفنت فاطمة عليها السلام بالليل ولم تدفن بالنهار ، حديث 2 وهي رواية طويلة ومفصلة وفيها ذكر النعش ودعت أمّ أيمن وليست أسماء ...
قال الشيخ الصدوق في « علل الشرائع » : حدّثنا عليّ بن أحمد قال حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن يحيى عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا : أَتَى رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ الله فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ الله هَلْ تُشَيَّعُ الْجِنَازَةُ بِنَارٍ وَيُمْشَى مَعَهَا بِمِجْمَرَةٍ وَ قِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِك ... ـ إلى أن قال : ـ فلمّا نعى إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها فقالت لها : يا أمّ أيمن إنّ نفسي نعيت لي فادعي لي عليّاً ، فدعته لها ، فلمّا دخل عليها قالت له : يا بن العمّ أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها عليّ ، فقال لها : قولي ما أحببت ، قالت له : تزوّج فلانة تكون لولدي مربية من بعدي مثلي ، واعمل لي نعشاً رأيت الملائكة قد صوّرته لي ، فقال لها : علي أريني كيف صورته ؟ فأرته ذلك كما وصفت له ...
فَلَمَّا قَضَتْ نَحْبَهَا - صَلَّى الله عَلَيْهَا ـ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَخَذَ عَلِيٌّ فِي جَهَازِهَا مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا أَوْصَتْهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَهَازِهَا أَخْرَجَ عَلِيٌّ الْجِنَازَةَ وَأَشْعَلَ النَّارَ فِي جَرِيدِ النَّخْلِ وَمَشَى مَعَ الْجِنَازَةِ بِالنَّارِ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا وَدَفَنَهَا لَيْلًا » (43).
الجواب :
1 ـ هذه الرواية وإن صرحت بالنعش وأنّ الجنازة أخرجت لكنّها لم تعيّن موضع الدفن.
2 ـ أنّ هذه الرواية ضعيفة السند فإنّ رجال السند بأجمعهم غير موثقين.
3 ـ ممّا يؤكّد عدم صحّة هذه الرواية أنّها تدعي أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقع بينه وبين بعض الصحابة كلام « حتّى تلاحيا واستبا » ولم يكن السبّ من منهج أمير المؤمنين عليه السلام وأخلاقه.
4 ـ هذه الرواية تقول أنّ النعش وصفته الملائة فهي تناقض الروايات التي تقول أنّ النعش وصفته أسماء.
5 ـ ثمّ أين كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعيداً عن حبيبته فاطمة عليها السلام ؟ ومرضها لم يكن مفاجئاً
الرواية الخامسة :
قال الشيخ الطوسي في « تهذيب الأحكام » : سلمة بن الخطّاب عن موسى بن عمر بن يزيد عن عليّ بن النّعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ قال : سَأَلْتُهُ عَنْ أَوَّلِ مَنْ جُعِلَ لَهُ النَّعْشُ فَقَالَ : فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله (44).
الجواب :
1 ـ الخبر ضعيف كما قال به العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار ج 3 ص 322 ح 184
الرواية السادسة :
« تهذيب الأحكام » : سلمة بن الخطّاب عن أحمد بن يحيى بن زكريّا عن أبيه عن حميد بن المثنّى عن أبي عبد الرّحمن الحذّاء عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : أَوَّلُ نَعْشٍ أُحْدِثَ فِي الْإِسْلَامِ نَعْشُ فَاطِمَةَ إِنَّهَا اشْتَكَتْ شَكْوَتَهَا الَّتِي قُبِضَتْ فِيهَا وَقَالَتْ لِأَسْمَاءَ : إِنِّي نَحِلْتُ وَذَهَبَ لَحْمِي أَلَا تَجْعَلِينَ لِي شَيْئاً يَسْتُرُنِي ، قَالَتْ أَسْمَاءُ : إِنِّي إِذْ كُنْتُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ رَأَيْتُهُمْ يَصْنَعُونَ شَيْئاً أَفَلَا أَصْنَعُ لَكِ فَإِنْ أَعْجَبَكِ أَصْنَعُ لَكِ ، قَالَتْ : نَعَمْ ، فَدَعَتْ بِسَرِيرٍ فَأَكَبَّتْهُ لِوَجْهِهِ ثُمَّ دَعَتْ بِجَرَائِدَ فَشَدَّدَتْهُ عَلَى قَوَائِمِهِ ثُمَّ جَلَّلَتْهُ ثَوْباً فَقَالَتْ : هَكَذَا رَأَيْتُهُمْ يَصْنَعُونَ ، فَقَالَتِ : اصْنَعِي لِي مِثْلَهُ اسْتُرِينِي سَتَرَكِ الله مِنَ النَّارِ (45).
الجواب :
1 ـ هذا الخبر ضعيف كما قال به العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار ج 3 ص 322 ح 185
الرواية السابعة :
ما ذكر الفتّال النيسابوري في وصيّتها عليها السلام لأمير المؤمنين عليه السلام التي رواها أنّها قالت :
ثُمَّ قَالَتْ : أُوصِيكَ يَا ابْنَ عَمِّ أَنْ تَتَّخِذَ لِي نَعْشاً فَقَدْ رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ صَوَّرُوا صُورَتَهُ.
فَقَالَ لَهَا : صِفِيهِ لِي ، فَوَصَفَتْهُ ، فَاتَّخَذَهُ لَهَا فَأَوَّلُ نَعْشٍ عُمِلَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ذَاكَ وَمَا رَأَى أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا عَمِلَ أَحَدٌ.
ثُمَّ قَالَتْ : أُوصِيكَ أَنْ لَا يَشْهَدَ أَحَدٌ جِنَازَتِي مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُونِي وَأَخَذُوا حَقِّي فَإِنَّهُمْ عَدُوِّي وَعَدُوُّ رَسُولِ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وَلَا تَتْرُكُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَادْفِنِّي فِي اللَّيْلِ إِذَا هَدَأَتِ الْعُيُونُ وَنَامَتِ الْأَبْصَارُ.
ثُمَّ تُوُفِّيَتْ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهَا وَعَلَى أَبِيهَا وَبَعْلِهَا وَبَنِيهَا فَصَاحَتْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ صَيْحَةً وَاحِدَةً وَاجْتَمَعَتْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ فِي دَارِهَا فَصَرَخُوا صَرْخَةً وَاحِدَةً كَادَتِ الْمَدِينَةُ أَنْ تَتَزَعْزَعَ مِنْ صُرَاخِهِنَّ وَهُنَّ يَقُلْنَ يَا سَيِّدَتَاهْ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله وَأَقْبَلَ النَّاسُ مِثْلَ عُرْفِ الْفَرَسِ إِلَى عَلِيٍّ ـ عليه السلام ـ وَهُوَ جَالِسٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ـ عليه السلام ـ بَيْنَ يَدَيْهِ يَبْكِيَانِ فَبَكَى النَّاسُ لِبُكَائِهِمَا وَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ وَعَلَيْهَا بُرْقُعَةٌ وَتَجُرُّ ذَيْلَهَا مُتَجَلِّلَةً بِرِدَاءٍ عَلَيْهَا تُسَبِّجُهَا وَهِيَ تَقُولُ يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ الله الْآنَ حَقّاً فَقَدْنَاكَ فَقْداً لَا لِقَاءَ بَعْدَهُ أَبَداً وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَجَلَسُوا وَهُمْ يَضِجُّونَ وَيَنْتَظِرُونَ أَنْ تُخْرَجَ الْجِنَازَةُ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهَا وَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَقَالَ : انْصَرِفُوا فَإِنَّ ابْنَةَ رَسُولِ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قَدْ أُخِّرَ إِخْرَاجُهَا فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ ، فَقَامَ النَّاسُ وَانْصَرَفُوا ...
فَلَمَّا أَنْ هَدَأَتِ الْعُيُونُ وَمَضَى شَطْرٌ مِنَ اللَّيْلِ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ـ عليه السلام ـ وَعَمَّارٌ وَالْمِقْدَادُ وَعَقِيلٌ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو ذَرٍّ وَسَلْمَانُ وَبُرَيْدَةُ وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَخَوَاصُّهُ صَلَّوْا عَلَيْهَا وَدَفَنُوهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَسَوَّى عَلِيٌّ ـ عليه السلام ـ حَوَالَيْهَا قُبُوراً مُزَوَّرَةً مِقْدَارَ سَبْعَةٍ حَتَّى لَا يُعْرَفَ قَبْرُهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ قَبْرُهَا سُوِّيَ مَعَ الْأَرْضِ مُسْتَوِياً فَمَسَحَ مَسْحاً سَوَاءً مَعَ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يُعْرَفَ مَوْضِعُهُ (46).
الجواب :
1 ـ هذه الرواية مرسلة وغير مسندة فلا يمكن الاعتماد عليها.
2 ـ هذه الرواية والتي قبلها تذكر أنّ النعش قبل الوفاة أمّا بعد الوفاة فلم يذكر له أيّ أثر وأنّه استعمل أم لا ؟.
فتلخّص : أنّ حديث النعش لم يرد من طريق أهل البيت بل ولا من طريق العامّة بسند معتبر وإنّما الروايات الواردة من الطريقين كلّها ساقطة سنداً.
الدليل الثاني :
الروايات التي ذكرت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعفى قبرها وهي :
الرواية الأولى :
ما رواه الشيخ الكليني في « الكافي » قال :
أحمد بن مهران رحمه الله رفعه وأحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار الشّيبانيّ قال : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ـ عليه السلام ـ ، قَالَ : لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ ـ عليه السلام ـ دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سِرّاً وَعَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا (47).
الجواب :
الرواية غير تامّة سنداً.
الرواية الثانية :
« المجالس للمفيد » و « الأمالي للشيخ الطوسي » المفيد عن الصّدوق عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عَبْدِ الجبّار عن القاسم بن محمّد الرّازيّ عن عليّ بن محمّد الهرمرازي عن عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين ـ عليه السلام ـ قَال : لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وَصَّتْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ عليه السلام ـ أَنْ يَكْتُمَ أَمْرَهَا وَ يُخْفِيَ خَبَرَهَا وَلَا يُؤْذِنَ أَحَداً بِمَرَضِهَا ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَكَانَ يُمَرِّضُهَا بِنَفْسِهِ وَتُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رَحِمَهَا الله عَلَى اسْتِسْرَارٍ بِذَلِكَ كَمَا وَصَّتْ بِهِ فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَصَّتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ عليه السلام ـ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهَا وَيَدْفِنَهَا لَيْلًا وَيُعَفِّيَ قَبْرَهَا فَتَوَلَّى ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ـ عليه السلام ـ وَدَفَنَهَا وَعَفَّى مَوْضِعَ قَبْرِهَا (48).
الجواب :
هذه الرواية غير تامّة سنداً ففيها أكثر من واحد مجهول.
الدليل الثالث :
من الأدلّة التي أُستدلّ بها على أنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام دفنت في البقيع :
الروايات التي ذكرت أنّ الإمام الحسن عليه السلام أوصى أن يدفن إلى جنب أمّه فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهذه المجموعة من الروايات ذكرها علماء العامّة وأوّل من روى ذلك هو : أبو زيد عمر بن شبّه النميري البصري المتوفى 262 هـ روى بسنده « أنّ الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمّي. فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة … » (49).
وهذه الرواية أوّل ما فيها أنّها مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها وتبعه على ذلك كلّ من تأخّر عنه منهم مثل أبي الفرج الأصبهاني (50) وابن أبي الحديد في شرح النهج (51) وابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وابن حجر في الإصابة وغيرهم.
وذكر ابن شبّه النميري رواية أخرى حول قبر الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، وأوصى فيها أن يدفن في المقبرة إلى جنب أمّه فاطمة « فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة رضي الله عنها » (52).
وهذه الرواية لعلّها عين الرواية المتقدّمة وهي التاسعة من الروايات في قبر فاطمة حيث أنّ سند هذه عين سند الرواية السابقة ومتنها قريب من متن الرواية السابقة.
وهذه الرواية مرسلة من حيث السند.
ومن حيث المتن تقول هذه الرواية أنّ المشادة بين بني أميّة وبني هاشم كانت في حياة الإمام الحسن عليه السلام وقبل وفاته ، بينما روايات اخرى ومنها الرواية المتقدّمة على هذه الرواية التي ذكرها النميري أنّ المشادة وقعت بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام فأيّهما أصحّ ؟
كما أنّه يمكن حمل كلمة أمّه فاطمة على جدّته فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ـ كما سوف يأتي ـ.
بتقريب أنّ جدّته هي أمّه أيضاً وكلّ منهما فاطمة ولم يذكر في أيّ رواية منها أنّه قال : « أمّي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله » ، ويدلّ على التهافت في هذا الخبر أنه ذكر أنّ قبر الحسن بن علي مع قبر عائشة زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله. حيث جاء فيه « إنّ في المقبرة قبرين مطابقين بالحجارة ؛ قبر حسن بن علي ، وقبر عائشة زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فنحن لا نخرجهما ».
والجواب :
1 ـ أنّ السيّدة عائشة توفّيت في طريق الشام.
2 ـ على فرض أنّها دفنت في البقيع لم يدع أحد أنّها دفنت إلى جنب الإمام الحسن عليه السلام وإنّما أُدعي دفنها إلى جنب زوجات الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
كما قد يطلق الأب على الجدّ فقد جاء في كتاب الثقات لابن حبان في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام قال : « وأوصى إلى أخيه الحسين : إذا أنا متّ فأحفر لي مع أبي وإلّا ففي بيت علي وفاطمة وإلّا ففي البقيع … » (53).
فقد أطلق في هذا الخبر اسم الأب على الجدّ وهو رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مدفون بالنجف الأشرف ويوجد مسافة بعيدة وإنّما أراد بالأب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ويبدو من هذه الوصيّة أنّ الإمام الحسن عليه السلام أراد الأفضليّة في الدفن على الترتيب :
1 ـ أنّ يدفن إلى جنب جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
2 ـ أن يدفن إلى جنب أمّه فاطمة عليها السلام في منزلها حيث عبر في « بيت علي وفاطمة ».
3 ـ إذا لم يمكن هذا ولا ذاك ففي البقيع.
وبالفعل فإنّ بني أميّة منعت من دفنه إلى جنب جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ومع هذا أيضاً بنو أميّة منعت من دفنه في منزل أبيه وأمّه كما يقول هذا النصّ :
« ثمّ أمر الحسين أن يحفر له في بيت علي وفاطمة ، فبلغ ذلك بني أميّة فأقبلوا ـ و ـ عليهم السلاح وقالوا : والله ! لا نتّخذ القبور مساجد ، فنادى الحسين في بني هاشم فأقبلوا بالسلاح ، ثمّ ذكر الحسين قول أخيه لا ترفعنّ ، في ذلك صوتاً ، فحفر له بالبقيع ودفن هناك [ عليه السلام ] في أحسن مقام » (54).
فهذا النصّ يدلّ :
1 ـ على أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها مدفونة في منزلها. وإلّا ما هو المبرّر على أن يوصي الإمام الحسن بدفنه في منزل أبيه وأمّه إذا لم تكن أمّه مدفونة فيه خصوصاً وأنّ البيت لا يزال يسكن وهو مشترك بينه وبين أخوته.
2 ـ أنّ الروايات التي نقلت كلام الإمام الحسن عليه السلام أن يدفن إلى جنب أمّه إذا لم يفسح المجال لدفنه إلى جنب جدّه ، يريد ـ والله العالم ـ إلى جنبها في منزلها.
غاية الأمر أنّ النتيجة بعد أن حصل ما حصل بين بني هاشم وبني أميّة دفن الإمام الحسن في البقيع فظنّ الرواة أنّه دفن إلى جنب أمّه في البقيع.
وما ذكره محمّد الياس عن ابن عبد البرّ من أنّ الإمام الحسن عليه السلام دفن إلى جنب أمّه فاطمة عليهما السلام.
هذا مرسل ولعلّه استنتاج من بعض الروايات التي لم يتمّ سندها كما تقدّم.
وما ذكره عن السخاوي ، والسمهودي ، والعبّاسي ، والمحب الطبري ، والبرزنجي كلّ ذلك اجتهادات منهم اعتماداً على الرواية التي ذكرها ابن شبَّه المتقدّمة وهي مرسلة.
فتلخّص أنّ ما ذكر من الأدلّة على دفنها في البقيع غير تامّ ولا يوجد هناك رواية صحيحة صريحة في دفنها في البقيع.
ومن الروايات التي وردت في كتب الشيعة على هذا القول هي :
1 ـ الرواية عن ابن عبّاس قال : فحملناه ـ يعني الإمام الحسن عليه السلام ـ فأتينا به قبر أمّه فاطمة عليها السلام فدفنّاه إلى جنبها رضي الله عنه وأرضاه ـ إلى أن قال ـ ارجعي فقد كفى الله تعالى المؤنة ودفن الحسن إلى جنب أمّه ، فلم يزدد من الله تعالى إلّا قرباً … » (55).
سند الرواية ولها طرق :
1 ـ الطوسي ، عن المفيد ، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال حدّثنا مزاحم بن عبد الوارث بن عباد البصري بمصر ، قال حدّثنا محمّد بن زكريّا الغلابي ، قال : حدّثنا العبّاس بن بكار ، قال حدّثنا أبوبكر الهلالي ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس.
2 ـ قال الغلابي ، وحدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي ، قال حدّثنا عمر بن يونس اليمامي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس.
3 ـ قال : حدّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل الطائي ، قال : حدّثنا الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدّثني محمّد بن سلام الكوفي ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الواسطي ، قال : حدّثنا محمّد بن صالح ، ومحمّد بن الصلت ، قال : حدّثنا عمر بن يونس اليمامي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس. قال : دخل الحسين بن علي عليهما السلام على أخيه الحسن بن علي عليهما السلام في مرضه الذي توفي فيه … إلخ.
فالطريق الأوّل : فيه عكرمة الثابت أنّه ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه وبالإضافة إلى ذلك فيه عدّة مجاهيل مثل مزاحم بن عبد الوارث.
وأمّا الطريق الثاني : فيشترك مع الطريق الأوّل في بعض المجاهيل يضاف إلى ذلك أنّ الواسطي مجهول ، وعمر بن يونس اليمامي قد ترجمه علماء العامّة ووثقوه (56) إلّا أنّ علماءنا لم يوثقه أحد منهم.
وأمّا الطريق الثالث : كالطريق الثاني يشترك في بعض المجاهيل كما يشتمل على الواسطي واليمامي الذي تقدّم الحديث عنهما.
ويبدو من سند الرواية أنّها عامية وتشتمل على عدّة من المجاهيل وغير الموثقين فتسقط من الاعتبار.
كما يشتمل الطريق الثاني والثالث على الكَلْبي : وهو محمّد بن السائب الكلبي أبو النضر الكوفي من أصحاب الصادق والباقر عليهما السلام توفّي 146 هـ ولم ينصّ أحد من علمائنا على وثاقته (57).
وعلماء العامّة ترجموه وأكثرهم نصّ على ضعفه وعدم وثاقته.
قال النسائي : متروك الحديث (58).
وذكره الدارقطني في الضعفاء والمتروكين (59).
وقال البخاري : تركه يحيى بن سعيد (60).
وضعفه ابن حبان (61) والعقيلي (62).
وغيرهم (63) ولعلّ الكثير إنّما ضعفه لإتّهامه بالرفض والتشيّع كما في كثير من عبارات التضعيف قال ابن حجر : « متّهم بالكذب ورمي بالرفض » (64).
وربّما قبله بعضهم إمّا مطلقاً أو في خصوص التفسير.
قال ابن عديّ : وحدث عن الكلبي ابن عيينه وحماد بن سلمة … وغيرهم من ثقات الناس ، ورضوه في بالتفسير … (65).
وأمّا أبو صالح : الذي روى عنه الكلبي فهو : باذام ، ويقال : باذان. ويقال : ذكوان ، مولى أم هاني بنت أبي طالب.
روى عنه أصحاب السنن الأربعة :
قال النسائي : باذام أبو صالح الكلبي : ضعيف كوفي (66).
وقال البخاري : ترك ابن مهدي حديث أبي صالح (67).
ونقل ضعفه ابن عديّ (68) وابن حبان (69) وابن الجوزي (70).
وقال ابن حجر : ضعيف مدلس ، من الثالثة (71).
وروى المزي مدحه وذمه (72) وكذلك الذهبي (73).
تمييز :
وهذا غير أبي صالح : ذكوان السمان الزيات المدني المتوفى 101هـ وكان عثمانيّاً (74).
ولم أرى أحداً من علماءنا قد ترجمه فضلاً عن توثيقه.
فهذه الرواية عاميّة وهي ضعيفة على مبانيهم في علم الرجال كما تقدّم.
وهي كذلك على مباني الشيعة فإن كثيراً من رجال السند ضعفاء وبعضهم مجهول الحال.
كما أن كلمة « أمّه فاطمة » محرفة إلى « جدّته فاطمة » لأنّه يوجد في مجموعة من الروايات التي ذكرت الحادثة وقريب من هذه الرواية ذكرت « جدّته فاطمة بنت أسد » وعلى فرض عدم التحريف في هذه الرواية تكون معارضة بتلك الروايات التي ذكرت أنّ الإمام الحسن عليه السلام مدفون عند جدتّه فاطمة بنت أسد ـ كما سوف يأتي ـ.
الإمام الحسن مدفون عند جدّته فاطمة
روى الشيخ الكليني بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لما حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال للحسين عليه السلام : يا أخي إنّي أوصيك بوصيّة فاحفظها ، إذا أنا متّ فهيّئني ثمّ وجّهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله لأحدث به عهداً ثمّ اصرفني إلى أمّي عليها السلام ثمّ ردّني فادفني في البقيع … الخ (75).
فيبدو من هذه الرواية أنّ قبر السيد فاطمة الزهراء عليها السلام في غير البقيع حيث أنّ الإمام الحسن عليه السلام يوصي الإمام الحسين عليه السلام ان يزوّره جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمّه فاطمة عليها السلام ثمّ يرجع إلى البقيع ويدفن هناك فلو كانت أمّه في البقيع ـ كما تقول الرواية السابقة ـ لقال وادفني عند أمّي فاطمة عليها السلام.
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « … ثمّ أوصى ـ أي الإمام الحسن عليه السلام ـ أن يدفنوه بالبقيع ـ إلى أن قال ـ يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله لأجدّد به عهدي ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك … » (76).
فهذه الرواية تكشف أن المراد في الرواية السابقة من دفنه عليه السلام مع أمّه إنّما هي جدّته فاطمة بنت أسد وليست أمّه فاطمة الزهراء عليها السلام.
وفي رواية زياد المخارقي قال : « لما حضرت الحسن عليه السلام استدعى الحسين عليه السلام وقال : يا أخي إنّي مفارقك ـ إلى أن قال : ـ فإذا قضيت فغمضني وغسّلني وكفني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله لاُجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفني هناك ـ إلى أن قال ابن عبّاس : ـ فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة عليها السلام فندفنه عندها بوصيّته بذلك … » (77).
وقال الشيخ المفيد بعد روايته لهذا الخبر :
« ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها واسكنها جنّات النعيم » (78).
ويؤيّد هذه الروايات التي نقلها علماء الشيعة من أنّ الإمام الحسن عليه السلام أمر أن يدفن في البقيع إلى جنب جدّته فاطمة بنت أسد عليها السلام إذا لم يمكن أن يدفن إلى جنب جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلى جنب أمّه في منزلها.
ما جاء في وصيّة الإمام الحسن لأخيه الإمام الحسين عليهما السلام والتي نقلها أبو حاتم محمّد بن حِبَّان البستي المتوفى سنة 354 هـ أحد علماء السنّة ، في كتابه الثقات قال : « وأوصى ـ يعني الإمام الحسن عليه السلام ـ إلى أخيه الحسين : إذا أنا متّ فأحفر لي مع أبي ، وإلّا ففي بيت علي وفاطمة ، وإلّا ففي البقيع ، ولا ترفعنّ في ذلك صوتاً … ، ثمّ أمر الحسين أن يحفر له في بيت علي وفاطمة ، فبلغ ذلك بني أميّة فأقبلوا [ و ] عليهم السلاح وقالوا : والله ! لا نتّخذ القبور مساجد ، فنادى الحسين في بني هاشم فأقبلوا بالسلاح ، ثمّ ذكر الحسين قول أخيه لا ترفعنّ ، في ذلك صوتاً ، فحفر له بالبقيع ودفن هناك [ عليه السلام ] في أحسن مقام » (79).
الدليل الرابع :
من الأدلّة التي ذكرت على دفنها في البقيع هي الروايات التي ذكرها المحدّثون والمؤرّخون هو دفنها في دار عقيل ابن أبي طالب.
أقول : الروايات التي ذكرت أنّ قبرها في دار عقيل ، أقدم من ذكر هذه الروايات هو ابن شبّه النميري المتوفى 262 هـ في كتابه تاريخ المدينة المنوّرة. وهي كما يلي :
1 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى ، قال أخبرني محمّد ، أنّه سمع عبد الله بن حسين بن علي يذكر ، عن عكرمة بن مصعب العبدري قال : « أدركت حسن بن علي بن أبي طالب وهو يَذُبُّنا عن زاوية دار عقيل اليمانيّة الشارعة في البقيع » (80).
وهذه الرواية لا ربط لها بالمقام وليس فيها أيّ دلالة على المدّعى .
2 ـ وأخبرنا أيضاً ، عن عكرمة بن مصعب ، عن محمّد بن علي بن عمر أنه كان يقول : « قبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله زاوية دار عقيل اليمانيّة الشارعة في البقيع » (81).
الجواب : هذه الرواية ضعيفة السند حيث موجود في سندها :
أ ـ عكرمة بن مصعب العبدري وهو مجهول الحال (82).
ب ـ وفيها محمّد بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو لم يوثق.
والرواية مرسلة ؛ فإنّ الراوي وهو : محمّد بن علي بن عمر لم يعاصر وفاة فاطمة عليها السلام. فالرواية ساقطة لا يمكن الاعتماد عليها.
3 ـ حدّثنا أبو غسان ، عن حسن بن منبوذ بن حويطب ، عن أبيه وجده الفضل بن أبي رافع أنّهما حدّثاه : « أنّ قبر فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وجَاه زقاق نُبَيْه ، وأنّه إلى زاوية دار عقيل أقرب » (83).
والجواب : أن هذه الراوية ضعيفة ففي سندها موجود : منبوذ بن حويطب ، وهو رجل من آل أبي رافع ، ويقال مولى أبي رافع ، وهو لم يوثق (84).
4 ـ حدّثنا أبو غسان ، عن غسان بن معاوية بن أبي مُزَرَّد ، أنّه سمع عمر بن علي بن حسين بن علي يقول : « إن قبر فاطمة ـ رضي الله عنها ـ حِذْوَ الزقاق الذي يلي زاوية دار عقيل ـ وذكر غسان : أنّه ذرع من حيث أشار له عمر بن علي ، فوجده خمس عشرة ذراعاً إلى القناة » (85).
هذه أيضاً ضعيفة السند ففي سندها : غسان بن معاوية بن أبي مُزَرَّد ، فإنّه مجهول الحال ، فلم أرى من ذكره أو وثقه من علماء الرجال.
فقد رجعت إلى الكامل لابن عدي ، وتهذيب الكمال ، وتهذيب التهذيب ، والميزان للذهبي ، ولسان الميزان ، وتقريب التهذيب ، وغيرها فلم يذكره أحد منهم فيبدو أن الرجل مجهول الحال.
5 ـ حدّثنا أبو غسان ، عن عبد الله بن عمر بن عبد الله ، مولى غفرة ، عن أبيه عمر أنّه سمعه يقول : « قبر فاطمة حذو دار عقيل ممّا يلي دار نبيه » (86).
الجواب : هذه الرواية غير تامّة سنداً ، ففي سندها : عبد الله بن عمر بن عبد الله مولى غفرة : وهو مجهول الحال .
فقد رجعت إلى الكتب الآنفة الذكر في علم الرجال فلم يذكره أحد منهم.
6 ـ حدّثنا أبو غسان ، عن إسماعيل بن عون بن عبد الله بن أبي رافع ، أنّه سمع من أبيه ، عن أبيه : « أنّ قبر فاطمة رضي الله عنها مخرج الزقاق الذي بين دار عقيل ودار أبي نبيه ـ وذكر إسماعيل : أنّه ذرع الموضع الذي ذكره أبوه أنه موضع القبر وبين القناة التي في دار عقيل ثلاثاً وعشرين ذراعاً ، وبينه وبين القناة الأخرى سبعاً وثلاثين ذراعاً » (87).
الجواب : هذه ضعيفة ففي سندها إسماعيل بن عون بن عبد الله بن أبي رافع وهو لم يوثق ، فقد ترجمه المزي وذكر أنّه إسماعيل بن عون بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع ، يقال فيه إسماعيل بن عون بن عبيد الله ينسب عون إلى جدّه ، وهو عزيز الحديث ، ولم يذكر المزي له توثيقاً (88).
7 ـ قال : وأخبرني مخبر ثقة قال : « يقال إنّ المسجد الذي يُصلّى جنبه شرقياً على جنائز الصبيان ،كان خيمة لامرأة سوداء يقال لها رقية ، كان قد جعلها حسين بن علي تُبصر قبر فاطمة ، وكان لا يعرف قبر فاطمة رضي الله عنها غيرُها » (89).
هذه الرواية مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها بالإضافة إلى أنّها كاذبة في نفسها فكيف أن هذه المرأة التي هي جالسة ، تبصر قبر فاطمة عليها السلام لا يعرف قبر فاطمة غيرها ؟ وهي مناقضة للروايات المتقدّمة بل والواقع علا خلافها.
الرواية التي ذكرها في قبر أمّ سلمة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله قال :
8 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى قال : سمعت من يذكر : « أنّ قبر أم سلمة رضي الله عنها بالبقيع ، حيث دفن محمّد بن زيد بن علي ، قريباً من موضع قبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... » (90).
ولكن هذه الرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها .
أقول : جميع الروايات التي ذكرها ابن شبّة حول دفن فاطمة عليها السلام في دار عقيل كلّها ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها. هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ هذه الروايات في حدّ ذاتها متناقضة فبعضها تقول : أنّ قبرها في دار عقيل وبعضها تقول في زاوية دار عقيل ، وبعضها تقول أنّ القبر إلى زاوية دار عقيل أقرب ، وبعضها تقول حذو الزقاق الذي يلي زاوية دار عقيل ، وبعضها تقول : حذو دار عقيل.
ومن حيث الذرع بعضها تقول بين القبر والقناة خمس عشرة ذراعاً ، وبعضها تقول : ثلاثاً وعشرين ذراعاً.
فهذا التناقض في هذه الروايات ممّا يدلل على بطلانها ، ثمّ ما هو المبرّر لدفنها في دار عقيل دون أن تدفن في منزلها ؟.
وهل أن دار عقيل كانت بالفعل موجودة في البقيع ؟
وهل يجوز للإنسان أن يتّخذ منزلاً في المقبرة ؟
ولماذا اختار عقيل داره في المقبرة ؟
الدليل الخامس :
على دفنها في البقيع تعدّد القبور التي عملها أمير المؤمنين عليه السلام عند دفنها فقد تقدّم بعض الروايات ونقل أبو بكر أحمد بن كامل في تاريخه المعروف بتاريخ الشجري عن الزهري : أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين دفنوها ليلاً وغيبوا قبرها (91).
قال وروي أنّه سوى قبرها مع الأرض مستوياً ، وقالوا سوى حوليها قبوراً مزورة سبعة حتّى لا يعرف قبرها.
وروي أنّه رشّ أربعين قبراً حتّى لا يبيّن قبرها من غيره فيصلّوا عليها (92).
أقول : هذه الرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها وكذلك ما تقدّم من روايات.
أقدم من قال أنّها دفنت في البقيع :
والحاصل : أنّ أقدم من قال من علماء العامّة أنّها دفنت في البقيع هو ابن شبّة النميري البصري المتوفّى سنة 262 هـ في كتابه تاريخ المدينة وأكثر من روى الروايات حول الموضوع فقد ذكر تحت عنوان « متوفى فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رضي الله عنها ».
16 رواية ، وفي عنوان قبر الحسن بن علي رواية ، وفي عنوان قبر أمّ سلمة زوج الرسول صلّى الله عليه وآله رواية أخرى فالمجموع 18 رواية.
وكلّ هذه الروايات بأجمعها غير تامّة السند.
وقد تقدّم مناقشة الكثير من هذه الروايات سنداً ودلالة ، والبعض منها كاذبة في نفسها مثل : الرواية السابعة المتقدّم ذكرها ، التي تذكر أنّ الإمام الحسين عليه السلام وضع رقية مولاة فاطمة تبصر قبرها « وكان لا يعرف قبر فاطمة رضي الله عنها غيرها » (93).
وبعض الروايات ليست فيها أيّ صلة بالموضوع مثل :
الرواية الأولى : تدلّ على لعب الأطفال على دار عقيل.
والثامنة والعاشرة : فإنّهما تدلّان على الدفن في منزلها.
والثانية عشر والثالثة عشر والرابعة عشر : فإنّها تدلّ على الغسل.
والخامسة عشر والسادسة عشر : تدلّان على دفنها ليلاً.
وذكر محمّد الياس في كتابه بيوت الصحابة ، من أدلّته على دفنها في البقيع الروايات التي ذكرها المؤرّخون قال : « لقد ذكر المؤرّخون روايات تفيد أنّ قبر فاطمة رضي الله عنها في دار عقيل بالبقيع » (94).
ثمّ نقل عن ابن شبّة وابن سعد في الطبقات وابن حجر في الإصابة والمسعودي في مروج الذهب والسمهودي وابن النجار.
وما ذكره عن ابن سعد أنّ قبر فاطمة بالبقيع في دار عقيل.
الجواب :
1 ـ هل أنّ دار عقيل في البقيع بالفعل حتّى تدفن فاطمة الزهراء عليه السلام فيها ؟.
2 ـ ما هو المرجّح لدار عقيل على دار أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام مادام من المتعارف أن تدفن الموتى في البيوت.
وما نقله عن الإصابة بقوله : « وقال عبد الرحمن الموالي : دفنت فاطمة في زاوية دار عقيل ، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع » (95).
بينما الموجود في الإصابة يدلّ على نفي كونها في البقيع ، فقد نقل ابن حجر عن الواقدي بقوله : « إنّ الناس يقولون : إنّ قبر فاطمة بالبقيع. فقال : ما دفنت إلّا في زاوية في دار عقيل ، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع » (96).
يفهم من هذا الكلام أنّ الناس يتناقلون أنّ فاطمة عليها السلام دفنت في البقيع بينما عبد الرحمن بن ابي الموالي ينفي انّها في البقيع وأنّها دفنت في دار عقيل ، ويظهر من ذلك أنّ دار عقيل خارج البقيع وليست داخله.
وما نقله عن المسعودي لا سند له ثمّ من الذي كتب تلك الرخامة ؟.
والذي نقله عن ابن النجّار المتوفى 643 هـ هو ما ذكره ابن شبّه المتوفى 262 هـ ، وهي الرواية التاسعة التي ذكرها حول قبر فاطمة عليها السلام.
وقد تقدّم الجواب عليها وأنّها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.
فتلخص : أنّ ما ذكره علماء السنّة من الأدلّة على دفن الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام في البقيع ، غير تامّ ولا يوجد عليه رواية واحدة صحيحة صريحة حتّى على مبناهم في علم الرجال.
وقال بعض العلماء منهم أنّها دفنت في منزلها كما سوف يأتي في القول الثالث إن شاء الله ، هذا فيما يرجع إلى رأي علماء العامّة.
علماء الشيعة :
وأمّا بالنسبة إلى علماء الشيعة فيما يرجع إلى دفنها في البقيع وهو عندهم قول شاذّ وإن نسبه الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي إلى بعض أصحابنا ، نعم ربّما يظهر من بعضهم ذلك مثل :
1 ـ السيّد المرتضى في كتاب عيون المعجزات كما نقله عنه صاحب البحار مرسلاً (97).
والجواب : أنّ هذا الكتاب ليس للسيّد المرتضى بالرغم من انّ صاحب البحار نسبه إليه ، حيث أنّ التحقيق أثبت عدم صحّة نسبة الكتاب للسيّد المرتضى ، ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج عن السيّد المرتضى في الشافي ما يظهر منه أنّها دفنت في البقيع ، ولكن هذا لا يعتمد عليه لأنّ السيّد المرتضى ربّما نقله من علماء السنّة حيث لم يكن ذلك مسنداً وإنّما كان مرسلاً.
2 ـ وابن شهرآشوب في المناقب حيث أرسل ذلك ارسالاً (98).
والجواب : ان ابن شهرآشوب لم يذكر مستند هذا القول ولعلّه نقله من علماء السنة كما هي عادته ولم يشر إلى المصدر.
3 ـ ونقل الفتّال النيسابوري في كتابه روضة الواعظين أنّها لما توفيت عليها السلام : « اجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة ، فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله (ص) قد أُخرّ إخراجها في هذه العشيّة ، فقام الناس وانصرفوا ، فلمّا أن هدأت العيون ، ومضى من الليل أخرجها عليٌ والحسن والحسين عليهم السلام وعمّار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفرٌ من بني هاشم وخواصّه صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوّى على حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها » (99).
1 ـ ربّما يتراء من هذه الرواية أو هذا القول أنّها دفنت في خارج منزلها ، وهذا وأن لم يكن واضحاً كلّ الوضوح ، إلّا أنّه مع ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لأنّها مرسلة.
2 ـ أن الفتال النيسابوري يقول بالقول الثاني ـ كما سوف يأتي ـ.
3 ـ ونقل الشيخ عبّاس القمي عن صاحب البحار قولاً بدفنها في البقيع قال : « وقيل دفنها أمير المؤمنين عليه السلام بالبقيع وجدّد أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها » (100).
وهذه الرواية مرسلة خصوصاً وأنّه نسبها إلى القيل وهو يدلّ على التمريض ، وليس هذا رأيه وإنّما رأيه أنّها دفنت في منزلها.
والحاصل : أن القول بدفنها في البقيع إنّما هو رأي أكثر علماء أهل السنّة من الحديث وأرباب التواريخ ، لذلك قال العلّامة المجلسي مشيراً إلى ذلك : « الظاهر والمشهور ممّا نقله الناس وأرباب التواريخ والسير أنّها عليها السلام دفنت بالبقيع » (101).
وهذا تقرير لرأي أبناء العامّة وليس اختياره وإنّما رأيه القول الثالث ـ كما سوف يأتي ـ.
وقد استبعد هذا القول عدد من علمائنا الأبرار :
منهم الشيخ الطوسي قال : « وأمّا من قال أنّها دفنت في البقيع فبعيد عن الصواب » (102).
وكذلك استبعده : ابن سعيد ، وابن إدريس ، والعلّامة في التحرير وغيرهم.
القول الثاني : الدفن في الروضة
القول الثاني من الأقوال الثلاثة أنّها عليها السلام دفنت في الروضة بين القبر والمنبر
الدليل على هذا القول :
مرسلة ابن أبي عمير فقد روى الشيخ الصدوق فِي كتابه « معاني الأخبار » عن محمّد بن موسى بن المتوكّل عن السّعدآباديّ عن البرقيّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ قَبْرَ فَاطِمَةَ ـ عليه السلام ـ بَيْنَ قَبْرِهِ وَ مِنْبَرِهِ وَ قَبْرَهَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَإِلَيْهِ تُرْعَةٌ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ (103).
قال الصّدوق قد روي هذا الحديث هكذا والصّحيح عندي في موضِع قبر فاطمة ـ عليها السلام ـ ما رواه البزنطيّ وذكر الحديث السّابق (104).
أقول قوله لأنّ قبر فاطمة ... : لعلّه تفسير من الراوي وليس من أصل الحديث.
والروضة من الأماكن الشريفة في المسجد النبوي وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة بين الفريقين تدلّ على عظم قدرها ، وأنّها ما بين البيت والمنبر أو ما بين القبر والمنبر.
حدّ الروضة
جاء في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : حَدُّ الرَّوْضَةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إِلَى طَرَفِ الظِّلَالِ وَحَدُّ الْمَسْجِدِ إِلَى الْأُسْطُوَانَتَيْنِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ إِلَى الطَّرِيقِ مِمَّا يَلِي سُوقَ اللَّيْلِ (105).
وفي الخبر عن مرازم قال : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ فِي الرَّوْضَةِ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فِيمَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا حَدُّ الرَّوْضَةِ فَقَالَ بُعْدُ أَرْبَعِ أَسَاطِينَ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى الظِّلَالِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنَ الصَّحْنِ فِيهَا شَيْءٌ قَالَ لَا (106).
فضل الروضة وأنّها ما بين البيت والمنبر :
1 ـ « جاء في الحديث الصحيح عن معاوية بن عمّار قال : قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام : إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله فَائْتِ الْمِنْبَرَ فَامْسَحْهُ بِيَدِكَ وَخُذْ بِرُمَّانَتَيْهِ وَهُمَا السُّفْلَاوَانِ وَامْسَحْ عَيْنَيْكَ وَوَجْهَكَ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ إِنَّهُ شِفَاءُ الْعَيْنِ وَقُمْ عِنْدَهُ فَاحْمَدِ الله وَأَثْنِ عَلَيْهِ وَسَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وآله قَالَ : « مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ » ـ والتّرعة هي الباب الصّغير ـ ثُمَّ تَأْتِي مَقَامَ النَّبِيِّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فَتُصَلِّي فِيهِ مَا بَدَا لَكَ فَإِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وَإِذَا خَرَجْتَ » (107).
ولعلّ التفسير من الراوي
2 ـ وجاء في الحديث الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام : هَلْ قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ؟
فَقَالَ : نَعَمْ ، وَقَالَ : بَيْتُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ ـ عليها السلام ـ مَا بَيْنَ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إِلَى الْبَابِ الَّذِي يُحَاذِي الزُّقَاقَ إِلَى الْبَقِيعِ ، قَالَ : فَلَوْ دَخَلْتَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَالْحَائِطُ مَكَانَهُ أَصَابَ مَنْكِبَكَ الْأَيْسَرَ ، ثُمَّ سَمَّى سَائِرَ الْبُيُوتِ وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ » (108).
3 ـ وفي خبر أبي بكر الحضرميّ عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : قَالَ رَسُولُ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ وَ قَوَائِمُ مِنْبَرِي رُبَّتْ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : قُلْتُ هِيَ رَوْضَةُ الْيَوْمِ ، قَالَ : نَعَمْ إِنَّهُ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَرَأَيْتُمْ » (109).
ربّت : بالتشديد من التربية.
وفي بعض النسخ : رتب. كما في الوسائل وغيره.
4 ـ وعن جميل بن درّاج قال : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله ـ عليه السلام ـ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبُيُوتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.
قَالَ جَمِيلٌ : قُلْتُ لَهُ بُيُوتُ النَّبِيِّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وَبَيْتُ عَلِيٍّ مِنْهَا ، قَالَ : نَعَمْ وَأَفْضَلُ (110).
التُّرْعَة : بالضم الباب الصغير ، وهي في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصّة ، فإذا كانت في الموضع المطمئن فروضة ، والجمع تُرَع وتُرعات كغرفة وغرفات فمعنى و « منبري على تُرْعة من تُرَع الجنّة » أنّ الصلاة والذكر في هذا الموضع يؤدّيان إلى الجنّة ، فكأنّه قطعة منها (111).
وكونها مدفونة في الروضة هو صريح كلام الشيخ المفيد قال : « ثمّ قف بالروضة ، وزر فاطمة عليها السلام فإنّها هناك مقبورة » (112).
ونقل الفتال النيسابوري الشهيد في سنة 508 عن بعض الأصحاب أنّهم قالوا « ليس قبرها بالبقيع ، انّما قبرها بين رسول الله صلّى الله عليه وآله ومنبره لا ببقيع الغرقد وتصحيح ذلك قوله صلّى الله عليه وآله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » انّما أراد بهذا القول قبر فاطمة عليها السلام » (113).
وقال المحقّق الحلّي : « يستحب أن تزار فاطمة عليها السلام عند الروضة » (114).
وقال الشيح عبّاس القمي في المفاتيح : « ثمّ زر فاطمة عليها السلام من عند الروضة. واحتلف في موضع قبرها فقال قوم : هي مدفونة في الروضة ، أيّ ما بين القبر والمنبر ، وقال آخرون في بيتها ، وقالت فرقة ثالثة : انّها مدفونة بالبقيع. والذي عليه أكثر أصحابنا أنّها تزار من عند الروضة ، ومن زارها في هذه الثلاثة مواضع كان أفضل » (115).
وأكثر من تأخّر عن صاحب المفاتيح اعتمد عليه.
وأنت ترى أن هذا القول قلّ من قال به من أصحابنا ، والذي عليه أكثر أصحابنا هو القول الثالث ـ كما سوف يأتي ـ
وقال صاحب الوسائل : هذا والروايات المشار إليها سابقاً (116) محمولة على التقيّة لموافقتها لأقوال العامّة.
أقول :
1 ـ بعد ان علمت أن مستند هذا القول هو مرسل محمّد بن أبي عمير والرجل وإن كان من أعظم الثقات إلّا أن مراسيله كمراسيل غيره ، فلا يصلح مستنداً.
2 ـ أنّ السيّدة فاطمة عليها السلام لما توفّيت بعد وفاة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله فإنّ المسجد تامّ والروضة جزء من المسجد فهل يا ترى يقوم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بدفنها في جزء من المسجد ؟ ولماذا لم يأمر الرسول صلّى الله عليه وآله علياً عليه السلام أن يدفنه في الروضة إذا كانت هي أولى من بيته في الدفن أو كان الدفن فيها جائزاً ؟
وعليه فمن المستبعد كما يقول الشهيد الثاني أنّها مدفونة في الروضة.
3 ـ قد وردت روايات متعدّدة من طرق الخاصّة والعامّة حول الروضة ولم تذكر قبر فاطمة عليها السلام منها صحيحة معاوية بن عمّار ، وصحيحة معاوية بن وهب ، وقد تقدّمتا.
4 ـ أنّ هذا القول استبعده علماؤنا المحقّقون وأنّه لا يتناسب أن تدفن في هذا الموضع من المسجد كما فصل ذلك السيّد ابن طاووس في « الاقبال » ونقل صاحب الجواهر عن الشهيد الثاني في المسالك قوله : « أبعد الاحتمالات كونها في الروضة » (117).
خصوصاً وأنّ بيتها أفضل من الروضة فقد جاء في صحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام أفضل ، أو في الروضة ؟ قال : « في بيت فاطمة عليها السلام » (118).
القول الثالث : الدفن في منزلها
القول الثالث من الأقوال الثلاثة أنّها عليها السلام دفنت في منزلها وهو الرأي الصحيح الذي دلّت عليه الروايات المتعدّدة ومنها الصحيحة وهو المعتمد عليه من قبل علمائنا المحقّقين.
قال الشيخ الصدوق :
« اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام :
1 ـ فمنهم من روى أنّها دفنت في البقيع .
2 ـ ومنهم من روى أنّها دفنت بين القبر والمنبر وأنّ النبي (ص) إنّما قال : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة لأنّ قبرها بين القبر والمنبر.
3 ـ ومنهم روى أنّها دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد.
وهذا هو الصحيح عندي ، وإنّي لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله عزّ وجلّ فلمّا فرغت من زيارة النبي (ص) قصدت إلى بيت فاطمة عليها السلام وهو عند الاسطوانة التي يدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلى مؤخّر الحظيرة التي فيها النبي (ص) ، فقمت عند الحظيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل … (119) ».
وقال الطوسي : « وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها :
فقال بعضهم : إنّها دفنت بالبقيع.
وقال بعضهم : إنّها دفنت في الروضة.
وقال بعضهم : إنّها دفنت في بيتها ، فلمّا زاد بنو أميّة لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد. وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعاً فإنّه لا يضرّه ذلك ويحوز به أجراً عظيماً » (120).
والشيخ الطوسي وإن قال بزيارتها في الروضة ومنزلها لأجل أن يتعدّد الثواب لتعدّد الزيارة في الموضعين إلّا أنّه هو الذي روى الرواية الصحيحة على دفنها في منزلها واستبعد دفنها في البقيع.
الدليل على هذا القول :
1 ـ صحيحة البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام (121) وهي :
ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَبْرِ فَاطِمَةَ عليها السلام فَقَالَ : دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا فَلَمَّا زَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ فِي الْمَسْجِدِ صَارَتْ فِي الْمَسْجِدِ (122).
ورواه الكلينيّ عن عليّ بن محمّد وغيره عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرّضا ـ عليه السلام ـ
ورواه الصّدوق بإسناده عن البزنطيّ ورواه أيضاً مرسلاً
ورواه في عيون الأخبار عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عليّ ماجيلويه ومحمّد بن موسى بن المتوكّل جميعاً عن محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس جميعاً عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ
وفي معاني الأخبار عن أبيه عن محمّد بن يحيى عن سهل بن زياد مثله (123).
2 ـ ما دلّ على كون بيتها أفضل من الروضة :
فإن مستند القول الثاني في دفنها في الروضة هو الأفضليّة لتلك البقعة فينتفي هذا القول بعد أن ثبت أنّ بيتها أفضل من الروضة ويتعيّن دفنها في منزلها.
بيتها أفضل من الروضة
فقد وردت الروايات المتعدّدة ومنها الصحيحة أنّ بيت علي وفاطمة أفضل من الروضة بناء من أنّ بيتها خارج عن الروضة كما جاء في صحيحة يونس بن يعقوب قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله ـ عليه السلام ـ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ ـ عليها السلام ـ أَفْضَلُ أَوْ فِي الرَّوْضَةِ ؟ قَالَ : « فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام » (124).
فهذه الصحيحة تدلّ على أنّ منزلها أفضل من الروضة ولا مجال للقول حينئذ بدفنها في الروضة ، بعد أن كان منزلها روضة من رياض الجنّة ؛ فبيتها من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وعن جميل بن درّاج قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله ـ عليه السلام ـ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ ـ عليها السلام ـ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي الرَّوْضَةِ ، قَالَ : وَأَفْضَلُ (125).
مختار علمائنا :
وأكثر علمائنا على هذا القول :
1 ـ فقد تقدّم عن الشيخ الصدوق أنّ هذا القول هو الصحيح عنده .
2 ـ وقال السيّد ابن طاووس المتوفى سنة 664 هـ : « والظاهر أنّ ضريحها المقدّس في بيتها المكمّل بالآيات والمعجزات لأنّها أوصت أن تدفن ليلاً ولا يصلّي عليها من كانت هاجرة لهم إلى حين الممات وقد ذكر حديث دفنها وستره عن الصحابة ، البخاري ومسلم فيما شهدا أنّه من صحيح الروايات ، ولو كان أخرجت جنازتها الطاهرة إلى بقيع الغرقد أو بين الروضة والمنبر في المسجد ما كان يخفى آثار الحفر والعمارة عمّن كان قد أراد كشف ذلك بأدنى اشارة ؛ فاستمرار ستر حال ضريحها الكريم يدلّ على أنّها ما أخرجت من بيتها أو حجرت والدها الرؤوف الرحيم ويقتضي أن يكون دفنها في البيت الموصوف بالتعظيم كما قدمناه » (126).
وقال أيضاً : « ما سئل عنه مولانا علي بن محمّد الهادي عليه السلام قال فيه ما هذا لفظه ، أبو الحسن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : « كتبت إليه إن رأيت أن تخبرني عن بيت أمّك فاطمة عليها السلام ، أهي في طيبة أو كما يقول الناس في البقيع ؟ فكتب : هي مع جدّي صلّى الله عليه وآله ».
قلت أنا : وهذا النصّ كاف في أنّها عليها السلام مع النبي صلّى الله عليه وآله » (127).
3 ـ السيّد صاحب المدارك حيث قال : « والأصحّ أنّها دفنت في بيتها » (128).
4 ـ العلّامة المجلسي قال : « قد بينا في كتاب المزار أنّ الأصحّ أنّها مدفونة في بيتها » (129).
وقال الشيخ عبّاس القمي المتوفى 1359 هـ بعد أن نقل القولين الأوليين قال : « والبعض قال : أنّها دفنت في منزلها وهو أصحّ الأقوال حيث دلّت على ذلك الروايات الصحيحة » (130).
وان كان في المفاتيح رجّح القول الثاني ـ كما تقدّم ـ.
هذا رأي علماء الشيعة في دفن السيّدة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في منزلها.
علماء السنّة ودفنها في منزلها
وأمّا رأي علماء السنّة حول هذا القول فبعضهم روى هذا القول ، والبعض منهم قد ألّف فيه كتاباً بهذا الخصوص .
فقد روى ابن شبّه النميري البصري المتوفى 262 هـ في كتابه تاريخ المدينة روايتين :
1 ـ بسنده عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام قال :
« دفن عليٌّ فاطمة رضي الله عنها ليلاً في منزلها الذي دخل في المسجد ، فقبرها عند باب المسجد (131) المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس » (132).
وإن كان ابن شبّه لم يختر هذا القول حيث اختار الدفن في البقيع كما علّق على هذا الخبر ، ونحن نأخذ بما روى وندع ما رأى.
2 ـ روى ابن شبّه بسنده عن جعفر بن محمّد أنّه كان يقول :
« قُبِرَت فاطمة رضي الله عنها في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد » (133).
وقال ابن شبّه بعد هذا الخبر وبعد أن نقل الروايات التي تقول أنّها دفنت في البقيع والروايات التي تقول أنّها دفنت في منزلها :
« فهذا ما حدّثني به أبو غسان في قبر فاطمة ، ووجدت كتاباً كتب عنه يذكر فيه أن عبد العزيز بن عمران كان يقول : إنّها دفنت في موضع فراشها ، ويحتجّ بأنّها دفنت ليلاً ، ولا يعلم بها كثير من الناس » (134).
ويؤيّد هذا القول ما ذكره ابن حِبَّان في كتابه الثقات بقوله :
« وأوصى ـ يعني الإمام الحسن ـ إلى أخيه الحسين : إذا أنا متُّ فأحفر لي مع أبي ـ يعني جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ وإلّا ففي بيت علي وفاطمة ، وإلّا ففي البقيع ولا ترفعنّ في ذلك صوتاً … ثمّ أمر الحسين أن يحفر له في بيت علي وفاطمة فبلغ ذلك بني أميّة فأقبلوا ـ و ـ عليهم السلاح … » إلى آخر ما تقدّم.
فهذه الوصيّة من الإمام الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين عليه السلام ورغبته أن يدفن مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وبجواره ؛ فإن لم يمكن فالأقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يدفن في بيت أبيه وأمّه ، فإن لم يمكن ففي البقيع ولكن لماذا هذا الترتيب ؟ ألا يدلّل ذلك على أنّ أمّه فاطمة عليها السلام مدفونة في بيتها وهو يريد أن يدفن إلى جوارها ، وإذا كانت أمّه مدفونة في البقيع لماذا يوصي أن يدفن هو في منزلها ؟ إذا تعذر أن يدفن مع جدّه.
كلّ الدلائل تشير إلى أنّ فاطمة عليها السلام مقبورة في منزلها.
محاولة سياسيّة
ولعلّ القول بدفنها في البقيع محاولة لإبعادها عن أبيها ، وتقليل من تلك المنزلة العظيمة التي كان أبوها يكنها لها ، وتقليل من أهميّة الحزن الذي أصابها بعد فقدها لأبيها.
فإذا كانت هذه المرأة العظيمة التي لا يتمكّن أبوها على فراقها في حال حياتهما وجعل منزلها بجواره ، « وكان خوخة إلى بيت النبي صلّى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل إلى المخرج اطلع فيه يعلم خبرهم » (135).
وكان صلّى الله عليه وآله إذا رجع من سفر أوّل ما يبدأ بالمسجد فيصلّي فيه ركعتين ثمّ يبدأ ببيت فاطمة عليها السلام قبل بيوت زوجاته.
فعن ابن عمر : « أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة ، وإذا قدم من سفر كان أوّل الناس به عهداً فاطمة رضي الله عنها » (136).
وكانت هي عليها السلام لا تتمكّن من فراقه والبعد عنه ، فإذا كان هكذا حالها معه وحاله معها فكيف تختار بقعة تدفن فيها بعيدة عنه ؟ وهل كانت في حال حياته تحبّ القرب منه وبعد وفاته ووفاتها تكره القرب منه ؟؟ إنّه لغريب جداً.
فالأدلّة الصحيحة والاعتبارات كلّها دالّة على أنّ قبرها في منزلها ، ولو كان هناك إمكان لدفنت إلى جنب قبر أبيها ولكنّ الأوضاع غير ملائمة لذلك.
إخفاء قبرها
وما يحاوله بعض الموالين من تحبيذ استمراريّة إخفاء قبرها بين الأقوال الثلاثة المتقدّمة وجعل ذلك دليلاً على ظلامتها في حال حياتها. فهذه المحاولة غير صحيحة ولا تستند إلى دليل شرعي ولا اعتبار عرفي.
بل هذه المحاولة والتعتيم على الحقائق ومحاولة إخفائها هي بدورها واحدة من تلك الظلامات للسيّدة فاطمة صلوات الله عليها.
وإذا كان البعض يريد أن يبعدها عن قبر أبيها وعن منزلها لمصالح سياسيّة ومكاسب معيّنة ، فلماذا بعض المؤمنين يساير هذه المحاولة من حيث أن يشعر أو لا يشعر بحجّة المظلوميّة ؟
دفنها ليلاً
من الأدلّة التي أقيمت على أنّ فاطمة عليها السلام دفنت في منزلها ما ثبت أنّها دفنت ليلاً ، بوصيّة منها.
أمّا كونها قد دفنت ليلاً فقد تواترت الروايات على ذلك من السنّة والشيعة فقد أطبق علماء الشيعة على أنّها دفنت ليلاً ، وكذلك علماء السنّة فقد ذكر دفنها ليلاً المشاهير من علمائهم ؛ فقد روى ذلك البخاري في صحيحه قال : « فلمّا توفيت دفنها زوجها عليٌ ليلاً ولم يُؤذِنْ بها أبا بكر وصلّى عليها » (137).
وقال مسلم في صحيحه : « فلمّا توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً. ولم يُؤذِنْ بها أبا بكر . وصلّى عليها عليٌ » (138).
وروى ابن شبّه النميري المتوفى 262 هـ بسنده عن الحسن بن محمّد : « أنّ علياً رضي الله عنه دفن فاطمة رضي الله عنها ليلاً » (139).
وروى أيضاً بسنده عن عائشة رضي الله عنها : « أنّ عليّاً رضي الله عنه دفن فاطمة رضي الله عنها ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر رضي الله عنه » (140).
وقال ابن حِبّان في ترجمتها : « ... وصلّى عليها عليّ ولم يؤذن بها أحداً ودفنها ليلاً » (141).
وقال البيهقي : « وقد ثبت أنّ أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة ، لما في الصحيح أنّ علياً دفنها ليلاً ولم يعلم أبا بكر ... » (142).
وروى الطبراني بسند صحيح عن عائشة : « توفيت فاطمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بستّة أشهر ودفنها علي بن أبي طالب ليلاً » (143).
وعن عروة : « أنّ عليّاً دفن فاطمة ليلاً » (144).
وقال ابن عبد البر : « وغسلها زوجها علي رضي الله عنه ، وكانت أَشارَتْ عليه أن يدفنها ليلاً » (145).
وروى ابن حجر بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام : « أنّ علياً صلّى عليها ودفنها بليل بعد هدأة » (146).
فبعد أن ثبت أنّها دفنت ليلاً ولم يعلم بوفاتها مشايخ المهاجرين والأنصار ولم يحضر دفنها إلّا عدد قليل منهم يعدون بالأصابع ، وأوصت عليها السلام أن تدفن ليلاً.
ماتت وهي غضبى
وإذا تابعنا الأحداث في تلك الفترة الوجيزة وبحثنا عن السبب في دفنها ليلاً وجدنا أنّها ماتت وهي غضبى على القوم وغير راضية عن تصرّفاتهم.
قال البخاري في صحيحه : « فَوَجَدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك فَهَجَرَتْهُ فلم تكلّمه حتّى تُوفّيت » (147).
وقال البخاري أيضاً في موضع آخر : « فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتّى تُوفّيت » (148).
وقال مسلم في صحيحه : « فَوَجَدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك. قال : فهجرته. فلم تكلّمه حتّى تُوفّيت » (149).
والسبب الذي أدّى إلى دفنها ليلاً هو عينه المبرر الذي دعى أن تدفن في منزلها ؛ فكما اتّخذ الليل ستراً حتّى لا يعلم بها أحد إلّا الخواص ، كذلك الدفن في منزلها قد اتّخذ ستراً ولا يعلم بها أحد ممّن لا تريد أن يحضر جنازتها والصلاة عليها.
وبالفعل قد قام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بتنفيذ وصيّتها وتحقيق أهدافها.
عطاء فاطمة
إن السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي مثال المرأة المسلمة الصالحة التي جسدت الإسلام بكلّ حذافيره في حياتها العمليّة وقد قدمت للأمّة ثروة علميّة كبيرة وأخلاقيّة فريدة فهي مع قصر عمرها فريدة في نوعها فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.
فقد روت عن أبيها سيد المرسلين صلّى الله عليه وآله أحاديث جمة في مختلف حقول المعرفة.
وروى عنها أمير المؤمنين عليه السلام وولداها الحسن والحسين وابنتها زينب الكبرى وأمّ سلمة وعائشة وأسماء بنت عميس وعدد من الصحابة (150).
وكانت الصدّيقة الطاهرة فقد روى الحاكم بسنده عن عائشة رضي الله عنها : « أنّها إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلّا أن يكون الذي ولدها » (151).
ومن أروع ما تركته لنا الخطبة المشهورة الذائعة الصيت والتي روتها الخاصّة والعامّة بأسانيد مختلفة وطرق متعدّدة مثل محمّد بن جرير الطبري الإمامي قد ذكر لها عدّة طرق في كتابه « دلائل الإمامة » وابن أبي الحديد في شرح النهج وغيرهما ولاشتهارها بين الفريقين وبلاغتها وعظمتها استغنى الدارس لها أن ينظر في سندها.
وهذه الخطبة من أبلغ الخطب وأروعها سبكاً وأجزلها لفظاً ، وقد حكت رسول الله صلّى الله عليه وآله في كلامها ومنطقها ، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت إذا دخلت رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه » (152).
وقد شرحها جماعة من العلماء على مرّ التاريخ ومنهم الأخ العزيز الحبيب فضيلة العلّامة الخطيب المفوه الشيخ حبيب الهديبي دام توفيقه ؛ فقد أتعب نفسه في شرح هذه الخطبة وأبان عن مكنونها وكشف عن جواهر معادنها ، وقربها إلى الأذهان ، وكيف لا يكون كذلك وهو قد صعد على أعواد المنابر أكثر من ثلاثين سنة وتفاعل مع هذه الخطبة وغيرها من خطب بعلها حتّى اختلط لحمه ودمه بذلك وهذا الشرح وإن كان باكورة عمله في التأليف ـ كما أعلم ـ إلّا أنّه قد أجاد وأبدع فيما حقّقه وأوضحه وشرحه ؛ فللّه درهُ وعليه أجره.
وإن كان هناك ثمة ملاحظة فأتمنّى عليه أن يعتمد المصادر الأوليّة القريبة من النصّ وحتّى لا تتعدّد الوسائط ، حيث الخطأ والاشتباه.
وفي الختام أبارك له هذا المجهود العلمي الذي خدم به الأمّة الإسلاميّة وأظهر صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وعهد ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام.
أرجو من الله سبحانه أن يقرّ عينه بعمله هذا عند حبيبة المصطفى وحليلة المرتضى وأمّ السبطين الحسن والحسين عليهم السلام وأن يجعله ذخراً له يوم الفقر والفاقة وأن يحشرنا وإيّاه في زمرة محمّد وآله الطاهرين والحمد لله ربّ العالمين (153).
الهوامش
1. رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج 5 ص 656 كتاب المناقب باب 61 ح 3869 ، عن ابن الزبير وعن المسور بن مخرمة.
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ورواه أحمد بن حنبل في المسند ج 4 ص 5 وفي فضائل الصحابة ج 2 ص 946 ح 1327 بسند صحيح ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 173 ح 4751 وطبع قديم ج 3 ص 159 وقال بعد روايته للحديث : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، والهندي في كنز العمال حديث رقم 34215.
2. أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب 12 مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة حديث رقم 3714 و 3767 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير باب من مناقب فاطمة ج 22 ص 404 حديث رقم 1012.
3. رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب 15 فضائل فاطمة حديث رقم 2449.
4. رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ج 2 ص 945 ح 1324. ورواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 173 ح 4750 وفيه مضغة مني ، والهندي في كنز العمال حديث رقم 34240.
5. رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج 5 ص 660 كتاب المناقب باب 62 ح 3878 عن أنس بن مالك ، قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، ورواه أحمد بن حنبل في المسند ج 3 ص 135 وفي فضائل الصحابة ج 2 ص 945 ح 1325 و 1332 1337 و 1336 بأسانيد صحيحة كلها عن أنس بن مالك ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير باب من مناقب فاطمة ج 22 ص 402 حديث رقم 1003 ، ورواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 171 ح 4745 و 4746 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، وابن عبد البر في ترجمة فاطمة من الاستيعاب ج 4 ص 450 ، انظر بقية المصادر في هامش المرجعات رقم 772.
6. رواه أحمد بن حنبل في المسند ج 1 ص 293 و 322 طبع الميمنية بمصر وفي فضائل الصحابة له ج 2 ص 953 ح 1339 بسند صحيح ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير باب من مناقب فاطمة ج 22 ص 407 حديث رقم 1019 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 174 ح 4754 و 4852 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، والذهبي في تلخيص المستدرك وصححه ، وابن عبد البر في ترجمة خديجة من الاستيعاب ج 4 ص 382 وفي ترجمة فاطمة ص 450 ، وانظر هامش المراجعات رقم 770.
7. رواه ابن عبد البر في ترجمة خديجة من الاستيعاب ج 4 ص 382 وفي ترجمة فاطمة ص 450 ، والهندي في كنز العمال حديث رقم 34404 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير باب من مناقب فاطمة ج 22 ص 402 حديث رقم 1004 عن أنس بن مالك ، وانظر بقية المصادر في هامش المراجعات رقم 771.
8. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب 12 قبل حديث رقم 3711 وباب 29 مناقب فاطمة قبل حديث رقم 3767.
9. رواه الطبراني في المعجم الكبير ج 22 ص 401 حديث رقم 1001. والحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 وفي طبع آخر ص 153 حديث رقم 4730 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، مجمع الزوائد ج 9 ص 203.
10. المسئول هو الإمام المعصوم عليه السلام.
11. الكافي ج : 4 ص : 554.
12. مرآة العقول ج 18 ص 266.
13. الكافي ج : 4 ص : 555.
14. رواه الكليني في الكافي ج 4 ص 555 كتاب الحج باب المنبر والروضة ح 8 ورواه عنه الشيخ الطوسي في التهذيب ج 6 ص 9 باب 3 ح 15.
15. الكافي ج 4 ص 555.
16. الكافي ج 4 ص 555.
17. رواه الكليني في الكافي ج 4 ص 555 كتاب الحج باب المنبر والروضة ح 8 ورواه عنه الشيخ الطوسي في التهذيب ج 6 ص 9 باب 3 ح 15.
18. من لا يحضره الفقيه ج 2 ص336.
19. بيوت الصحابة حول المسجد النبوي ص 93 نقلاً.
20. تاريخ مكّة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة لابن الضياء المكي الحنفي ص 269 ـ 270.
21. بيوت الصحابة ص 93 نقلاً عن وفاء الوفاء ج 2 ص 469.
22. فصول من تاريخ المدينة المنورة ص 71.
23. الكافي ج : 4 ص : 556.
24. فصول من تاريخ المدينة المنورة لعلي حافظ ص 70 ـ 71.
25. رواه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله :
أ ـ أنس بن مالك وأن المدّة ستّة أشهر ، أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح كتاب تفسير القرآن باب 34 ج 5 ص 328 ح 3207 ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 259 و 285 ط الميمنية بمصر وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل باب فضائل فاطمة ج 2 ص 953 ـ 954 ح 1340 و 1341 ، والطبراني في المعجم الكبير باب ومن مناقب فاطمة ج 22 ص 402 حديث رقم 1002 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 172 وفي طبع آخر ص 158 حديث رقم 4748 وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ب ـ أبو الحمراء : مجمع الزوائد ج 9 ص 168.
26. النور آية : 36.
27. الكافي ج : 4 ص : 556 والتهذيب ج 6 ص 9.
28. الكافي ج 4 ص 556.
29. من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 336 بعد باب 216 زيارة فاطمة بنت النبي.
30. التهذيب للطوسي ج 6 ص 10 باب 3 زيارة رسول الله.
31. وقد اشتبه محمّد الياس عبد الغني في كتابه بيوت الصحابة ص 171 .حيث نسبها ابن شبّة في تاريخ المدينة.
32. الاستيعاب لابن عبدالبر ، ج 4 ، ترجمة فاطمة رقم : 3491.
33. الموضوعات لابن الجوزي ج 3 ص 619 حديث 1842.
34. انظر : تهذيب الكمال للمزي ج 24 ص 405 رقم الترجمة : 5057 ، والميزان للذهبي ج 6 ص 56 رقم : 7203 ، وتقريب التهذيب لابن حجر رقم : 5762.
35. الميزان ج 6 ص 57.
36. هامش تاريخ المدينة ج 1 ص 109 عن وفاء الوفاء ج 2 ص 92.
37. المستدرك للحاكم ج 3 ص 177 ح 4763.
38. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 108.
39. كتاب الثقات لابن حبان ج 3 ص 131 ررقم : 4490.
40. بيوت الصحابة ص 172.
41. الاستيعاب لابن عبدالبر ج 4 ص 451 ط دار الكتب العلمية.
42. بيوت الصحابة ص 172.
43. وعنه في بحار الأنوار ج 43 ص 204.
44. بحارالأنوار ج 43 ص 212.
45. بحارالأنوار ج 43 ص 213.
46. روضة الواعظين ج 1 ص 151 و بحارالأنوار ج 43 ص 193 وقائع الأيام ص 276.
47. بحارالأنوار ج 43 ص 193.
48. بحارالأنوار ج 43 ص 211.
49. تاريخ المدينة المنورة لأبن شبّة ج 1 ص 107 و ص 111.
50. مقاتل الطالبيين ص 74 و 75.
51. شرح نهج البلاغة ج 16 ص 50.
52. تاريخ المدينة ج 1 ص 111.
53. كتاب الثقات لابن حبان ج 1 ص 283 رقم : 220 . وقريب منه ما في الكافي كما سوف يأتي.
54. كتاب الثقات لابن حبان ترجمة الإمام الحسن ج 1 ص 283 رقم : 220.
55. أمالي الطوسي ص 162 ، وعنه في البحار ج 44 ص 151.
56. تهذيب الكمال للمزي ج 21 ص 534 برقم : 4322 ، تهذيب التهذيب لابن حجر ج 7 ص 505 ـ 507 ، ميزان الاعتدال.
57. معجم رجال الحديث ج 16 ص 107 برقم : 10812.
58. الضعفاء والمتروكين للنسائي برقم 514.
59. برقم 467.
60. كتاب الضعفاء الصغير برقم 322.
61. المجروحين لابن حبان ج 2 ص 253.
62. الضعفاء الكبير للعقيلي ج 4 ص 76 برقم : 1632.
63. انظر : الكامل لابن عدي ج 7 ص 273 برقم : 1626 ، وتهذيب الكمال للمزي ج 25 ص 246 برقم : 5234 ، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج 3 ص 62 برقم : 2998 ، ميزان الاعتدال للذهبي ج 6 ص 159 برقم : 7580 ، تهذيب التهذيب ج 9 ص 178.
64. تقريب التهذيب ص 847 برقم : 5938.
65. انظر : الكامل لابن عدي ج 7 ص 282 ، ولسان الميزان لابن حجر ج 7 ص 359 برقم : 4605.
66. الضعفاء والمتروكين للنسائي برقم 72.
67. كتاب الضعفاء الصغير للبخاري برقم : 43.
68. الكامل في ضعفاء الرجال ج 2 ص 255 برقم : 300.
69. المجروحين لابن حبان ج 1 ص 185.
70. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج 1 ص 135 برقم : 489.
71. تقريب التهذيب ص 163 برقم : 639.
72. انظر : تهذيب الكمال للمزي ج 4 ص 6 برقم : 636.
73. ميزان الاعتدال ج 2 ص 3 برقم : 1123.
74. انظر : تهذيب الكمال ج 8 ص 513 برقم : 1814 وغيره.
75. الكافي ج 1 ص 300 باب الإشارة والنص على الحسين بن علي عليهما السلام.
76. الخرائج والجرائح للراوندي ج 1 ص 242 ، وعنه في البحار ج 44 ص 154.
77. الارشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 17 تحقيق مؤسسة آل البيت ، وعنه في البحار ج 44 ص 156.
78. الإرشاد ج 2 ص 19.
79. كتاب الثقات لابن حبان ج 1 ص 283 ترجمة الإمام الحسن رقم : 220.
80. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 105.
81. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 105.
82. انظر : الميزان للذهبي ج 5 ص 116 برقم : 5720 والمغني للذهبي أيضاً ج 2 ص 67 برقم : 4171 ، ولسان الميزان ج 4 ص 182.
83. تاريخ المدينة ج 1 ص 105.
84. انظر : تهذيب الكمال للمزي ج 28 رقم : 6174 ، وتهذيب التهذيب ج 10 ص 297 رقم : 516.
85. تاريخ المدينة المنورة ج 1 ص 105.
86. تاريخ المدينة ج 1 ص 106.
87. تاريخ المدينة ج 1 ص 106.
88. انظر : تهذيب الكمال ج 3 رقم : 471.
89. تاريخ المدينة ج 1 ص 106.
90. تاريخ المدينة ج 1 ص 120.
91. نقله عنه ابن شر آشوب في المناقب ج 3 ص 137 والمجلسي في البحار ج 29 ص 389 و ج 43 ص 183.
92. نقله عنه ابن شر آشوب في المناقب ج 3 ص 138 والمجلسي في البحار ج 29 ص 389 و ج 43 ص 183 ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 16 ص 280.
93. تاريخ المدينة ج 1 ص 106.
94. بيوت الصحابة ص 172.
95. بيوت الصحابة.
96. الاصابة لابن حجر ج 8 ص 268 ترجمة فاطمة رقم : 11587.
97. البحار ج 43 ص 212.
98. المناقب لابن شهرآشوب ج 3 ص 406.
99. روضة الواعظين ص 169. طبع الأعلمي.
100. وقائع الأيام ص 278 عن بحار الأنوار ج 43 ص 212.
101. البحار ج 43 ص 187.
102. التهذيب للطوسي ج 6 ص 10 بعد حديث : 17.
103. وسائل الشيعة ج 14 ص 369 ح 19408.
104. وسائل الشيعة كتاب الحج باب 18 من أبواب المزار ح 5 ج 14 ص 369.
105. الكافي ج 4 ص 555.
106. الكافي ج 4 ص 555 وسائل الشيعة ح 19360.
107. الكافي ج 4 ص 553 ، وسائل الشيعة ح 19358. وفيه « ما بين قبري ومنبري » والصحيح كما في الكافي « ما بين منبري وبيتي ».
108. رواه الكليني في الكافي ج 4 ص 555 كتاب الحج باب المنبر والروضة ح 8 ورواه عنه الشيخ الطوسي في التهذيب ج 6 ص 9 باب 3 ح 15.
109. الكافي ج 4 ص 554 ، وسائل الشيعة ح 19359.
110. الكافي ج 4 ص 556.
111. النهاية لابن الأثير ج 1 ص 183 . بتصرف.
112. المقنعة ص 459.
113. روضة الواعظين ص 169.
114. شرائع الإسلام.
115. مفتيح الجنان ص 402 طبع الأعلمي.
116. يعني الروايات التي تقول أنها مدفونة في البقيع.
117. الجواهر ج 20 ص 86.
118. الكافي ج 4 ص 556 تهذيب الأحكام للطوسي ج 6 ص 9 باب 3 زيارة سيدنا رسول الله ح 16.
119. الفقيه ج 2 ص 336.
120. التهذيب ج 6 ص 9.
121. التهذيب ج 3 ص 226 باب 25 فضل المساجد ح 705 ، من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 217 فضل المساجد باب 37 ح 6 ، الوسائل كتاب الحج باب كتاب الحج باب 18 من أبواب المزار ح 3 عن التهذيب ، والكافي ، والفقيه ، وعيون أخبار الرضا ، ومعاني الأخبار.
122. وسائل الشيعة ج 14 ص 368 ح 19406.
123. وسائل الشيعة ج 14 ص 369.
124. الكافي ج 4 ص 556 والتهذيب ج 6 ص 9.
125. الكافي ج 4 ص 556.
126. اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ص 111.
127. إقبال الأعمال ص 109.
128. المدارك ج 8 ص 279.
129. البحار ج 43 ص 188 ، وصاحب الوسائل كما تقدّم.
130. وقائع الأيام ص 279.
131. قال السمهودي في وفاء الوفاء ج 3 ص 902 : وهو الباب الذي كان تسامي باب النساء في المشرق.
132. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 106.
133. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 107.
134. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 108.
135. تاريخ مكة والمدينة لابن الضياء المكي ص 269.
136. المستدرك للحاكم ج 3 ص 169 ح 4739.
137. صحيح البخاري كتاب المغازي باب 38 حديث 4240 و 4241.
138. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب 16 حديث 1759.
139. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 110.
140. تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 110.
141. كتاب الثقات لابن حبان ج 1 ص 416 رقم 1092.
142. هامش تاريخ المدينة لابن شبّه ج 1 ص 109.
143. المعجم الكبير للطبراني ج 22 ص 398 ح 989 و 991 ، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 178 ح 4764.
144. المعجم الكبير للطبراني ج 22 ص 398 ح 992.
145. الاستيعاب ج 4 ص 452 ترجمة فاطمة رقم : 3491.
146. الاصابة ج 8 ص 268 ترجمة فاطمة رقم : 11587.
147. صحيح البخاري كتاب المغازي باب 38 حديث 4240 و 4241.
148. صحيح البخاري كتاب فرض الخمس باب 1 حديث 3093.
149. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب 16 حديث 1759.
150. وقد ألف جلال الدين السيوطي كتاباً بعنوان مسند فاطمة الزهراء ، جمع فيه الكثير من الآثار عن حياتها ورواياتها وإن كان فيه الغث والسمين. طبع في حيدر آباد ـ الهند.
151. المستدرك للحاكم ج 3 ص 175 ح 4757.
152. المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 167 وصحّحه ، وكذلك الذهبي صححه في التلخيص.
153. أدخل عليه بعض التعديل والتحقيق. شوال 1425 هـ.
المصدر : الموقع مكتب الهداية
التعلیقات