وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً
ميرزا أبي الفضل الطهراني
منذ سنةوَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ..
الشرح : شمر هو ابن ذي الجوشن لعنه الله ، وقيل اسمه أوس ، وقيل اسمه شرحبيل بن الأعور الضبابي .
وجاء في اُسد الغابة لابن الأثير في باب الذال : وإنّما قيل له ذو الجوشن لأنّ صدره كان ناتئاً .
يقول : أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله بابن فرس لي يقال لها القرحاء ، فقلت : يا محمّد ، أتيتك يابن القرحاء للتخذه ، قال : لا حاجة لي فيه ، إن أحببت أن اُقيّضك به المختارة من دروع بدر فعلت . قال : قلت : ما كنت لاُقيّضه ، قال : فلا حاجة لي فيه .
ثمّ قال : يا ذا الجوشن ، ألا تسلم فتكون من أوّل هذه الاُمّة ؟ قال : قلت : لا ، قال : ولم ؟ قال : قلت : لأنّي رأيت قومك قد ولعوا بك ، قال : وكيف قد بلغك مصارعهم ؟ قال : قلت : بلغني . قال : فأنّى يهدى بك ؟ قلت : أن تغلب على الكعبة وتقطنها ، قال : لعلّ إن عشت أن ترى ذلك ، ثمّ قال : يا بلال ، خذ حقيبة الرجل فزوّده من العجوة ( أغلى التمر ـ المؤلّف ) فلمّا أدبرت قال : إنّه من خير فرسان بني عامر .
قال : فوالله إنّي بأهلي بالعودة إذ أقبل راكب ، فقلت : من أين ؟ قال : من مكّة ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : غلب عليها محمّد وقطنها ، قال : قلت : هبلتني اُمّي لو أسلمت يومئذٍ ثمّ سألته الحيرة لأقطعنيها (1) وهذا مختصر الكلام المنقول عن ابن الأثير .
ثمّ يقول ابن الأثير بعد ذلك : وقيل : إنّ ابن إسحاق لم يسمع منه وإنّما سمع حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن (2) لعنه الله ..
واُمّ الشمر كما يظهر ذلك من خطاب الإمام الحسين له ( يابن راعية المعزى ) (3) يظهر من حاله أنّها معروفة بدنائة الفطرة وخبث الذات ، لأنّ هذه الكلمة سواء اُجريت على الحقيقة أو المجاز فإنّها دالّة على القصد ولا شبهة في خباثة مولد الشمر وسوء نسبه وأنّه لغير رشده مطلقاً .
وكان الشمر لعنه الله يُعَدّ من شجعان الكوفة أصحاب الصيت ، وكان في أوّل أمره مع أمير المؤمنين عليه السلام في عسكره .
وفي كتاب « نصر بن مزاحم » وذكر ذلك غير واحد من المؤرّخين العامّة والخاصّة وروا عنه أنّه قد كان خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية إلى شمر بن ذي الجوشن في هذا اليوم ، فاختلفا ضربتين فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتّى خالط العظم وضربه شمر فلم يصنع شيئاً فرجع إلى عسكره فشرب ماءاً وأخذ رمحاً ثمّ أقبل وهو يقول :
إنّي زعيم لأخي باهله |
بطعنة إن لم أمت عاجله (4) |
|
وضربة تحت الوغى فاصله |
شبيهة بالقتل أو قاتله |
ثمّ حمل على أدهم وهو يعرف وجهه ، وأدهم ثابت له لم ينصرف ، فطعنه فوقع عن فرسه (5) .
ورأيت في بعض الكتب وأنا أتذكّرها الآن أنّه انتمى إلى الخوارج وفعل فعلته الشنعاء يوم عاشوراء وهو منهم .
كان الشمر رجلاً أبرص . وروي في كتب العامّة والخاصّة مثل حياة الحيوان والبحار وغيرهما عن صادق آل محمّد ، قيل له : كم تتأخّر الرؤيا ؟ ( فذكر منام رسول الله صلّى الله عليه وآله فكان التأويل بعد ستّين سنة ) (6) أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى كلباً أبقع ـ أسود وأبيض ـ يلغ في دمه فعبّرت الرؤيا بالشمر لعنه الله (7) .
وكذلك جاء في بحار الأنوار عن سيّد الشهداء إنّه قال للشمر : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها عليّ كلب أبقع (8) ، فلعنة الله عليه لعناً يملأ أقطار السماوات وآفاق الأرضين .
وقد أطرف الحسين بن الحجّاج البغدادي في قوله ـ ولعلّه يهجو به ابن سكرة الناصبي خذله الله ـ :
وأبرص من بني الزواني |
ملمّع أبلق اليدين |
|
قلت وقد لجّ في أذاه |
وزاد ما بينه وبيني |
|
يا معشر الشيعة أدركوني |
قد ظفر الشمر بالحسين |
وأخيراً قبض عليه المختار بن أبي عبيد سنة ستّ وستّين للهجرة وأناله جزائه كما ورد في الكامل (9) .
أن إنّه قُتل بيد أبي عمرة في قرية قريبة من الكوفة كما جاء ذلك في رسالة الشيخ الأجل ابن نما (10) سقى الله قبره .
وعن أبي الحسن عليّ بن سيف المدائني المؤرّخ المعروف ، وفي أمالي ( ابن ) الشيخ رضي الله عنهما أنّ شمراً طلبه المختار فهرب إلى البادية ، فسعي به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيراً وبعث به إلى المختار فضرب عنقه وأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسّخ ووطئ مولیً لآل حارثة بن مضروب وجهه ورأسه (11) .
ولكن ذكر في نفح الطيب تأليف أحمد بن محمّد المقري المالكي المغربي في تاريخ الأندلس أنّ الشمر قد فرّ من المختار بولده من الكوفة إلى الشام فلمّا خرج كلثوم بن عياض للمغرب كان الصميل فيمن خرج معه ودخل الأندلس في طالعة بلج وكان شجاعاً جسوراً على قلب الدول فبلغ ما بلغ (12) .
وإمارة الصميل وإن ذكرت في عبر ابن خلدون وغيره إلّا أنّ هروب الشمر من الشام لا يلائم الواقع لأنّ مؤرّخي المشرق اتفقت كلمتهم على قتله ، ويمكن أن يكون في هروبه الأوّل الذي نقلناه عن ابن نما ، لم يمكّن الله من أولاده الخبيث فتواروا في بلاد الشام التي هي معدن النواصب واستقرّوا هناك ، ومن الشام انتقلوا إلى الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيول ، وكانت تشتهر قديماً باسم اسبانيا ، فلعنة الله عليه وعلى من انتسب بعمله إليه .
الهوامش
1. ابن الأثير ، اُسد الغابة 2 : 138 . ( المترجم )
2. نفسه 2 : 138 . ( المترجم )
3. بحار الأنوار 45 : 5 ط لبنان . ( هامش الأصل ) جرت مطابقته ، ويوجد في لواعج الأشجان للسيّد الأمين رحمه الله : 123 . ( المترجم )
4. ( إن لم تكن عاجله ـ المؤلّف ) ولا معنى لها . ( المترجم )
5. ابن أبي الحديد ، شرح النهج 5 : 213 . ( المترجم )
6. هذا ما ذكره صاحب البحار ولكن المؤلّف أورد قول النبي : رأيت كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي [ بحار الأنوار 45 : 31 ] . ( المترجم )
7. بحار الأنوار 45 : 31 . ( هامش الأصل )
8. نفسه 45 : 56 . ( هامش الأصل ) ص 88 . ( المترجم )
9. بحار الأنوار 45 : 336 ، كامل ابن الأثير 4 : 237 ط بيروت . ( هامش الأصل )
10. بحار الأنوار 45 : 338 . ( هامش الأصل )
11. الأمالي 1 : 250 الجزء التاسع ط النجف . ( هامش الأصل ) ونقلنا العبارة كلّها من أمالي الطوسي : 244 المجلس التاسع . ( المترجم )
12. هذا ما ذكره المقري 3 : 26 ، وليس فيه ما ذكره المؤلّف من أنّ الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن تأمّر هناك وإنّما قال : وإنّما ذكر ابن حيّان أنّ القائم بدولة يوسف والمستولي عليها الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الكلابي وجدّه شمر قاتل الحسين . 3 : 27 . ( المترجم )
مقتبس من كتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / المجلّد : 1 / الصفحة : 388 ـ 391
التعلیقات