سجود الشكر وآثاره
الشيخ داود سلمان الربيعي
منذ 15 سنةسجود الشكر وآثاره
١ ـ صفة سجود الشكر :
لا يشترط في أداء سجود الشكر شرط ، فيصح كيفما أتىٰ به الساجد الشاكر ، ولكن الأفضل أن يكون السجود علىٰ الأرض وعلىٰ المواضع السبعة ووضع الجبهة علىٰ ما يصحّ السجود عليه كما في سجود الصلاة ، والصاق الساعدين والبطن بالأرض عكس ما يعمل في سجود الصلاة من استحباب التجافي عن الأرض ، كما يستحب وضع الجبهة علىٰ الأرض أوّلاً ثمّ التعفير ، والمراد به وضع الخدّين علىٰ التراب ثمّ العودة الىٰ السجود بوضع الجبهة علىٰ الأرض ثانياً ، وبه يتحقّق تعدّد سجود الشكر ؛ لأن العودة إلىٰ السجود بعد التعفير يعني تحقّق سجدة شكر اُخرىٰ وهي مستحبّة اتّفاقاً ؛ ولأجل هذا يقال سجدتا الشكر.
وفيما يلي صورة لسجدتي الشكر كما أوردها الشيخ المفيد فقال : وليحمد الله بعد تسليمه وليثنِ عليه ويصلّي علىٰ محمّد وآله عليهم السلام ويسأل الله حوائجه ، ثمّ يسجد سجدتي الشكر ، فليلصق فيها ذراعيه بالأرض ويقول في سجوده : « اللهمَّ إليك توجّهت وبك اعتصمت وعليك توكّلت ، اللهمَّ أنت ثقتي ورجائي فاكفني ما أهمّني وما لا يهمّني وما أنت أعلم به منّي عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك ولا إله غيرك صلِّ علىٰ محمّد وآل محمّد وعجّل فرّجهم ».
ثمّ يرفع جبهته عن الأرض ويضع خدّه الأيمن علىٰ موضع سجوده ويقول :
« ارحم ذلّي بين يديك ، وتضرّعي إليك ، ووحشتي من الناس ، واُنسي بك يا كريم يا كريم يا كريم ».
ثمّ يرفع خدّه الأيمن عن الأرض ويضع مكان خدّه الأيسر ويقول :
« لا إله إلّا أنت ربّي حقّاً حقّاً ، سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقاً ، اللهمّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم ».
ثمّ يرفع خدّه عن الأرض ويعود إلىٰ السجود فيقول في سجوده : شكراً شكراً ، مئة مرّة ، وإن قالها ثلاث مرّات أجزأه ، وأكثر من ذلك أفضل ، والمئة فيها أفضل وبها جاءت السُنّة.
ثمّ يرفع رأسه ، ويجلس مطمئنا علىٰ الأرض ، ويضع باطن كفّه الأيمن موضع سجوده ، ثمّ يرفعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلىٰ صدغيه ، ثمّ يمرّها علىٰ باقي وجهه ، ويمرّها علىٰ صدره ، فإنّ ذلك سُنّة وفيه شفاء إن شاء الله.
وقد روي عن الصادقين عليهما السلام قولهما : « إنّ العبد إذا سجد امتدَّ من أعنان السماء عمود من نور إلىٰ موضع سجوده ، فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ، ثمّ يمسح بها وجهه وصدره فإنّها لا تمرّ بداء إلّا نفته إن شاء الله تعالىٰ » (1).
٢ ـ استحباب سجود الشكر :
لا خلاف بين العلماء ، إلّا من شذّ (2) ، في استحباب السجود شكراً لله عزَّ وجلّ عقيب الصلوات ، لأنّها مظنة التعبّد ، وموضع الخضوع والشكر علىٰ التوفيق لأداء العبادة ، وعند تجدّد النعم ، ودفع النقم ، لما روي من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو يُسرّ به خرَّ ساجداً شكراً لله تبارك وتعالىٰ (3).
عن عبدالرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتوجّه نحو صدقته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخرّ ساجداً فأطال السجود حتّىٰ ظننت أن الله عزَّ وجلَّ قبض نفسه فيها ، فدنوت منه فجلست ، فرفع رأسه فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« من هذا ؟ قلت : عبدالرحمن ، قال : ما شأنك ؟ ، قلت : يا رسول الله ، سجدت سجدة خشيت أن يكون الله عزَّ وجلَّ قد قبض نفسك فيها.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّ جبريل عليه السلام أتاني فبشّرني فقال : إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول : من صلّىٰ عليك صلّيت عليه ، ومن سلّم عليك سلّمت عليه ، فسجدت لله عزَّ وجلَّ شكراً » (4).
وروي عن الإمام علي عليه السلام انّه سجد شكراً لله تعالىٰ يوم النهروان لما وجدوا ذا الثدية مقتولاً (5).
وعن هشام بن أحمد قال : كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة ، إذ ثنىٰ رجله عن دابته فخرّ ساجداً فأطال وأطال ، ثمّ رفع رأسه وركب دابته ، فقلت : جعلت فداك ، رأيتك قد أطلت السجود ؟
فقال عليه السلام : « إنّي ذكرت نعمةً أنعم الله بها عليَّ ، فأحببت أن أشكر ربّي » (6).
ومن الأوقات التي يتأكّد فيها استحباب سجود الشكر ، هو عقيب الصلاة المكتوبة.
ويؤكّد ذلك ما رواه مرازم عن الامام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّه قال : « سجدة الشكر ... تتمّ بها صلاتك ، وترضي بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك ، وإنّ العبد إذا صلّىٰ ثمّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك وتعالىٰ الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول : يا ملائكتي انظروا إلىٰ عبدي ، أدىٰ فرضي وأتمّ عهدي ثمّ سجد شكراً لي علىٰ ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ماذا له عندي ؟ قال : فتقول الملائكة : يا ربّنا رحمتك.
ثمّ يقول الربّ تبارك وتعالىٰ : ثمّ ماذا له ؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا جنّتك.
ثمّ يقول الربّ تبارك وتعالىٰ : ثمّ ماذا له ؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا كفاية مهمه.
فيقول الربّ تبارك وتعالىٰ : ثمّ ماذا له ؟ قال : ولا يبقى شيء من الخير إلّا قالته الملائكة.
فيقول الله تبارك وتعالىٰ : يا ملائكتي ، ثمّ ماذا له ؟
فتقول الملائكة : ربّنا لا علم لنا. فيقول الله تبارك وتعالىٰ : أشكر له كما شكر لي ، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي ... » (7).
٣ ـ أهمّ الأدعية والأذكار الواردة في سجود الشكر :
إنّ المسنون من الأدعية والاذكار في سجود الشكر ـ كما في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ كثير ، وللساجد الاقتصار علىٰ ما شاء منه ، وسوف نقتصر علىٰ ذكر بعضه ، وعلىٰ النحو الآتي :
أ ـ عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، أنّهما كانا يكثران في سجدة الشكر من قول : « أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب » (8).
ب ـ كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إذا أصابك أمر فبلغ منك مجهودك فاسجد علىٰ الأرض وقل : يا مذلَّ كلّ جبار ، يا معزَّ كلّ ذليل ، قد وحقّك بلغ بي مجهودي فصلِّ علىٰ محمّد وآل محمّد وفرّج عني » (8).
ج ـ وسُئل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن سجدة الشكر وما يقال فيها ، فقال عليه السلام : « السجدة بعد الصلاة المكتوبة شكراً لله علىٰ توفيقه عبده لأداء فرضه ، وأدنىٰ ما يقال في هذه السجدة : شكراً لله ثلاثاً .. » (9).
٤ ـ من فوائد سجدة الشكر :
إنّ لسجدة الشكر فوائد وعطاءات جمّة تشتمل علىٰ غاية ما يصبو إليه الإنسان المؤمن من خير الدنيا والآخرة ، كزيادة النعمة ، وتوفيق الطاعة ، واستجابة الدعاء فيها ، زيادة علىٰ ما يكتبه الله عزَّ وجلَّ من حسنات وما يمحوه من سيّئات كما هو واضح من كلام أهل البيت عليهم السلام.
فقد سُئل الإمام الرضا عليه السلام عن سجدة الشكر وعن معنىٰ شكرا لله ؟
فأجاب عليه السلام : « إنّ معناها أنّ هذه السجدة هي شكر منّي لله تعالىٰ علىٰ أن وفقني لأن قمت بخدمته وأديت فرضه ، وشكر الله يوجب زيادة النعمة وتوفيق الطاعة ، وإذا كان قد بقي في الصلاة تقصير ولم تتمّ بالنوافل أتمّتها هذه السجدة » (10).
وعن جهم بن أبي جهم ، قال : رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وقد سجد بعد الثلاث الركعات من المغرب فقلت له : جعلت فداك ، رأيتك سجدت بعد الثلاث ركعات ، فقال عليه السلام : « ورأيتني ؟ فقلت : نعم ، قال عليه السلام : فلا تدعها ، فإنّ الدعاء فيها مستجاب » (11).
وعن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّه قال : « من سجد لله سجدة الشكر وهو متوضّئ كتب الله له بها عشر صلوات ، ومحا عنه عشر خطيئات عظام (12) ، ورفع له عشر درجات في الجنان » (13).
الهوامش
1. المقنعة / الشيخ المفيد : ١٠٩ « سجدتي الشكر ».
2. كمالك وأبي حنيفة كما في المجموع شرح المهذب ٧ : ٧٠.
3. سنن أبي داود ٣ : ٨٩ / ٢٧٧٤ باب سجود الشكر ، كتاب الجهاد ، تحقيق محمّد محي الدين عبدالحميد ، دار الفكر ـ بيروت. وسنن ابن ماجة ١ : ٤٤٠ / ١٣٩٤ باب ١٩٢ ما جاء في الصلاة والسجدة عند الشكر ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٥ ه. وسنن الترمذي ٤ : ١٤١ / ١٥٧٨ باب ٢٥ ما جاء في سجدة الشكر ، تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، دار عمران ـ بيروت.
4. تذكرة الفقهاء / العلّامة الحلي ٣ : ٢٢٣. ومسند أحمد ١ : ٣١٤ / ١٦٦٧ حديث عبدالرحمن بن عوف ، دار إحياء التراث العربي ١٤١٤ ه ط ٢ ، والنص منه. والسنن الكبرى / البيهقي ٢ : ٣٧١ باب سجود الشكر ، دار المعرفة ـ بيروت.
5. المصنف/ ابن أبي شيبة ٢ : ٣٦٨ / ١٣ باب ٣١٤ في سجدة الشكر ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٤ ه. والمصنف / عبدالرزاق ٣ : ٣٥٨ / ٥٩٦٢ باب سجود الرجل شكرا ، تحقيق الشيخ حبيب عبدالرحمن الأعظمي من منشورات المجلس العلمي. والسنن الكبرىٰ / البيهقي ٢ : ٣٧١ باب سجدة الشكر.
6. مشكاة الأنوار / الطبرسي : ٢٩.
7. من لا يحضره الفقيه / الصدوق ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ / ٩٧٨ باب سجدة الشكر والقول فيها. وتهذيب الأحكام / الطوسي ٢ : ١١٠ / ٤١٥ باب ٨.
8. الكافي / الكليني ٣ : ٣٢٣ / ١٠ باب السجود والتسبيح والدعاء. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٦٣ / ٥١٦٧ باب ١٤ من أبواب السجود.
9. الدعوات / قطب الدين الراوندي : ٥١ / ١٢٨ فصل في ألحَّ في الدعاء وأوجزه.
10. من لا يحضره الفقيه / الصدوق ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ / ٩٧٧ باب ٤٧ سجدة الشكر والقول فيها.
11. الباقيات الصالحات / الشيخ عبّاس القمي شرح محمّد هويدي : ٨٠٧ باب سجدة الشكر ، نشر المؤسّسة العالمية لعلوم القرآن ، دار الملاك ١٤١٥ ه ط ١.
12. من لا يحضره الفقيه ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٩٦٧ باب ٤٧ سجدة الشكر والقول فيها.
13. من لا يحضره الفقيه / الصدوق ١ : ٢١٨ / ٩٧١ باب ٤٧ سجدة الشكر والقول فيها.
14. الباقيات الصالحات : ٨٠٦ باب سجدة الشكر.
مقتبس من كتاب : [ السجود مفهومه وآدابه والتربة الحسينية ] / الصفحة : 64 ـ 70
التعلیقات