الشيعة والقرآن
محمّد باب العلوم
منذ 10 سنواتالشيعة والقرآن
ذهب السيّد هاشم معروف الحسني أنّ الشيعة تدين بتعظيم القرآن وتقديسه ، وأنّه الكتاب المنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، منه يستقون عقيدتهم وأحكامهم ، وهو المرجع الأوّل عندهم في الأصول والفروع ، والذي في أيدي المسلمين اليوم هو الذي يؤمنون به ويعتقدون نزوله على النبي ، ويستحيل أن تناله يد التحريف بالزيادة أو النقصان لوجود الضمان من الله تعالى على حفظه ، فمن نسب لهم غير ذلك فقد افترى عليهم الكذب (1).
وشدّة الحملة في نسبة تحريف القرآن إلى الشيعة ممّا تدعو إلى الحزن ، فقد تصدّى علماء الشيعة لمزاعم التحريف ، وبيّنوا أنّ ما ذكر في الروايات الموهمة للتحريف المنسوبة لأهل البيت ـ والتي تمسك بها القائلون بالتحريف ـ أغلبها ضعيفة السند والصحيح منها يحمل على التأويل لا التنـزيل.
وممّن تصدّى لهذه الحركة التضليليّة محمّد بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه ، أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الشيعة ، والسيّد الشريف المرتضى ، وتلميذه الشيخ الطوسي صاحب كتاب التبيان وكتابين من كتب الحديث الأربعة ، وشيخ المفسّرين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي.
وممّا ذكره السيّد المرتضى ونقله الطبرسي في تفسيره قوله : القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعيّة ، والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بالغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ، وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد.
وذكر أيضاً أنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن. واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة ، مثل عبد الله بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات.
كلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث.
وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته (2).
وأمّا محمّد حسين آل كاشف الغطاء فقال : إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة (3).
هذا هو إجماع الشيعة في القرآن ، واعتبر فضيلته أنّ الأخبار الواردة في نقصه أو تحريفه ، سواء كانت من طريق الشيعة أو طريق غيرهم ، ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار.
هذا هو موقف الشيعة في ما أنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّ القرآن الكريم المتداول بين أيديهم ليس فيه تحريف بزيادة أو نقصان ، وما ذكر في بعض الروايات بأنّ فيه تحريف ونقصان فهو مخالف لعقيدتهم في القرآن ، ومناقض للوعد الإلهي الصريح بحفظه من أيّ تلاعب أو تحريف أو إضافة.
فما يمكن أن ينسب إلى المذهب إنّما هو الرأي الذي يلتزمه الجمهور الغالب ، لا الفرد ولا الجماعة الشاذّة ، إنّ رأي هؤلاء لا يحسب على الكلّ وإن اتّفقوا في جوامع المذهب وأصول العقيدة ، بعد رفض الأكثريّة لعمل الشاذين ، لوضوح فساد ما يلتزمون باعتبار ضعف أدلّتهم.
وإذا لاحظنا قول السيّد المرتضى في أنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، وهذا اعتقاد الشيعة في القرآن ، فلا سبيل إذن لإلصاق تهمة تحريف القرآن إليهم.
ورواية جمع القرآن لها ارتباط وثيق مع أصالته ، ولكون عملية الجمع قد ابتدأت برقابة مباشرة ممّن أنزل إليه ، فمن المستحيل أن يأتيه باطل أو زيغ أو يخلو ممّا عساه أن يكون من القرآن وليس منه.
وإذا سلّمنا بالروايات التي تتعلّق بجمع القرآن ، وأنّه ابتدأ في عهد أبي بكر ، ومن ثمّ ملاحظتها ومقارنتها مع ما جاء في الصحاح ، فطريقة الجمع بمثل ما رويت في تلك الكتب عرضة للتحريف والتبديل ، إمّا بالنقصان أو الزيادة.
والغريب من أولئك الذين نسبوا تحريف القرآن إلى الشيعة غيابهم عن ما جاء في رواية مسلم المتعلّقة بآية الرجم الدالّة على وقوع التحريف في القرآن. وقيل : إنّها منسوخة الرسم وإن بقي حكمها في الدين.
أقول : فما هي الحكمة في رفع تلاوتها ؟ مع أنّ الهدف من نزول الآية هو الحكم ، والمفروض أنّ النزول قد تحقّق ، الحكم باق ، فليس هناك أي معنىً في رفع التلاوة المزعوم.
وقد عبّر بعضهم عن هذا الاعتراض بأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم ، فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها ؟
إنّ ذلك غير مفهوم ، وليس ما يدعو إلى القول به.
وفي الختام أودّ أن أقول لمن ينسب تحريف القرآن إلى الشيعة : أهذا ، يكشف عن حبّ القرآن ، أم عن عداء وتصدّ وتشهير بهذا الكتاب الإلهي المقدّس ؟ بالله ، لو بلغته تهمة في عرضه أكان يبحث عنها هكذا ، ويكشفها على الملأ ، وينشرها في الكتب والمجلات لإثبات الجريمة على المتهم ؟ الذي ينادي ببراءته ؟ أم كان يكذّبها ، ويغطيها ، ويدفنها ، حفاظاً على سمعته وشرفه ، وصيانة لكرامة عرضه. فليكن القرآن الكريم أعزّ عليه من عرضه ، فليكذّب كلّ من يحاول إثارة التهمة إلى هذا الكتاب المقدّس ، وليضرب التهمة في وجه زاعهما ومثيرها ، وليصدّق الطائفة المعارضة بأنّها بريئة عن تهمة التحريف.
الهوامش
1. هاشم معروف الحسني ، أصول التشيّع عرض ودراسة ، ص ١٦٩.
2. أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ١ ص ١٥.
3. محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص ٦٦.
مقتبس من كتاب : [ مصدر التشريع عند مذهب الجعفريّة ] / الصفحة : 80 ـ 85
التعلیقات