في ذكر لوط عليه السلام
قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي
منذ سنتينفي ذكر لوط عليه السلام
117 ـ أخبرنا الاستاد أبو جعفر محمّد بن المرزبان ، عن الشّيخ أبي عبد الله جعفر الدّوريستي ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله : سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط ؟ فقال : إنَّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون عن الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطّعام ، وأنّ لوطاً لبث فيهم ثلاثين سنة ، وانّما كان نازلاً فيهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وأنّه دعاهم الى الله تعالى وإلى الايمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه.
وأنَّ الله لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً عذراً أو نذراً ، فلمّا عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان فيها من المؤمنين ، وقالوا : اسرِ يا لوط باهلك ، فلمّا انتصف اللّيل سار لوط عليه السلام ببناته وتولّت امرأته مدبرة ، فانطلقت الى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنّ لوطاً سار ببناته ، وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فأهبط الى قرية لوط وما حوت ، فأقبلها من تحت سبع أرضين ، ثمَّ أعرج بها إلى السّماء وأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آيةً بينةً منزل لوط عبرةً للسيّارة ، فهبطت على أهل القرية فقلعت ذلك حتّى سمع أهل السّماء بريا ديوكها (1) ، فلمّا طلعت الشّمس نوديت : أقلب القرية فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل وأين كانت قريتهم ؟ قال : في موضع بحيرة طبريّة اليوم ، وهي في نواحي الشّام ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حين قلبتها في أيّ موضع وقعت ؟ قال : وقعت فيما بين بحر الشّام الى مصر ، فصارت تلولاً في البحر (2).
118 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام : أخبرني عن عاقبة البخل ، فقال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتعوّذ من البخل إلى الله تعالى ، والله تعالى يقول : « وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (3) وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قريةٍ أشحّاء على الطّعام ، وأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : ما أعقبهم قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشّام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذراعاً ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه النِّحَل (4).
وأنّ لوطاً عليه السلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ، وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام سارة اُخت لوط ، وكان لوط رجلاً شيخاً كريماً يقري الضّيف اذا نزل به ويحذّره قوم ، فقال قومه : أنا ننهاك عن الضّيف وقرائه ، فان لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط اذا نزل به الضّيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وابراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط.
وكان لابراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة ابراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم يؤخّر عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رُسُلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسماعيل ، فدخلو عليه ليلاً ففزع وخاف أن يكونوا سرّاقاً فلمّا رأوه فزعاً قالوا : « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ » (5) ثمَّ قالوا : « إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ » (6) قوم لوط ، فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط (7).
119 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمر الجرجاني ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : « أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ » (8) فقال : إنَّ إبليس أتاهم في صورة شاب حسن فيه تأنيث وعليه ثياب حسنة ، فلجأ الى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ففعلوا ، ولو أمرهم أن يفعل بهم لأبوا عليه فالتذوا ذلك ، ثمَّ ذَهَبَ وتركهم فأحال بعضهم على بعض (8).
120 ـ وبهذا الاسناد عن الحسن بن علي ، عن داود بن يزيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاءت الملائكة عليهم السلام في هلاك قوم لوط مضوا حتّى أتَوا لوطاً ، وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه ، فلما رآهم رآى هيئة حسنة وعليهم ثياب بيض وعمايم بيض ، فقال لهم : المنزل ، قالوا : نعم ، فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه عليهم المنزل ، فالتفت اليهم فقال : انّكم تأتون شراراً من خلق الله ، وكان جبرئيل قال الله له : لا تعذّبهم حتّى تشهد عليهم ثلاث شهادات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ثمَّ مشى سٰاعة فقال : إنكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال : هذه ثنتان ، ثمَّ مشى ، فلمّا بلغ المدينة التفت اليهم فقال : انكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثلاث.
ثمَّ دخل ودخلوا معه منزله فلمّا أبصرت (9) بهم امرأته أبصرت هيئةً حسنةً ، فصعدت فوق السّطح ، فصفقت فلم يسمعوا ، فدخنت لمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب ، فقال لوط : « فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » (10) ثمَّ كابروه حتّى دخلوا عليه قال : فصاح جبرئيل يا لوط دعهم يدخلوا قال : فدخلوا فأهوى جبرئيل اصبعيه (11) وهو قوله تعالى : « فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ » (12) ثمَّ قال جبرئيل : « إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك » (13).
الهوامش
1. في البحار : زقاء ديوكها ، ولعلّه الصّحيح بمعنى الصّياح والصّراخ ، وفي نسختين : ريا ، وفي أخرى : رتا.
2. بحار الانوار ( 12 / 152 ) ، برقم : ( 7 ) عن العلل مع اختلاف يسير.
3. سورة الحشر : ( 9 ) وسورة التغابن : ( 16 ).
4. في البحار : ويعطونهم عليه الجعل.
5. سورة الحجر : ( 53 ).
6. سورة الحجر : ( 58 ).
7. بحار الانوار ( 12 / 147 ـ 149 ) ، عن العلل مع اختلاف يسير وزيادة في ذيله.
8. سورة الاعراف : ( 80 ) وسورة النّمل : ( 54 ).
9. بحار الانوار ( 12 / 162 ) ، برقم : ( 13 ).
10. في ق 5 والبحار : بصر ، وفي ق 1 : بصرت امرأته ، وفي ق 3 : بصرتهم.
11. سورة هود : ( 78 ).
12. في ق 2 : باصبعيه ، وفي ق 3 : بجناحه فأعمى أعينهم.
13. سورة القمر : ( 37 ).
مقتبس من كتاب : [ قصص الأنبياء ] / الصفحة : 117 ـ 120
التعلیقات