السيرة الأخلاقيّة العمليّة للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف
السيد علي الحسيني الصدر
منذ 3 سنواتالإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف
وهو صفوة الصفوة من الاُسوة الباقية من رسول الله صلّى الله عليه وآله في طيب الأخلاق ، ومحاسن الفعال ، وعظيم السجايا ، مع الأولياء وغير الأولياء .
ففي قضيّة ياقوت الدهّان نقل المحدّث النوري عن المرحوم الشيخ علي الرشتي تلميذ الميرزا الشيرازي قال : ـ
رجعت مرّة من زيارتي أبي عبد الله عليه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات ، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج ، رأيت أهلها من أهل الحلّة ، ومن طويريج يفترق ، طريق الحلّة والنجف ، واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح ، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم ، عليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك ، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم ، فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً فأخرَجنا صاحب السفينة منها فكنّا نمشي على شاطئ النهر .
فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق ، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه ، وذمّهم إيّاه ، وقدحهم فيه .
فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السُّنّة ، وأبي منهم واُمّي من أهل الإيمان ، وكنت أيضاً منهم ، ولكنّ الله مَنَّ عَليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه السلام .
فسألت عن كيفيّة إيمانه .
فقال : اسمي ياقوت وأنا أبيع الدّهن عند جسر الحلّة ، فخرجت في بعض السنين لجلب الدّهن من أهل البراري خارج الحلّة ، فبُعدت عنها بمراحل ، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه ، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة ، ونزلنا في بعض المنازل ونُمنا ، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً ، وكان طريقنا في بريّة قفر ، ذات سباع كثيرة ، ليس في أطرافها معموة إلّا بعد فراسخ كثيرة .
فقمت وجعلت الحمل على الحمار ، ومشيت خلفهم فضلَّ عنّي الطريق ، وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه ، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة ، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى ، وتضرّعت كثيراً ، فلم يظهر منهم شيء ، فقلت في نفسي : إنّي سمعتُ من اُمّي أنّها كانت تقول : إنّ لنا إماماً حيّاً يُكنّى أبا صالح يرشد الضالّ ، ويُغيث الملهوف ، ويُعين الضعيف ، فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني ، أن أدخل في دين اُمّي .
فناديته واستغثت به ، فإذا بشخص في جنبي ، وهو يمشي معي ، وعليه عمامة خضراء ، قال رحمه الله : وأشار حينئذٍ إلى نبات حافّة النهر ، وقال : كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات .
ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين اُمّي ، وذكر كلمات نسيتها ، وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة .
قال : فقلت : يا سيّدي أنت لا تجيىء معي إلى هذه القرية ؟ فقال ما معناه : لا ، لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اُريد أن أغيثهم ، ثمّ غاب عنّي .
فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية ، وكان في مسافة بعيدة ، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم .
فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه ، وذكرت له القصّة ، فعلّمني معالم ديني ، فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه عليه السلام مرّةً اُخرى ، فقال : زُر أبا عبد الله عليه السلام أربعين ليلة الجمعة .
قال : فكنت أزوره من الحلّة في ليالي الجُمع إلى أن بقي واحدة ، فذهبت من الحلّة في يوم الخميس ، فلمّا وصلت إلى باب البلد ، فإذا جماعة من أعوان الظّلَمة يطالبون الواردين التذكرة ، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها ، فبقيت متحيّراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم ، فما تيسّر لي ، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد ، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه ، وأدخلني من الباب فما رآني أحد ، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس (1) .
الهوامش
1. جنّة المأوى المطبوع في بحار الأنوار / ج 53 / ص 294 .
مقتبس من كتاب : [ أخلاق أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 83 ـ 85
التعلیقات