أشهد أنّ عليّاً وليّ الله
الدكتور صلاح الدين الحسيني
منذ 4 سنواتأشهد أنّ عليّاً وليّ الله :
الشهادة خبر قاطع ، وشهده شهوداً : سمعه وحضره ، وشهد لفلان ، أي : أدّى ما عنده من شهادة ، وأشهد بكذا ، أي : أحلف بكذا ، والشهادة هي الحضور والإخبار بما شاهد وشهد ، والشهادة هي الإقرار والاعتراف.
والشهادة التي نريدها في البحث : هي الإقرار والاعتراف والإيمان بولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.
ومن المعروف أنّ الإقرار والاعتراف بشيء يكون بناءً على حضور ومشاهده ، أو من مصدر موثوق قطعيّ ، بحيث إنّك لو شهدت بشيء بناءً على قول الموثوق تكون الشهادة هنا كالحضور ، وهذه كشهادة الصحابيّ الجليل ذو الشهادتين ، الذي شهد بما لم يرَ ، ولكن لثقته وإيمانه بصدق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم شهد ، فكانت تلك الشهادة دليلاً على مصداقيّة الإيمان بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فمنحه الله تعالى ورسوله لقب ذي الشهادتين ، أي أنّ الإقرار بالإيمانيّات التي أمر الله تعالى بها ، وأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو أقوى من الحضور الماديّ بضعفين.
روى عبدالرزاق عن الزهريّ أو قتادة أو كليهما : أنّ يهوديّا جاء يتقاضى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : قد قضيتك فقال اليهودي : بينتك ! قال فجاء خزيمة الأنصاري فقال : أنا أشهد أنّه قد قضاك ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ما يدريك ؟ فقال : إنّي أصدّقك بأعظم من ذلك ، أصدّقك بخبر السماء ، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين (1).
وروى العجلوني في كشف الخفاء ، عن النعمان بن بشير : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشترى من أعرابي فرساً فجحده الأعرابي ، فجاء خزيمة فقال : يا أعرابي أتجحد ؟ أنا أشهد عليك أنّك بعته ، فقال الأعرابي : إنْ شهد عليّ خزيمة فأعطني الثمن ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا خزيمة ، إنّا لم نشهدك ، كيف تشهد ؟ قال : أنا أصدّقك على خبر السماء ، ألا أصدقك على ذا الأعرابي ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين (2).
وروى الحاكم في المستدرك ، عن محمّد بن إسحاق قال : شهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، مع عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه صفين ، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين من الهجرة (3).
ونأتي إلى موضوع الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليه السلام ، والتي طالما شنّع خصوم الشيعة على أتباع أهل البيت عليهم السلام بسببها كثيراً ، مع أنّها حقيقة واضحة في دين الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين ، وأحاديث كلّ طوائف المسلمين.
إنّنا عندما نعلم بأنّ فلانا عالما ، فإنّنا نقول نشهد أنّ فلانا عالم ، ونشهد على عشرات القضايا صباح مساء من دون أي اعتراض من أحد ، فلماذا عندما نشهد بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام تقوم الدنيا ولا تقعد ؟ مع أنّ الشهادة بالولاية هي أمر إلهي واضح جليّ لكلّ المسلمين ، ولطالما نطق بولاية أمير المؤمنين نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى ، ولقد اعترف بولاية أمير المؤمنين أيضاً جلّ الصحابة ، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وسنأتي على الروايات بخصوص الأمر.
قال تعالى في سورة المائدة : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4).
روى القرطبي في تفسيره ، عن ابن عبّاس قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب. وقاله مجاهد والسدي ... وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ في الصلاة في الركوع ، وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى السائل بيده حتّى أخذه ، فنزلت الآية (5).
وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج عبدالرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ ) الآية ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب (6).
أخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه ، عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه ، فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فاعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه (7). ورواه أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (8).
روت صحاح ومسانيد المسلمين الحديث المتواتر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال في عدّة مواقف : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله (9).
وروى أحمد في مسنده ، والنسائي ، والحاكم ، عن بريدة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : من كنت وليه فعليّ وليّه (10).
وروى الحاكم في المستدرك ، عن ابن عبّاس : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعليّ بن أبي طالب : يا عليّ ، أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة (11).
وروى الترمذيّ ، عن عمران بن حصين : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي. ورواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ، وكنز العمال ، وغيرهم عن ابن عبّاس وعن البرّاء بن عازب (12).
فهذه روايات ، وهناك غيرها كثير ، كلّها تأمر بولاية أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام ، وتعيّنه عليه السلام وليّاً ومولى للمؤمنين في كلّ مكان وزمان ، وهذا التعيين والتنصيب الربّانيّ يستحقّ منّا أنْ نقرّ ونشهد بولايته عليه السلام ، فنقول أشهد وأقرّ وأعترف أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وليّ الله وحجّته ووصيّ رسوله.
أمّا بالنسبة لأضافتها في الأذان ، فإنّ الشيعة لا يعتبرونها جزءاً من الأذان ، وبأنّ عموم المسلمين يعتبرون الأذان سنّة ، فلا مانع من التحدّث بين ألفاظ الأذان بشيء ، وهذا ما يفعله غالب المسلمين ، ولا مانع بعد الشهادة الثانية في الأذان أن نستحضر الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام.
الهوامش
1. المصنّف 8 : 367 ، 11 : 236 وأورده في كنز العمّال 13 : 380.
2. كشف الخفاء 2 : 14.
3. المستدرك على الصحيحين 3 : 397.
4. المائدة : 55.
5. تفسير القرطبي 6 : 221.
6. راجع الدرّ المنثور 2 : 293.
7. نفس المصدر السابق.
8. نفس المصدر السابق.
9. أنظر مسند أحمد 1 : 118 ، 119/ 4 : 281 ، 370 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 109 ، سنن النسائي الكبرى 5 : 132 ، وغيرها كثير جداً.
10. مسند أحمد 5 : 350 ، 358 ، 361 ، السنن الكبرى 5 : 45 ، 113 ، 130 ، المستدرك 2 : 130.
11. المستدرك على الصحيحين 3 : 134.
12. سنن الترمذي 5 : 296 ـ 297 ، مسند أحمد 4 : 438 ، 5 : 356 ، المستدرك 3 : 111 ، مسند أبي داود : 360.
مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 448 ـ 451
التعلیقات
١