الإبادة لحكم الوضع علىٰ حديث : « ذِكْرُ عَليٍّ عليه السلام عبادة »
السيّد حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي
منذ 3 سنواتالإبادة لحكم الوضع علىٰ حديث : « ذِكْرُ عَليٍّ عليه السلام عبادة »
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله تعالىٰ وكفىٰ ، وسلام علىٰ عباده الّذين اصطفىٰ ، وصلّىٰ الله علىٰ سيّدنا محمّد وعلىٰ آله وخيرة صحبه .
أمّا بعد :
فهذا جزء أفردته للكلام علىٰ حديث « ذِكر عليٍّ عبادة » وبيان رتبته ، والردّ علىٰ مَن حكم بوضعه وعدم ثبوته ، ووسمته بـ « الإبادة لحكم الوضع علىٰ حديث : ذِكْرُ عليٍّ عبادة » .
والله تعالىٰ أسأل أن يرينا الحقّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه ، والباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
* * *
اعلم ـ هداكَ الله وأرشدك ، وأيّدك بتأييده وسدّدك ـ أنّ هذا الحديث رواه الحسن بن صابر الكِسائي الكوفي ، عن وكيع بن الجرّاح ، عن هشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
وقد رُويَ عنه من طريقين :
الأوّل : ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) قال : أخبرنا أبو الحسن السلمي ، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو جابر يزيد بن عبد الله ، أنبأنا محمّد بن عمر الجعابي ، أنبأنا عبد الله بن يزيد ـ أبو محمّد ـ أنبأنا الحسن بن صابر الهاشمي ، أنبأنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ذِكر عليٍّ عبادة .
وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من هذا الطريق .
والثاني : ما أخرجه أبو الحسن بن شاذان في المناقب (2) قال : حدّثني القاضي المعافىٰ بن زكريّا من حفظه ، قال : حدّثني إبراهيم بن الفضل ، قال : حدّثني الفضل بن يوسف ، قال : حدّثني الحسن بن صابر ، قال : حدّثني وكيع ، قال : حدّثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ذِكْر عليّ بن أبي طالب عبادة . انتهىٰ .
وقد اختلف الرادّون لهذا الحديث في علّته ، فأعلّه قوم من جهة الإسناد ، وردّه آخرون من جهة المتن ، ومنهم من أبطله من كلتا الجهتين ، فيقع الكلام معهم في مقامين :
المقام الأوّل في الكلام علىٰ سنده
فنقول ، وبالله تعالىٰ التوفيق :
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (3) : إسناده ضعيف ، وكذا قال العزيزي في السراج المنير وكأنّهما قلّدا في ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير (4) حيث رمز لضعف الحديث .
وقال السندروسي في الكشف الإلهيّ (5) : سنده واهٍ ؛ وأخذه الألباني وزاد عليه قوله : جدّاً (6) .
قلت :
لم يتّهموا من رجال الإسناد ـ في ما وقفت عليه من كلامهم ـ إلّا الحسن بن صابر ، وأعلّوا الحديث به ، وجعلوا الآفة فيه منه ، ومعوَّلهم في ذلك كلام ابن حبّان فيه ، فلنذكره ولنبيّن زيفه بحول الله وقوّته .
قال في كتاب المجروحين (7) : الحسن بن صابر الكسائي من أهل الكوفة ، يروي عن وكيع بن الجرّاح وأهل بلده ، روىٰ عنه العراقيّون ، منكَر الرواية جدّاً عن الأثبات ، ممّن يأتي بالمتون الواهية عن الثقات بأسانيد متّصلة . انتهىٰ .
ثمّ ساق له حديثاً مرفوعاً عن وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة .
وقال الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال (8) : الحسن بن صابر الكسائي عن وكيع ، قال ابن حبان : منكَر الحديث . انتهىٰ .
ولم يتكلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوىٰ ابن حبّان ، ولم يُترجَم في غير كتابه ، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلك ، فلا اعتداد بكلامه .
ومع ذلك فإنّ جرح ابن حبّان للكسائي مردود من وجوه :
الأوّل : أنّ ابن حبّان ـ هو نفسه ـ متَّهم مجروح ، بل رُمي بالعظائم ، ومن قلّة حيائه وعدم تعظيمه لحرمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تكلّمه في عليّ بن موسىٰ الرضا عليه الصلاة والسلام ، وقوله : إنّه يروي عن أبيه العجائب كأنّه كان يَهِم ويخطئ ـ كما حكاه أبو سعد السمعاني في الأنساب ـ (9) .
وعلىٰ من لا يحترم العترة الطاهرة من الله ما يستحقّه (10) .
وحكىٰ الذهبي بترجمته في ( الميزان ) و ( التذكرة ) (11) عن أبي عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعيّة أنّه قال : غلط الغلط الفاحش في تصرّفاته .
قال الذهبي : صدق أبو عمرو ، له أوهام يتبع بعضها بعضاً . انتهىٰ .
قلت :
وسيأتي ـ بعد هذا إن شاء الله ـ ذكر جملة من أوهامه في نقد الرجال .
ومَن كان هذا حاله كيف يعوِّل اللبيب علىٰ كلامٍ انفرد به ، ولا متابع له عليه إلّا من اغترّ به ؟!
فتنبّه ـ يرحمك الله ـ
الثاني : أنّ الجهابذة النقّاد ، وأئمّة الرجال والإسناد قد تكلَّموا في جرح ابن حبّان للرواة ، وبيّنوا غلطه في كثير من أحكامه ، فلنسرد هنا نتفاً من ذلك ، لينجلي لك وَهْيُ كلامه ، وينكشف خطؤه في حكمه وإبرامه ، ولتذعن بصدق ما ادّعيْناه ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله .
فمنها : قوله في أفلح بن سعيد ـ أبي محمّد المدني ـ : يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يحلّ الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه بحال . انتهىٰ .
وأفلح هذا احتجّ به مسلم والنسائي ، ووثّقه ابن معين وابن سعد .
وتنزّل الذهبي في ميزان الاعتدال (12) للردّ عليه ، فقال : ربما قصّب (13) الثقة حتّىٰ كأنّه لا يدري ما يخرج من رأسه . انتهىٰ .
ومنها : قوله في سويد بن عمرو الكلبي : كان يقلب الأسانيد ، ويضع علىٰ الأسانيد الصحاح المتون الواهية . انتهىٰ .
وردّه الذهبي في ( الميزان ) (14) فقال : أسرف واجترأ .
وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (15) : أفحش ابن حبّان القول فيه ، ولم يأتِ بدليل .
وقد احتجّ به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ، ووثّقه ابن معين والنسائي والعجلي .
ومنها : طعنه في عثمان بن عبد الرحمٰن الطرائفي ، وقد احتجّ به أبو داود والنسائي وابن ماجة ، ووثّقه ابن معين وابن شاهين .
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (16) : وأمّا ابن حبّان فإنّه يقعقع كعادته ، فقال فيه : يروي عن قوم ضعفاء أشياء يدلِّسها عن الثقات ، حتّىٰ إذا سمعها المستمع لم يشكّ في وضعها ، فلمّا كثر ذلك في أخباره أُلزقت به تلك الموضوعات ، وحمل الناس عليه في الجرح ، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلّها بحال . انتهىٰ .
وتعقّبه الذهبي بأنّه لم يروِ في ترجمته شيئاً ، ولو كان عنده له شيء موضوع لأسرع بإحضاره .
قال : وما علمتُ أنّ أحداً قال في عثمان بن عبد الرحمٰن هذا : إنّه يدلِّس عن الهلكىٰ ، إنّما قالوا : يأتي عنهم بمناكير ، والكلام في الرجال لا يجوز إلّا لتامّ المعرفة تامّ الورع . انتهىٰ .
قلت :
أمعن نظر الإنصاف والتحقيق في هذا الحرف الأخير من كلامه ، وليته بادر للردّ علىٰ ابن حبّان ـ في ترجمة ابن صابر ـ بمثل هذا ، بل بأقلّ منه ، مع أنّ القدح فيه أخفّ وأيسر من جرح الطرائفي ، لكن هيهات أن تطاوعه نفسه علىٰ ذلك ، بل أقرّ ابن حبّان علىٰ جرحه المجروح لكون الرجل روىٰ حديث الباب ، وتلك ( شنشنة أعرفها من أخزم ) .
بل ظنّي أنّ الكسائي لو كان يسلم من طعن ابن حبّان لَما كان يسلم من لسان ذلك الشامي الخبيث ، الذي يغيظ ويستشيط ويأخذه الزَمَع إذا مرّ علىٰ منقبة من مناقب الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وأهل البيت الطيّبين الطاهرين الكرام ( قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (17) .
ومن سرح نظره في تراجم رواة الفضائل من ( الطبقات ) و ( الميزان ) لشاهد بالعيان كيف يُجنّ الذهبي ويأخذ في وصم الرجل وطعنه وسبّه من غير ذنبٍ ، عدا روايته الفضائل والمناقب ، نسأل الله السلامة من مخازي النواصب .
ومنها : قوله في محمّد بن الفضل السدوسي ـ المعروف بعارِم ـ شيخ البخاري ، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي ، وروىٰ عنه البخاري أكثر من مائة حديث ، كما حكاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (18) عن ( الزهرة ) ـ : اختلط في آخر عمره وتغيَّر حتّىٰ كان لا يدري ما يحدّث به ، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة ، فيجب التنكّب عن حديثه في ما رواه المتأخّرون ، فإن لم يعلم هذا من هذا تُرك الكُلّ ، ولا يحتجّ بشيء منها . انتهىٰ .
وتعقّبه الذهبي فقال : لم يقدر ابن حبّان أن يسوق له حديثاً منكَراً ، فأين ما زعم ؟!
وقال أيضاً ـ بعد ذكر توثيقه عن الدارقطني ـ : فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله ، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر ؟!
قلت :
فعُلم من هذا أنّ ابن حبّان قد يطلق القول في الراوي من دون مستند ، فكيف يقبل جرحه للرواة ؟!
وإذا تأمّلت ما سُقناه لك هنا لا أراك تتوقّف في ردّ كلامه في الحسن ابن صابر ، لا سيّما وأنّه متّهم في مثل هذا الكوفيّ ، لأنّه روىٰ حديثاً في فضل ذِكر أمير المؤمنين الإمام عليٍّ عليه الصلاة والسلام ، وابن حبّان وأضرابه ممّن لا يطيبون نفساً بسماع ذلك ، ولا يطيقون السكوت عليه ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالىٰ ـ .
الثالث : أنّ ابن حبّان له أوهام كثيرة يتبع بعضها بعضاً ـ كما قال الذهبيّ ـ ، فيذكر الرجل في المجروحين ثمّ يذكره في الثقات ، وهذا تناقض بيِّن ، وتسامح غير هيِّن ، فلذا أوجبت كثرة أوهامه سقوط كلامه !
فمن ذلك : ذكره دهثم بن قُرّان في الكتابين (19) ، قال الذهبيّ في ( الميزان ) (20) : فذكره في الثقات فأساء ، وقد ذكره أيضاً في الضعفاء فأجاد .
ومن ذلك : ذكره زياد بن عبد الله النميريّ في المجروحين والثقات (21) ، قال الذهبي (22) : فهذا تناقض .
ومن ذلك : ذكره عبد الرحمٰن بن ثابت بن الصامت في كتابيه (23) ، قال الذهبي (24) : قال ابن حبّان : فحش خلافه للأثبات فاستحقّ الترك ، وذكره أيضاً في الثقات ، فتساقط قولاه .
ومن غرائب أوهامه ما ذكره في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، قال الحافظ ابن حجر : قال ابن حبّان في كتاب الثقات : « كان متقناً » ثمّ غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء ، وروىٰ عن البخاري أنّه قال : تركناه .
قال ابن حجر : وهذا خطأ من ابن حبّان : نشأ عن حذفٍ ؛ وذلك أنّ البخاريّ إنّما قال في تاريخه : « تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة » فسقط من نسخة ابن حبّان لفظة « حيّاً » فتغيَّر المعنىٰ . انتهىٰ (25) .
الرابع : أنّ ابن حبّان من المتعنّتين المشّدّدين الّذين يجرحون الراوي بأدنىٰ جرح ، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أُولي الألباب ، كأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن القطّان ويحيىٰ القطّان وغيرهم ، فإنّهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنّت فيه .
ومن كان من الجارحين هذا ديدنه فإنّ توثيقه معتبر ، وجرحه مردود ، إلّا إذا وافقه غيره ممّن يُنْصف ويُعتبَر ـ كما قال أبو الحسنات عبد الحيّ اللكنوي في الرفع والتكميل (26) ـ .
قلت :
ولم يوافق ابن حبّان علىٰ جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ـ ولله الحمد ـ ممّن يُنْصف ويُعتبَر .
وقال أيضاً (27) : لا يحلّ لك أن تأخذ بقول كلّ جارحٍ في أيّ راوٍ كان ، وإن كان ذلك الجارح من الأئمّة ، أو من مشهوري علماء الأُمّة ، فكثيراً ما يوجد أمر يكون مانعاً من قبول جرحه ، وحينئذٍ يحكم بردّ جرحه . انتهىٰ .
وقال في الأجوبة الفاضلة (28) : ابن حبّان له مبالغة في الجرح في بعض المواضع .
قلت :
حسبك شهادة هذا الخرّيت المتضلّع والناقد المضطلع دليلاً علىٰ ردّ جرح ابن حبّان وأمثاله من المتعنّتين المشّدّدين ، كيف لا ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ) (29) .
الخامس : أن يقال : إنّ وصف ابن صابر بكونه « منكَر الحديث » ماذا أراد به ؟
فإن عنىٰ أنّه روىٰ حديثاً واحداً ، فهذا غلط فاحش ، لأنّ ابن حبّان نفسه روىٰ له في كتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة ـ كما مرّ ـ بل ظاهر قوله : « إنّه يروي عن أهل بلده » يعني الكوفة ، يقتضي تعدّد أحاديثه ، فتدبّر .
وإنْ قصد بقوله : « منكَر الحديث » أنّه لا تحلّ الرواية عنه ـ كما حكي عن البخاري ـ فإنّ ذلك جرح مبهم ، يُردّ عليه ، إذ لا يعرف للحسن بن صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً ، بل لو صرّح ابن حبّان بذلك لم يؤخذ به ، فقد رُدّ عليه مثله ـ كما مرّ آنفاً ـ .
وإنْ أراد بذلك الفردَ الذي لا متابع له ـ كما أطلقه أحمد بن حنبل ـ فإنّه منقوض بمتابعة غيره له ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ ـ .
علىٰ أنّه لا يلزم من روايته المناكير ـ لو سُلّم ـ أن يكون ممّن لا يُحتجّ به ، كما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من ( الميزان ) (30) : ما كلّ من روىٰ المناكير يضعّف .
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (31) : لو كان من روىٰ شيئاً منكَراً استحقّ أن يُذكر في الضعفاء لَما سلم من المحدّثين أحد ، لا سيّما المكثر منهم . انتهىٰ .
وقال ابن دقيق العيد (32) : قولهم : « روىٰ مناكير » لا يقتضي بمجرّده ترك روايته ، حتّىٰ تكثر المناكير في روايته . انتهىٰ .
قلت :
وأنّىٰ لابن حبّان إثبات ذلك في حقّ الكسائي ، ومنه تعرف أنّ رميه الرجل بنكارة الحديث فيه تساهل ، بل هو منكَر من القول وزور ، فلا ينبغي أن يعرّج عليه ، ولا يركن إليه ، والله المستعان .
السادس : هبْ أنّ ابن حبّان صادق في قوله ، لكنّ رمي الراوي بنكارة الحديث لا يوجب بإطلاقه ردّ حديثه ، والحكم عليه بالوضع ـ كما توهّم الخصوم ـ لأنّه لم يُتّهم بالكذب ، ولا بوضع الحديث .
قال الشيخ الإمام تقيّ الدين السُبْكي : إنّ ممّا يجب أن يُتنبَّه له أنّ حُكم المحدّثين بالإنكار والاستغراب قد يكون بحسب تلك الطريق ، فلا يلزم من ذلك ردّ متن الحديث . انتهىٰ (33) .
قلت :
وكم من راوٍ قيل فيه « منكَر الحديث » أو ما في معناه ، ومع ذلك احتجّ به الشيخان في الصحيحين ، وغيرهما من أرباب السنن من دون تريّث ولا مبالاة بما وُصم به ، وهاك منهم علىٰ سبيل الإجمال :
1 ـ أحمد بن شعيب بن سعيد الحبطي ، روىٰ له البخاري والنسائي وأبو داود .
قال أبو الفتح الأزدي : منكَر الحديث ، غير مرضيّ .
2 ـ وأسيد بن زيد الجمّال ، روىٰ عنه البخاري في الرقاق .
قال ابن حبّان : يروي عن الثقات المناكير ، ويسرق الحديث ، بل قال ابن معين : حدّث بأحاديث كذب .
3 ـ وتوبة بن أبي الأسد العنبري ، روىٰ له الشيخان وأبو داود والنسائي .
قال الأزدي : منكَر الحديث .
4 ـ وحسّان بن حسّان ـ وهو حسّان بن أبي عبّاد البصري ـ روىٰ عنه البخاري .
قال أبو حاتم : منكَر الحديث .
5 ـ وحميد بن الأسود البصري ، روىٰ له البخاري وأصحاب السُنن .
قال أحمد بن حنبل : ما أنكر ما يجيء به !
6 ـ وخيثم بن عراك بن مالك الغفاري ، روىٰ له البخاري ومسلم والنسائي .
قال الأزدي : منكَر الحديث .
7 ـ وعبد الرحمٰن بن شريح بن عبد الله بن محمود المعافري ، احتجّ به الجماعة .
قال ابن سعد : منكَر الحديث .
8 ـ والمفضّل بن فضالة القتباني المصري ، اتّفق الجماعة علىٰ الاحتجاج به .
قال ابن سعد : منكَر الحديث .
9 ـ وموسىٰ بن نافع الحنّاط ، روىٰ له الشيخان والنسائي وأبو داود .
قال أحمد بن حنبل : منكَر الحديث .
فلو كان قولهم : « منكَر الحديث » موجِباً لطرح حديث الراوي لَلَزم إبطال جملة وافرة من أحاديث الكتب الستّة وغيرها ، ولا يلتزم به منهم أحد .
ولمّا أعلّ ابن الجوزي حديث أنس ـ عند الترمذي ـ : « اللّهمّ أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين » ، بقوله : لا يصحّ ، لأنّ فيه الحارث بن النعمان ، منكَر الحديث ؛ تُعُقِّب بأنّ ذلك لا يقتضي الوضع ـ كما في تنزيه الشريعة المرفوعة (34) لابن عرّاق ـ .
فلو سلَّمنا قول ابن حبّان في الحسن بن صابر وصدّقناه ، فإنّ حديثه هذا ليس منكَراً ، لوجود المتابع ، فلا وجه لردّ حديثه جملةً .
ولعلّ في إيراد ابن حبّان حديثاً آخر في ترجمته ـ شاهداً علىٰ مقالته ـ دون حديث الباب إشعاراً بما ذكرنا ، والله أعلم .
وبالجملة :
فقوله في الرجل « منكَر الحديث » لا يدلّ علىٰ أنّ كلّ ما رواه منكَر حتّىٰ هذا الحديث ـ كما مرّ عن الذهبي ـ بل جاز أن يراد به أن له مناكير وقعت في أحاديثه ، كما قالوا ذلك في جماعة ، كإبراهيم بن المنذر الحزامي ، والحكم بن عبد الله البصري ، والفضل بن موسىٰ السيناني ، ومحمّد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ ـ الذي إليه المرجع في حديث « إنّما الأعمال بالنيّات » ـ ومحمّد بن طلحة بن مصرف الكوفي .
وهؤلاء احتجّ بهم البخاريّ وغيره ، فتبيَّن فساد رأي من ردّ الحديث من المتأخّرين اغتراراً بكلام ابن حبّان ، وانكشف وهن قول الألبانيّ : إنّ الحسن هذا متّهم ، ووهىٰ .
وكذا تعقّبُه علىٰ المُناوي ـ إذ أعلّ حديث الترجمة في فيض القدير (35) بقول ابن حبّان ـ : بأنّ ذلك يقتضي أنّ إسناده ضعيف جدّاً ، وأنّ قوله في التيسير : « إسناده ضعيف » غاية في التقصير (36) .
هذا مع جزمه سابقاً بأنّ الحديث موضوع (37) .
ومن هنا تذعن بضعف هذا الألبانيّ في هذا العلم الشريف وقصوره فيه ، وعدم اتّباعه للمتقرّر عند أهله ، إذ حكم علىٰ الحديث أوّلاً بأنّه موضوع ـ وهو شرّ الضعيف ، لأنّه لا درجة بعده مطلقاً ـ ثمّ ذكر أنّ إسناده ضعيف جدّاً ، وهذا تناقض عظيم ، وجهل كبير يعلمه طلبة نخبة الفكر ، لأنّ السند الضعيف لا يصل أن يكون به الحديث موضوعاً ، بل يحتمل أن يكون واهياً يرتفع إلىٰ درجة الضعيف ، بخلاف الحديث الموضوع ، فإنّه لا يرتفع إلىٰ درجة الضعيف مطلقاً ، ولا تنفع فيه المتابعات والشواهد ـ كما أفاد شيخنا ابن الصدّيق أدام الله حراسته (38) ـ .
السابع : أنّ ممّا يكاد أن يُقطع به أنّ ابن حبّان لم يقل في ابن صابر « منكَر الحديث جدّاً » إلّا لكونه كوفيّاً روىٰ في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، وهذا عنده ذنب لا يغفر ، وبمثله يُرمىٰ الرجل بالتشيّع فيُردّ حديثه ، وهذه عادة النواصب اللئام ـ قبّحهم الله تعالىٰ وأخزاهم ـ في أكثر ما روي من مناقب آل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقلوبهم المنكَرة تنكِر ما ثبت في ذلك ، حتّىٰ إنّ أحدهم إذا لم يجد مطعناً في الإسناد قال ـ متعنّتاً ـ : في النفس من هذا الحديث شيءٌ ، أو : إنّ القلب ليشهد ببطلانه ، وما ذلك إلّا من جفائهم للعترة الطاهرة المطهَّرة ، وسعيهم في إطفاء نور الله تعالىٰ ـ والعياذ بالله ـ .
ومن تتبّع كلام الغويّ الجوزجاني وابن قايماز التركماني وأضرابهما من ألدّاء النواصب أذعن لما قلنا ، أمّا فضائل خصومهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا ترىٰ فيها شيئاً من ذلك التشدّد المقيت ، والتقوّل السخيف ، وهم أعلم الخلق بكذبها وبطلانها ، لكنّ حبّ الشيء يُعمي ويُصمّ ، وهوان آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم علىٰ هؤلاء الأجلاف الجفاة حملهم علىٰ ذلك ، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم .
وأمّا قول السندروسي في كتابه الكشف الإلٰهيّ عن شديد الضعف والموضوع والواهي (39) ـ في حديث الباب ـ : إنّ سنده واهٍ .
فليس بشيء ؛ لأنّه فسَّر الواهي : بأنّه ما يوجد في سنده كذّابان أو أكثر ، قال : يعني في كلّ طريقٍ من طرقه (40) . انتهىٰ .
وليت شعري ، كيف وهّىٰ السند مع عدم اشتماله علىٰ كذّاب واحد ، فضلاً عن كذّابَيْن ، فضلاً عن تحقّق ذلك في كلّ طريق من طرقه ؟! فناقض بذلك نفسه !
وقد تحصّل ـ ممّا مرّ ـ أنّ ابن صابرٍ الكسائي غير مطعون فيه ، وأنّ جرح ابن حبّان إيّاه بنكارة الحديث ـ مع تفرّده به واختلافهم في قبول الجارح الواحد ـ مردودٌ عليه ، لِما بيّنّا من حاله في جرح الرواة ، ومبلغ ذلك عند الأئمّة النقّاد .
فإنْ قال قائل :
يلزم ممّا قرّرتَ أن يكون الحسن بن صابر في عِداد المجهولين .
قلنا :
لا يضرّه ذلك ، لأنّ المراد إمّا جهالة العين أو جهالة الوصف .
فإنْ أُريد جهالة العين ـ وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الإطلاق ـ فذلك مرتفع عنه ، لأنّه قد روىٰ عنه عبد الله بن يزيد والفضل بن يوسف القصَباني ، وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين ، فكيف برواية العراقيّين عنه ـ كما ذكر ابن حبّان في ترجمته ـ مضافاً إلىٰ أنّه عرّفه فوصفه بما ذكره .
وإن أُريد جهالة الوصف ، فغاية الأمر أنّه مستور ، لأنّ ظاهر أمره علىٰ العدالة ، وقد قبل روايته ـ أعني المستور ـ جماعة بغير قيد (41) كأبي حنيفة ـ وتبعه ابن حبّان ـ إذ العدل عنده من لا يُعرف فيه الجرح .
قال : والناس في أحوالهم علىٰ الصلاح والعدالة ، حتّىٰ يظهر منهم ما يوجب الجرح ـ كما في شرح الشرح (42) للقاري ـ .
قال أبو عمرو بن الصلاح : يشبه أن يكون العمل علىٰ هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الّذين تقادم العهد بهم وتفّدرت الخبرة الباطنة بهم (43) ، وصححّه النووي في شرح المهذّب كما في تدريب الراوي (44) .
وقال في علوم الحديث (45) : حكىٰ الإمام أبو المظفّر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي (46) : أنّه تُقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادته .
قال ابن الصلاح : ولذلك وجه متّجه . انتهىٰ .
وقال أيضاً : الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقّق أهليّته ، غير أنّه ليس مغفَّلاً كثير الخطأ في ما يرويه ، ولا هو متّهم بالكذب ـ أي لم يظهر منه تعمّد الكذب في الحديث ـ ولا سببٍ آخر مُفسِّق ، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عُرف ، بأن رُوي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر ، حتّىٰ اعتضد بمتابعة مَن تابع راويه علىٰ مثله ، أو بما له من شاهد ـ وهو ورود حديث آخر بنحوه ـ فيخرج بذلك عن أن يكون شاذّاً أو منكَراً (47) .
قال : وكلام الترمذي علىٰ هذا القسم يتنزّل . انتهىٰ .
قلت :
فجهالة حال ابن صابر ـ بل حتّىٰ التكلّم فيه بنكارة الحديث ـ لا تضرّه في المقام ، إذ قد تُوبع علىٰ حديثه من طريق حمدان بن المعافىٰ فبانَ ، أنّه لم يتفرّد به .
وقد روىٰ هذه المتابعة الإمام الحافظ الفقيه ابن المغازلي الشافعي في ( المناقب ) (48) ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار ـ الفقيه الشافعي ـ بقراءتي عليه فأقرَّ به ، قلت : أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزني ـ الملقّب بابن السقّا ـ الحافظ الواسطي ، قال : حدّثني محمّد بن علي بن معمّر الكوفي ، حدّثنا حمدان بن المعافىٰ ، حدّثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ذكْرُ عليٍّ عبادة .
وهذه متابعة تامّة ثبت بها خروج الحسن بن صابر من عهدة الحديث ، وزالت عنه التهمة ، وظهر أنّه لا يدور عليه ـ خلافاً لِما توهّمه المبطلون ـ .
أمّا أبو جعفر حمدان بن المعافىٰ الصبيحي ، مولىٰ جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام ، فقد روىٰ عن موسىٰ الكاظم عليه السلام وأبي الحسن الرضا عليه السلام ، وقد دَعَوا له .
وأمّا صاحبه أبو الحسين محمّد بن عليّ بن معمّر الكوفي ، فقد ذكر الشيخ الإمام أبو جعفر الطوسي رحمه الله تعالىٰ في ( رجاله ) : أنّ التلعكبري سمع منه سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وله منه إجازة .
فإن قال قائل :
قد قرّروا أنّ الداعية إذا روىٰ ما يؤيّد مذهبه فإنّ حديثه يُردّ بالإجماع .
قلنا :
إنّ هذه حيلة احتالها النواصب ـ أعداء الله وأعداء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لردّ أحاديث الفضائل والمناقب الواردة في عليّ وعترته الزكيّة ، فزعموا أنّ راويها إذا كان متشيِّعاً فإنّ حديثه مردود ، ولكن هذا كلّه ـ والله ـ باطل من رأسه ، فلا تشيّع الراوي يوجب ردّ حديثه ، ولا روايته في فضل عليٍّ وآله .
وهل يروي فضائلهم إلّا شيعتهم ومحبّوهم ؟!
وهل يُعقل أن يحدّث بها ـ عن طوعٍ ـ مَنْ عاداهم وناواهم ، ممّن أقام دهره علىٰ نصبهم وعداوتهم ؟!
اللهمّ لا .
ولو كان تشيّع الراوي قادحاً لَما أخرج الشيخان في الصحيحين عن جماعة من المتشيّعين ، وقد جمع الحافظ ابن حجر أسماء من روىٰ لهم البخاريّ منهم ، فسمّىٰ نحو السبعين ، قال ابن الصدّيق : وما أراه استوعب (49) .
وأمّا صحيح مسلم ، ففيه أكثر من ذلك بكثير ، حتّىٰ قال الحاكم : إنّ كتابه ملآن من الشيعة .
وقد روىٰ الإمام أحمد في ( مسنده ) عن عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني ما لعلّه يبلغ نصف مسنده ، وحكىٰ الذهبي في تذكرة الحفّاظ (50) عن أبي أحمد الحاكم ، قال : سمعت أبا الحسين الغازي يقول : سألت البخاريّ عن أبي غسّان .
فقال : عمّ تسأل عنه ؟
قلت : شأنه في التشيّع .
فقال : علىٰ مذهب أئمّة أهل بلده الكوفيّين ، ولو رأيتم عبيد الله وأبا نعيم وجميع مشايخنا الكوفيّين لَما سألتموني عن أبي غسّان ـ يعني لشدّتهم في التشيّع ـ .
واعترف الذهبي أيضاً في ميزان الاعتدال (51) بترجمة أبان بن تغلب : بأنّه لو رُدّ حديث المتشيّعين مطلقاً لذهبت جملة من الآثار النبويّة ، قال : وهذه مفسدة بيّنة .
وقد قبل جماعة من الأئمّة كالثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وابن أبي ليلىٰ وآخرون رواية المبتدع مطلقاً ، سواء كان داعية أو لم يكن ، بل نُقل عن جماعة من أهل الحديث والكلام قبول رواية المبتدعة ـ ولو كان كافراً ببدعته ـ .
واحتجّ الشيخان والجمهور بأحاديث الدُعاة كحريز بن عثمان ، وعمران بن حطّان ، وشبابة بن سوار ، وعبد الحميد الحِمّاني وأضرابهم .
إذا تقرّر هذا ، تبيَّن لك إغراب ابن حبّان والحاكم في حكاية الإجماع علىٰ اشتراط عدم كون الراوي داعية في قبول رواية المبتدع ، وهو باطل في نفسه ، مخالف لِما هم مجمعون عليه في تصرّفهم ، وإنّما نشأ ذلك عن تهوّر وعدم تأمّل ـ كما قال الحافظ أبو الفيض بن الصدّيق ـ .
وأمّا اشتراط كونه روىٰ ما لا يؤيّد بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسّوها بين أهل الحديث ليتوصّلوا بها إلىٰ إبطال كلّ ما ورد في فضل عليّ عليه السلام ، وذلك أنّهم جعلوا آية تشيّع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل عليّ عليه السلام ، ثمّ قرّروا أنّ كلّ ما يرويه المبتدع ممّا فيه تأييد لبدعته فهو مردود ـ ولو كان من الثقات ـ والذي فيه تأييد التشيّع ـ في نظرهم ـ هو فضل عليٍّ عليه السلام وتفضيله ، فينتج من هذا أن لا يصحّ في فضله حديث ـ كما صرّح به بعض من ألقىٰ جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب كابن تيميّة وأضرابه ـ .
قال الإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن الصدّيق في فتح الملك العليّ بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ عليه السلام (52) : وقد راجت هذه الدسيسة علىٰ أكثر النقّاد ، فجعلوا يثبتون التشيّع برواية الفضائل ، ويجرحون راويها بفسق التشيّع ، ثمّ يردّون من حديثه ما كان في الفضائل ، ويقبلون منه ما سوىٰ ذلك .
ولعمري إنّها دسيسة إبليسيّة ، ومكيدة شيطانيّة ، كاد ينسدّ بها باب الصحيح من فضل العترة النبويّة ، لولا حكم الله النافذ ( وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ ) (53) ، ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (54) .
قال : وأوّل من علمته صرّح بهذا الشرط ـ وإن كان معمولاً به في عصره ـ إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ ، وكان من غلاة النواصب ، بل قالوا : إنّه حريزيّ المذهب ، علىٰ رأي حريز بن عثمان وطريقته في النصب .
قال : وهذا الشرط لو اعتُبر لأفضىٰ إلىٰ ردّ جميع السُنّة ، إذ ما من راوٍ إلّا وله في الأُصول والفروع مذهب يختاره ، ورأي يستصوبه ويميل إليه ، ممّا غالبه ليس متّفقاً عليه ، فإذا روىٰ ما فيه تأييد لمذهبه وجب أن يُردّ ـ ولو كان ثقةً مأموناً ـ لأنّه لا يُؤْمَن عليه حينئذٍ غلبة الهوىٰ في نصرة مذهبه ، كما لا يُؤْمَن علىٰ المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته .
فكما لا يُقبل من الشيعي شيء في فضل عليّ عليه السلام ، كذلك لا يقبل من غيره شيء في فضل أبي بكر ، ثمّ لا يقبل ما فيه دليل التأويل ، ولا من السَلَفي ما فيه دليل التفويض ، ثمّ لا يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه ، ولا من الحنفي كذلك ، وهكذا بقيّة أصحاب الأئمّة الّذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلّق بمذهب واحدٍ من مذاهبهم أو موافقته .
وحينئذٍ فلا يقبل في بابٍ من الأبواب حديثٌ إلّا إذا بلغ رواته حدّ التواتر ، أو كان متّفقاً علىٰ العمل به ، وذلك بالنسبة لخبر الآحاد وما هو مختلف فيه قليل .
وبذلك تُردّ السُنّة أو ينعدم المقبول منها ، وهذا في غاية الفساد ، فالمبنيّ عليه كذلك ، إذ الكلّ يعتقد أنّ مذهبه ورأيه صواب ، وكونه باطلاً وبدعةً في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي .
ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط ولا عرّجوا عليه في تصرّفاتهم أيضاً ، بل احتجّوا بما رواه الشيعة الثقات ممّا فيه تأييد مذهبهم .
وأخرج الشيخان فضائل عليّ عليه السلام من رواية الشيعة ، كحديث : « أنت منّي وأنا منك » أخرجه البخاري (55) من رواية عبيد الله بن موسىٰ العبسي ، الذي أخبر عنه البخاري أنّه كان شديد التشيّع ، وحديث : « لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق » أخرجه مسلم (56) من رواية عدي بن ثابت ، وهو شيعيّ غالٍ ، داعية .
وهكذا فعل بقيّة الأئمّة ، أصحاب الصحاح والسُنن والمصنّفات الّذين لا يخرّجون من الحديث إلّا ما هو محتجّ به ، وصرّحوا بصحّة كثير منها ، وذلك كثير لمتتبّعه ، دالّ علىٰ بطلان هذا الشرط . انتهىٰ .
وإنّما سُقتُ لك كلام هذا الإمام الخرّيت ـ بطوله ـ لنفاسته ، وهو الحقّ الذي لا محيد عنه ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) (57) ، ولم أرَ مَن سبقه إلىٰ هذا التمحيص الأنيق ، فاشدد عليه يديك ، وعضّ عليه بناجذيك ، والله الموفّق والمستعان (58) .
فإنْ قلت :
ومع ذلك فقد يقال : إنّ الحديث فرد مطلق ، تفرّد به وكيع بن الجرّاح في جميع طرقه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
قلت :
وإن كنت ستعرف أنّ الأمر ليس كما قيل ، لكنّ لو سُلّم فلا ضير في ذلك ، فإنّ وكيعاً متّفق علىٰ ثقته ، وقد احتجّ به الجماعة ، ومن روىٰ له الشيخان فقد جاز القنطرة ـ كما قاله الإمام أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسي (59) ـ .
فتفرّد مثل وكيع ليس بقادحٍ ألبتّة ، لأنّ الثقة إذا روىٰ ما لم يروه غيره فمقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً ، فإنّ هذا لو رُدَّ لرُدّت أحاديث كثيرة من هذا النمط ، وتعطّلت كثير من المسائل عن الدلائل ـ كما قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في اختصار علوم الحديث (60) ـ .
وقال شمس الدين ابن قيّم الجوزيَّة (61) : إذا روىٰ الثقة حديثاً منفرداً به ، لم يروِ الثقات خلافه ، فإنّ ذلك لا يُسمّىٰ شاذّاً ، وإن اصطلح علىٰ تسميته شاذّاً بهذا المعنىٰ لم يكن هذا الاصطلاح موجِباً لردّه ولا مسوّغاً له . انتهىٰ .
وقال الأمير الصنعاني في توضيح الأفكار (62) : إذا تفرّد الراوي بشيء نُظر فيه ، فإن كان ما انفرد به مخالفاً لِما رواه مَن هو أَوْلىٰ منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذّاً مردوداً ، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره ، وإنّما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد ، فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قُبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه . انتهىٰ موضع الحاجة من كلامه .
ووكيع : إمام مقدَّم في الحديث ، متّصف ـ عند القوم ـ بجميع ما اشترطوه من الصفات بلا نكير ، فلا ينبغي الطعن في حديث الباب من هذه الجهة ، والله وليّ التوفيق .
هذا كلّه بالإضافة إلىٰ حديث الحسن بن صابر ومتابعته ، وقد روي الحديث أيضاً من طريق محمّد بن زكريّا الغلابي ، عن جعفر بن محمّد بن عمّار ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ في حديث ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : النظر إلىٰ عليّ بن أبي طالبٍ عبادة ، وذِكْره عبادة (63) .
فإن قيل :
الحمل فيه علىٰ الغلابي ، لأنّه متّهم ، وقال الدارقطني : يضع الحديث . انتهىٰ .
قلت :
هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ ، ولم يتابعه عليه أحد ، بل إنّ الذهبي ـ علىٰ تعنّته وتشدّده ـ اقتصر في ميزان الاعتدال (64) علىٰ تضعيفه ، وحكىٰ عن ابن حبّان أنّه ذكره في الثقات وقال : يُعتبر بحديثه إذا روىٰ عن ثقة ، وقال : في روايته عن المجاهيل بعض المناكير (65) ، وقال ابن مندة : تُكُلّم فيه . انتهىٰ .
ووجه طعنهم في الرجل غير خافٍ ، فإنّه كان من وجوه الشيعة بالبصرة ، وروىٰ مناقب الآل وصنّف فيها ، ولذا قال فيه ابن النديم في الفهرست : كان ثقةً صادقاً .
وقال القضاعي في مسند الشهاب (66) : محمّد بن زكريا الغلابي رجل حديثه حسن .
ولو جاز الأخذ بقول الدارقطنيّ في الغلابي لجاز الأخذ بتضعيفه أبا حنيفة في الحديث (67) ، ولا يجيزون الأخذ به البتّة ، بل يردّونه عليه ، ويعدّونه بغياً منه وإسرافاً (68) ، فكذا ينبغي طرح جرحه لمحمّد بن زكريّا ، علىٰ أنّه لو صُدّق لم يجرِ في ما نحن فيه ، لعدم انفراد الرجل بحديث الباب ـ كما عرفت ـ .
ولو سُلِّم قولهم بضعفه ، فإنّ حديثه ـ بانفراده ـ يكون ضعيفاً ، وهو وإن كان حُجّة في المناقب إلّا أنّه يشتدّ ويعتضد بغيره من الأحاديث المتقدّمة ، فترتقي بمجموعها إلىٰ درجة الحسن ـ كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالىٰ ـ .
* * *
تتمّة وتنبيه
يقوىٰ في النفس ـ والله أعلم ـ اتّحاد محمّد بن زكريا الغلابي البصري مع محمّد بن زكريا الأنصاري ، لوجوه :
الأوّل : اتّحاد كنيتهما ـ كاسمهما ـ فقد كُنّي كلٌّ منهما في كتب الرجال بأبي جعفر .
الثاني : أنّ ابن مندة قال في الأنصاريّ : تُكُلّم في سماعه ، وقد مرّ أنّه قال في الغلابي : تُكُلّم فيه ؛ ولعلّه يعني سماعه .
الثالث : أنّهما سمعا عبد الله بن رجاء الغداني .
الرابع : أنّ أبا الشيخ الاصبهاني روىٰ عن الأنصاريّ ، وأبا القاسم الطبرانيّ عن الغلابي ـ وأبو الشيخ والطبراني متعاصران ـ .
فإن ثبت ذلك ، فاعلم : أنّ أبا نعيم قال في محمّد بن زكريّا الأنصاريّ : صاحب أُصول جياد صحاح (69) .
فإن كان هو الغلابي فقد برئ بهذا أيضاً من طعن الدارقطني ، وإن كان طعنه باطلاً مردوداً في نفسه ، والله المستعان .
* * *
المقام الثاني في الكلام علىٰ متن حديث الباب
اعلم أنّ الحافظ جلال الدين السيوطي أورد الحديث في الجامع الصغير عن مسند الفردوس ، ورمز لضعفه ـ كما مرّ ـ ، وقد ذكر في خطبة كتابه أنّه صانه عمّا تفرّد به وضّاع أو كذّاب ـ وإن قيل : إنّه أخلّ بشرطه ـ .
لكنّ الحافظ أبا الفيض شهاب الدين أحمد بن الصدّيق الحسني الغماري تعقّبه في المغير علىٰ الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير (70) .
فقال : لو روت عائشة هذا ما حاربت عليّاً عليه السلام . انتهىٰ .
قلت :
هذه زلّة عظيمة ، قد كنّا نربأ بصدورها عن مثله ، لكنّ الجواد قد يكبو ، والصارم قد ينبو ، والمعصوم من عصم الله تعالىٰ .
كيف لا ؟! وهذه دعوىٰ زائفة فاسدة ، وحُجّة داحضة باردة ، لا تثبت عند البحث والتمحيص ، وليس هذا منه إلّا محض تسرّع ، وجرأة في التهجّم والإقدام علىٰ ردّ الحديث بمجرّد التوهّم ، وما كان هذا شأنه ولا ديدنه في الحكم علىٰ الأحاديث ، بل قد عاب هو في كتابه فتح الملك العليّ جماعةً بذلك (71) ، وتراه هنا قد تورّط فيه ، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، آمين .
وظنّي أنّه عزب عن خاطره ساعة الكتابة مخالفات أُمّ المؤمنين عائشة لأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصاياه ، وأعظمها إعلانها ومجاهرتها بنبذ كتاب الله تعالىٰ وراءَها ظهريّاً يوم خرجت لقتال أمير المؤمنين وسيّد المسلمين عليه الصلاة والسلام بعسكر البغْي الجرّار ، بعدما أُمرت بالقرار ـ بنصّ الذكر الحكيم ـ في بيت النبيّ المختار صلّى الله عليه وآله وسلّم ، راكبةً ذلك الجمل الأدبب ، وقد نبحتها كلاب الحوأب ، فقتل ببغيها خلائق من المسلمين لا يحصون .
ودع عنك تحريضها علىٰ خلع عثمان ، وتأليبها علىٰ قتل ابن عفّان لمّا كانت تنادي : « اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً » (72) ، وسرورها بقتل خير خلق الله تعالىٰ بعد نبيّه المصطفىٰ صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي حبّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ـ كما ثبت في الصحيح ـ وقولها ـ لمّا انتهىٰ إليها ذلك ـ :
فألقت عصاها واستقرّ بها النوىٰ |
كما قرّ عيناً بالإياب المسافر |
وقولها ـ لمّا سألت عن قاتله ، فقيل : رجل من مراد ـ :
فأن يكُ نائياً فلقد نعاه |
غلام ليس في فيه الترابُ (73) |
فهل كان ذلك ـ وأضعافٌ مضاعفةٌ ممّا صدر عنها ـ موافقاً لِما سمعتْه وروتْه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟!
نبِّؤنا يا أُولي الألباب !!
ولها مع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام شؤون لا يحتمل هذا المقال سردها ، ومن شاء فليقف عليها في مظانّها .
وإنّي لا أظنّ أنّ الغماري ـ سامحه الله وعفا عنه وعنّا بمنّه وكرمه ـ لم يُحِطْ خُبراً بما ذكرنا ، كيف ؟! وهو شيخ الصنعة المقدَّم ، وأبو بجدتها وكبش كتيبتها بلا مدافع ولا نكير ، ولست أدري ما حمله علىٰ ذلك ، والعلم عند الله تعالىٰ !
هذا : ومن ألمَّ بطرف من سيرتها مع أخي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وابن عمّه ، وأمعن في ذلك بدقّة ، وأعطىٰ الإنصاف حقّه ، علم أنّ ما ردّ به هذا الشيخ حديث الباب من السذاجة بمكانٍ ناءٍ جدّاً ، ولم يكن متوقّعاً من مثله التفوّه بذلك ، إذ ليس بعزيزٍ علىٰ عائشة أن تروي حديثاً ثمّ تعمد إلىٰ مخالفته ، كأنّه لم يطرق سمعها أبداً ، ولا حدّثت به من المسلمين أحداً ، وبسط الكلام في ذلك خارج عن وضع هذا المختصر .
وحسبك ما رواه الحسن بن عرفة ، قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، قال : حدّثنا حُميد الطويل ، عن أنسٍ ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « عليّ بن أبي طالب خير البشر ، من أبىٰ فقد كفر » .
فقيل لها : ولِمَ حاربتيه ؟!
فقالت : والله ما حاربته من ذات نفسي ، وما حملني علىٰ ذلك إلّا طلحة والزبير . انتهىٰ (74) .
فليس مخالفتها لحديث ترويه دليلاً علىٰ بطلانه ـ كما لا يخفىٰ ـ .
والذي ينبغي أن يقال لمن يتشبّث بتلك الحُجّة لإبطال هذا الحديث : إنّ رواية عائشة له من أقوىٰ الشواهد علىٰ صحّته وثبوته ، ولله درّ من قال :
ومليحةٍ شهدت لها ضرّاتها |
والحُسْن ما شهدت به الضرّاء | |
ومناقبٍ شهد العدوّ بفضلها |
والفضل ما شهدت به الأعداء |
ومن كان له قلب أو ألقىٰ السمع وهو شهيد علم لطف الله تعالىٰ في اشتهار الحديث من طريق عائشة ، ولله في خلقه شؤون .
ولولا أنّ الحافظ الغماري من أئمّة الحديث وحذّاق النقّاد لَما أطنبنا معه في الكلام ، لكنّه أتىٰ بكلامٍ غريب استدعىٰ المناقشة والمداقّة ، فبيّنّا ـ بحول الله تعالىٰ وقوّته ـ أنّه ليس بشيء عند المحاقّة .
ثمّ بعد تحرير هذا كتب إلينا شيخنا العلّامة المحدّث أبو اليسر جمال الدين عبد العزيز بن الصدّيق ـ حفّه الله بالعناية والتوفيق ـ أنّه تعقّب كلام شقيقه أبي الفيض في ( المغير ) ، بقوله : هذا لا يكفي في الدلالة علىٰ
الوضع ، فقد تكون ـ يعني عائشة ـ نسيت أو تأوّلت ، وقد حاربه الزبير معها ونسي قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّك ستحاربه وأنت ظالم له » (75) ، حتّىٰ ذكّره عليّ عليه السلام فترك . انتهىٰ .
قلت :
وهذا أيضاً يوهن حكم ذلك الإمام الحافظ ويُبطل جزمه بوضع حديث الباب ، والله المستعان .
وأمّا الألبانيّ الشاميّ ، فله جرأة عظيمة في إطلاق دعوىٰ الوضع علىٰ الأحاديث ـ كما لا يخفىٰ علىٰ من وقف علىٰ كتبه ـ وقد حكم علىٰ هذا الحديث بالوضع (76) ، زاعماً أنّ متنه ظاهر الوضع .
ولعلّه يريد ـ بزعمه ـ نكارة معناه ، فإنّ الحفّاظ يحكمون بوضع الحديث لنكارة معناه مع ثقة رجاله ، لكنّها دعوىً باطلة ـ ، فأيّ نكارة في كون ذِكر أمير المؤمنين ويعسوب الدين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام بالترضّي عنه ، أو بذكر مناقبه وفضائله ، أو بنقل كلامه وتقرير مواعظه وأذكاره وأحكامه ، أو برواية الحديث عنه ، أو نحو ذلك عبادة الله تعالىٰ التي يثيب عليها (77) ، كما روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « النظر إلىٰ عليّ عبادة » (78) ، و « النظر إلىٰ الكعبة عبادة » ، و « انتظار الفرج من الله عبادة » ، و « انتظار الفرج بالصبر عبادة » ، و « ذِكر الأنبياء عبادة » ، و « الصمت أرفع العبادة » ، وأشباه ذلك ونظائره ممّا ورد في السُنّة ، فلا ينكر ذلك إلّا ناصبيّاً ذا قلب مهيض ، وطَرْفٍ مريض ، ( خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (79) .
وكم أنكر هذا المتسلِّف من أحاديث ثابتة في فضل عليّ عليه السلام دفعاً بالصدر ، وتقليداً لأسلافه النواصب كالذهبي وابن تيميّة وأضرابهما ممّن لم يألُ جهداً في إطفاء نور الله تعالىٰ ( وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (80) .
وكان الشيخ العلّامة المحدّث أبو الفيض أحمد بن الصدّيق قد خالط هذا الألبانيّ مدّةً ، استكشف فيها مكنون سريرته ، واستبان حاله وعرف خبث طويّته ، فقال فيه ـ وهو الصادق في قوله ـ : خبيث الطبع ، وهّابيّ ، تيميّ جلد ... إلىٰ آخره .
وقال فيه أيضاً : إنّه في العناد ـ والعياذ بالله ـ خلف الزمزميّ (81) ... إلىٰ آخره .
ولا بدع ممّن نَهَج سبيل ابن قايماز الذهبيّ التركماني ، وكان علىٰ مذهب ابن تيميّة الحرّاني ، أن يردّ مثل هذا الحديث ، لأنّ العرق دسّاس ، والأصل خبيث .
ومَن وقف علىٰ كتابه في الأحاديث الضعيفة والموضوعة تبيَّن له كيف ادّعىٰ الوضع ـ بمجرّد التشهّي ـ في أحاديث صحّحها أو حسّنها الأيقاظ ، من أئمّة الحديث وجهابذة الحفّاظ ، وبادر هو إلىٰ إبطالها وإنكارها من غير تروٍّ ولا تثبّت ، ومن دون استقصاء ولا جمعٍ لطرقها ومتونها ، وهذا شأن من يلقي بنفسه في كلّ وادٍ ، ( وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (82) .
ومن ثَمَّ لا يجوز التعويل علىٰ حكمه ، ولا الاسترواح إلىٰ قوله من دون تثبّت وتحقيق ، وقد تعقّبه جماعة من أهل العصر وبيّنوا أخطاءه في كثير من أحكامه .
وكأنّه حلّ في هذا الزمان محلّ ابن الجوزيّ الذي صار يُضرب المثل بتسرّعه في ردّ الأحاديث عند فرسان هذا الميدان ، بل إنّ أبا الفرج ـ مع تساهله الذائع في إطلاق الوضع علىٰ الأحاديث ـ لم يورد هذا الحديث لا في ( الموضوعات ) ولا في ( الواهيات ) .
ولا هو مذكور في شيء من كتب الموضوعات التي وقفت عليها ـ غير ما ذكرنا ـ كاللآلئ المصنوعة ، وتذكرة الموضوعات ، والأسرار المرفوعة ، والفوائد المجموعة ، واللؤلؤ المرصوع وغيرها ، ولو كان موضوعاً ـ حقّاً ـ لما فات هؤلاء وغيرهم ممّن صنّف في الأحاديث الموضوعة ، ولا ذهلوا عن إيراده في كتبهم ـ مع حرصهم علىٰ جمعها ، وتحرّيهم لضبطها وحصرها ـ .
وكفاكَ شاهداً علىٰ قصور باع الألبانيّ ـ في هذا الشأن ـ أنّه قال في حديث ابن عمر ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « اتّبعوا السواد الأعظم ، فإنّ من شذّ شذّ في النار » : لم أجده في شيء من كتب السُنّة المعروفة ، حتّىٰ الأمالي والفوائد والأجزاء التي مررت عليها . انتهىٰ (83) .
وهذا الحديث أخرجه الحاكم في « المستدرك علىٰ الصحيحين » (84) عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا يجمع الله هذه الأُمّة علىٰ الضلالة أبداً » ، وقال : « يد الله علىٰ الجماعة ، فاتّبعوا السواد الأعظم ، فمن شذّ شذّ في النار » .
فمن كان هذا مبلغ علمه ، كيف يُلقىٰ عنان الانقياد إلىٰ حكمه ـ كما اغترّ به بعض المتسلِّفين الأجلاف في هذا العصر ـ ؟!
وحيث انجرّ الكلام إلىٰ هنا ، فلا بأس بسرد مقالة صدع بها الإمام الحافظ صلاح الدين العلائي ، فإنّ فيها موعظة وذكرىٰ للمتّقين ، ونصيحة لمن أراد الحكم والتكلّم علىٰ الأحاديث بيقين .
قال في النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح (85) : الحكم علىٰ الحديث بكونه موضوعاً من المتأخّرين عسر جدّاً ، لأنّ ذلك لا يتأتّىٰ إلّا بعد جمع الطرق وكثرة التفتيش ، وإنّه ليس لهذا المتن سوىٰ هذه الطريق الواحد ، ثمّ يكون في رواتها من هو متّهم بالكذب ، إلىٰ ما ينضمّ إلىٰ ذلك من قرائن كثيرة تقتضي للحافظ المتبحّر الجزم بأنّ هذا الحديث كذب .
قال : ولهذا انتقد العلماء علىٰ الإمام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وتوسّعه بالحكم بذلك علىٰ كثير من الأحاديث ليست بهذه المثابة ... إلىٰ آخر كلامه .
ولو كان هذا الألبانيّ فتّش عن حديث الباب وفحص عنه ـ بصدقٍ ـ لوجده مرويّاً من غير طريق ـ كما وجدناه ـ لكنّ التعصّب والنّصب قد أصمّاه وأعمياه ، حتّىٰ اتّهم به الحسن بن صابر الكسائي وظنّ أنّ الحديث يدور عليه ، لكن تبيّن لك بطلانه ، وصدق الله العليّ العظيم حيث قال : ( إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (86) .
* * *
الخاتمة نسأل الله تعالىٰ حُسنها
وقد تحصّل ممّا مرّ أنّ الحديث بمقتضىٰ الصناعة حَسَنٌ لغيره .
قال أبو عيسىٰ الترمذي في كتاب العلل : كلُّ حديثٍ يُروىٰ ، لا يكون في إسناده من يُتّهم بالكذب ، ولا يكون الحديث شاذّاً ، ويُروىٰ من غير وجهٍ نحو ذلك فهو عندنا حديث حَسَن (87) . انتهىٰ .
وقال الحافظ جلال الدين السيوطيّ في النكت البديعات علىٰ الموضوعات (88) : المتروك والمنكَر إذا تعدّدت طرقه ارتقىٰ إلىٰ درجة الضعيف القريب ، بل ربّما يرتقي إلىٰ الحَسَن . انتهىٰ .
فإنْ أبىٰ متعنّت إلّا الحكم بضعفه ، تقليداً للحافظ السيوطي ومَن درَجَ علىٰ ذلك ممّن جاء بعده من المقلِّدين الّذين لا يُستجاز الاستدلال بكلامهم ، لأنّه بمنزلة العدم .
قلنا :
لو كان ضعيفاً لكان قريب الضعف ، ولو كان شديد الضعف فلا دليل علىٰ كونه موضوعاً .
وقد نقل الحافظ شمس الدين السخاوي في شرح التقريب عن سيف الدين أحمد بن أبي المجد أنّه قال : أطلق ابن الجوزي الوضع على أحاديث ، لكلام بعض الناس في رواتها ، كقوله : فلان ضعيف ، أو : ليس بالقويّ ونحوهما ، وليس ذلك الحديث ممّا يشهد القلب ببطلانه ، ولا فيه مخالفة لكتاب ولا سُنّة ولا إجماع ، ولا ينكره عقل ولا نقل ، ولا حُجّة معه سوىٰ كلام ذلك الرجل في رواته ، وهذا عدوان ومجازفة (89) . انتهىٰ .
قلت :
ونظير ذلك صنيع بعض الناس في إطلاق الوضع علىٰ هذا الحديث ، مع أنّه لم يقدح في راويه إلّا ابن حبّان بقوله : « منكَر الحديث جدّاً » وقد تكلّمنا علىٰ هذا الجارح وجرحه ـ في ما سلف
وما أبعد هذا من قول الحافظ السخاوي : إنّ مجرّد اتّهام الراوي بالكذب ـ مع تفرّده ـ لا يسوّغ الحكم بالوضع ، ولذا جعله شيخنا ـ يعني الحافظ ابن حجر ـ نوعاً مستقلاً وسمّاه « المتروك » ، وفسّره بأن يرويه من يُتّهم بالكذب ، ولا يُعرف ذلك الحديث إلّا من جهته ، ويكون مخالفاً للقواعد .
قال : وكذا مَن عُرف بالكذب في كلامه ـ وإن لم يظهر وقوعه منه في الحديث ـ وهو دون الأوّل (90) . انتهىٰ .
قلت :
هذا هو التورّع في الحكم علىٰ الأحاديث ، دون التسرّع والاقتحام من دون تدبّر وإمعان وتتبّع .
فإذا كان الحديث قد تدنّىٰ وانحطّ إلىٰ هذه المرتبة ، ومع ذلك لم يجز إطلاق الوضع عليه ، فعدم جواز اطلاقه علىٰ حديث الترجمة ـ الذي لم يُتّهم أحدٌ من رواته بالكذب ـ أَوْلىٰ ـ كما لا يخفىٰ علىٰ من أنصف من نفسه ـ والله يحقّ الحقّ وهو يهدي السبيل .
هذا ، مع إطباق جمهور الفقهاء والأُصوليّين والحفّاظ علىٰ أنّ الحديث الضعيف حُجّة في المناقب كما أنّه حُجّة في فضائل الأعمال بإجماع من يُعتدّ به .
وإذا ثبت ذلك لم تبقَ شبهة لمعاند ، ولا مطعن لحاسد ، بل وجب علىٰ كلّ من له أهليّة أن يقرّ هذا الحقّ في نصابه ، وأن يردّه إلىٰ إهابه ، وأن لا يصغي إلىٰ ترّهات المضلّين ، ونزغات المبطلين .
فإنّ الحكم بالوضع علىٰ هذا الحديث مبالغة وإسراف ، وإفراط واعتساف ، نسأل الله تعالىٰ السلامة من خزي الدنيا وعذاب يوم القيامة ، إنّه سبحانه سميع مجيب ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب .
* * *
وكان الفراغ من جمع هذا الجزء وتنميقه ، وتحريره وتنسيقه ، منتصف ليلة الجمعة المباركة ، ثامن عشر شهر صفر ، ختم بالخير والظفر ، من شهور سنة سبع عشرة وأربعمائة وألف من الهجرة النبويّة ، علىٰ مهاجرها أفضل صلاة وأزكىٰ تحيّة ، بدار العلم والإيمان ، بلدة « قم » الطيّبة صينت عن نوائب الزمان ، علىٰ يد الفقير إلىٰ الله تعالىٰ خادم الحديث والسُنّة المطهّرة ، حسن بن صادق بن هاشم الحسيني آل المجدّد الشيرازي ، غفر الله له ولوالديه ، ورحم ذلّه يوم الوقوف بين يديه ، آمين اللّهمّ آمين .
والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّىٰ الله وسلَّم علىٰ سيّدنا محمّد ، وعلىٰ آله الطيّبين الطاهرين ، وصفوة صحبه والتابعين إلىٰ يوم الدين .
المصادر
1 ـ الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة ، لمحمّد عبد الحيّ اللكهنوي ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدّة ـ ط مكتب المطبوعات الإسلاميّة ـ الطبعة الثانية ، سنة 1404 هـ .
2 ـ اختصار علوم الحديث ، لابن كثير الدمشقي ، بتعليق وشرح صلاح محمّد عويضة ـ ط دار الكتب العلميّة ـ بيروت ، الطبعة الأولىٰ ، سنة 1409 هـ .
3 ـ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، لابن قيّم الجوزيّة ـ ط الميمنيّة ، القاهرة .
4 ـ أمالي الصدوق ، لأبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي ـ ط مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، الطبعة الخامسة ، سنة 1400 هـ .
5 ـ بيان نكث الناكث المتعدّي بتضعيف الحارث ، لشيخنا العلّامة المحدّث السيّد عبد العزيز محمّد بن الصديق الغُماري الحسني ـ الطبعة الثانية ، سنة 1405 هـ .
6 ـ تاريخ دمشق (ترجمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام) ، لابن عساكر ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ـ ط مؤسّسة المحمودي ـ بيروت .
7 ـ تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، لجلال الدين السيوطي ، تحقيق أحمد عمر هاشم ـ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت ، سنة 1414 هـ .
8 ـ تذكرة الحفّاظ ، للحافظ شمس الدين الذهبيّ ، ط حيدر آباد ، سنة 1377 هـ .
9 ـ تقريب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، تحقيق محمّد عوّامة ـ ط دار الرشيد ـ سوريا ، الطبعة الرابعة ، سنة 1412 هـ .
10 ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة ، لأبي الحسن علي بن عرّاق الكناني ، تحقيق عبد الوهّاب بن عبد اللطيف ـ ط دار الكتب العلميّة ـ بيروت .
11 ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، سنة 1412 هـ .
12 ـ توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار ، لمحمّد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ـ ط مطبعة السعادة ـ سنة 1366 هـ .
13 ـ التيسير بشرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المُناوي .
14 ـ الثقات ، لابن حبّان ـ ط حيدرآباد ـ الطبعة الأولىٰ ، سنة 1393 هـ .
15 ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، للسيوطي ، طبعة دار الفكر ـ بيروت ، سنة 1401 هـ .
16 ـ جمع الجوامع ، لعبد الوهّاب بن السبكي ، المطبوع مع حاشية البنّاني ـ ط دار إحياء الكتب العربية ـ مصر .
17 ـ الرفع والتكميل والتعديل ، لمحمّد عبد الحيّ اللكنوي ، تحقيق عبد الفتاح أبو غُدّة ـ ط مكتب المطبوعات الإسلاميّة ـ الطبعة الثالثة ، سنة 1407 هـ .
18 ـ سلسلة السقام في زيارة خير الأنام ، لعليّ بن عبد الكافي السبكي ـ ط حيدر آباد ـ الطبعة الثانية ، سنة 1402 هـ .
19 ـ ضعيف الجامع الصغير وزيادته ، لمحمّد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثالثة ، سنة 1410 هـ .
20 ـ علوم الحديث ، لأبي عمرو بن الصلاح ، تحقيق نور الدين عتر ـ ط دار الفكر ـ دمشق ، سنة 1406 هـ .
21 ـ علوم الحديث ومصطلحه ، لصبحي الصالح ، ط مطبعة جامعة ـ دمشق 1379 هـ .
22 ـ فتح الملك العليّ بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ ، للإمام الحافظ المحدّث أحمد بن محمّد بن الصديق الحسني المغربي ، ط النجف بتحقيق الأميني .
23 ـ فرائد السمطين في فضائل الرسول والبتول والمرتضىٰ والسبطين عليهم السلام ، لمحمّد بن إبراهيم الحموي ، ط بيروت بتحقيق المحمودي ، سنة 1400 هـ .
24 ـ فضائل الخمسة من الصحاح الستّة ، للعلّامة الفيروزآبادي ، ط مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، الطبعة الرابعة ، سنة 1402 هـ .
25 ـ فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت ، لمحمّد بن نظام الدين الانصاريّ ، المطبوع بهامش المستصفىٰ ـ ط المطبعة الأميريّة ـ بمصر ، سنة 1325 هـ .
26 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المُناوي ، ط مصر سنة 1357 هـ .
27 ـ كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين ، لابن حبّان ، توزيع دار الباز بمكّة المكرّمة ، تحقيق محمود إبراهيم زايد .
28 ـ الكشف الإلهيّ عن شديد الضعف والموضوع والواهي ، لمحمّد بن محمّد بن محمّد الحسيني الطرابلسي السندروسي ، ط مكتبة الطالب الجامعي بمكة المكرّمة ، تحقيق محمّد محمود أحمد بكار .
29 ـ لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط حيدرآباد ـ سنة 1331 هـ .
30 ـ المستدرك علىٰ الصحيحين ، للحاكم النيسابوري ـ ط حيدرآبادي ـ سنة 1344 هـ .
31 ـ مسند الشهاب ، للقاضي القضاعي ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي .
32 ـ مشكاة المصابيح ، للخطيب التبريزي ، تحقيق محمّد ناصر الدين الألباني ، منشورات المكتب الإسلامي بدمشق ، ط سنة 1382 هـ .
33 ـ المغير علىٰ الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير ، لأبي الفيض احمد بن محمّد بن الصديق الغماري الحسني ، ط دار الرائد العربي ـ بيروت ، سنة 1402 هـ .
34 ـ مائة منقبة من مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، لأبي الحسن ابن شاذان القميّ ، ط الدار الإسلامية ، بيروت ـ الطبعة الاولىٰ ـ سنة 1409 هـ ، تحقيق نبيل رضا علوان .
35 ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، للفقيه ابن المغازلي الشافعي ، ط دار الأضواء ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ، سنة 1412 هـ .
36 ـ المناقب ، للموفّق بن أحمد الخوارزميّ ـ ط المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ، سنة 1385 هـ .
37 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للحافظ شمس الدين الذهبي ، تحقيق علي محمّد البجاوي ـ ط دار المعرفة ـ بيروت .
38 ـ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، للحافظ ابن حجر ، تحقيق نور الدين عتر ـ ط دار الخير ـ الطبعة الثانية ـ سنة 1414 هـ .
39 ـ النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح ، للحافظ صلاح الدين العلائي ، ط دار مسلم ، بتحقيق محمود سعيد ممدوح ـ الطبعة الاولىٰ ـ سنة 1410 هـ .
40 ـ النكت البديعات علىٰ الموضوعات ، لجلال الدين السيوطي ، تحقيق عامر أحمد حيدر ، ط دار الجنان ـ الطبعة الأولىٰ ـ سنة 1411 هـ .
41 ـ هدي الساري مقدمة فتح الباري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط دار الريان للتراث ـ مصر ، سنة 1407 هـ .
* * *
الهوامش
1. تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ 2 / 408 ح 907 .
2. المناقب : 128 ، المنقبة الثامنة والستّون .
3. التيسير بشرح الجامع الصغير 2 / 20 .
4. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير 2 / 665 ح 4332 .
5. الكشف الإلٰهيّ 1 / 358 .
6. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 216 .
7. كتاب المجروحين 1 / 239 .
8. ميزان الاعتدال 1 / 496 .
9. الأنساب 3 / 74 ـ الرضا ـ ، تهذيب التهذيب 4 / 244 .
10. فتح الملك العليّ : 130 ـ 131 .
11. ميزان الاعتدال 3 / 507 ، تذكرة الحفّاظ 3 / 921 .
12. ميزان الاعتدال 1 / 274 ، تهذيب التهذيب 1 / 233 .
13. أي : عاب وشتم ، انظر : لسان العرب 11 / 178 مادّة « قصب » .
14. ميزان الاعتدال 2 / 53 .
15. تقريب التهذيب : 260 .
16. ميزان الاعتدال 3 / 45 ـ 46 .
17. سورة آل عمران 3 : 119 .
18. تهذيب التهذيب 5 / 269 .
19. المجروحين 1 / 295 ، الثقات 6 / 293 .
20. ميزان الاعتدال 2 / 29 .
21. كتاب المجروحين 1 / 306 ، الثقات 4 / 255 ـ 256 .
22. ميزان الاعتدال 2 / 91 .
23. كتاب المجروحين 2 / 55 ، الثقات 5 / 95 .
24. ميزان الاعتدال 2 / 552 .
25. التاريخ الكبير 2 / 76 رقم 1743 ، هدي الساري ـ مقدّمة فتح الباري ـ : 412 .
26 الرفع والتكميل : 274 .
27. الرفع والتكميل : 265 .
28. الأجوبة الفاضلة : 179 .
29. سورة يوسف 12 : 26 .
30. ميزان الاعتدال 1 / 118 .
31. لسان الميزان 2 / 308 .
32. فتح الملك العليّ : 135 .
33. شفاء السقام في زيارة خير الأنام : 29 .
34. تنزيه الشريعة المرفوعة 2 / 304 .
35. فيض القدير 3 / 565 .
36. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 217 .
37. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 216 .
38. بيان نكث الناكث : 34 .
39. الكشف الإلٰهيّ 1 / 358 .
40. الكشف الإلٰهيّ 1 / 65 .
41. كما في نزهة النظر ـ شرح « نخبة الفكر » للحافظ ابن حجر ـ : 100 ، فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت 2 / 146 .
42. شرح الشرح ـ للقاري ـ : 154 .
43. علوم الحديث : 112 .
44. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1 / 268 .
45. علوم الحديث : 33 .
46. وهو سُليم بن أيوب الرازي ، كما يُعلم من علوم الحديث : 112 ، جمع الجوامع ـ لابن السُبكي ـ 2 / 150 ، المطبوع مع « حاشية البنّاني » و « تدريب الراوي » ـ للحافظ السيوطي ـ 1 / 268 . وهو مذهب ابن فَوْرَك أيضاً ، كما في جمع الجوامع 2 / 150 .
47. علوم الحديث : 31 .
48. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ـ لابن المغازلي ـ : 195 ـ 196 .
49. فتح الملك العليّ : 106 .
50. تذكرة الحفاظ 3 / 978 .
51. ميزان الاعتدال 1 / 5 .
52. فتح الملك العليّ : 109 .
53. سورة يوسف 12 : 21 .
54. سورة التوبة 9 : 32 .
55. صحيح البخاري : كتاب الصلح ـ باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان بن فلان .. الخ ـ كتاب المغازي ـ باب عمرة القضاء .
56. صحيح مسلم : كتاب الإيمان ـ باب الدليل علىٰ أنّ حبّ الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان .
57. سورة يونس 10 : 32 .
58. انظر في ذلك أيضاً : دراسات في الجرح والتعديل : 2 ـ 153 ، لمحمّد ضياء الرحمٰن الأعظمي ـ ط دار الغرباء الأثريّة بالمدينة المنوّرة سنة 1417 هـ .
59. هدي الساري : 403 ، تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 18 .
60. اختصار علوم الحديث : 50 .
61. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان : 160 .
62. توضيح الأفكار 2 / 4 ، بواسطة علوم الحديث لصبحي الصالح .
63. رواه ابن شاذان رحمه الله في « المناقب » المنقبة المائة / 163 ؛ ومن طريقه الخوارزمي في المناقب : 2 ، والحمويني في فرائد السمطين 1 / 19 ، وكذا أخرجه الصدوق ابن بابويه رحمهالله في الأمالي : 119 .
64. ميزان الاعتدال 3 / 550 .
65. ميزان الاعتدال 3 / 550 ، لسان الميزان 5 / 169 .
66. مسند الشهاب 2 / 109 .
67. كما في سُنن الدارقطني 1 / 123 ـ باب ذكر قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة » ، واختلاف الروايات في ذلك .
وقد تكلّم النسائي في أبي حنيفة ، كما في بعض نسخ « ميزان الاعتدال » ، وص 121 من « الرفع والتكميل » ، وكذا الخطيب تكلّم فيه البغداديّ في تاريخه ، وتبعه ابن الجوزي .
68. فواتح الرحموت 2 / 154 ، الرفع والتكميل : 70 وما بعدها .
69. لسان الميزان 5 / 168 .
70. المغير علىٰ الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير : 66 .
71. راجع : فتح الملك العليّ : 137 ـ 140 .
72. راجع : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 6 / 215 ، و 20 / 17 و 22 ، وتاريخ الطبري 3 / 477 ، والنهاية ـ لابن الأثير ـ 5 / 80 ، وتاج العروس 8 / 141 ، والكامل في التاريخ 3 / 260 .
73. تاريخ الطبري 4 / 115 ، طبقات الصحابة 3 القسم الأوّل ص 27 ، ومقاتل 26 .
74. المناقب ـ لابن شاذان ـ : المنقبة السبعون / 130 .
75. المستدرك علىٰ الصحيحين 3 / 366 ، الفضائل الخمسة في الصحاح الستة 2 / 404 ـ 408 .
76. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 216 ، ضعيف الجامع الصغير : 448 .
77. كما في فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ـ 3 / 565 .
78. وقد جمع شيخنا العلّامة ابن الصدّيق طرق هذا الحديث وصحّحه في جزء لطيف سمّاه « الإفادة » ، أجاد فيه وأفاد .
79. سورة البقرة 2 : 7 .
80. سورة التوبة 9 : 32 .
81. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 4 / 6 .
82. سورة الرعد 13 : 33 .
83. مشكاة المصابيح 1 / 62 .
84. المستدرك علىٰ الصحيحين 1 / 115 .
85. النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح : 30 .
86. سورة النجم 53 : 28 .
87. سنن ! الترمذي 5 / 758 .
88. النكت البديعات علىٰ الموضوعات : 299 .
89. تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 10 .
90. تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 10 .
مقتبس من مجلّة « تراثنا » / العدد : 49 / الصفحة : 76 ـ 120
التعلیقات