ولعن الله عمر بن سعد
ميرزا أبي الفضل الطهراني
منذ سنتينوَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ..
الشرح : عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الصحابة وأصحاب الشورى المتخلّفين عن أمير المؤمنين ، وكان من كبار رجال عصره ، وكان يرمى بالدعوة ـ بكسر الدال ـ وقد تعرّض علماء النسب لذكر نسبه . وجاء في مروج الذهب حديث حول المقام ننقله استطرافاً واستطراداً وهو كما يلي :
روى المسعودي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حجّ معاوية طاف في البيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية لعنه الله في عليّ عليه السلام وشرع في سبّه .
فزحف سعد ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ثمّ شرعت في سبّ عليّ ، والله لئن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لئن أكون صهراً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وإنّ لي من الولد ما لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس . والله لئن يكون قال لي ما قاله يوم خيبر : لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس . والله لئن يكون رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض .
ثمّ يقول المسعودي رحمه الله : ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره : إنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية (1) وقال له : اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت : ما كنت عندي قطّ ألأم منك الآن ، فهلّا نصرته وقد قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبيّ صلّى الله عليه وآله مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعليّ ما عشت .
فقال سعد : والله إنّي لأحقّ بموضعك منك .
فقال معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة ، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة .
قال النوفلي : وفي ذلك يقول السيّد بن محمّد الحميري :
سائل قريشاً بها إن كنت زاعمه |
من كان أثبتها في الدين أوتاداً |
|
من كان أقدمها سلماً وأكثرها |
حلماً وأطهرها أهلاً وأولادا |
|
من وحّد الله إذ كانت مكذّبة |
تدعو مع الله أوثاناً وأندادا |
|
من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا |
عنها وإن بخلوا في أزمة جادا |
|
من كان أعدلها حكماً وأقسطها |
حلماً وأصدقها وعداً وإيعادا |
|
إن يصدقوك فلم (2) بعدوا أبا حسن |
إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا |
|
إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف |
ومن عديّ لحق الله حجّادا |
|
أو من بني عامر أو من بني أسد |
رهط العبيد ذوي جهل وأوغادا |
|
أو رهط سعد وسعد كان قد علموا |
عن مستقيم صراط الله صدّادا |
|
قوم تداعوا زنيماً ثمّ سادهم |
لولا خمول بني زهر لما سادا (3) |
ومن هنا يعرف نسب عمر بن سعد وسلامة فطرته عليهما اللعنة ، فقد ورث الولادة المشبوهة من والده المنافق .
وحكي عن تقريب ابن حجر قيل إنّه من الصحابة وهذا خطأ لأنّ يحيى بن معين جزم بولادته يوم وفاة عمر بن الخطّاب (4) ولا ينافي هذا الجزم ما ورد في الكامل بأنّه سعى لنيل أبيه الخلافة بعد هلاك عثمان (5) لأنّه يعلم منه أنّه لم يكن في ذلك الوقت طفلاً .
وفي الكامل أيضاً : عن ابن سيرين : قال عليّ لعمر بن سعد : كيف وأنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار (6) .
وفي أمالي الشيخ الصدوق رواية يرويها عن أبيه المعظّم عن الكميداني [ الكمنداني ـ المؤلّف ] عن ابن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن جعفر بن محمّد الكوفي ، عن عبد الله السمين ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلّا نبّأتكم به .
فقام إليه سعد بن أبي وقّاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة .
فقال له : أما والله لئن سألتني عن مسألة حدّثني خليلي رسول الله إنّك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلّا وفي أصلها شيطان جالس ، وإنّ في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني ، وعمر بن سعد يومئذٍ يدرج بين يديه (7) .
وهذا الخبر غاية في الضعف لضعف الكمنداني ، وجعفر بن محمّد الكوفي ، وعبيد بن سمين مجهول بل ابن عيسى أيضاً ، وإن كان المناسب في تدرّج الطبقات أن يكون الواسطة بين الكمنداني وابن أبي نجران أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولكن كان التعبير بابن عيسى خلاف المعهود .
وزبدة القول أنّ السند معلول والقرائن الدالّة على خلافه واحد أو اثنان ، وأوضحها أنّ سعداً كان من المتخلّفين عن بيعة الإمام عليه السلام ولم يطأ أرض الكوفة يومئذٍ ولم يضمّه مجلس تحت منبر الإمام عليه السلام مضافاً إلى أنّ سعداً يحظى بشيء من الاحترام لهجرته ولكونه أحد الذين رشّحهم عمر للخلافة ، ولمّا كان عصر الإمام يتّسم باضطراب الاُمور وعدم الانتظام فلا يستدعي الحال هذا الجواب الشديد من جانب الإمام عليه السلام ، بل كان الإمام نفسه على طرف التقيّة وتأليف القلوب على أنّ سمة الصلاح الظاهري على سعد يردعه عن سؤال الجهّال والحمقى .
ويؤيّده ما ورد في الاحتجاج نظير هذه الرواية مع اختلاف يسير وفيها مكان سعد : وقام رجل وصرّح بطفولة وصغر تلك السخلة التي ما زالت تحبو على يديها ورجليها ويمكن أن يراد منه يزيد أبو خولّى أو أنس أبو سنان ، أمّا ذو الجوشن أبو الشمر فلم يكن أسلم بعد (8) . وكان الشمر في زمن أمير المؤمنين يعدّ من الرجال الأبطال كما سنذكره قريباً .
وخلاصة القول : كان لعمر بن سعد يوم عاشوراء من العمر سبع وثلاثون عاماً ، وقتل في سنة ستّ وستّين هجريّة بيد كيسان أبي عمرة بأمرٍ من المختار ، وأقبلوا بالرأس إلى مجلسه ووضع بين يدي ولده حفص ، وقال له المختار : هل تعرف هذا ؟ فقال : نعم ولا خير في الحياة بعده ، فأمر المختار بقطع رأسه وقال : عمر بالحسين وحفص بعليّ بن الحسين ، لا والله ولو قتلت ثلاثة أرباع قريش لا تعدل أنملة من أنامل الحسين عليه السلام ، واستجيب للحسين دعائه عليه حيث قال : « سلّط الله عليك من يذبحك على فراشك » لأنّه وصل إلى دركات الجحيم من بيته وهو آمن في غاية الذلّ والمهانة .
نادرة
في تقريب ابن حجر ـ كما نقل الرواة ذلك ـ أنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين من الثانية ، قتله المختار سنة خمس وستّين أو بعدها ووهم من ذكره في الصحابة فقد جزم ابن معين بأنّه ولد يوم مات عمر بن الخطّاب .. (9) انتهى .
وهنا يملك الإنسان العجب من اعتبار ابن سعد من طبقة التابعين بإحسان ويُعدّ له ويريد بحيلة أن يبرئه من قتل ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث يقول : كان أميراً ولا يقول : قتل الحسين عليه السلام .
والحقّ يقال : إنّ الدين الذي يرى يزيد إماماً مفترض الطاعة لا بدع إذا رأى ابن سعد عادلاً صادق اللهجة ، ومنه يأخذون أحكام الدين وسوف نشير إلى ذلك فيما يأتي (10) من أنّ قواعد دين أهل السنّة توجب أن لا يكون هؤلاء خارجين على الدين ، أنعم بهذه الشريعة والملّة ، وأنعم بهذه الطريقة والمذهب (11) .
الهوامش
1. ضرط له : عمل بفيه ما يشبه الضراط والمؤلّف فهم المعنى على الحقيقة ولذا قال : بادى از خود رها كرد براى او ، أي أطلق له الريح من تحته ، وهذا ينافي ما هم عليه لعن الله معاوية . ( المترجم )
2. فلن .
3. مروج الذهب ٣ : ١٥ ط دار الهجرة ـ ايران . ( هامش الأصل ) ٣ : ٢٤ و ٢٥ ط مؤسسة الأعلمي تحقيق عبد الأمير مهنّا . ( المترجم )
4. يقال : إنّ المولود في تلك الليلة هو عمر بن أبي ربيعة ولذا سمّي باسم عمر . ( المترجم )
5. كامل ابن الأثير ٣ : ٣٣ بيروت ـ دار صادر . ( هامش الأصل )
6. الكامل لابن الأثير ٣ : ٣٣ بيروت ـ دار صادر . ( هامش الأصل ) ٤ : ٤٧ . ( المترجم )
7. أمالي الشيخ الصدوق : ١٣٣ .
8. ترجم له ابن حجر في الإصابة وقال : اسمه ذو الجوشن الضبابي ـ إلى أن يقول : ـ وقيل له ذلك « ذو الجوشن » لأنّ صدره كان ناتئاً وكان فارساً شاعراً ـ إلى أن يقول : ـ وله حديث عند أبي داود من طريق أبي إسحاق عنه وقال إنّه لم يسمع منه وإنّما سمعه من ولد شمر ، والله أعلم . [ ٢ : ٤١٠ ] وهذا يدلّ على أنّه أسلم ولا يشكّ أحد بذلك ولكنّه سرق من صدقات رسول الله عندما استعمله عليها . ( المترجم )
9. تقريب التهذيب ١ : ٧١٧ طبعة ثانية ١٤١٥ ، بيروت ـ دار الكتب العلميّة . ( المترجم )
10. في شرح « اُمّة أسرجت وألجمت وتنقّبت » وشرح حال يزيد بن معاوية لعنهما الله . ( هامش الأصل )
11. يقول ذلك على طريقة الهزء بهم ، أنعم وأنعم . ( المترجم )
مقتبس من كتاب : شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور / المجلّد : 1 / الصفحة : 383 ـ 387
التعلیقات