أريد دليل صريح من القرآن يحلّل العون من غير الله ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 4 سنواتالسؤال :
طلب العون من غير الله شرك. الرسول عليه السلام والصحابه الكرام هم الآن أموات ، فكيف تطلب العون من ميّت وتذكرو انّ الله قال : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) ؟
أبغاكم تجيبوا لي دليل صريح من القرآن يحلّل الشرك.
الجواب :
قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (1).
كيف يكون طلب العون من غير الله تعالى شركاً مع انّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ سليمان النبي عليه السلام طلب من ملائه أن يأتوا بعرش بلقيس ، فقال عفريت من الجنّ : أنا آتيك بعرشها في قبل ان تقوم من مقامك ، وقال آصف بن برخيا : أنا آتيك به في طرفة عين ، وقد أتى به بطريق إعجازي ؛ فهل كان سليمان مشركاً ؟ ولماذا لم يطلب من الله تعالى وطلب من المخلوقين ؟
ثمّ ماذا تقول عن إخوة يوسف حيث قالوا لأبيهم يعقوب النبي عليه السلام : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (2) ، فلم يقل لهم أبوهم يعقوب طلبكم هذا شرك فاطلبوا من الله تعالى أن يغفر لكم ، بل قرّرهم ووعدهم بأن يستغفر لهم ؛ فهل كان طلبهم العون من أبيهم وشركاً ؟ وهل قرّرهم النبي يعقوب عليه السلام على الشرك ؟!
وإذا كان طلب العون من غير الله تعالى ـ مع العلم بأنّ الله تعالى هو مسبّب الأسباب ـ شركاً ، فكيف تفسير قول الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (3) كيف صار المجيء إلى الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله شرطاً لقبول توبتهم ؟ وهل هذا إلّا طلب العون من الرسول لكي يتوسّط بينهم وبين الله تعالى ليغفر لهم ؟!!
وإذا كان طلب العون من المخلوق شركاً ، فذهاب المريض إلى الطبيب وطلب العلاج منه شرك ، لأنّه طلب العون من غير الله تعالى.
ثمّ ماذا تصنع بالحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه وغيره من المحدّثين : انّ عمر بن الخطاب توسّل بالعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وآله في الإستسقاء ، وقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا وها نحن نتوسّل بعمّ نبيّك فأمطرنا.
وهل كان عمر مشركاً حيث طلب من العبّاس ان يدعو الله لأجل الإستسقاء ؟!
إن قلت : انّ هؤلاء توسّلوا بالأحياء وطلبوا العون من الأحياء ، قلنا : هل الطلب من غير الله شرك أم لا ؟ فإذا كان شركاً فلا فرق بين الطلب من الحيّ أو الميّت ، ولا بين الطلب من الإنسان أو الجماد ، وإذا لم يكن شركاً فلا فرق أيضاً بين الطلب من الحيّ أو من الميّت ؛ غاية الأمر يكون الطلب من الميّت لغواً وعبثاً لا أنّه شرك ؛ لأنّه لو كان شركاً فلأجل كونه طلباً من غير الله وهذا يصدق في الطلب من الحيّ.
فالصحيح هو انّ الله تعالى مسبّب الأسباب وعلّة العلل ولا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى ، غاية الأمر أبى الله تعالى إلّا أن يجري الأمور بأسبابها ، فحينما نطلب العون من السبب التكويني أو السبب العيني ففي الحقيقة نطلب من الله تعالى الذي هو مسبّب الأسباب ، فالله تعالى أراد أن يبيّن ويوضح للأمّة مقام رسول الله صلّى الله عليه وآله ومنزلته الشريفة ، فأمر الناس بالتوجّه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وجعله واسطة بينه وبين خلقه ليقضي حوائجهم ويغفر لهم ذنوبهم ؛ فقال : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ). فالمسلم كان بإمكانه أن يستغفر بنفسه ويطلب المغفرة من الله تعالى ، لكن الله أمره أن يأتي إلى النبي ويطلب منه الإستغفار له ، كما انّ المسلمين كانوا يتمكّنون من الدعاء والاستسقاء بأنفسهم ، لكنّ الله تعالى أمرهم بالتوسّل إلى النبي وجعله واسطة بينهم وبين الله تعالى لينزل عليهم المطر ؛ كما يظهر من قول عمر : اللهم إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا.
هذا مضافاً إلى قوله تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (4).
بل حتّى الأموات قد يكونا أحياء في عالم البرزخ والقبر ؛ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (5).
وورد في الحديث : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » (6).
وتكلّم النبي صلّى الله عليه وآله مع موتى المشركين في قليب بدر معروف ومشهور ولما اعترض بعض الصحابة : كيف تكلّم الموتى ؟ قال : انّهم أسمع منكم. (7)
الهوامش
1. محمّد : 24.
2. يوسف : 97.
3. النساء : 64.
4. آل عمران : 169.
التعلیقات
١