لماذا زوّج سيّدنا علي رضي الله عنه أخت الحسن و الحسين ـ أم كلثوم ـ إلى عمر ابن الخطاب ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 3 سنواتالسؤال :
لماذا زوّج سيّدنا علي رضي الله عنه أخت الحسن و الحسين ـ أم كلثوم ـ إلى عمر ابن الخطاب ؟
الجواب :
بعد التحقيق والتتبّع التامّ يظهر انّ أصل قضيّة زواج عمر بن الخطاب من اُمّ كلثوم بنت علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام كذب محض ، وصنعه واخترعه الزبير بن بكار ، وهو من أعداء أهل البيت عليهم السلام.
قال الشيخ المفيد ـ وهو من أعظم علماء الإماميّة ـ في المسائل السرويّة :
إنّ الخَبَرَ الوارِدَ بتَزْويجِ أَميرِ المُؤْمنينَ عَليهِ السَّلامُ ابْنَتَهُ مِنْ عُمَرَ غيرُ ثابتٍ ، وطريقُهُ مِنَ الزُّبَيْر بن بَكّار ، ولَمْ يكُن مَوْثُوقاً بهِ في النَّقْلِ ، وكانَ متَّهَماً فِيما يَذْكُره ، وكانَ يبْغضُ أميرَ المُؤْمنينَ عَليهِ السَّلامُ ، وَغَيْر مَأْمُونٍ فِيما يدَّعِيهِ على بَني هاشِم.
وإِنّما نَشَرَ الحَديثَ إثْباتُ أبي مُحمّدٍ الحَسَن بن يَحْيَى صاحِب النَّسَب ذلكَ في كِتابه ، فَظّنَّ كثيرٌ مِنَ النَّاس أنَّه حَقٌّ لرواية رَجُلٍ عَلَويٍّ لَهُ ، وهو إنَّما رواه عن الزُّبَيْرِ بنِ بكّار.
والحَديثُ بنَفْسِهِ مُختَلِفٌ ، فتارةٌ يُروى : أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ عَليهِ السَّلامُ تولَّى العَقْدَ لَهُ على ابنته.
وتارةٌ يُروى أنَّ العبّاس انّه تولّى ذلك عنه.
وتارةً يُروى : أنَّه لَمْ يَقَعِ العَقْدُ إِلّا بعد وَعِيد مِن عُمَرَ وتَهْديدٍ لِبَني هاشِم.
وتارةُ يُروى أنَّهُ كان عن اخْتيارٍ وإيثار.
ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الرُّواةِ يَذْكُرُ أنَّ عُمَرَ أوْلَدَها ولداً أسماهُ زَيْداً.
وبَعْضُهُمْ يَقولُ : إنَّهُ قُتلَ قَبْلَ دُخولهِ بهَا.
وبعْضُهُمْ يقولُ : إِنَّ لِزَيْد بن عُمَرَ عَقِباً.
ومِنْهُم مَن يَقُولُ : إنَّّهُ قُتِلَ ولا عَقِبَ لَهُ.
ومِنْهُم مَنْ يَقولُ : إنَّه وأُمَّهُ قُتِلا.
ومِنْهُم مَنْ يَقولُ : إنَّ أُمَّهُ بَقِيَت بَعده.
ومِنْهُم مَنْ يَقولُ : إنَّ عُمَرَ أمْهَرَ أُمَّ كُلثوم أربعينَ أَلْفَ دِرْهَم.
ومِنْهُم مَنْ يَقولُ : مَهَرَها أربعةَ آلاف دِرْهَم.
ومِنْهُم مَنْ يَقولُ :كانَ مَهْرُها خَمسمائة دِرْهَم.
وبُدُوّ هذا الاخْتِلافِ فِيه يُبْطِل الحَديث ، فلا يكونُ لَهُ تأْثِيرٌ على حال.
فصل :
[ تَأْوِيلُ الخَبَر ]
ثُمَّ إنَّه لو صَحَّ لَكَانَ له وَجْهان لا يُنافيان مَذْهَبَ الشِّيعةِ في ضَلالِ المُتَقَدِّمينَ على أميرِ المُؤْمِنينَ عَليهِ السَّلامُ :
أحدهما : أنَّ النِكاحَ إنَّما هُوَ على ظاهِر الإِسلامِ الذي هُوَ : الشَّهادَتان ، والصَّلاةُ إلى الكَعْبَةِ ، والإِقْرارُ بجُملَةِ الشَّريعةِ.
وإن كان الْأَفْضَل مُناكَحةُ مَنْ يَعتَقِد الإِيمانَ ، وتَرْكُ مُناكَحةِ مَن ضَمَّ إلى ظاهِرِ الإِسلامِ ضَلالاً لا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِسلامِ ، إلّا أنَّ الضَرورَةَ متى قادَت مُناكَحَة الضَالّ مع إظْهَارِهِ كَلِمة الإِسلامِ زالتِ الكراهةُ مِن ذلكَ ، وَسَاغَ ما لَمْ يكُن بِمُسْتَحَبّ مع الاخْتِيار.
وأَميرُ المُؤمنينَ عَليهِ السَّلامُ كانَ مُحتاجاً إلى التَأْليفِ وحَقْنِ الدِماء ، ورأَى أنَّه إنْ بَلَغ مَبلغ عُمَر عمّا رَغِبَ فيهِ مِن مُناكحتِهِ ابنته أثَّر ذلك الفَسادَ في الدِّين والدُنيا ، وأَنَّه إنْ أجابَ إليهِ أعْقَبَ صَلاحاً في الْأَمْرَينِ ، فأجابَهُ إلى مُلْتَمَسِهِ لِما ذكرناه.
والوَجْهُ الآخَر : أنَّ مُناكَحَة الضَالِّ ـ كَجَحْدِ الإِمامة ، وادِّعائها لِمَن لا يستَحِقُّها ـ حرامٌ ، إِلّا أَنْ يَخافَ الإِنسانُ على دِينه وَدَمِه ، فيجوزُ لَهُ ذلك ، كما يجوزُ لَهُ إظْهارُ كَلِمة الكُفْرِ المُضَادَّة لِكَلِمةِ الإِيمانِ ، وكما يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الميتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ عِنْدَ الضَّروراتِ ، وإِنْ كانَ ذلكَ مُحَرَّماً معَ الاخْتِيار.
وأَميرُ المُؤمنينَ عَليهِ السَّلامُ كانَ مُضْطَرّاً إلى مُناكَحَةِ الرَّجُل لأنَّه يُهَدِّدُه ويُواعِدُه ، فَلَمْ يَأْمَنْهُ وأَميرُ المُؤمنينَ عَليهِ السَّلامُ على نَفْسِه وشِيْعَتِهِ ، فأَجابَهُ إلى ذلكَ ضَرورةً كما قُلنا إنَّ الضَّرورةَ تُشَرِّعُ إظْهارَ كَلِمَةِ الكُفْرِ ، قالَ تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ).
فصل :
[ زواجُ بَناتِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ ]
ولَيسَ ذلكَ بأَعْجَبَ مِنْ قَولِ لُوطٍ عَليهِ السَّلامُ ـ كما حَكى الله تَعالى عنه ـ ( هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) فَدَعاهُمْ إلى العَقد عليهم لِبَناتِه وهُم كُفّارٌ ضُلَّالٌ قد أذِن اللهُ تعالى في هلاكِهم.
وقد زَوَّج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ ابْنَتَيهِ قَبْلَ البِعْثَةِ كافِرَينِ كانا يَعْبُدانِ الْأَصنامَ ، أحَدهُما : عُتْبَة بن أبي لَهَبٍ ، والآخَر : أبو العاصِ بن الرَّبيع.
فَلمَّا بُعِث صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ فَرَّق بَيْنَهُما وبَيْنَ ابْنَتَيْهِ. فَماتَ عُتْبَةُ على الكُفْرِ ، وأَسْلَمَ أَبو العاصِ بَعْدَ إِبانةِ الإِسْلام ، فَرَدَّها علَيهِ بالنكاحِ الْأَوَّل.
ولَمْ يَكُنْ صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ في حالٍ مِنَ الْأَحْوالِ مُوالِياً لأهْلِ الكُفْر ، وَقَدْ زَوَّجَ مَن تبرَّأ مِنْ دِينهِ ، وَهُوَ مُعادٍ لَهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ. (1)
أقول : وقد استفاد المخترعون لهذه الاُكذوبة من التشابه الاسمي بين اُمّ كلثوم بنت علي وفاطمة عليها السلام وبين اُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، وهي اُخت محمّد بن أبي بكر واُمّهما أسماء بنت عميس ، وقد تكفّل أمير المؤمنين علي عليه السلام بتربيتهما بعد وفاة أبي بكر ، وكانا تحت رعايته وتربيته وحضانته وبمنزلة ولديه. وقد خطب عمر بن الخطاب اُمّ كلثوم بنت أبي بكر من أمير المؤمنين علي عليه السلام ، لأنّه كان وليّها ، وأصرّ على ذلك حتّى وقع كلام بينه وبين اُختها عائشة في ذلك. فإذا كان هناك زواج كُرهاً أو طوعاً فقد كان بين عمر واُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، لكن القوم اشتبهوا أو تعمّدوا وذكروا انّ الزواج كان بين عمر واُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام.
وممّا ينفي هذا الزواج ، انّ فاطمة الزهراء عليها السلام حينما خطبها عمر بن الخطاب ، ردّه النبي صلّى الله عليه وآله وقال : « انّها صغيرة » (2) ، والمراد انّها صغيرة بالنسبة الى عمر بن الخطاب ؛ فكيف يتزوّج عمر بابنتها اُمّ كلثوم ولا تكون صغيرة بالنسبة إليه ؟!
الهوامش
1. مصنّفات الشيخ المفيد / المجلّد : 7 / الصفحة : 86 ـ 93 / الناشر : المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد / الطبعة : 1.
2. راجع سنن النسائي / المجلّد : 6 / الصفحة : 62 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت / الطبعة : 1.
راجع المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 2 / الصفحة : 518 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 1.
راجع صحيح ابن حبان / المجلّد : 15 / الصفحة : 399 / الناشر : مؤسسة الرسالة ـ بيروت / الطبعة : 3.
التعلیقات