مولانا باب الحوائج أبو الفضل العبّاس عليه السلام
الشيخ ذبيح الله المحلاتي
منذ شهرينولادته عليه السلام :
قال العلّامة الخبير السيّد محسن الأمين في المجالس السنيّة : ولد العبّاس بن أمير المؤمنين عليهما السلام سنة ستّ وعشرين من الهجرة وعاش مع أبيه أربعة عشرة سنة وحضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه في النزال ، وقُتل مع أخيه الحسين عليه السلام بكربلاء وعمره أربعة وثلاثون سنة (1).
ولد في الرابع من شعبان في مدينة طيبة كما ذكر السيّد عبد الرزّاق الموسوي المقرّم النجفي المعاصر في كتابه « العبّاس » ص 74 وروي ذلك في عدّة كتب رجع السيّد إليها (2).
والدته الماجدة :
هي أُمّ البنين عليها السلام بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الكلابي.
واستدعى الإمام أخاه عقيلاً لعلمه بأنساب العرب وقال : استطلع لي أحوال العرب وانظر أيّها أشجع لأنّي أُريد مصاهرته ليولد لي ولد شجاع يكون ناصراً لولدي الحسين عليه السلام.
قال : بغيتك في أُمّ البنين الكلابيّة ، لأنّ قومها من بين العرب أُسود ضارية شجاعة ، وهم أهل نجدة معروفة لهم عند كافّة العرب ، ولا يوجد فيهم مثلهم ، فقد قال لبيد فيهم بيتاً من الشعر لم ينكره عليه أحد من العرب :
ونحن خير عامر بن صعصعه |
الضاربين الهام وسط الجعجعه |
ومنهم ملاعب الأسنّة أبو براء الذي ليس له نظير في الشجاعة ، أخيراً تزوّج الإمام أمير المؤمنين أُمّ البنين عليهما السلام فاطمة واشتهرت بكنيتها وولدت للإمام أربعة أولاد وهم : العبّاس وعبد الله وجعفر وعثمان ، وبكر أولادها قمر بني هاشم وكانت في المدينة بعد واقعة الطفّ ورجوع السبايا (3).
الكنية :
أشهر كناه أبو الفضل ، وذلك حين أنعم الله عليه بولد سمّاه « الفضل ».
وفي كتاب ( العبّاس ) سابق الذكر : له كنيتان أُخريان : الأولى أبو قربة وقد نقلها من كتاب مزار السرائر لابن إدريس ومقاتل الطالبيّين لأبي الفرج والأنوار النعمانيّة للسيّد الجزائري وتاريخ الخميس لأبي الحسن الدياربكري. والثانية : « أبو القاسم » وحجّتهم زيارة الأربعين المنقولة عن جابر فقد توجّه إلى قبره وقال : « السلام عليك يا أبا القاسم ، السلام عليك يا عبّاس بن عليّ ... الخ ». ولمّا كان جابر من عيون الصحابة وقد رُبّي في هذا البيت فهو أعلم بوجهها لأنّ العبّاس ليس له ولد اسمه القاسم حتّى يُكنّى به كأبي الفضل ، وما أحسن قول أبي فراس الحمداني في شرح القصيدة :
بذلت أيا عبّاس نفساً نفيسة |
لنصر حين عزّ بالنصر من مثل |
|
أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه |
فحسن فعال المرء فرع عن الأصل |
|
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر |
وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضل |
ألقابه الشريفة :
ذكرنا في تاريخ سامرّاء الجزء الثالث منه فصلاً في ألقاب الإمام عليّ الهادي ( النقي ) وقلنا : إنّ اللقب تارة يكون سماويّاً مثل بعض ألقاب الأئمّة في خبر « اللوح » ، وتارة يختاره الأبوان لولدهما ، وتارة يكون صاحب اللقب جامعاً للفضائل وحائزاً لمكارم الأخلاق فتشيع له ألقاب على ألسنة الناس. من هذا المنطلق وبما أنّ أبا الفضل عليه السلام له جميع مكارم الأخلاق ومستجمع لجميع الفضائل التكوينيّة والتشريعيّة كثرت ألقابه ولكن أشهرها هو ( قمر بني هاشم ) لأنّ ضياء غرّته تضيء حالك كلّ ظلام ، وجمال صورته وكمال هيئته بلغت حدّاً إلى أنّه متى ما ساير ابن أخيه عليّ الأكبر في دروب المدينة خرج العواتق من خدورهنّ وتشوّف الرجال إليهما ليشاهدوا جمال طلعتي هذين الشّابّين ويستبقوا للفوز بذلك.
ولقبه الآخر : ( باب الحوائج ) لكثرة قضائه الحاجات وظهور الكرامات منه اشتهر بهذا اللقب على ألسنة العامّة والخاصّة وأفواههم :
كالشمس عبّاس يريهم وجهه |
والوفد ينظر باسماً محتاجها |
|
باب الحوائج ما دعته مروعة |
في حاجة إلّا ويقضي حاجها |
|
بأبي أبي الفضل الذي من فضله |
السامي تعلّمت الورى محتاجها |
ولقبه الآخر « الشهيد » وذكر في كتب الأنساب كأبي الحسن العمري في كتابه المجدي ، بعد أن ذكر أولاده عليه السلام يقول : هذا آخر نسب بني العبّاس السقّا الشهيد ابن عليّ بن أبي طالب.
ولقب آخر له « العبد الصالح » فقد جاءت في جملة من زيارته : « السلام عليك أيّها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله الخ ».
ولقب آخر هو « السقّا » فقد جلب الماء إلى عيالات الحسين بعد أن منع أهل الكوفة الماء عليهم وسيأتي تفصيله بإذن الله.
ومن ذلك اليوم اشتهر بهذا اللقب وصار يُعرف بالسقّا أو سقاء كربلاء ، وهذا اللقب يشاهد كثيراً في كتب الأنساب والمقاتل مثل عمدة الطالب ومزار سرائر ابن إدريس وتاريخ الخميس ونور الأبصار للشبلنجي والكبريت الأحمر :
هو البحر من أيّ النواحي أتيته |
فلجته المعروف والجود ساحله |
* * *
في كربلا لك عصبة تشكو الظما |
من فيض كفّك تستمدّ روائها |
|
وأراك يا ساقي عطاشا كربلا |
وأبوك ساقي الحوض تمنع مائها |
ومن ألقابه « المستجار ( به ) » فقد استبعد الشيخ محمّد رضا الأُزري قوله في القصيدة التي نظمها في رثائه : « يومٌ أبو الفضل استجار به الهدى » وخشي أن يردّه الإمام عليه السلام فلا يقبله ، فأعرض عن إتمام البيت ، فرأى الإمام الحسين في عالم الرؤيا وهو يقول له : « صحّ ما قلته يا شيخ إنّي استجرت بأخي أبي الفضل ، وأكمل له المصراع بقوله : « والشمس من كدر العجاج لثامها ».
وجملة القول أنّ مولانا أبا الفضل هو قائد الجيش والحامي والفادي والمؤثر الضيغم وكبش الكتيبة وصاحب اللواء ، ظهر الولاية (4) وغيرها ، وهو حاوٍ لها حائز عليها.
شمائله عليه السلام :
كان عليه السلام وسيماً جسيماً ، يركب الفرس المطهّم ورجلاه يخطّان في الأرض ، ويقال له قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين عليه السلام معه.
يقول المرحوم فرهاد ميرزا في القمقام : وكان أبو الفضل وسيماً جميلاً ( مديد القامة ) يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض ... وكان لصباحة منظره وجمال صورته يُدعى قمر بني هاشم ، وقد مدح العرب جماعة بطول القامة .. الخ (5).
وفي الجلد الثاني من وقائع الأيّام للخياباني التبريزي عن كتاب « مظاهر الأنوار » لميرزا رضا قلي خان المتخلّص بـ « هدايت » : كانت قامة أبي الفضل مديدة ، وعضلاته منفتلة شديدة ، ويقال عنه : إذا ركب الفرس الشديد تصل ركبتاه إلى عرف الفرس ، كان في مظهره يحكي الجلال والجبروت ، ولكنّه يحكي في أخلاقه تواضع العبيد ، وكان في الشجاعة تالي الحسين من أولاد أمير المؤمنين ، وكان قائد الحسين وحامل لوائه.
قطرة من بحر فضائله :
قال العلّامة النوري في المستدرك ج 2 ص 635 في كتاب النكاح عن مجموعة الشهيد : قيل : لمّا كان العبّاس وزينب ولدي عليّ صغيرين ، قال عليّ عليه السلام للعبّاس : قل واحد ، فقال : واحد ، فقال له : قل اثنان ، قال : استحي أن أقول باللسان الذي قلت واحد اثنان ، فقبّل عليّ عليه السلام عينيه ، ثمّ التفت إلى زينب ، وكانت على يساره والعبّاس عن يمينه ، فقالت : يا أبتاه ، أتحبّنا ؟ قال : نعم يا بنيّ ، أولادنا أكبادنا ، فقالت : يا أبتاه ، حبّان لا يجتمعان في قلب المؤمن : حبّ الله وحبّ الأولاد ، وإن كان لا بدّ لنا فالشفقة لنا والحبّ لله خالصاً ؛ فازداد عليّ عليه السلام بهما حبّاً (6).
وهذه الرواية رواها الشهيد الثالث في « مجالس المؤمنين » وكذلك فعل سيّدنا المعاصر في كتاب العبّاس ص 92 نقلاً عن مقتل الخوارزمي في الفصل السادس من النسخة الخطّيّة التي استند إليها السيّد ، والآن طبع الكتاب في زماننا الحاضر ولم تمكنّي الفرصة من ملاحظة الفصل السادس منه.
وغاية القول أنّ قمر بني هاشم تالي الحسنين عليهما السلام في صلابة الإيمان وشريف الآداب والأخلاق ، وهو الأوّل من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام بعدهما في جميع الصفات الكماليّة ولم يدانه مخلوق في هذه الصفات ، شهد بذلك العبارات الواردة في زياراته المرويّة ، والأخبار المرويّة عن الإمام زين العابدين والإمام الصادق عليهما السلام التي تصفه بكلّ صفات حميدة وأخلاق جميلة المختصّة به دون من عداه من أئمّة الهدى.
( قال الإمام زين العابدين عليه السلام ) : رحم الله عمّي العبّاس فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه ، فأبدله الله بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة.
( وقال الإمام الصادق عليه السلام ) : كان عمّي العبّاس بن عليّ عليه السلام نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أخيه الحسين وأبلى بلاءاً حسناً ومضى شهيداً (7). (8)
أحقُ الناس أن يُبكى عليه |
فتًى أبكى الحسين بكربلاء |
|
أخوه وابن والده عليّ |
أبو الفضل المضرّج بالدّماء |
|
ومن واساه لا يُثنيه شيء |
وجاد له على عطش بماء (9) |
وقال الكميت :
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو |
شفاء النفوس والأسقام |
|
قتل الأدعياء إذ قتلوه |
أكرم الشاربين صوب الغمام (10) |
وذكر العلّامة البيرجندي في الكبريت الأحمر ج 2 ص 45 أنّ العبّاس كان من أكابر الفقهاء وأفاضل أهل البيت بل إنّه عالم غير متعلّم ، وليس في ذلك منافاة لتعليم أبيه إيّاه.
وقال سيّدنا المعاصر السيّد عبد الرزّاق المقرّم في كتاب « العبّاس » : جاء المأثور من المعصومين أنّ العبّاس بن عليّ زُقّ العلم زقّاً. ثمّ قال : وهذا الكلام من ألطف التشبيهات لأنّه يُستعمل في زقّ الطائر لفرخه عند إطعامه ، ولمّا كان الإمام عارفاً بأساليب استعمال الكلام فقد أراد أن يوحي للسامعين بأنّ ابنه العبّاس رضع في طفولته من ثدي العلم والحكمة ، ورُبِّي في حجرهما ، ونشأ عليهما.
أهله وحرمه :
زوجته السيّدة لبابة بنت عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب ، وأُمّها أُمّ حكيم وقد كتبت عنها ترجمة في كتاب « رياحين الشريعة » وهو في تراجم عالمات النساء من الشيعة ، فأولدها قمر بني هاشم ولدين : الأوّل منهما هو الفضل ، والثاني عبيد الله ، وعقبه من عبيد الله وهذا هو المشهور إلّا أنّ السيّد في كتاب العبّاس قال : لقمر بني هاشم من الولد خسمة بل ستّة : فضل الله ، وعبيد الله وهما من لبابة ، والحسن وأُمّه أُمّ ولد عن معارف ابن قتيبة وحديقة النسب للشيخ الفتوني ، والرابع : القاسم ذكره بعض كتب المقاتل ولم يثبت ، والخامس بنت لم يذكر أحد منهم اسمها ، ونقل ذلك من حدائق الأُنس ، والسادس : محمّد ، وعدّه ابن شهرآشوب من شهداء الطفّ.
ومجمل القول أنّ السيّد المشار إليه تتبّع أولاد العبّاس واحداً بعد الآخر ولا يسعنا تفصيل ذلك هنا.
ومن جملة أحفاد قمر بني هاشم عليه السلام « أبو يعلى حمزة بن القاسم بن عليّ بن الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن أمير المؤمنين » المدفون بالقرب من الحلّة وقد شيّدت على قبره قبّة وهو مزار معروف ، ومن جهة ثانية فإنّه ثقة جليل القدر.
موقفه قبل وقعة الطفّ :
قال العلّامة البيرجندي في الكبريت الأحمر ج 3 ص 24 : نعم جاء في بعض الكتاب الذي يظهر من صاحبه التتبّع أنّ العبّاس عليه السلام كان عضداً وعوناً لأخيه الحسين عليه السلام لمّا أزاح معاوية جيش الإمام عن الفرات فحمل الحسين عليه السلام بأصحاب الإمام وأزالوا أصحاب معاوية عن مراكزهم.
وروي أنّ في أحد مواقع صفّين وفي يوم من أيّامه شابّاً في الخامسة عشرة أو السابعة عشرة من عسكر أمير المؤمنين خرج متنقّباً يدعو للبراز ، وكان شديد الصدمة ، عظيم الصولة ، ظاهر الشجاعة ، فتحامته الشجعان وتراجعت عنه الأقران ، فاستدعى معاوية شجاعاً مقداماً من عسكره يُدعى أبا الشعثاء ، وقال له : اخرج للقاء هذا الحدث ، فقال : يا أمير ، إنّ أهل الشام يعدّونني بعشرة آلاف فارس ولي من الولد سبعة وإنّي مخرج إليه أحدهم ليقتله ، ثمّ أرسل إليه أولاده واحداً واحداً فكان لا يرجع إليه منهم أحد ويرسلهم الشابّ إلى جهنّم وبئس المصير ، وحينئذٍ تقدّم أبو الشعثاء إلى مبارزته وتلقّاه الشابّ بالسيف فما هو بأسرع من أن ألحقه بأولاده في أسفل درك من النار ، فلم يجرأ أحد بعد ذلك على مبارزته ، عند ذلك استدعاه أمير المؤمنين إليه ، فلمّا دنى منه ألقى النقاب عن وجهه وإذا به قمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس أرواحنا له الفداء.
ويقول العلّامة المذكور في صدر الخبر : وصحّة هذا الخبر لا تستبعد اذ أنّ الإمام أمير المؤمنين استشهد سنة أربعين من الهجرة وحدثت واقعة الطفّ في سنة واحد وستّين منها وكان أبو الفضل برواية الخوارزمي يوم صفّين رجلاً مكتمل الرجولة ، وبعضهم يراه في الخامسة والعشرين (11).
وظهور مثل هذه الشجاعة من أبي الفضل لا موضع لإنكارها فالقاسم ابن الحسن عليهما السلام كان له من العمر ثلاثة عشر عاماً في حرب كربلاء وبعث إلى جهنّم من جيش العدوّ خمساً وثلاثين شخصاً.
ويقول سيّدنا المعاصر في « العبّاس » أنّ الخوارزمي ذكر في مناقبه أنّ رجلاً يُدعى كريب من عسكر معاوية توجّه إلى ميدان القتال وكان من القوّة بحيث لو وضع إبهامه على السكّة لمحاها وقال : ليبرز لي عليّ بن أبي طالب ، وكان قد قتل عدداً من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستدعى الإمام ولده العبّاس وكان تامّاً كاملاً من الرجال ، فأمره بالترجّل وأن يخلع ثياب نفسه ويرتدي ثياب والده واعتلا غارب جواده ودخل إلى ميدان القتال وبضربة واحدة من حسامه قضى على « كريب » وأوصله إلى جهنّم.
كما أنّ الخوارزمي ذكر نظيراً لهذه الحادثة حادثة أُخرى للعبّاس بن الحارث بن عبد المطّلب وعلى هذا الأساس يرى إنكار العلّامة النوري لحضور أبي الفضل العبّاس لا محلّ له ، والله العالم.
موقف العبّاس في كربلاء وشهادته :
ذكر أبو مخنف وغيره أنّ ابن زياد لمّا كتب إلى ابن سعد بتعجيل الحرب وقتل الحسين عليه السلام إلّا إذا بايع يزيد وأعطى الكتاب إلى شمر ، قام عبد الله بن أبي المحل ابن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيدي من مكانه وقال : أيّها الأمير ، إنّ عليّاً ابن أبي طالب تزوّج عمّتي اُمّ البنين وأولدها أربعة أولاد وهم الآن مع أخيهم الحسين فاكتب لهم كتاب أمان ، فقال ابن زياد : نعم وكرامة ، فقام الشمر وصدّق ما قاله ابن أبي المحل لأنّه من قبيلة أُمّ البنين ، فكتب ابن زياد كتاب أمان وأعطاه عبد الله بن أبي المحل ، فأعطى الكتاب إلى مولاه ليحمله إلى كربلاء ، ولمّا دفع الكتاب إلى قمر بني هاشم قال له : أبلغ ابن خالي السلام وقل له : أمان الله خير من أمان ابن سميّة فعاد من فوره وأبلغهم الردّ.
وقال السيّد في اللهوف : وأقبل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله فنادى : أين بنو أُختنا ؛ عبّاس وعبد الله وجعفر وعثمان ؟ فقال الحسين عليه السلام : أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم ، فقالوا له : ما شأنك ؟ فقال : يا بني أُختي ، أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد ، قال : فناداه العبّاس بن عليّ عليه السلام : تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك ، يا عدوّ الله أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين ابن فاطمة عليها السلام وندخل في طاعة اللُّعناء ، قال : فرجع الشمر لعنه الله إلى عسكره مغضباً (12).
وقال الشيخ المفيد في الإرشاد : ثمّ نادى عمر بن سعد : يا خيل الله اركبي وأبشري ، فركب الناس ثمّ زحف نحوهم بعد العصر وحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه ... وقال له العبّاس بن عليّ رحمة الله عليه : يا أخي ، أتاك القوم ، فنهض ثمّ قال : يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم.
فأتاهم العبّاس فقال لهم : ما بدا لكم وما تريدون ؟ قالوا : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا : ألقه فأعلمه ، ثمّ ألقنا بما يقول لك ، فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين عليه السلام.
فجاء العبّاس إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم ، فقال : ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنّي قد أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدعاء والاستغفار ، فمضى العبّاس إلى القوم ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر ابن سعد يقول : إنّا قد أجّلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله ابن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم (13).
وفي اللهوف أنّهم اختلفوا فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي : والله لو أنّهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم من آل محمّد !! فأجابوهم إلى ذلك (14).
ليلة عاشوراء :
ولمّا تكلّم الإمام الحسين يوم العاشر وخاطب أصحابه وأذن لهم بتركه بالتفصيل الذي مرّ في ترجمة زهير بن القين ، قام قمر بني هاشم فقال : لا أرانا الله ذلك اليوم أبداً.
قال في الناسخ : أوّل من بدأه بالكلام أخوه العبّاس ، فقال : لا والله ، لا نفعل ذلك أبداً ، وكيف يطيب لنا العيش بعدك ، ثمّ تكلّم بقيّة بني هاشم وقالوا : سبحان الله ! ماذا يقول لنا الناس ، وبماذا نجيبهم إن تركنا سيّدنا ومولانا وابن عمّنا ، قد أحاط به العدوّ كلّ يريد قتله ، وتفرّقنا من حوله ، كلّا ، لا نفعل ذلك فإنّه فعل نأنف منه ما لم نبذل في سبيلك النفس والمال والأهل والعيال ، ونلازمك حتّى نقاتل معك عدوّك حتّى تزهق أرواحنا ونذوق ما تذوقه ، ونلاقي ما تلاقيه.
قال الطبري : ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش دعا العبّاس بن عليّ أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ، وبعث معهم بعشرين قربة ، فجاؤوا حتّى دنوا من الماء ليلاً استقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو ابن الحجّاج الزبيدي : من الرجل ؟ [ فقال : نافع ] ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
فلمّا دنى من أصحابه قال لرجاله : املأوا قربكم وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن علي ونافع بن هلال فكفّوهم ثمّ انصرفوا إلى رحالهم ، فقالوا : امضوا ووقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطردوا قليلاً ... وجاء أصحاب الحسين عليه السلام بالقرب فأدخلوها ... (15) ومن ذلك اليوم لُقّب قمر بني هاشم بالسقّاء و « أبو قربة » (16).
وفي منتهى الآمال عن كتاب المحاسن والمساوئ لإبراهيم بن محمّد البيهقي من أعلام القرن الثالث الهجري ، قال : لمّا نزل الإمام بكربلاء لم يكن بينهم وبين الماء إلّا مسافة قليلة أراد أصحابه الماء فمنعهم شمر لعنه الله ، وقال : لا تشربون منه قطرة حتّى تردوا الحميم ! فقال العبّاس لأخيه الحسين : ألسنا على الحقّ ؟ فقال : إي والله ، فحمل على عسكر ابن سعد ففرّقهم عن المشرعة ثمّ نادى بأصحابه : هلمّوا واشربوا من الماء واملأوا قربكم ما شئتم.
لب تشنگان فاطمه ممنوع از فرات |
بر مردمان طاغى وياغى حلال شد |
|
از باد ناگهان اجل گلشن نبى |
از پا فتاده قامت هر نونهال شد |
|
أيُمنع ماء النهر عن نسل فاطم |
ويُروى طغاة الناس من عذب مائه |
|
وتهصر ريح الموت أغصان هاشم |
ويذبل عود الفضل بعد روائه |
ولمّا أصبح الناس يوم عاشوراء عبّأ عمر بن سعد عسكره ، فجعل عمرو بن الحجّاج الزبيدي على الميمنة ، وشمر بن ذي الجوشن على الميسرة ، وجعل على الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي ، وأعطى رايته دريداً مولاه ، ووقف هو وأصحابه في القلب ، وعبّأ الإمام عليه السلام أصحابه فجعل زهيراً بن القين على الميمنة ، وحبيب بن مظاهر على الميسرة ، وأعطى رايته أخاه العبّاس.
وقد ذكرنا سالفاً في ترجمة جنادة بن الحرث السلماني أنّه لمّا استعر أوار الحرب حمل جنادة وعمرو بن خالد ومولاه على عسكر ابن سعد فاقتطعهم العسكر عن أصحابهم فانتدب إليهم أخاه العبّاس فحمل عليهم بمفرده وفرّق جموع الأعداء وخلّصهم منهم فسلموا على قمر بني هاشم وأراد العبّاس أن يعود بهم إلى الخيام فلم يرضوا فعادوا إلى الأعداء وجراحهم تجري دماً ، فقاتلوا العدوّ حتّى استشهدوا بأجمعهم في مكان واحد وعاد العبّاس وحده.
حديث الشهادة :
قال في منتهى الآمال : إنّ العبّاس عليه السلام لمّا رأى بني عمّه وإخوته قد استشهدوا أقبل على إخوته عبد الله وجعفر وعثمان أبناء أمير المؤمنين عليهم السلام من فاطمة أُمّ البنين أُمّه ، قال لهم : تقدّموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه ، ولا تتأخّروا حتّى تقتلوا دونه ، فأطاعه إخوته وتقدّموا أمام الحسين عليه السلام وفدوه بأنفسهم فكانوا يستقبلون بصدورهم ووجوههم ونحورهم كلّ سهم وسنان وسيف يوجّه الحسين عليه السلام.
قال في الناسخ : أنّ العبّاس عليه السلام قدّم إخوانه أمامه في الجهاد حذراً من أن يعيقهم عائق عن الشهادة وليراهم قتلى فيزداد أجراً بحرقته على مصرعهم وصبره على ذلك ، ولمّا رآهم مضرّجين بدمائهم دخل على أخيه الحسين عليه السلام وقال : ائذن لي يا أخي (17) ، فلمّا سمعه الحسين عليه السلام أرخى عينيه بالدموع وبكى بكاءاً شديداً وقال له : يا أخي ، أنت حامل لوائي وعمادي ، فإذا قُتلت يؤول شملنا إلى الشتات ، فقال العبّاس عليه السلام : يا أخي ، ضاق صدري وكرهت الحياة وأُريد الطلب بثأري ، وأخذ يلحّ على الإمام لا يأذن له ، حتّى قال له الإمام : اذهب يا أخي وابتغي لهؤلاء الأطفال قطرة من الماء وأذن له حينئذٍ.
فاعتلا العبّاس صهوة فرسه وأجرأه ملأ فروجه ، وأوقفه أمام الأعداء وأخذ ينصحهم ويعظهم ، وبالغ فالنصيحة فلم يترك لهم عذراً يعتذرون به ، وممّا قال لهم : يابن سعد ، يقول لك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّكم قتلتم أصحابي وإخواني وبني عمومتي وضرّجتموهم بالدم وقطعتموهم إرباً إرباً والآن بقيت مفرداً مع أهلي وعيالي في هذا القفر الجديب وقلوبنا وقلوب أطفالنا تكاد تتفطّر من شدّة العطش ، فدعوني أذهب بهؤلاء العيال والصبية من هذا القفر الى جانب الروم أو الهند وأترك لكم الحجاز والعراق ، وأشرط لكم بأنّي لا آخذكم بذلك يوم القيامة ، ولا أشكوكم إلى الله.
وكانت كلمات أبي الفضل عليه السلام أسرع جرياناً من الزلال ، وأمضى قطعاً من البيض الصقال ، ولكنّها لم تؤثّر في القلوب القاسية ، فتقدّم شمر لعنه الله نحوه وقال : يابن أبي تراب ، لو غمر الماء الأرض كلّها وملكناه كلّه فلن نوردك منه قطرة واحدة حتّى تبايع يزيد بن معاوية.
ولمّا وقعت عين أبي الفضل على هذا الجلف الجافي من العسكر كلّه ثنى عنان جواده وعاد إلى أخيه الحسين عليه السلام ونقل له كلّ ما سمعه ، ولمّا علم الأطفال بذلك صاحوا صيحة واحدة : العطش العطش ، ولمّا رأى أبو الفضل هذا المشهد الذي يفتّت القلوب تناول السّقاء كالبرق الخاطف والصرصر العاصف ، وأقبل بنحو المشرعة وحين علم العسكر بما يريد من إقدامه حشدوا أربعة آلاف من الرجال الذين وضعهم عمر بن سعد لحماية الفرات وحالوا بينه وبين الشريعة كأنّهم سدّ الاسكندر ، فسدّوا الفرات بوجه ابن حيدر الكرّار فوجاً ، وتدافعوا تدافع الموج ، وأحاطوا بقمر بني هاشم وهو من هو شبل الأسد وحليف السيف الذي « سرّوه بالسيف » (18) وهجم عليهم كأنّه الصاعقة المكفهرة المدمّرة ، وحمل على سافكي الدم الحرام حتّى خضّب الأرض بدمائهم وهويقول :
لا أرهب الموت إذا الموت رقى (19) |
حتّى أُواري في المصاليت (20) لقا |
|
نفسي لنفس المصطفى الطُّهر وقا |
ولا أخاف طارقاً إن طرقا |
|
بل أضرب الهام وأفري المفرقا |
إنّي أنا العبّاس أغدو بالسّقا |
ولا أخاف الشرّ عند الملتقى
* * *
بهر طرف که چو شير درنده رو کردى |
ز روز حشر بياد مخالف آوردى |
|
چنان علانيه مرکب بخون اعدا راند |
که جنگ خيبر وصفّين وبدر مخفى ماند |
|
برزم خصم پدروار آنچنان کوشيد |
که پرده بر رخ احزاب ونهروان پوشيد |
|
چنان دريد صف از حملهاى پيوستش |
که جبرئيل امين بوسه داد بر دستش |
|
غريق بحر خجالت ز تيزدستى وى |
بهر طرف ملک الموت مى دويد از پى |
|
فتاده حضرت عبّاس در ميان سپاه |
بسان شير که افتد بگلهٔ روباه |
|
زبيم سطوت او رفت زان سپاه شرير |
خروش الحذر والأمان بچرخ أثير |
تقريب المعنى بالعربيّة :
تمرّ كالأسد الضاري بجمعهم |
فيحسبون بأنّ الحشر قد حانا |
|
خاض الجواد دم الأعداء في لجج |
تنسي الحروب التي خاضت سرايانا |
|
بعزم حيدرة أردى العدوّ وقد |
أضفى على كلّ حرب وكان نسبانا |
|
من عظم صولته أهوى على يده |
جبريل باللّثم إجلالاً وإيمانا |
|
ونال عزريل ممّا قد جرى خجل |
فقد ونى أن يباري السيف عجلانا |
|
كأنّ بين العدى العبّاس محتزماً |
ضار من الأسد عادٍ يطرد الظانا |
|
من خوف صولته يعدو العدوّ وذا |
صراخه ملأ الآفاق أرنانا |
وفي رواية الخوارزمي وقد تصفّحت نسخته أنا القاصر ـ المؤلّف ـ كان العبّاس عليه السلام يرتجز على الأعداء :
أقسمت بالله الأعزّ الأعظم |
وبالحجون صادقاً وزمزم |
|
وبالحطيم والفنا المحرّم |
ليخضبنّ اليوم جسمي بدمي |
|
دون الحسين ذي الفخار الأقدم |
إمام أهل الفضل والتكرّم |
قلب الميمنة على الميسرة وانقضّ عليهم انقضاض العقاب وسرعة الشهاب ، وأدارهم كدوران الرحى ، وعلا العثير في الكون حتّى أدلّهم الهواء ، وصبغ البسيطة بلون الدم ، وقتل في هذه الحملة ثمانين شخصاً من عيونهم وأوصلهم إلى درك الفنا وساحة الآجال ، وهو يرتجز ويقول :
أُقاتل القوم بقلب مهتدي |
أذبّ عن سبط النبيّ أحمد |
|
أضربكم بالصارم المهنّد |
حتّى تحيدوا عن قتال سيّدي |
|
إنّي أنا العبّاس ذو التودّد |
نجل عليّ المرتضى المؤيّد |
ولقد أجاد ( القائل ) :
يمثّل الكرّار في كرّاته |
بل في المعاني الغرّ في صفاته |
|
ليس يد الله سوى أبيه |
وقدرة الله تجلّى فيه |
|
فهو يد الله وهذا ساعده |
تغنيك عن إثباته المشاهده |
|
صولته عند النزال صولته |
لولا الغلوّ قلت جلّت قدرته |
ولمّا رأى العدوّ صولته وقوّة ساعده فضّل الفرار على القرار وأعطى الحرب ظهره والهزيمة وجهه فكان قمر بني هاشم كالليث الغضبان يطأ الأرض مترفّقاً يريد الشريعة ، وأقحم الفرس الماء ، وكان لهول المعركة وشدّتها قد كضّه العطش وأضناه الجلاد ، فأراد أن يطفئ ظمأه ويريح عنّته ويبرد غلّته بشربة من الماء فأرخى يده إلى الفرات وغرف منه غرفة ليشرب فتذكّر عطش الحسين عليه السلام فرمى الماء من يده ملأ قربته وخرج من المشرعة وهو يرتجز :
يا نفس من بعد الحسين هوني |
فبعده لا كنت أن تكوني |
|
هذا حسين شارب المنون |
وتشربين بارد المَعين |
|
هيهات ما هذا فعال ديني |
ولا فعال صادق اليقين |
* * *
آمد بيادش از لب خشک برادرش |
شد غيرت فرات دو چشم زخون ترش |
|
گفتا نخورده آب گلستان حيدرى |
دارى تو ميل آب کجا شد برادرى |
|
تشنه است آنکه گل باغ فتوّت است |
لب تر مکن ز آبکه دور از مروّت است |
* * *
جرى الماء في كفّه بارداً |
زلالاً وقد همّ أن يشربا |
|
ولكن تذكّر قلب الحسين |
على عطش الجمر قد قلّبا |
|
فسال على النهر من عينه |
فرات من الدم قد خضّبا |
|
فراح يخاطب إخلاصه |
وذا الماء يجري لكي يهربا |
|
أتلتذّ بالورد بعد الحسين |
فلا كان حيدرة لي أبا |
|
فأين الأُخوّة أين الوفاء |
وأين تولّت عهود الصبا |
|
وما تركت فيك أُمّ البنين |
شعاعاً من الشمس لن يغربا |
|
ألم تشرب الحبّ من صدرها |
كما تشرب الروضة الصيّبا |
|
أضاميم حيدر ظمئانة |
وتمنع ورداً زهور الرُّبى |
|
أتلتذّ بالماء من بعدهم |
ألا للأُخوّة أن تغضبا |
|
ودين المروّة لن يستقيم |
وأنت تحاول أن تشربا |
|
هنا قذف الماء من كفّه |
ونال من الخُلُق الأطيبا |
* * *
پر کرد مشک و پس کفى از آب برگرفت |
مىخواست تا که نوشد از آب خوشگوار |
|
آمد بيادش از جگر تشنهٔ حسين |
چون اشک خويش ريخت ز کف آب خوشگوار |
|
شد با لبان تشنه ز آب روان برون |
دل پر ز جوش و مشک بدوش آن بزرگوار |
|
کردند جمله حمله بر آن شبل مرتضى |
يک شير در ميانهٔ گرگان بىشمار |
|
يک تن کسى نديده و چندين هزار تير |
يک گُل کسان نديده و چندين هزار خار |
* * *
ملأ المزادة ثمّ أرخى كفّه |
للماء كي يرد الزلال الصافي |
|
وتذكّر السبط الشهيد فعاقه |
ورمى به فعل الشقيق الوافي |
|
وهمت مدامعه على جريانه |
حتّى ارتوى من دمعه المذارف |
|
وتسلّق الميمون وهو على ظماً |
مستقبلاً جمع العدوّ الجافي |
|
فتصايحوا كي يرهبوه ومادروا |
بالأسد لا تخشى صياح خراف |
|
كاللّيث دار به الذئاب كأنّهم |
من خزيهم صبغوا بريش غداف |
|
من ذا رأى في الحقل زنبقة غدت |
تلقى لوخز الشوك بالآلاف |
ملأ الجود من الماء وحمله على عاتقه الأيمن وخرج من الشريعة وعندئذٍ حمل عليه الأعداء كالسيل الجارف وسدّوا عليه الطريق كأنّهم جدار من حديد واستهدفوا هذه السلالة الطيّبة بالضرب والطعن والرمي ودار به أربعة آلاف رامٍ يرشقونه بالنبل حتّى صار درعه كالقنفذ.
هجوم آورده از هر سو سواران |
نمودندش نشان تير باران |
|
سيه شد آنچنان دشت از پر تير |
که مرغ ناله عاجز شد ز شبگير |
* * *
قذف العدوّ في وجهه |
وغدا الرُّماة ترشّه بسهامها |
|
واسودّ وجه الكون من أفعالهم |
والأرض صار بساطها من هامها |
|
منع السّهام الطّير في أوكانها |
خافت تطير حمامها لحمامها |
ومع ما تقدّم من إحاطتهم به وهجوم عليه بأعداد هائلة ، لم ترهبه كثرة العدوّ وحمل على الذئاب العاوية كحملات أبيه حيدر الكرّار فطيّر منهم الرؤوس والأيدي ، وعفّر جباههم بالتراب ، فبينما هو على هذه الحالة إذ كمن له نوفل بن الأزرق أو يزيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة فضربه على يمينه فأبانها وأعانهم على ذلك حكيم بن الطفيل السنبسي فأخذ قرّة عين عليّ المرتضى الذي له قلب النمر وكبد القرش متحاملاً على نفسه السيف بشماله ، وأدار السقاء إلى عاتقه الأيسر وراح يطرد العدوّ بين يديه ، بين قتيل وطريح وجريح ، وهو يرتجز :
والله إن قطعتم يميني |
إنّي أُحامي أبداً عن ديني |
|
وعن إمام صادق اليقين |
نجل النبيّ الطاهر الأمين |
|
نبيّ صدق جائنا بالدين |
مصدّقاً بالواحد الأمين |
* * *
چه دست راست جدا شد ز پيکر عبّاس |
گريست عرش بحال برادر عبّاس |
|
شکست پشت رسول از شکست بازويش |
خميد قدّ على چون هلال ابرويش |
|
جهان بديدهٔ مظلوم کربلا شب شد |
سپهر گفت اسيرى نصيب زينب شد |
* * *
بكى العرش مذ طاحت يمين أبي الفضل |
لحال أخيه سيّد الناس والأهل |
|
وظهر رسول الله منه قد انحنى |
فأعظم برزء قد دهى سيّد الرسل |
|
وصار عليّ كالهلال تقوّساً |
ولا بدع أن يستأثر الفرع بالأصل |
|
وصار ضياء الصبح كالليل مظلماً |
بعين حسين جلّ رزء أبي الفضل |
|
وما طاح حتّى استشعرت زينب السبا |
بما شاهدت من فرحة الآسر النّذل |
وكمن له أيضاً حكيم بن الطفيل من وراء نخلة وقطع يسار ابن أسد الله ، فأخذ العبّاس ( قمر بني هاشم ) الجود بأسنانه وصار يكدمهم بركابه يريد أن يوصل السقاء إلى المخيّم ، ويحمي الأطفال من شدّة العطش ، وكان يخاطب نفسه :
يا نفس لا تخشي من الكفّار |
وأبشري برحمة الجبّار |
|
مع النبيّ السيّد المختار |
مع جملة السادات والأطهار |
|
قد قطعوا ببغيهم يساري |
فأصلهم يا ربّ حرّ النار |
لسان حاله
الا اى پيک معراج سعادت |
همايون رفرف اوج سعادت |
|
کنون کز دست من افتاده شمشير |
زهر سو بسته بر من راه تدبير |
|
شتابى کن که وقت همّت توست |
گذشت از من زمان خدمت توست |
|
خلاصم کن از اين انبوه لشکر |
رسانم از وفا نزد برادر |
|
سکينه منتظر از بهر آبست |
ز سوز تشنگى بىصبر و تاب است |
تقريب المعنى :
يا ملاك السعادة المرجوّه |
انزلن مسرعاً بأرض الفتوّه |
|
وقع السيف من يديّ وتولّت |
خطّطي حيث لم أجد فيّ قوّه |
|
أسرعن للحسين خبّره عنّي |
حاملاً من هنا سلام الأُخوّه |
|
وإن اسطعت أن تطير بجسمي |
لحسين كهف الهدى والمروّه |
|
قل لبنت الحسين عذراً فلولا |
قدّر الله قد أباد عدوّه |
وكان قمر بني هاشم يجري الفرس ملأ فروجه كاملاً حاملاً السقاء قبل أن يمزق لعلّه يبلغ به المخيّم فيسقي العيال والأطفال ، ولكن سهماً اخترق السقاء فأُريق الماء وأتاه سهم فوقع في صدره ، وخرج عليه لعين من بني دارم وبيده عمود فضربه على أُمّ رأسه فالتوى عن ظهر جواده ووقع على الأرض وصاح بأعلى صوته : « يا أخي أدرك أخاك » فجائه الحسين عليه السلام كأنّه الشهاب الثاقب ووقف عند رأسه ، فرآه ظمئاناً إلى جانب الفرات مخضّباً بالدم مقطوع اليدين موزّعاً بالسيوف إرباً إرباً ، فكان ينظر إليه ويبكي ويقول : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي ، وأنشأ يقول :
تعدّيتم يا شرّ قوم ببغيكم |
وخالفتم دين النبيّ محمّد |
|
أما كان خير الرسل أوصاكم بنا |
أما نحن من نسل النبيّ المسدّد |
|
أما كانت الزهراء أُمّي دونكم |
أما كان من خير البريّة أحمد |
|
لُعنتم وأُخزيتم بما قد جنيتم |
فسوف تلاقوا حرّ نار توقّد |
* * *
وبان الانكسار في جبينه |
فاندكّت الجبال من حنينه |
|
كافل أهله وساقي صبيته |
وحامل اللوا بعالي همّته |
|
وكيف لا وهو جمال بهجته |
وفي محيّاه سرور مهجته |
ينظر إلى مصرع صنوه المحبوب وهيكل البسالة وعنوان القداسة فوق الصعيد وقد غشيته الدماء السائلة وجلّلته النبال ، ورأى ذلك الغصن الباسق قد أصابته الذبول فلا يمين تبطش ، ولا منطق يرتجز ، ولا صولة ترهب ، ولا عين تبصر ، فلم يبق للحسين إلّا هيكلاً شاخصاً معرّى من لوازم الحياة ، وقد أعرب عليه السلام عن هذه الحال بقوله : وا أخا !
اى کشتهٔ راه داور من |
اى پشت وپناه لشکر من |
|
اى نور دو ديده تر من |
عبّاس جوان برادر من |
|
برخيز که من غريب و زارم |
بىمونس و يار و غمگسارم |
|
غير از تو برادرى ندارم |
عبّاس جوان برادر من |
|
برخيز گذر به خيمهها کن |
غمخوارى آل مصطفى کن |
|
بر وعدهٔ خويشتن وفا کن |
عبّاس جوان برادر من |
|
ديدى که فلک به ما چها کرد |
ما را به غم تو مبتلا کرد |
|
کى دست تو را ز تن جدا کرد |
عبّاس جوان برادر من |
|
گفتم که درين جهان فانى |
شايد که تو بعد من بمانى |
|
زينب بسوى وطن رسانى |
عبّاس جوان برادر من |
تقريب العمنى :
عبّاس يابن والدي |
يا عضدي يا ساعدي |
|
يا نور عيني يا يدي |
يا قطعة من كبدي |
|
أنت أخي بل ولدي |
برغم أنف الحاسد |
|
قم يا أخي لغربتي |
هدّمت بي عزمي الفتي |
|
يا كاشفاً لكربتي |
بالعزم أنت رافدي |
|
يا مؤنسي في وحدتي |
يا ولدي يا أبتي |
|
فقدت كلّ إخوتي |
إذ أنت فيهم واحدي |
|
قم وانظر المضاربا |
وكن شهاباً ثاقبا |
|
لم تلف إلّا النادبا |
مثل السحاب الراعد |
|
يا ظهري الذي انكسر |
يا عزمي الذي فتر |
|
يا أُنسي الذي اندحر |
مثل الغزال الشارد |
|
أُفٍّ لدهرٍ قد جنى |
عليك أنت وأنا |
|
تُرمىٰ طريحاً هاهنا |
بفعل وغدٍ حاقد |
|
إنّي تمنّيت البقا |
بعدي لحامل السقا |
|
أبقي ليوم الملتقى |
وحدي مع الأباعد |
|
زينب مع يردّها |
للدار حيث جدّها |
|
أنت حماها سدّها |
يا كاشف الشدائد |
وقال في الدمعة الساكبة : أقول : وفي بعض الكتب المعتبرة : إنّ من كثرة الجراحات الوارد على العبّاس عليه السلام لم يقدر الحسين عليه السلام أن يحمله إلى محلّ الشهداء فترك جسده في محلّ قتله ورجع باكياً حزيناً إلى الخيام (21).
فجائته سكينة باكية نادبة : يا أبتاه ، أين عمّي العبّاس ؟ قال : يا بنيّة ، قتلوه اللئام ، فصاحت وا عمّاه ، وكأنّ الأرض ارتجّت من بكاء أهل البيت ، ألا لعنة الله على الظالمين (22).
حكاية خذلان الله لقتلة العبّاس وهلاكهم
في المجلّد الثاني من مقتل الخوارزمي وغيره من رواة السير والتاريخ : لمّا تمكّن المختار من قتلة سيّد الشهداء أرسل ذات يوم عبد الله بن كامل أحد رؤساء أصحابه وراء حكيم بن طفيل السنبسي الطائي قاتل قمر بني هاشم عليه السلام وكان هذا اللعين يقول : رميت الحسين بسهم تعلّق بسرباله ولم يضرّه ، فقبض عليه عبد الله ابن كامل فتشفّع أحد الوجهاء به عند المختار فعلم عبد الله بذلك فقال لأصحابه : أخشى أن يقبل المختار شفاعته وأرى أن نقتله قبل أن يراه المختار ، ثمّ ربطوا يديه من خلقه ربطاً محكماً وأسندوه على الجدار وطيّروا عليه السهام حتّى بلغت روحه الدرك الأسفل من النار.
وأمّا الخوارزمي فيقول في مقتله بأنّ المختار أرسل عبد الله الشاكري وعبد الله ابن كامل وراء يزيد بن ورقاء الجهني لأنّه ضرب العبّاس على يمينه ، فحاصروه في بيته فخرج عليهم كأنّه الخنزير الثمل جافي القدمين عارٍ من الثياب وهو يركض خارج البيت ، فهجموا عليه وأمسكوه ، فقال عبد الله بن كامل : لا تطعنوه برمح ولا تضربوه بسيف لئلّا يموت بسرعة ولكن ارجموه بالحجارة وارشقوه بالنبل ، فانهالوا عليه رضخاً بالحجارة ورمياً بالسهام حتّى أُثخن بالجراح ثمّ هوى على الثرى ، وعند ذلك أمر عبد الله بن كامل بإحراقه فجمعوا له حطباً وألقوه عليه ثمّ أوقدوا عليه النار وكان يوم أُحرق لم يزل حيّاً.
حكاية غريبة
أنا لا أبدي رأي في هذه الحكاية ولا أحكم عليها بسلب ولا إيجاب وأترك العهدة في نقلها على الناقل.
نقل المولى علي الخياباني التبريزي في المجلّد الخاصّ بمحرّم من وقايع الأيّام عن كتاب دار السلام للعالم الجليل الشيخ محمود العراقي أنّ جماعة من الأصحاب رووا عن عبد الله الأهوازي أنّه قال :
وقعت واقعة كبرى وهي ما حكاه والدي من أنّه قال : اجتزت في السوق ذات يوم فرأيت رجلاً وقد حال لونه وتبدّل إلى الوحشيّة والظلمة كأنّه خشبة محترقة نصف احتراق ، وشمّ منه رائحة تزكم الأُنوف كأنّها رائحة الزفت على النار وبيده عصىً يخبط بها الأرض ويسأل الناس ، قال : فلمّا وقعت عيني عليه أحسست برعدة تتملّك جسمي فسألته : من أيّ البلاد أنت ؟ وإلى أيّ قبيلة تنتسب ؟ فلم يلق إليّ بالاً ، فلاطفته وقاسمته ، فقال لي : ما الذي تريد منّي ؟ فأجبته أن أعرف مجرى خبرك ومسير قصّتك وأطّلع على حقيقة أمرك ، فقال : سأُريك رأسي على شرط ، قلت : وما هو الشرط ؟ قال : أن يبقى عندك سرّ مكتوم فلا تطّلع عليه أحداً ، وأن تشبعني من الطعام لأنّي جائع جدّاً ، قلت له : هلمّ معي إلى البيت لكي أملأ جوفك من أطايب الطعام ، فسرّ بذلك وأقبل يحدّثني بحديثه قبل أن يجهز الطعام ، فقال :
هل حضرت يوم عاشوراء في أرض كربلاء ورأيت ما جرى على الحسين ؟ فقلت : لم أكن هناك ولكن بلغت سمعي أنبائها ، فقال : أتعرف عمر بن سعد ؟ فقلت : بلى سمعت باسمه ، هل أنت ذلك الرجل ؟ فقال : لا ، أنا إسحاق بن حوية ، كنت حامل لوائه ، فقلت : أخبرني ما الذي صنعته حتّى ابتلاك الله بما ابتلاك وخسرت دنياك وأُخراك ؟ فقال : سأخبرك خبري ، اعلم بأنّ ابن سعد جعلني مع الرّماة وحاملي السيوف على شريعة الفرات وأمرني أن نحول بين الحسين وأصحابه وبين الماء .. فامتثلنا أمره وبالغنا في ذلك حتّى كنّا لا نذوق النوم ليلاً ونحرس الماء نهاراً ، وبلغت بي شقوتي أن حرّجت على أصحابي حمل الأواني خشية أن يعطف أحدهم على الحسين فيسقيه.
إلى أن حدّثتني نفسي أن أخترق جيش الحسين وأسترق السمع لأعرف الذي تحدّثهم به أنفسهم ، فدنوت من مضرب الحسين فرأيت العبّاس مقبلاً على أخيه فرآه باكي العين دامع الطرف ، فسأله عن علّة بكائه ، فأجابه : لقد كضّنا العطش لا سيّما الأطفال والعيال واحتفرنا في موضعين بئراً فلم نعثر على الماء ، ألا تسأل هؤلاء غداً بعض الماء لأطفالنا وعيالنا ، فقال : لقد سألتهم مراراً وتكراراً فما أجابوني إلّا برمي السهام وضرب السيوف.
فلمّا سمع الحسين ذلك من أخيه العبّاس رفع صوته بالبكاء ، فقال له العبّاس : سآتيهم بالماء إذا أصبح الصباح ما أمكنني ذلك ، فلمّا سمع ذلك دعا الله له وقال : شكر الله سعيك. قال : وأنا أسمع كلّ ما دار بينهما ، فعُدت إلى موضعي وأخبرت ابن سعد بما جرى ، فأمر بخمسة آلاف رجل وعليهم خولّى بن يزيد الأصبحي فالتحقوا بنا عند الصباح وكنّا على أُهبة الاستعداد ، فلمّا أصبح الصباح خرج علينا من أفُق الخيام كما تشرق الشمس فأحاط به العسكر كالجراد المنتشر ، ورموه بالسهام حتّى كان درعه كالقنفذ وملأت جسمه السهام ، فنزل إلى المشرعة وملأ القربة وأحكم شدادها وخرج دون أن يذوق الماء ، فصرخت بالعسكر : ثكلتكم أُمّهاتكم إن شرب الحسين ماءاً أفناكم عن آخركم ، فإنّ أكبركم عنده كأصغركم.
فحمل عليه الجيش بأجمعهم وضربه رجل من الأزد على يده اليمنى فأبانها من موضعها ، فأخذ السيف بشماله وحمل علينا وكان يحمل السقاء على منكبه ، وقتل من رجالنا وفرساننا جماعة فكانت همّتنا تمزيق السقاء من خلفه ، فسدّدت السيف نحو السقاء فشعر بي وأقبل يريدني فضربته على يده اليسرى ، وضربه آخر بعمود على رأسه فوقع عن ظهر فرسه ونادى بأعلى صوته : يا أخاه ، فأقبل الحسين نحوه يجري به الفرس وكأنّه الأجدل انقضّ على فريسته ، فقتل من رجالنا سبعين وقلب ميمنتنا على الميسرة ، وهزم الجيش كلّه ثمّ عاد إلى أخيه وحمله كما يحمل الأسد فريسته ووضعه بين القتلى وبكى عليه وعلت الصيحة من المخدّرات حتّى حسبنا الملائكة والجنّ تبكي معهم ، والأرض تتزلزل بنا ، فرأينا الحسين ينحونا ، فوالله لقد حسبناه أباه عليّاً بن أبي طالب ، فكشفنا عن مواضعنا كأنّنا المعزى ، وأقبل يريد المشرعة ، فدخلها ومشى في الماء حتّى لامس ركابه وانتزع اللجام من فم الفرس ليشرب ولم يذق الحسين قطرة واحدة من الماء من شدّة عطشه. ولمّا رأيت إيثاره الفرس على نفسه تذكّرت الآية التي مدح الله بها أباه ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (23) فعجبت وقلت : حقّاً إنّك لابن رسول الله حيث آثرت الفرس على نفسك مع قساوة العطش ، ومع ذلك فقد استولى عليّ الشقاء وحرّضت الناس على حربه وقتاله ، ولم يدافعني أحد وقلت في نفسي : إذا شرب الحسين الماء أهلكنا كلّنا ، فألهمني الشيطان أن أقول : يا حسين ، أتلتذّ بالماء وقد هتك حرمك وأُبيحت خيامك ، فلمّا سمع ذلك اضطرب وخرج من الفرات على ظمئه ورأى الخيام سالمة مع العيال فعلم أنّها مكيدة. وأراد العودة إلى الفرات فما أمكنّاه ، فبكى وضحكت أنا لنجاح الخُطّة وحسن التدبير ، وكان هذا جزائي الذي تراه.
قال عبد الله الأهوازي راوي الخبر : قال أبي : لمّا سمعت ما قال أحسست كأنّ النار تستعر في أحشائي وقلت لهذا الطريد من رحمة الله المردود من بابه الذي لا يوجد مثله حتّى في اليهود والكفّار : صدقت ، اجلس حتّى آتيك بالطعام ، ودخلت داري وصقلت سيفي وخرجت عليه بالسيف فلمّا رآه بيدي قال : أنا ضيفك ، أو تكرمون الضيف على هذه الصورة ؟ فقلت : نعم هكذا يكون إكرام قتلة الحسين الضيوف. وصحت بأهل الدار وبغلماني فأقبلوا وأعانوني على قتله وعجّلنا بروحه إلى النّار (24).
نبذة ممّا قيل في مرثية قمر بني هاشم عليه السلام (25)
القصائد والمراثي التي نظمها الشعراء في أبي الفضل يتعذّر حصرها ، ولا يعدّها عدّ.
فمن يوم عاشوراء إلى يومنا هذا في كلّ عصر وزمان ، وفي كلّ قطرٍ وحيّ وبلد نظم أولياء آل الرسول قصائدهم كلّ بلغته من العربي والفارسي والتركي والهندي في مدح آل البيت ورثائهم ، وأُنشدت في المجالس والمحافل ، وما زالوا على هذه الحال. نظراً للأحاديث والأخبار والروايات التي تحثّ على رثائهم ومدحهم كالرواية التالية وهي كثيرة واشتهر عنهم الحديث : من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنّة (26) وغيره من أمثاله.
ونكتفي في هذه الإضمامة بشيءٍ يسير من مراثيهم تيمّناً وتبرّكاً ، فأوّل من رثى العبّاس أُمّه أُمّ البنين عليها السلام وكانت تمسك بطفلي أبي الفضل وتأتي البقيع فيجتمع عليها الناس لاستماع حرارة رثائها ويبكون أشدّ البكاء حتّى مروان بن الحكم كان يستمع إلى رثائها ويبكي ، وهو قولها :
لا تدعونّي ويك أُمّ البنين |
تُذكّريني بليوث العرين |
|
كانت بنون لي أُدعى بهم |
واليوم أصبحت ولا من بنين |
|
أربعةٌ مثل نسور الرُّبى |
قد واصلوا الموت بقطع الوتين |
|
تنازع الخرصان (27) أشلائهم |
فكلّهم أمسوا صريعاً طعين |
|
يا ليت شعري أكما أخبروا |
بأنّ عبّاساً قطيع الوتين |
ولها أيضاً عليها السلام :
يا من رأى العبّاس |
كرّ على جماهير النَّقَد |
|
ووراه من أبناءَ حيدر |
كُلّ ليث ذي لبد |
|
نُبّئت أنّ ابني أُصيب |
برأسه مقطوع يد |
|
ويلي على شبلي أمال |
برأسه ضرب العمد |
|
لو كان سيفك في يديك |
لما دنى منه أحد |
وقال في كتاب العبّاس : ورثاه حفيده الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن العبّاس بن أمير المؤمنين على ما في « المجدي » :
إنّي لأذكر للعبّاس موقفه |
بكربلاء وهام القوم يختطف |
|
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ |
ولا يولي ولا يثني فيختلف |
|
ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده |
مع الحسين عليه الفضل والشرف |
|
أكرم به مشهداً بانت فضيلته |
وما أضاع له أفعاله خلف |
ولشاعر أهل البيت السيّد حيدر الحلّي المتوفّى سنة 1334 قصائد فاخرة وبما أنّها موجودة في ديوانه المطبوع بصيدا فإنّنا نعرض عن ذكرها لشهرتها على كلّ لسان وعند كلّ إنسان كما أنّ للعلّامة الجليل السيّد جعفر الحلّي المتوفّى سنة 1315 قصائد فاخرة من هذا القبيل وهي موجودة في ديوانه المطبوع ولكنّنا نذكر قطعة من إحدى قصائده العامرة هنا ، قال :
وقع العذاب على جنود أُميّة |
من باسل هو في الوقائع معلم |
|
ما راعهم إلّا تقحّم ضيغم |
غيران يعجم لفظه ويدمدم |
|
قلب اليمين على الشمال وغاص في |
الأوساط يحصد للرؤوس ويحطم |
|
بطل تورّث من أبيه شجاعة |
فيها أُنوف بني الضّلالة تُرغم |
|
يلقى السلاح بشدّة من رأسه |
فالبيض تثلم والرّماح تحطّم |
|
بطل إذا ركب المطهّم خلته |
جبلٌ أشمّ يخفّ فيه مطهّم |
|
قسماً بصارمه الصقيل وإنّني |
في غير صاعقة السّما لا أقسم |
|
لولا القضا لمحى الوجود بسيفه |
والله يقضي ما يشاء ويحكم |
|
حسمت يديه المرهفات وإنّه |
وحسامه من حدّهنّ لأحسم |
|
وهوى بجنب العلقميّ وليته |
للشّاربين به يداف العلقم |
|
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه |
بين الخيام وبينه متقسّم |
|
ألفاه محجوب الجمال كأنّه |
بدر بمنحطم الوشيج ملثّم |
|
فأكبّ منحنياً عليه ودمعه |
صبغ البسيط كأنّما هو عندم |
|
قد رام يلثمه فلم ير موضعاً |
لم يدمه عضّ السّلام فيُلثَم |
|
قادى وقد ملأ البوادي صيحة |
صُمّ الصُّخور لهولها تتألّم |
|
أأُخيّ من يحمي بنات محمّد |
إن صرن يسترحمن من لا يرحم |
|
أأُخيّ من يحمي بنات محمّد |
ولواك هذا من به يتقدّم |
|
أأُخيّ يهنيك النّعيم ولم أخل |
ترضى بأن أُزرى وأنت مُنعّم |
|
هذا حسامك من يذلّ به العدى |
ولواك هذا من به يتقدّم |
|
هوّنت يا ابن أبي مصارع فتيتي |
والجرح يسكنه الذي هو آلم |
من قصيدةٍ فاخرة للشّيخ محمّد رضا الأُزري أخو الشيخ كاظم الأُزري المتوفّى سنة 1211 :
أوما أتاك حديث وقعة كربلا |
أنّى وقد بلغ السَّماء قِتامها |
|
يوم أبو الفضل استجار به الهدى |
والشّمس من كدر العجاج لثامها |
|
والبيض فوق البيض تحسب وقعها |
زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامها |
|
من باسل يلقى الكتيبة باسماً |
والشّوس يرشح بالمنيّة هامها |
|
وشأى الكرام فلا ترى من أُمّة |
للفخر إلّا ابن الوصيّ إمامها |
|
هو ذاك موئل رأيها وزعيمها |
لو جلّ حادثها ولجّ خصامها |
|
وأشدّها بأساً وأرجحها حجًى |
لو ناص موكبها وزاغ قوامها |
|
ثمّ انثنى نحو الفرات ودونه |
حلبات عادية يصلّ لجامها |
|
فكأنّه صقر بأعلى جوّها |
جلّا فحلّق ما هناك حمامها |
|
أو ضيغم شثن البراش ملبّد |
قد شدّ فانتشرت ثبًى أنعامها |
|
فهنالكم ملك الشريعة واتّكى |
من فوق قائم سيفه قمقامها |
|
فأبت نقيبته الزكيّة ريّها |
وحشى ابن فاطمة يشبّ ضرامها |
|
وكذلكم ملأ المزاد وزمّها |
وانصاع يرفل بالحديد همامها |
|
حتّى إذا وافى المخيّم جلجلت |
سوداء قد ملأ الفضا ارزامها |
|
حسمت يديه يد القضاء بمبرم |
ويد القضا لم ينتقض إبرامها |
|
واعتاقه شرك الرّدى دون الثرى |
إنّ المنايا لا يطيش سهامها |
|
الله أكبر أيّ بدرٍ خرّ من |
أُفق الهداية فاستشاط ظلامها |
|
فمن المعزّي السبط سبط محمّد |
بفتًى له الإشراف طأطأ هامها |
|
وأخ كريم له يخنه بمشهد |
حيث السُّراة كبا بها إقدامها |
|
تالله لا أنسى ابن فاطم إذ جلا |
عنه العجاجة يكفهرّ قتامها |
|
من بعد أن حطم الوشيج وثلّمت |
بيض الصّفاح ونكّست أعلامها |
|
حتّى إذا حمّ البلاء وإنّما |
أيدي القضاء جرت به أقلامها |
|
وهوى عليه ما هنالك قائلاً |
اليوم بان عن اليمين حسامها |
|
اليوم سار عن الكتائب كبشها |
اليوم غاب عن الصّلاة إمامها |
|
اليوم آل إلى التفرّق جمعنا |
اليوم حلّ من البنود نظامها |
|
اليوم خرّ من الهداية بدرها |
اليوم غبّ عن البلاد غمامها |
|
اليوم نامت أعينٌ بك لم تَنَم |
وتسهّدت أُخرى وعزّ منامها |
|
أشقيق روحي هل تراك علمت إذ |
غودرت وانثالت عليك لئامها |
|
أن خلت أطبقت السماء على الثرى |
أو دكدكت فوق الرُّبى أعلامها |
|
لكن أهان الخطب عندي أنّني |
بك لاحقٌ أمراً قضى علّامها .. (28) |
الكعبي
من نوابغ الشعراء الحاج هاشم الكعبي الدورقي المتوفّى سنة 1231 وهذه قصيدته الميميّة في رثاء أبي الفضل موجودة في ديوانه المطبوع في النجف الأشرف وهذا فصل منها :
وموقف لهم تنسي مواقفه |
وقايع الحرب في أيّامها القدم |
|
أيّام قاد ابن خير الخلق معلمة |
لم ترد فرسانها إلّا أخا علم |
|
يوم أبو الفضل تدعو الظاميات به |
والماء تحت شبا الهنديّة الخذم |
|
يوم دعاه الهدى الهادي لنصرته |
والدين والكفر من باكٍ ومبتسم |
|
وأقبل الليث لا يرديه خوف ردًى |
باد البشاشة كالمدعوّ للنِّعَم |
|
فيّاض مكرمة خوّاض ملحمة |
فضّاض معضلة عار من الوصم |
|
يشتدّ كالصقر والأبطال هاربة |
عن ضيغم كظباء الضال والسّلم |
|
يبدو فيغدو حميم الجمع منصدعاً |
نصفين ما بين مطروح ومنهزم |
|
حتّى حوى بحرها الطامي فراتهم |
الجاري ببحر من النهديّ ملتطم |
|
وأصبح الماء ملكاً طوع راحته |
مصرفاً منه في حكم وفي حكم |
|
فكفّ كفّاً عن الورد المباح وفي |
أحشائه ضرم ناهيك من ضرم |
|
وهل ترى صادقاً دعوى أُخوّته |
روّى حشًى وأخوه في الهجير ظمي |
|
حتّى ملا مطمئنّ الجاش قربته |
قصداً وأقبل قصداً طالب الحرم (29) |
|
فردّها والسيوف البيض تحسبها |
برق الحيا ورماح الخطّ كالأجم |
|
وكلّما أقبلت تنحو جموعهم |
يبدو فينفتضّ منها كلّ مختتم |
|
أكمى كميّ ومن كان الوصيّ له |
أباً فذاك كميّ فوق كلّ كمي |
|
يستوعب الجمع لا مستفهماً بهل |
عنه ولا سائلاً عن عدّه بلم |
|
فراح ما زال بالهنديّ مشتملاً |
بالبيض ملتئماً بالنقع ملتئ |
|
أمّوه بالنّبل والسُّمر العواسل و |
البيض الفواصل من فرق إلى قدم |
|
فخرّ للأرض مقطوع اليدين له |
من كلّ مجدٍ يمين غير منخذم |
... الخ.
من قصيدة السبط
لأبي المكارم بن زهرة صاحب الغنية ، ذكر هذه القصيدة الشيخ باقر البيرجندي في الكبريت الأحمر :
أبا الفضل يا ربّ المفاخر والنّدى |
ويا من به لاذت جميع البريّة |
|
أبا الفضل يا ربّ المكارم والنّدى |
ويا صاحب العليا وراعي الحميّة |
|
أبا الفضل يا ذا العلم والحلم والتُّقى |
ويا قطبها الأعلى عليه استدارت |
|
أبا الفضل يا غوث الأنام جميعهم |
ويا من به قامت سماء الهداية |
|
أبا الفضل يا من لا يقاس بفضله |
فضيل وإن يحظى بكلّ فضيلة |
|
أبا الفضل يا من لا يخيب موالياً |
لديه ولا يخشى حساب القيامة |
|
أبا الفضل يا من إذ يناديه معسر |
يجبه بكشف للخطوب وكربة |
|
أبا الفضل يا ليث الفوارس في والوغى |
ويا هازم الأحزاب يوم الكريهة |
|
أبا الفضل يا مولى الموالي ومن له |
مفاخر لا تحصى كشمس المضيئة |
|
أبا الفضل يا من رُدّت الشمس جهرة |
لوالده الكرّار وقت العشيّة |
|
أبا الفضل يا من زاده الله رتبة |
بقرب وشأن في الجنان ورقعة |
|
أبا الفضل إنّي مستجيرٌ ولائذ |
بظلّك أرجو الفضل فاعطف بنظرة |
|
أبا الفضل ما لي يا رجالي وسيلة |
سواك لدفع العسر يا ذا المروّة .. (30) |
وللعلّامة الفقيه الأعظم حجّة الإسلام الشيخ محمّد حسين الاصفهاني المتوفّى سنة 1361 قدّس الله تربته وأسكنه الله في بحبوحة جنانه :
أبو الإباء وابن بجدة اللقا |
رقى من العلياء خير مرتقى |
|
ذاك أبو الفضل أخو المعالي |
سلالة الجلال والجمال |
|
شبل عليّ ليث غاية القدم |
ومن يشابه أبه فما ظلم |
|
صنو الكريمين سليلي الهدى |
علماً وحلماً شرفاً وسؤددا |
|
هو الزكيّ في مدارج الكرم |
هو الشهيد في معارج الهمم |
|
وارث من حاز مواريث الرسل |
أبو العقول والنفوس والمُثُل |
|
وكيف لا وذاته القدسيّة |
مجموعة الفضائل النفسيّة |
|
عليه أفلاك المعالي دائره |
فإنّه قطب محيط الدائره |
|
له من العلاء والمآثر |
ما جلّ أن يخطر في الخواطر |
|
وكيف وهو في علوّ المنزله |
كالروح من نقطة باء البسمله |
|
هو قوام مصحف الشهاده |
تمّت به دائرة السعاده |
|
وهو حليف الحقّ والحقيقه |
والفرد في الخلقة والخليقه |
|
وقد تجلّى بالجمال الباهر |
حتّى بدا سرّ الوجود الزاهر |
|
غرّته الغرّاء في الظهور |
تكاد أن تغلب نور الطور |
|
رقى سماء المجد والفخار |
بالحقّ يُدعى قمر الأقمار |
|
بل عالم التكوين من شعاعه |
جلّ جلال الله في إبداعه |
|
سرّ أبيه وهو سرّ الباري |
مليك عرش عالم الأسرار |
|
أبوه عين الله وهو نورها |
به الهداية استنار طورها |
|
فإنّه إنسان عين المعرفه |
مرآتها لكلّ اسم وصفه |
|
ليس يد الله سوى أبيه |
وقدرة الله تجلّت فيه |
|
فهو يد الله فهذا ساعده |
تغنيك عن إثباته المشاهده |
|
فلا سوى أبيه لله يد |
ولا سواه لأبيه عضد |
|
له اليد البيضاء في الكفاح |
وكيف وهو ملك الأرواح |
|
يمثّل الكرّار في كرّاته |
بل في المعاني الغُرّ من صفاته |
|
صولته عند النزال صولته |
لولا الغلوّ قلت جلّت قدرته |
|
هو المحيط في تجوّلاته |
ونقطة المركز في ثباته |
|
سطوته لولا القضاء الجاري |
تقضي على العالم بالبوار |
|
وواسم المنون حدّ مفرده |
الفرق بين الجمع من ضرب يده |
|
بارقة صاعقة العذاب |
بارقة تذهب بالألباب |
|
بارقة تحصد في الرؤوس |
تزهق بالأرواح والنفوس |
|
واسى أخاه حين لا مواسي |
في موقف يزلزل الرواسي |
|
بعزمة تكاد تسبق القضا |
وسطوة تملأ بالرعب الفضا |
|
دافع عن سبط نبيّ الرحمه |
بهمّة ما فوقها من همّه |
|
بهمّة من فوق هامة الفلك |
ولا ينالها نبيٌّ أو ملك |
|
واستعرض الصفوف واستطالا |
على العدى ونكّس الأبطالا |
|
لفّ جيوش البغي والفساد |
بنشر روح العدل والإراد |
|
كرّ عليهم كرّة الكرّار |
أوردهم بالسيف ورد النار |
|
آثر بالماء أخاه الظامي |
حتّى غدا معترض السهام |
|
ولا يهمّه السهام حاشا |
من همّه سقاية العطاشى |
|
فجاذ باليمين والشمال |
لنصرة الدين وحفظ الآل |
|
قام بحمل راية التوحيد |
حتّى هوى من عمد الحديد |
|
والدين لمّا قطعت يداه |
تقطّعت من بعدها عراه |
|
وانطمست من بعده أعلامها |
مذ فقدت عميدها قوامها |
|
وانصدعت مهجة سيّد البشر |
لقتله وظهر سبطه انكسر |
|
وبان الانكسار في جبينه |
فاندكّت الجبال من حنينه |
|
وكيف لا وهو جمال بهجته |
وفي محيّاه سرور مهجته |
|
كافل أهله وساقي صبيته |
وحامل اللوا بعالي همّته |
|
واحده لكنّه كلّ القوى |
وليث غابه بطفّ نينوى |
|
ناح على أخيه نوح الثكلى |
بل النبيّ في الرفيق الأعلى |
|
وانشقّت السما وأمطرت دما |
فما أجلّ رُزئه وأعظما |
|
بكاه كالهطال حزناً والده |
وكيف لا وبان منه ساعده |
|
بكاه صنوه الزكيّ المجتبى |
وكيف لا ونور عينيه خبا |
|
ناحت بنات الوحي والنزيل |
عليه مذ أمست بلا كفيل |
|
ناحت عليه الحور في قصورها |
لنوح آل البيت في خدورها |
|
ناحت عليه زُمر الأملاك |
وناحت العقائل الزواكي |
|
فمن لتلك الخفرات الطاهره |
مذ سبيت حسرى القناع السافره |
|
ابن ربيب المجد أُمّاً وأبا |
عن أخواته وهنّ في السبا |
|
وأين عن ودائع النبوّه |
ممثّل الغيرة والفتوّه |
|
وأين منه ربّ أرباب الإبا |
إذ هجم الخيل إلى نحو الخبا |
|
فأصبحت نهباً لكلّ مارق |
مسودّة المتون والعواتق |
|
فيها اشتفى العدوّ من ضغائنه |
فأين حامي الظعن ون ظعائنه |
|
أين فتى الفتيان يوم الملحمه |
عن فتياته بأيدي الظلمه |
|
فليته يرى بعين الباري |
عزائز الله على الأكوار |
|
يُهدى بها من بلد إلى بلد |
وهنّ في أعظم كربٍ وكمد |
من قصيدة الفاخرة
للعلّامة الحجّة محمّد حسين آل كاشف الغطاء دام وجوده وهي تنيف على سبعين بيتاً ولكن في كتاب العبّاس ذكر قطعة معدودة الأبيات من هذه القصيدة :
وتعبس من خوف وجوه أُميّة |
إذا كرّ عبّاس الوغى يتبسّم |
|
عليم بتأويل المنيّة سيفه |
نزول على من بالكريهة معلم |
|
ويمضي إلى الهيجاء مستقبل العدى |
بماضٍ به أمر المنيّة مبرم |
|
وصال عليهم صولة الليث مغضباً |
يحمحم من طول الطوى ويدمدم |
|
وراح لورد المستقى حامل السقا |
وأصدر عنه وهو بالماء مفعم |
|
ومذ خاض نهر العلقميّ تذكّر |
الحسين فولّى عنه والريق علقم |
|
وأضحى ابن ساقي الحوض سقّا ابن أحمد |
يروّي عطاشى المصطفى الطّهر إن ظموا |
|
ولمّا أبى منك الإباء تأخّراً |
وإنّ أبا الفضل الذي يتقدّم |
|
بهم حسمت يمناك ظلماً ولم أخل |
يمين القضا في صارم الشرك تحسم |
|
وإنّ عمود الفضل يخسف هامه |
عمود حديد للضلالة يدعم |
|
وحين هوى أهوى إليه شقيقه |
يشقّ صفوف المخلدين ويحطم |
|
فألفاه مقطوع اليدين معفّراً |
يفور من مخسوف هامته الدم |
|
وقال أخي إن كنت كبش كتيبتي |
وجُنّة بأس حين أدهى وأدهم |
|
ومن ناقع حرّ القلوب من الظما |
ومن دافع شرّ العدى يوم نهجم |
|
ومن يكشف البلوى ومن يحمل اللوى |
ومن يدفع اللأوى ومن يتقحّم |
|
رحلت وقد خلّفتني يا ابن والدي |
أغاص بأيدي الظالمين وأُهضم |
|
أحاطت بي الأعداء من كلّ جانب |
ولا ناصر إلّا سنان ومخذم |
|
وأقبل محنيّ الضلوع إلى النسا |
يكفكف عنها الدمع والدمع يسجم |
|
ولاحت عليه للرزايا دلائل |
تبين لها لكنّه بتكتّم |
من القصيدة الفاخرة
للخطيب البارع الشيخ محمّد علي اليعقوبي النجفي :
أبو الفضل حامي ثغرة الدين جامع |
فرائده إن سلّ منها نظامها |
|
قضى لقراع الشوس عضباً بحدّه |
ليوم التنادي يستكنّ حمامها |
|
عليها نطوت في حلبة الطعن فانطوى |
عليه القضا منه وضاق مقامها |
|
وخاض بها بحراً يرفّ عبابه |
ضباً ويد الأقدار جالت سهامها |
|
فحلأها من جانب النهر عنوة |
وولّت عواديها بصلّ لجامها |
|
ودمدم ليث الغاب يسطو بسالة |
إلى الماء لم يكبر عليه ازدحامها |
|
ثنى رجله عن صهوة المهر وامنتطى |
قرى النهر واحتلّ السقاء همامها |
|
وهبّ إلى نحو الخيام مشمّراً |
لريّ عطاشاً قد طواها أوامها |
|
ألمّت به سوداء يخطف برقها |
البصائر من رعب ويعلو قتامها |
|
فلولا قضاء الله لم يبق منهم |
خسيس ولم يكبر عليه اعتصامها |
|
بماضية الأقدار جذّت يمينه |
وثنّت به اليسرى وطاب التثامها |
|
وفي عمد حتم القضا شجّ رأسه |
ترجّل وانثالت عليه لئامها |
|
به انتظمت سمر القضا وتشاكلت |
وكم فيه يوم الروح حلّ نظامها |
|
دعا محيي الإسلام يا ابن الذي به |
دعائم دين الله شدّ قوامها |
|
جرى نافذة الأقدار فيمن تحبّه |
سراعاً فإنّ النفس حان حمامها |
|
فشدّ مجيباً دعوة الليث طالباً |
تراتٍ به الأعداء طال اجترامها |
|
طواها ضراباً سلّ فيه نفوسها |
وحلّق فيها للبوار اخترامها |
|
وأحنى عليه قائلاً هتك العدى |
حجاب المعالي واستحلّ حرامها |
|
أخي لمن أسطو وإنّك ساعدي |
وعضبي إذا ما ضاق يوماً مقامها |
|
أخي فمن يعطي المكارم حقّها |
ومن فيه إعزازاً تطاول هامها |
|
أخي فمن للمحصنات إذا غدت |
بملساء يذكي الحائمات رغامها |
|
أخي لمن أُعطي اللواء ومن به |
يشق عباب الحرب إن جاش سامها |
|
أُخيّ فمن يحمي الذمار حفيظة |
إذا ما كبا بالضاربات اغترامها |
|
كفى أسفاً أنّي فقدت حشاشتي |
بفقدك والأرزاء جدّ احتدامها |
|
فوالهفتا والدهر غدر صروفه |
عليك وعفواً ناضلتني سهامها |
|
إلى الله أشكو لوعة لو أبثّها |
على شامخات الأرض ساخ شمامها |
|
على أنّني والحكم لله لاحق |
بأثرك والدنيا قليل دوامها |
|
فقام وقد احنى الضلوع على جوًى |
يئنّ كما في الدوح أنّ حمامها |
|
حسبتك للأيتام تبقى ولم أخل |
تجرّ عليّ الداهيات طغامها |
وله أيضاً
في مجموعته المسمّاة بالذخائر المطبوعة في مطبعة دار النشر والتأليف في النجف سنة 1269 وقد أهدى إليّ نسخة فانتخبت منها بعض أبيات هذه القصيدة :
غداة أبو الفضل لفّ الصفوف |
وفلّ الظبى والقنا الشُّرّعا |
|
رعى بالوفاء عهود الإخا |
رعى الله ذمّة موف رعا |
|
فتًى ذكر القوم مذ راعهم |
أباه الفتى البطل الأروعا |
|
إذا ركع السيف في كفّه |
هوت هامهم سُجّداً رُكّعا |
|
وحول الشريعة تحمي الفرات |
جموع قضى البغي أن تجمعا |
|
ولو أنّ غلّة أحشائه |
بصلد الصفا كاد أن يصدعا |
|
فجنّب ورد المعين الذي |
به غلّة السبط أن ينقعا |
|
وآب ولم يرو من جرعة |
وجرّعه الحتف ما جرّعا |
|
فخرّ على ضفّة العلقمي |
صريعاً فأعظِم به مصرعا |
|
فما كان أشجى لقلب الحسين |
وآلم منه ولا أفضعا |
|
رأى دمه للقنا منهلاً |
وأوصاله للضبا مرتعا |
|
قطيع اليمين عفير الجبين |
تشقّ النصال له مضجعا |
|
أبدر العشيرة من هاشم |
أفلت وهيهات أن تطلعا |
|
فقدتك يا ابن أبي واحداً |
ثكلت به مضراً أجمعا |
|
قصمت القرى وهدمت القوى |
وأحنيت فوق الجوى أضلعا |
|
لقد هجعت أعين الشامتين |
وأُخرى لفقدك لن تهجعا |
|
أساقي العطاشا لقد كضّها |
الضما فاستقت بعدك الأدمعا |
|
حميت الظعينة من يثرب |
وأنزلتها الجانب الأمنعا |
|
إذا أفزعتها عوادي العدى |
فمن ذا يكون لها مفزعا |
|
وإن أنس لا أنس أُمّ البنين |
وقد فقدت ولدها أجمعا |
|
تنوح عليهم بوادي البقيع |
فيذري الطريدُ لها الأدمعا |
|
ولم تسل من فقدت واحداً |
فما حال من فقدت أربعا |
|
أبا الفضل ما لي مغيث سواك |
إذا الدهر في صرفه جعجعا |
|
دهيت بما عيل صبري به |
فما لي أُنادي ولم تسمعا |
|
قصدتك أشكو قذى الناظرين |
وأرجو جلائهما لي معا |
|
وكيف يردّ دعائي الإله |
وقد جئته فيك مستشفعا |
من نظم صفي علي شاه
قبلهٔ اهل وفا شمشير حق |
فارس ميدان قدرت شير حق |
|
حضرت عبّاس کامد ما صدق |
بر يد الله فوق ايديهم ز حق |
|
بر حسين از يکصداى العطش |
دست و سر را کرد با هم پيش کش |
|
رفت با مشک از پى آب طلب |
تا تو را آموزد آداب طلب |
|
کرد سودا سر به بازار حسين |
در دو عالم گشت سردار حسين |
|
در ره حق داد دست حق پرست |
دستها شد جمله او را زيردست |
|
چون يد الله دست عبّاس على |
پس يقين دست خدا دست ولى |
* * *
چه عبّاس از جمالش نور پاک مصطفى پيدا |
چه عبّاس از جبينش صولت شير خدا پيدا |
|
چه عبّاس جوان مرد آفتاب فيض ربّانى |
چه عبّاس دلاور روز هيجا حيدر ثانى |
تقريب المعنى بالعربيّة (31) :
قبلة الأوفياء سيف الباري |
فارسٌ في معارك الأحرار |
|
أسدُ الله أين منه كلاب |
نبحته على الفرات الجاري |
|
صورة البدر غير أنّ هيولاه |
يد الله ماحق الكفّار |
|
عطش السبط غاظه وهو يشكو |
بفؤاد ظام كحرّ النار |
|
أو يشكو الظما وها هو رأسي |
ويميني فدائه ويساري |
|
أخذ الجود طالباً جرعة الماء |
لأطفاله من الأشرار |
|
فأبوا أن ينال منه فأرواهم |
من الموت بالقنا الخطّار |
|
باع نفساً لله طهّرها الله |
من الرجس ـ سادس الأطهار |
|
ربحت صفقة بسوق حسين |
صيّرته المنار للثوّار |
|
ثمّ نال القيادتين ففي الدنيا |
أميراً غدا ودار القرار |
|
حين أعطى يديه لله أضحى |
وله إمرة على الأقدار |
|
يد هم أنّها يد الله حقّاً |
ذاك سرّ بدى من الأسرار |
* * *
بنوره نور النبيّ قد بدى |
جمال عبّاس جمال المصطفى |
|
إن صال كان نقمة على العدى |
أو أسد الله عليّ المرتضى |
|
كأنّه شمس تفيض رحمة |
من لدن الله على هذي الدنى |
|
قد عاد حيدر إلى هذي الدنى |
بشخصه فهو أحاد وثنى |
فاخرة جاد بها طبع وفائي شوشتري
اسمه حاج فتح الله بن المولى حسن بن المولى رحيم الشوشتري المتوفّى سنة 1304 :
رخصت گرفت ز ان شه بىيار مستمند |
شد بر سمند و تاخت بميدان کارزار |
|
ناگه شنيد ز حرم آواز العطش |
آن العطش کشيد عنانش از قرار |
|
برگشت سوى خيمه و مشکى گرفت و رفت |
سوى فرات فرات با جگر تشنه و فکار |
|
پر کرد مشک پس کفى از آب برگرفت |
مىخواست تا که نوشد از آن آب خوشگوار |
|
آمد بيادش از جگر تشنهٔ حسين |
چون اشک خويش ريخت ز کف آب خوشگوار |
|
بر خود خطاب کرد که اى نفس اندکى |
آهستهتر که ماند حسين در قفار |
|
عبّاس بىوفا تو نبودى کنون چه شد |
نوشى تو آب و مانده حسينت در انتظار |
|
شد با لبان تشنه ز آب روان برون |
دل پر ز جوش و مشک بدوش آن بزرگوار |
|
کردند جمله حمله بر آن شبل مرتضى |
يک شير در ميان گرگان بىشمار |
|
يک تن کس نديده چندين هزار تير |
يک گل کسى نديده و چندين هزار خار |
|
سرگرم آب بردن و از خويش بىخبر |
کابن الطفيل زد بيمين وى از يسار |
|
پس مشک را ز راست سوى دست چپ کشيد |
وز سوز سينه زد بدل قدسيان شرار |
|
مىداشت پاس آب همى تاخت ناگهان |
دست چپش فکند لعينى ستم شعار |
|
پس مشک را گرفت بدندان که اين گره |
نگشود دست تا بدندان رسيد کار |
|
مىتاخت سوى خيمه که ناگاه از قضا |
تير قدر رها شد و بر مشک شد دچار |
|
زين تير کين چه آب فرو ريخت بر زمين |
شد روزگار در بر چشمش چه شام تار |
|
پس خود براى کشته شدن ايستاد و گفت |
مردن هزار مرتبه بهتر که شرمسار |
|
فرياد يا اخا چه بگوش حسين رسيد |
گفتى مگر هزبر روان شد پى شکار |
|
آمد چه ديد ديد که بى دست پيرکى |
افتاده پاره پاره در آن دشت فتنه نار |
|
آهى ز دل کشيد و بگفت اى برادرم |
عبّاس اى که از پدرم مانده يادگار |
تقريب المعنى بالعربيّة :
ومذ أذن الحسين له تجلّى |
على الميمون كالقمر المنير |
|
وأقحمها خميساً من حديد |
وقال لها إلى الأعداء طيري |
|
نداء الآل واعطشاه أذّى |
مروّته فهبّ إلى النمير |
|
تناول للمزادة وهو ظام |
كأنّ فؤاده لهب السعير |
|
وخاض الماء ظمئآناً وأروى |
مزادته على عطش مرير |
|
ومدّ إلى الفرات يداً وخاضت |
شهيّ الماء في لفح الهجير |
|
ولم ينقع بعذب الماء قلباً |
وقلب السبط في الظمأ الكبير |
|
أأروي مهجتي والسبط ظامٍ |
فمن عتب البتولة من مجيري |
|
وقال لنفسه يا نفس صبراً |
ونيل الفوز بالعطش اليسير |
|
ولست بلا وفاء كي تنالي |
أماني النفس في العمر القصير |
|
وولّى العذب ظهراً وهو يسعى |
وحيداً قاصد الجيش الكثير |
|
وفلّ جموعهم بالطّفّ قتلاً |
وشاطي النهر بالسيف المبير |
|
فلم ير واحد يرميه ألف |
أحاط الشوك بالورد النظير |
|
وما كانوا لديه سوى هباء |
من الدنيا تعلّق بالأثير |
|
وظلّت عينه للجود ترعى |
وقال له : مصيرك من مصيري |
|
ومذ حسمت يداه بسيف نغل |
ومن دمه تضمّخ بالعبير |
|
تعلّق بالمزادة يبتغيها |
لأكباد تصاعد بالزفير |
|
أتته سهامهم فأُريق ماء |
فكان أمضّ من دمه الطهور |
|
هناك دعى ألا يا موت زُرني |
وقد ظنّ الفرات على صغيري |
|
وأنزله العمود إلى رمال |
فأنعم في رمال كالحرير |
|
وصاح أخي حسين عليك منّي |
سلام الله من أسد هصور |
|
فأقبل سيّد الشهداء يسعى |
إلى الأعداء بالسيف الجسور |
|
وقال أخي كسرت الآن ظهري |
فيالله للظهر الكسير |
مرثية الجواهري
اسمه الميرزا محمّد باقر الجواهري المحتد ، والقزويني المسكن ، والإصفهاني المتوفّى والمدفن سنة 1140 :
لمّا هوى البيرق من كفّه |
شبّت لظّى في بيدر الأُنس |
|
مدامع الأنجم تذري دماً |
لمّا اكتسى من فلق الشمس |
|
أوّل فاد من بني آدم |
كان حسين سيّد الإنس |
|
لم تر عين مثله فادياً |
من بين أصحاب العبا الخمس |
|
ولا كعبّاس أخاً طاهراً |
طهّره الله من الرّجس |
|
بنفسه يحمي حسيناً كما |
يدرّع الفارس بالتّرس |
|
وجاء يرجو الإذن من سيّد |
ليفتدي علياه بالنفس |
|
ما هي حرب هاج أتوانها |
بل جلوة الزفاف والعرس |
|
وانهلّ دمع السبط لمّا رأى |
أخاه ينحو فيلق النحس |
|
من مقلة السبط جرت شعلةً |
دنيا الأسى بالأدمع الخرس |
|
كأنّما السبط سماء وذي |
دموعه كالأنجم اللعس |
المرثيّة بالفارسيّة :
چه بيرق از کف عبّاس نوجوان افتاد |
شرر بخرمن سلطان انس و جان افتاد |
|
بخون ديده انجم طپيد رايت مهر |
که نعش صاحب رايت بخون طيان افتاد |
|
بعقل گفتم از اولاد اوّل کيست |
که ريخت خونش و مقبول ارمغان افتاد |
|
جواب داد که اوّل حسين تشنه جگر |
که همعيان به بلاهاى ناگهان افتاد |
|
دلاورى نه چه فرزند بو تراب دلير |
برادرى نه چه عبّاس نوجوان افتاد |
|
>چه يافت رخصت رزم مخالفين ز امام |
گيران رکاب شد امّا سبک عنان افتاد |
|
ز پيش چشم برادر براى آب حيات |
جدا چه خضر ز سکندر زمان افتاد |
|
بحال راکب خود مرکبش در آن وادى |
ز ابر ديده گهربار دُر فشان افتاد |
|
نه اشک سرخ سمندش بخاک هامون ريخت |
ستارهٔ خون شد و از چشم آسمان افتاد |
خزانة الأسرار عمّان ساماني
روز عاشورا بچشم پر ز خون |
مشک بر دوش آمد از شط چون برون |
|
شد بروى تشنه کامان رهسپر |
تير باران بلا را شد سپر |
|
آنقدر باريد بر وى تير تيز |
مشک شد بر حالت او اشک ريز |
|
آنقدر باريد بر وى چشم مشک |
تا که چشم مشک خالى شد ز اشک |
|
تا قيامت جرعه نوشان ثواب |
مىخورند از چشمهٔ آن مشک آب |
تقريب معنى روح النصّ بالعربيّة :
ترك النهر ظامئاً بعد أن أروى
من الماء جوده العطشانا
وانبرى يطلب الخيم ليروي
من عيال السبط الفم الظمئانا
وأتته السهام تترى كأنّ
السحب تنهلّ وابلاً هتّانا
أثبتته السهام حتّى عليه
أرسل الجود دمعه الأرجوانا
سال دمع السقاء يبكي على الساقي
تردّى حمر الثياب عيانا
نفد الدمع من سقاء ولم ينفد
ثواب أحيا به الإنسانا
ظلّ حتّى يوم النشور يرجي
طالبوه من ربّهم رضوانا
شعر ميرزا محمّد التبريزي
چونکه نوبت بر بنى هاشم رسيد
ساخت ساز جنگ عبّاس رشيد
محرم سرّ وعلمدار حسين
در وفادارى علمدار نشأتين
در مبحث ثالث خورشيد و ماه
روز خصم از بين او شد سياه
در شجاعت يادگار مرتضى
داده بر حکم قضا دست رضا
خواست در جنگ عدو رخصت ز شاه
گفت شاهش کى علمدار سپاه
چون علم گردد نگون در کارزار
کار لشکر يابد از وى انفطار
گفت تنگ است اى شه خوبان دلم
زندگى باشد از اين پس مشکلم
ز ين قفس برهان من دلگير را
تا بکى زنجير بايد شير را
گفت شه چون نيست ز ين کارت گريز
اين ز پا افتاد کان را دست گير
جنگ کين بگذار آبى کن طلب
بهر اين افسردگان خشک لب
گفت سمعاً اى امير انس و جان
گرچه باشد قطرهٔ آبى بجان
شد بسوى آب تازان با شتاب
زد سمند باد پيما را به آب
بىمحابا جرعهاى در کف گرفت
چون بخويش آمد دمىگفت اى شگفت
تشنه لب در خيمه سبط مصطفى
آب نوشم من زهى شرط وفا
زادهٴ شير خدا با مشک آب
خشک لب از آب بيرون زد رکاب
تقريب المعنى لروح النصّ بالعربيّة :
ولمّا أتى للهاشميّين دورهم
ودارت كؤوس الموت صرفاً من الساقي
تجلّى أبو الفضل العميم بوجهه
كما لاح بدر مشرق أيّ إشراق
ولفّ جموع الكفر بالسيف مصلتاً
وقد قامت الحرب العوان على ساق
وصار لواء ابن النبيّ بكفّه
فأكرم بكفّ لن تشاق بإخفاق
وقال الوفا لمّا تردّى ثيابه
أبو الفضل أضحى للوفا خير مصداق
فأقبل ينحو الجيش والثغر مشرق
كما ينجلي في البرق ظلمة آفاق
وقال العدى هذا الحمام بعينه
تجلّى بإرعادٍ علينا وإبراق
وتاهوا بصحراء فضاقت عليهم
كأنّهم في التّيه أبناء إسحاق
تورّث من عزم الوصيّ شجاعة
فقامت على عهد لديه وميثاق
كأنّ القضا ألقى إليه قياده
مشى بلواء في المعامع خفّاق
ولمّا أتى يستأذن السبط للوغى
أجاب بقلب مشفق أيّ إشفاق
أخي أنت عون لي وكبش كتيبتي
وسيفي الذي أُردي به كلّ أفّاق
أخاف على شملي إذا لم تعد له
ولم يبق منه بعد قتلك من باقي
فقال وهىٰ صبري فدعني أذقهم
مصبّرة تأتي على كلّ ذوّاق
إلى كم أُعاني من صدود عن العدى
وأنّى وهذا الصبر من بعض أخلاقي
فقال نعم فاذهب إلى الماء وحده
فليس لنا إلّاك يوم الظما ساقي
ولمّا دنى للنهر أقبل جمعهم
كسيل هضاب من أعاليه مهراق
فحسّهم حسّاً بسيف كأنّه
إذا ما جرت في الشعر شفرة حلّاق
وحاز النمير العذب بالسيف دونهم
وأطرق لمّا مسّه أيّ إطراق
أأروي وقلب الطّهر قد كظّه الظما
فهيهات ما هذي صفاتي وإعراقي
وأعرض عن ماء الفرت على ظمًى
وعاد بذكر طيّب النشر عبّاق
من نظم الشيخ عليّ شيخ العراقين
بسوى آب شد سقّاى محشر
برزم اندر بُدِى سبط پيمبر
بآب اندر شدى ميراب هستى
چه سيل کوهسار آنسوى پستى
يم رحمت چه در يم شد شناور
خميد از پشت خنک کوه پيکر
کف کافيش پر بنمود از آب
که سازد لعل خشک از آب سيراب
بياد تشنگان وادى غم
فراتش در نظر شد بحرى از سم
بخود مىگفت باشد از ادب دور
که من سيراب و شه از آب مهجور
تقريب المعنى بالعربيّة لروح النصّ الفارسي :
ويمّم الفرات ساقي المحشر
لنصرة ابن المصطفى المطهّر
بدى كسيل قاصداً جمع العدى
من قمم الشمّ جرى منحدر
كأنّه فوق الجواد راكباً
يلملم أعظم به من منظر
مدّ يداً تغترف الماء لكي
يطفئ حرّاً في الحشى من سعَر
تذكّر العطشى بوادي كربلا
فأصبح الفرات بحراً من شري
فقال لا لن أرتوي وسيّدي
بكبد من الظما منفطر
وله أيضاً
صف دشمن دريدى همچه کرباس
بيامد بر سر بالين عبّاس
فرود آمد ز زين آن با جلالت
چه پيغمبر ز معراج رسالت
بدامن برگرفت آنکه سرش را
همى بوئيد خونين پيکرش را
برآورد از دل تفديده آهى
که سوزانيد از مه تا به ماهى
بگفتش که اى سپه دار قبيله
ز مرگت مر مرا کم گشت حيله
شکستى پشتم اى شمشاد قامت
نمىيابد درستى تا قيامت
مباراة الشعر أو تقريب المعنى بالعربيّة لروح النصّ :
وصال على الأعداء يبحث عن أخٍ
على التُّرب ملقًى بعد ما قتلوه
فكيف غدا قلب الحسين وقد هوى
بضربة نغل في التراب أخوه
ترجّل عن ظهر الجواد على الثرى
كما عرج الهادي النبيّ أبوه
وطاف بعرش الله لا بمرمّل
وتلفظ جمراً مقتلاه وفوه
وقال أخي رفقاً بظهر كسرته
بفقدك بعداً للأُلى كسروه
ويا خير إخواني وخير عشيرتي
ويا مفرج الجلّى لمن ندبوه
وكاثرني الأعداء حين تركتني
فما حال من أحبابه تركوه
بكى لي عدوّي رحمة لمصيبتي
فما حال من أعدائه رحموه
وقال الآخر :
چون عمود آهنين فرقش شکافت
باز ابن ملجم سر حيدر شکافت
کشتى اسلام شد بى بادبان
غلغله افتاد در هفت آسمان
گرد غم بر عالم امکان نشست
پشت شاه کربلا درهم شکست
قبلهٔ اهل وفا از صدر زين
سرنگون افتاد بر روى زمين
نالهٔ ادرک اخا زو شد بلند
بر سرش آمد امام ارجمند
ديد آن بدر تمامش منخسف
در ميان خاک و خون يا للأسف
منفصل اعضاى او از همدگر
همچه آيات کتاب دادگر
بسته از خو نقش در اوراق او
لن تنال البرّ حتّى تنفقوا
گفت اى پشت و پناه و ياروم
اى علمدار سپاه و لشکرم
آه از اين قامت دلجوى تو
حيف از اين دست و اين بازوى تو
رفت از بى دستِيَت کارم ز دست
از غم مرگ تو پشت من شکست
اى دريغا شد اميدم نا اميد
بى برادر گشتم و قدّم خميد
از چه راوى ساقى آب حيات
تشنه جان دادى لب شطّ فرات
امشب اندر چشم زينب خواب نيست
در دل کلثوم صبر و تاب نيست
مباراة الشعر بالعربيّة أو تقريب المعنى من روح النصّ :
ومذ غدت بعمود الكفر هامته
مفضوخة عاد في كوفان أشقاها
هوى به عمد الفولاذ أخّرها
فقس بعقلك أُولاها بأُخراها
سفينة الله أمست لا شراع لها
إذ أنّ كفّي أبي فضل شراعاها
بفقده راح ظهر الطهر منكسراً
وأضحت الأرض مغبرّاً محيّاها
هل قبلة الله قد طاحت بمصرعه
إذ كان والكعبة الشمّاء أشباها
تموّجت صيحة في الأُفق صاعقة
أدرك أُخوّة شهم لست تنساها
بقبلة منك ترويني على ظمأ
كشربة من لذيذ العذب أعطاها
وأقبل السبط محزوناً لمصرعه
رأى المجرّة مثل النهر مجراها
فالبدر منخسف فيها بجانبه
زُهر النُّجوم رداء الموت غشّاها
بكربلاء غدت أعضائه قصداً
كأنّها غرست بالآي معناها
قد جاد بالنفس إرضاءاً لخالقه
لرفقه منه في الرضوان يلقاها
لمّا رآه حسين في الثرى مزقاً
بكى ومقلته بالدمع أدماها
فقال يا سندي في الحرب يا عضدي
ويا لوائي إذا رفّت رواياها
أعزز عليّ بأن ألقاك منجدلاً
كصعدة ربّها في الترب ألقاها
لم يبق لي أمل أحيا ببهجته
وقد قدتك أوّاباً وأوّاها
أسهرت أجفان أفلاذ النبوّة إذ
تركتها لكؤوس الهمّ تسقاها
قد كنت ترعى بنات الوحي تكلأها
واليوم بعدك عين الله ترعاها
من شعر محزون الرشتي رحمهالله
شه لب تشنه چه اندر بر سقا آمد
ديد جانش بلب اندر لب دريا آمد
ديد بى ستى او کرد چنان آه فغان
که مشوّش بجنان نخلهٔ طوبى آمد
تنگ بگرفت قد سرو علمدارش را
که تزلزل بطف عرصهٔ غيرىٰ آمد
کرد از قامت از شور قيامت برپا
کاندر آن دشت بلا محشر کبرى آمد
ديد چون روى منيرش شده از خون گلگون
روز اندر نظرش چون شب يلدا آمد
مغز سر کوفته و دست جدا از بدنش
وا أخا گفت دلش سير ز دنيا آمد
گفت اى جان برادر کمرم بين شده خم
چه جراحت که به اين قامت رعنا آمد
رو کنم بى تو چسان جانب اين خيل زنان
خوهرت امر اسيريش مهيّا آمد
مباراة الشعر أو تقريب المعنى بالعربيّة لروح النصّ الفارسي :
ولمّا جائه العطشان
فوق النهر مطروحا
رآه بعمود النغل
منحوراً ومذبوحا
تروّى بدل الماء
دماً في التُّرب مسفوحا
دماً كالشفق الأحمر
غشّيت به يوحا (1)
فلولا صبره والصبر
خير أسلم الروحا
جنان الله ما كانوا
لها إلّا مصابيحا
تردّت لمة الحزن
بكاءاً وتسابيحا
وجمع الملأ الأعلى
بكى والجفن مقروحا
جرى الوادي بشطّيه
سيولاً أغرقت نوحا
وأضحى مصحف الله
شهيداً وحيه الموحىٰ
رعاه السيف كالنيب
رعى القيصوم والشيحا
هوت صاعقة لمّا
هوى بالطفّ مجروحا
وجاء السبط يبكيه
بقلب ريع بالفقد
يناديه أبا الفضل
وما كان الندا يجدي
لقد رحت بإخواني
فلم يبق أخٌ عندي
ولم يبر لك الزند
عدوّ بل برى زندي
لقد مادت بي الأرض
أجائت ساعة الوعد
لبست الأحمر القاني
فمن غشّاك بالورد
ومن أنزلك الترب
وأردى قامة الرند
كذا يا خير أصحابي
هنا تتركني وحدي
__________________
(1) يوح : الشمس.
وداعاً يا أبا الفضل
وداعاً يا أخا ودّي
فمن بعدك بالجلّى
على الأعداء أستعدي
ومن للهاشميّات
إذا جار القضا بعدي
وقد كنت لدى الروع
لها كالجبل الفند
هنيئاً نم على الشاطي
ودع عينيّ للسهد
وعوّضت عن الماء غداً
في جنّة الخلد
بكاس من يدي فاطمة
أحلى من الشهد
وأنعم برضا الله
مع الولد والجدّ
جودي خراساني
راست در عرصهٔ ايجاد لواى غم شد
تا حسين را کمر از مرگ برادر خم شد
تا درافتاد ز پا گفت قضا زينب را
قسمت تو ستم فرقهٔ نامحرم شد
آه از آندم که شه آمد ببر کشتهٔ او
در دم آخرش از خون جگر همدم شد
آه از اين قدّ رسا حيف از اين قدّ بلند
که قلم شد ز غم و خون بدل عالم شد
مباراة الشعر او تقريبه بالعربيّة إلى روح النصّ الفارسي :
وقع اللواء على الثرى
حكم القضاء على الورى
لمّا هوى في كربلا
ظهر الحسين تكسّرا
وأتى النداء لزينب
قومي اندبي أسد الشرى
قومي استعدي للسبا
أمر به قلم جرى
وأتى لمصرعه الهدى
وعليه مدمعه جرى
لمّا رآه ملفّعاً
بدم رداءاً أحمرا
ملأ الفضا بآهة
فكأن أثرت المجمرا
أسفاً على هذا الجمال
على التراب مبعثرا
لم تشرب العذب الزلال
ومن أمامك قد جرى
بدماك أرويت الظما
وغداً ستُسقى الكوثرا
شعر اختر الطوسى رحمهالله
عبّاس شبل شير خدواند کافتاب
هر صبح بوسهاش بدر آستان دهد
درياى جود و بذل ابو الفضل کشروان
خجلت ز فرّ خويش بقصر جنان دهد
چرخ جلال ماه بنى هاشم آنکه نور
از رأى و روى به مهر و مه و آسمان دهد
باب الحوائج است هر آن کو ز باب او
هر حاجتى که کرد تمنّا همان دهد
اندر ره برادر خود غير او کسى
نشنيدهام که تن به بلاد جهان دهد
سوى فرات آمد و شرم آمدش کز آب
تسکين تشنگى زبان در دهان دهد
دستش جدا شود ز تن و باز
پهلو به رمح و فرق به گرز گران دهد
سقّا کسى نديده بجز اوى که در جهان
جان تشنه کام در لب آب روان دهد
مباراة الشعر أو تقريب المعنى بالعربيّة إلى روح النصّ الفارسي :
تقبّل الشمس إذا أشرقت
أعتاب عبّاس سليل الأسد
بحر السخا تخجل في فضله
أن تقرن الجنّة أو أن تعد
قد أكسب العالم من نوره
بغرّة تزهو ورأي أسد
لاذ ذوو الحاجات في بابه
كلّ يدٍ مُدّت له لا تُرَد
ما رأت الدنيا أخاً مثله
به على النصر أخوه اعتمد
قد ورد الماء وما ذاقه
والقلب منه بظماه اتّقد
حتّى هوت كفّاه فوق الثرى
وانفضخت هامته بالعمد
وما رأينا ساقياً مثله
للنّاس إلّا أنّه ما ورد
شعر إمام جمعة كاشمر
الحاج علي المتلخّص بمشكاة المحبّة
سردار بى سپاه علمدار بى حشم
بوالفضل بوالمکارم وذو الجود والکرم
کرد آفرين بهمّت او همّت آفرين
همّت نگر که تشنه لب آمد برون ز يم
بر دوش ابر رحمت بر دست تيغ برق
چون رعد در خروش و روان شد سوى حرم
کردند ازدحام پى دفع آنجناب
او را نبود باک از آن خيل مزدحم
از صولتش گداخت دل و زهره کرد آب
شير ژيان پيل دمان اَژدر دژم
بر دفع دشمنان نه بشمشيرش احتياج
افکند گر ز قهر بر ابروى خويش خم
آمد بروى ز ابفرات محيط جود
افراشت بر فتوت مردانگى علم
افکند بس ز خصم سر و دست توسنش
ننهاد جز بدست و سر دشمنان قدم
ناگاه ظالمى ز کمين تيغ زد بر او
افتاد دست راست از آن جسم محترم
با دست چپ زدى ز چپ و راست بر عدو
آرا نبود باک از اين صدم او الم
واحسرتا که دست چپش هم زين فتاد
از ضرب تيغ دشمن بدخواه بد شِيَم
افتاد تا که از تن آن شهسوار دست
بگشود خصم او ز يمين و يسار دست
ناچار شد دچار اجل تن بمرگ داد
بىدست چون جدال کند با هزار دست
آن مير نامدار بدندان گرفت مشک
دندان معين شود چه بيفتد ز کار دست
دشمن کمان گشود بسويش ز چار سو
بر مشک آب تير و بگل يافت خار دست
جسم شريف او هدف تير و نيزه شد
باد سموم يافت بر آن لالهزار دست
از ضربت عمود خشک گشت غرق خون
بر چهرهٔ ماه يافت خسوف غبار دست
افتاد روى خاک و ندا زد که يا اخا
دريابم از وفا و بيارى برار دست
شاها بيا که جان کنم ايثار مقدمت
آنسان که در ره نمودم نثار دست
سلطان دين چه نالهٔ دلسوز او شنيد
تعجيل کرد که ببالين او رسيد
مباراة الشعر بالعربيّة وتقريب روح النصّ الفارسي :
أيا أباً للفضل يا والد
بوركت أنت الجيش والقائد
من جودك البحر بلا ساحل
يجري فراتاً موجه الصاعد
كم ارتوت من عذبه أُمّة
لا ناقص عنها ولا نافد
ملكت نهر العلقمي ظامياً
لا شارب منه ولا وارد
وعُدت في قلبك حرّ الظما
كالنار إذ يوقدها الواقد
همّته تظهر في صبره
على الظما لم يغره البارد
في متنه الجود وفي كفّه
يردي الأعادي سيفه الحاصد
كأنّه السحاب عشّاهم
والسيف فيه البارق الراعد
جاؤوا إلى الشاطئ يحمونه
أنّي وعبّاس هو القاصد
أنّى يخيف الأسد في غيلها
كلب عوى أو ثعلب حاقد
أمّهم سيف أبي فاضل
فليس إلّا الراكع الساجد
سالوا دماً من حرّ صمصامه
كما يدق الحجر الجامد
وانكفئوا لمّا رأوا سيفه
وطار رعباً منهم المارد
ما كان محتاجاً إلى سيفه
ينوب عنه النظر الحارد
ونظرة تعرب عن سخطه
ينهدّ منها البطل الصامد
خاض الفرات العذب من جوده
يجري رخاءاً بحره الراكد
هذا لواء الحمد في كفّه
ليس له إلّا الفتى الماجد
فتوّة ليس لها مشبه
باركها المعبود والعابد
تطيح يمناه فلا ينثني
ويتبع اليسرى بها الجاحد
وأذهل العالم في ساعة
تعانق المشهود والشاهد
لم يبق إلّا أمل واحد
لله هذا الأمل الواحد
أن يرتوي من جوده عاطش
لولا الردى والأجل الوارد
واحرّ قلب السبط من بعده
إذ طار منه الزند والساعد
نامت عيون الرجس من بعده
وقلّ من آل الهدى الراقد
جاء إلى مصرعه باكياً
ألفاه لا عين ترى لا يد
يا بقعة كالعرش في فضلها
جبريل فيها نازل صاعد
جاء بأملاك السما للعزا
أذهلها المفقود والفاقد
الهوامش
1. المجالس السنيّة ، ص 110.
2. مثل وقايع الأيّام للبيرجندي ، وأنيس الشيعة للسيّد محمّد عبد الحسين الهندي ، والأنوار النعمانيّة والمجدي قمر بني هاشم. ( منه )
3. وقف كثير من المؤرّخين والرواة عند هذه الروايات الواردة في سيّدتنا أُمّ البنين عليها السلام ولم يخرج أحد منهم على نظام الرتابة المتبع في النقل وليتهم أجروا عليها شيئاً من النقد لكي يقفوا على الجانب الصحيح من شخصيّة هذه البطلة الجليلة أُمّ الشهداء ، وأنا أحيل على كتاب العلّامة المحقّق المدقّق الشيخ البيرجندي « الكبريت الأحمر » وقد أعانني الله سبحانه بلطفه فترجمته إلى العربيّة مع التحقيق ، والشيخ رضي الله عنه وأرضاه أنصف الحقّ بكتابه عن سيّدتنا أُمّ البنين وأثبت أنّها صحابيّة وليست أعرابيّة بدويّة كما يرى غالب المؤرّخين ذلك بل هاجرت إلى النبيّ وحضرت مجلسه وصلّت ورائه وروت حديثه وروى عنها أولادها عليهم وعليها أتمّ الصلوات والسلام ؛ فمن أراد المزيد من المعرفة فليرجع إلى ذلك الكتاب ولا يجمد على ما نقله المؤرّخون.
4. لعلّه يريد بظهر الولاية أنّه ظهر الحسين ، يظهر ذلك من قوله عند مصرعه : « الآن انكسر ظهري ».
5. القمقام الزخّار ، ترجمة محمّد شعاع فاخر ، ج 2 ص 19.
6. مستدرك الوسائل ، ج 15 ص 215 مؤسسة آل البيت ـ بيروت ، ط 1408 ، وكان على شيخنا الجليل أن ينفد هذه الحكاية الباردة ، فينظر في عامي ولادتهما فإنّ سيدتنا زينب ولدت في السنة السادسة للهجرة ، وأبو الفضل في سنة السادسة والعشرين ، فالفارق بينهما عشرون عاماً ، فكيف يقرن بينهما أمير المؤمنين في مجلس واحد ويساوي بينهما في السؤال ؟ إلّا أن يكون لأمير المؤمنين ابنة أُخرى من امرأة ثانية تُدعى زينب لدة أبي الفضل من جانب آخر ، وهل في هذا الجواب فضل يُذكر عندما يكون بمثابة إظهار النقص في كلام الإمام فقد أدركا من الخطاب ما لم يدركه أبوهما ، ولذلك ردّا عليه قوله ، وبماذا يستفيضان عن عدد « اثنان » إذا لم يجز في شريعة التأدّب مع الله قولهما ، وهل سقط هذا العدد لهذا السبب من الحساب ؟ ثمّ عن الحبّ أترى يحرم على المرء أن يحبّ أولاده أنّه يحبّ الله ولا ينبغي أن يتداخل الحبّان ؟ وماذا يقول واضع هذه الحكاية المضحكة المبكية في تصريح النبيّ بحبّه للحسنين وأبيهما وأُمّهما وهو سيّد أهل المعرفة ؟ ألا ينافي حبّ الله ؟ أنا أدعو علمائنا الأحياء حين فاتني دعوة الأموات منهم لتنقية هذه الكتب الشريفة من هذه الروايات الباطلة ، لأنّ الرواية الموضوعة ليس فيها سوى الضرر للمذهب لا سيّما حين يرويها رجال في وزن المحدّث النوري رحمه الله.
7. شهداء أهل البيت لحسين شاكر ، ص 30 ؛ وذخيرة الدارين ، ص 123 نقلاً عن عمدة الطالب. والمؤلّف ذكر أقوال الإمامين مترجمة ونحن ذكرناهما كما نسبا إليهما.
8. وفي زيارة الناحية المقدّسة : « السلام على أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين ، والمواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي الواقي له ، الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتله يزيد بن ورقاء الجُهَني وحكيم بن الطفيل السنبسي ».
وفي زيارة الرجبيّة : « السلام على العبّاس بن أمير المؤمنين ».
وروى الشيخ الأجل بن قولويه في كامل الزيارة بسند صحيح عن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام زيارة معروفة للعبّاس عليه السلام وفيها كلمات تنبئ عن مقام كريم له مثل قوله : « أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود ... الخ » ، ومثل : « أشهد أنّك لم تَهِنْ ، ولم تَنْكُل ، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك .. الخ » ، وقوله : « فنعم الصابر المجاهد ، المحامي الناصر ، والأخ المدافع عن أخيه ، المجيب إلى طاعة ربّه ، الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل .. الخ ». ( منه ) راجع كامل الزيارات ، ص 442.
9. نسبها في الأعيان إلى شاعر ، ج 7 ص 431.
10. مقاتل الطالبيّين ، ص 56.
وروى الصدوق في الخصال بإسناده على عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : رحم الله عمّي العبّاس فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطِعت يداه فأبدله الله عزّ وجلّ منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعلا لجعفر بن أبي طالب عليه السلام ، وإنّ للعبّاس عند الله منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. ( منه ) الخصال ، ص 68.
وروى المجلسي في البحار ، والمامقاني في رجاله ، وصاحب شرح القصيدة لأبي فراس وغيره أنّ العبّاس كان شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً جميلاً ، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان الأرض ، وقد كان من فقهاء أولاد الأئمّة. وقال الصادق عليه السلام : كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أخيه الحسين وأبلى بلاءاً حسناً ومضى شهيداً. ( منه )
11. الكبريت الأحمر ، تعريب وتحقيق محمّد شعاع فاخر ، ج 2 ص 301 و 302.
12. اللهوف ، ص 54.
13. الإرشاد ، ج 2 ص 89 و 90 و 91.
14. اللهوف ، ص 54.
15. تاريخ الطبري ، ج 5 ص 412 و 413.
16. قال الشيخ الصدوق في الأمالي بإسناده عن الإمام السجّاد أنّ الإمام عليه السلام أرسل عليّاً ابنه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليسقوا الماء وهم على وجل شديد ، فجاؤوا بالماء ، فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضّأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم. ( منه رحمه الله )
17. في العاشر من البحار وغيره من الكتب : بأنّ العبّاس لمّا رأى وحدة أخيه الحسين عليه السلام قال : يا أخي ، هل من رخصة ، فبكى الحسين عليه السلام بكاءً شديداً ثمّ قال : يا أخي ، أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرّق عسكري ، فقال العبّاس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأُريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء.
فذهب العبّاس ووعظهم وحذّرهم فلم ينفعهم فرجع الى أخيه فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلاً حتّى دخل الماء ( المشرعة ـ المؤلّف ) فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيته فرمى الماء ( من كفّه ـ المؤلّف ) وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن وتوجّه نحو الخيمة وقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب ، فحاربهم حتّى ضربه نوفل الأزرق( ابن الأزرق ـ المؤلّف ) على يده اليمنى [ فقطعها ] فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل ( حكيم بن الطفيل ـ المؤلّف ) [ فقطع يده اليسرى من الزند ] ( على يده اليسرى ـ المؤلّف ) فحمل القربة بأسنانه [ فجائه ] ( وجاء ـ المؤلّف ) [ فأصاب ] ( وأصاب ـ المؤلّف ) القربة وأُريق مائها ، ثمّ جائه سهم آخر فأصاب صدره فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني ، فلمّا أتاه رآه صريعاً فبكى [ وحمله إلى الخيمة ].
[ ثمّ قالوا : لمّا قتل العبّاس قال الحسين عليه السلام : ] الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي ... ( منه رحمه الله ) بحار الأنوار ، ج 45 ص 41.
وجعلنا اختلاف المؤلّف مع البحار بين قوسين ، وكلام البحار بين القوسين المركّنة. وفي غير واحد من المجاميع أنّ العبّاس برز كالجبل العظيم وقلبه كالطود الجسيم ، لأنّه فارساً هماماً وبطلاً ضرغاماً وجسوراً على الطعن والضرب ، وفي ميدان الكفاح والحرب ، فوقف قبال القوم وقال : يا عمر بن سعد ، هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وإخوته وبنيه وبني أعمامه وبقي فريداً مع عياله وهم عطاشى قد أحرق الظمأ قلوبهم ومع ذلك قال : دعوني أخرج إلى طرف الهند أو الروم وأُخلّي لكم الحجاز والعراق وأشرط عليكم أنّ غداً في القيامة لا أُخاصمكم عند الله حتّى يفعل بكم ما يريد ، فتقدّم شمر وقال : يابن أبي تراب ، لو كان كلّ وجه الأرض ماء وهو في أيدينا ما أسقيناكم منه قطرة واحدة إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد ، فرجع العبّاس وأخبره بما سمع. ( منه رحمه الله )
18. أي قطعوا سرّته بالسيف وهي كناية عن مصاحبة السيف له منذ الولادة مصاحبة الإل إلفه ، والحليف حليفه ، والمثل الفارسي هكذا « وناف بريدهٔ شمشير ».
19. وقرأها بالزاي المعجمة معناها « صاح » وكلّ صائح زاق ، والزقية الصيحة ، ويزعم العرب أنّ للموت طائراً يُسمّى الهامة فإذا قُتِل الإنسان ولم يؤخذ بثأره تخرج « الهامة » من قبره وما تزال تصبح حتّى يؤخذ بثأره ، وفي أمثال العرب : « زقّت الهامة حتّى يثأر ». ( منه )
20. جمع مِصلت ـ بكسر الميم ـ الرجل إذا كان ماضياً في الأُمور ، والمعنى المراد هو أنّ الهامة إذا زقّت لا أرهبها ولا أرهب الموت فأسرع إلى ميدان القتال لمعانقة الموت. ( منه )
21. الدمعة الساكبة ، ج 4 ص 324.
22. اتصال هذا الكلام بالنصّ المنسوب إلى الدمعة الساكبة موهم أنّه منه ولكنّي لم أجده ملحقاً بالنصّ في ط العلوم العامّة البحرين والأعلمي بيروت سنة 1409 هجريّة.
23. الحشر : 9.
24. هذه الحكاية يدلّ سياقها على وضعها مع كونها مرسلة ، وسندها يقتصر على عبد الله الأهوازي وهو مجهول ، وليس في هذا عجب فما أكثر الموضوعات في تاريخنا ولكن العجب من المؤلّف وهو الثبت المحقّق كيف رضي لنفسه أن يروي مثل هذه الروايات الساقطة ؟ وما الحاجة إلى الموضوعات ؟ وهل في الكذب خيرٌ أبدا ً؟ ولست أدري ما الذي يقصده هؤلاء الوضّاعون ؟ أيريدون رفع منزلة أهل البيت ؟ وهل فوق منزلتهم منزلة يرفعهم إليها الرافع ؟ نعم إنّهم يريدون جلب انتباه الغوغاء ليستدرّوا عطفهم ومِن ثَمّ ... الخ.
25. في الكتاب عناوين وضعها المؤلّف بالعربيّة آثرت بقائها كما هي.
26. جهاد الإمام السجّاد لمحمّد رضا الجلالي ، ص 189.
27. الخرصان : جمع خرص وهو الرمح.
28. الدرّ النّضيد ، ص 274.
29. الدرّ النضيد : « ثمّ انثنى مستهلّاً قاصد الحرم » والقصيدة هنا فيها أبيات لا توجد في الدرّ النضيد ص 290.
30. الكبريت الأحمر ، ج 1 ص 373 و 374 الترجمة العربيّة ، الشريف الرضي.
31. خُطّتي في الشعر الفارسي النصّ المترجم هو ترجمته إلى شعر قريب لا بالحرفيّة ولكن بتقريب المعنى قدر الوسع فقد تأتي الترجمة كالأصل إن أمكنني ذلك وقد تحمل شيئاً من معناه وليس من المحتّم على أن تطابقه الترجمة مطابقة تامّة فذلك خارج عن قدرتي ولكنّها على أيّة حال خبر من ترك الشعر بلا ترجمة أو حلّة إلى نثر.
مقتبس من كتاب : فرسان الهيجاء / المجلّد : 1 / الصفحة : 248 ـ 311
التعلیقات