توجد فوارق ليست عَوائق
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 7 سنواتما يلتفت اليه في أحاديث المعصومين عليهم السلام في قضية كيفية تشكيل العائلة هو الفوارق الجسمانية الموجودة بين النساء والرجال، منها القدرات والاختلافات في ما بينهما ومن بعد ذلك تقسيم دور كل منهما على حدة، ففي التعاليم الدينية نرى كثير ما
يشار إلى كون المرأة عاطفية كما ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: (نعم الولد البنات، ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات مفليات). (1)
والعاطفة العالية التي تحملها المرأة تجعلها تميل أكثر إلى الهدوء والسكون نوع ما، كما يشير إلى هذا المعنى القرآن الكريم: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، (2) وفي المقابل يذكر للرجل مواقف أخرى، لاتدل على أفضليته عليها.
من هنا يُشرع الإسلام أبواب التنافس، ويفتح ميادين السباق على جميع الأصعدة أمام الرجل والمرأة؛ ليتسايرا، وليتسابقا على درب الفضيلة والصلاح.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. (3)
فعن سبب نزول الآية أورد جمع من المفسّرين انّه عندما رجعت "أسماء بنت عميس" زوجة "جعفر بن أبي طالب" من الحبشة مع زوجها، جاءت إلى زوجات النّبي، فسألتهن: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ فقلن: لا، فأتت رسول الله (ص) فقالت: "يارسول الله إنّ النساء لفي خيبة وخسار".
فقال: وممّ ذلك؟
قالت: لأنّهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال.
فأنزل الله تعالى هذه الآية (التي طمأنت النساء بأنّ لهنّ درجة عند الله مساوية للرجال، وأكّدت على أنّ المعيار هو العقيدة والعمل والأخلاق الإسلامية).(4).
ففي الآية الكريمة إقرار لتكافئ الفرص بين الرجل والمرأة في كسب صفات التقدم وميزات التفوق، حيث احتوت الآية الكريمة على ذكر عشر صفات بعضها فكرية اعتقاديه: كالإسلام والإيمان، وبعضها مناقبية أخلاقية: كالصدق والصبر، وبعضها ممارسات عملية: كالصوم والصدقة. وفي جميعها توازي المرأة الرجل وتسايره، وقد تسبقه، وتتفوق عليه.
ويؤكد المعنى الآية الشريفة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).(5)
ممّا لا شك فيه أنّ بين الرجل والمرأة تفاوت واختلاف من الناحيتين الجسمية والروحية، وهذا الفرق هو الذي جعلهما مختلفين في وظائفها وشؤونهما الاجتماعية، إِلاّ أنّ طبيعة الاختلاف الموجود لا تنعكس على الشخصية الإِنسانية، ولا توجد اختلافاً في مقامهما عند اللّه عزَّوجلّ، فهما في هذا الجانب متساويان ومتكافئان، ويحكم شخصية أي منهما مقياس واحد ألا وهو الإِيمان والعمل الصالح والتقوى، وإِمكانية تحصيل ذلك لأيٍّ منهما متساوية.
إِنّ الآيات أعلاه قد بيّنت هذه الحقيقة بكل وضوح لتخرس الأفواه المشككة في الطبيعة الإِنسانية للمرأة في الماضي والحاضر، ولترد بقوّة أُولئك الذين يعطون للمرأة مقاماً أقل ورتبة أنْزَل من الناحية الإِنسانية نسبة إِلى الرجل، وقد أعلنت، وبينت بكل وضوح الآيات المنطق الإِسلامي في هذه المسألة الإِجتماعية المهمّة، فقالت: إِنّ الإِسلام خلافاً لقاصري الفكر ليس دين الرجال، فهو يخص المرأة بنفس القدر الذي يخص الرجل.
فمن عمل صالحاً وهو مؤمن رجلا كان أو امرأة، فله الحياة الطيبة، وسينال ثواب اللّه تعالى من غير تمايز في الجنس، ولا تفاضل بينهما إِلاّ من خلال ما يتفوق أيٍّ منهما على الآخر من حيث الإِيمان والعمل الصالح.(6)
نعم، هناك فوارق جسدية وعاطفية بين المرأة والرجل، لكن هذه الفوارق لا تشكل حاجزا في عدم أرتقاء المرأة إلى أعلى درجات الكمال؛ لأن الفوارق الجسدية لا تشكل عوائق على تقدم المرأة في حياتها الدنيوية والأخروية.
ـــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة: ج21، ص362.
2ـ سورة الأعراف: 189.
3ـ سورة الأحزاب: 35.
4ـ تفسير الأمثل: تفسير سورة الأحزاب الآية 35.
5ـ سورة النحل: 97.
6ـ تفسير الأمثل: تفسير سورة النحل الآية 97.
التعلیقات