مواصفات الزّوج المثالي
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتلقد كفل الإسلام للمرأة حق اختيار شريك العمر وأرشدها إلى جملة من المواصفات التي
يفضّل أن يتصف بها الشريك الصالح ، ونظرا لكون المرأة بطبعها عاطفية ورقيقة الحسّ ويغلب عليها الحياء ، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها ، وشرّك بينهما في عملية الاختيار التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.
وأبرز المواصفات التي يجب توفرها في الزّوج المثالي هي :
أ ـ أن يكون متديناً وذا خُلق حسن : وهما من أهم مرتكزات البناء الزوجي النموذجي ، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيد بخُلق ، سوف يجعل حياة الزوجة جحيما لا يطاق ، وبالمقابل فإن الزوج المتدين الذي يتحسس المسؤولية في الحياة ، ويشعر برقابة الله الدائمة ، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة سوف يوفّر لها سبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجية.
وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق ، متمثلة في احدى بنات شعيب عليه السلام التي أدركت ببصيرتها الإيمانية وتجربتها القصيرة مع موسى عليه السلام أنّه تتجسد فيه المواصفات الجسمية والخُلقية معاً فقد كان قوياً وأميناً ( قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأََمِينُ * قَالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ ... ) (1). ( يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا ، ليكفينا مؤنة هذا العمل ، فهو قوي وأمين ، وكأنّ النبي قد فطن إلى المراد ، فأسرع إلى تحقيق رغبة ابنته ، وطلب إلى موسى أن يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أن يزوجه بإحداهما .. فقبل موسى طلب شعيب عليه السلام ) (2).
فهذه سابقة قرآنية تجعل من ابنة شعيب عليه السلام قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.
وروي عن الحسين بن بشار قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في رجل خطب إليَّ فكتب : « من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته ، كائناً من كان فزوجوه ، ( إلاّ تفعلُوهُ تكُن فِتنةٌ في الأرضِ وَفسَادٌ كَبِيرٌ ) » (3).
وكان آلالبيت عليهم السلام يمارسون مع أولياء أمور النساء حواراً إقناعياً ، يستند إلى القرآن ، أو إلى المعطيات الواقعية ، ولا نكتفون بإسداء النصائح المجرّدة ، ومن الشواهد الدالة على هذا التوجه : ( جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته ، فقال : « زوّجها من رجل تقي ، فإنّه إن أحبّها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها » (4).
ولاشكّ أن هذه النصائح إذا دُعمت بالمعطيات وعزّزت بالحقائق والشواهد ، فسوف ترسخ قناعة الآباء بها ، ويأخذونها على محمل الجد ويتصرفون في ضوئها.
وفي موقف آخر أسدى الإمام الرّضا عليه السلام نصيحته المخلصة إلى ولي أمر إحدى الفتيات مدعمة بالدليل القرآني ، ليزيل غشاوة الشك من قلبه ، قال له : « إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى : ( وَإن يَتفرَّقا يُغنِ الله كُلاًّ من سَعَتهِ ) وقال : ( إن يكُونُوا فقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ ) .. » (5).
وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة إلى أن الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسب والنسب فحسب ، كما كان الحال في عهد الجاهلية ، يل يتجسد مصداقه الأعلى في الانتساب إلى الإسلام واعتناق مبادئه السامية ، والتحلّي بفضائله العالية ، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس ، ويجب أن يكون مقياساً أساسياً لانتخاب الزوج المثالي ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « انكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، وانكحت المقدادضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب ، ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام » (6).
ب ـ أن لا يكون شارباً للخمر : لو صرفنا النظر عن الآثار الضارة التي يتركها الخمر على الوراثة ، فإن له آثاراً اجتماعية مأساوية على الزوجة ، فانشغال الزوج المدمن على الخمر بشؤونه الخاصة وحرصه الدائم على إرواء غليله من الشراب ، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله ، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لاعالتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى جملة مساوىَ اجتماعية أقلّها انفصام عُرى العلاقة الزوجية وتفكك الروابط الاُسرية ناهيك عن انحراف الاطفال وتسيبهم.
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من شرب الخمر بعدما حرَّمها الله ، فليس بأهل أن يتزوّج إذا خطب » (7).
وقال الإمام الصادق عليه السلام محذراً : « من زوّج كريمته من شارب خمر ، فقد قطع رحمها » (8).
جـ ـ أن لا يكون معروفاً بالزنا : فكما حذّر آلالبيت عليهم السلام من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة ، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويجاهر بالزنا ، وليس أدلُّ على ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال : قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا ، إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة » (9).
ومن جميع ما تقدم نجد أنّ الإسلام يُرشد الفتاة وأولياء أمرها إلى جملة من المواصفات المثالية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر ، كما حذر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز على أسس مصلحية ، فانه يضع الفتاة رهينة بيد الرجل الذي له حق القيمومة عليها وملك زمام أمرها.
__________________
1) سورة القصص : 28 / 26 ـ 27.
2) مع الأنبياء في القرآن / عفيف عبدالفتاح طبّارة : 224 دار العلم للملايين ط16.
3) من لا يحضره الفقيه 3 : 248 كتاب النكاح ـ باب الاكفاء.
4) مكارم الأخلاق : 204.
5) فقه الرضا : 31 ، وبحار الأنوار 103 : 372 ، والآيات من سورة النساء : 4 / 130 وسورة النور : 24 / 32.
6) مكارم الأخلاق : 238 ، وكنز العمال 1 : 78 / 313.
7) مكارم الاخلاق : 204.
8) مكارم الأخلاق : 238.
9) مكارم الأخلاق : 204.
التعلیقات