زيادة الحفظ وتقويت الذاكرة من روايات أهل البيت عليهم السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 23 ساعةفي عالمٍ يموج بالمعلومات والعلوم، أصبح الحفظ والفهم السريع من المهارات الأساسية التي يحتاجها الإنسان في حياته العلمية والعملية. ولأن الإسلام دينٌ شاملٌ يهتم بكل جوانب حياة الإنسان، فقد وردت عن أهل البيت عليهم السلام رواياتٌ وأدعيةٌ تساعد على تقوية الذاكرة وزيادة الحفظ، وتسهيل عملية التعلم.
في هذا المقال، سنستعرض بعض الروايات والأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام التي تعين على زيادة الحفظ، مع شرحٍ مختصرٍ لأهميتها وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية.
أهمية الحفظ في الإسلام
الحفظ ليس مجرد مهارةٍ عقليةٍ، بل هو نعمةٌ من الله تعالى، وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ (1).
كما أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين كانوا يحثون على طلب العلم وحفظه، فقد قال الإمام علي عليه السلام يقول : « العِلْمُ خَيـرٌ مِنَ المالِ، العِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المالَ، والعِلْمُ يَزْكُو عَلَـى الاِنْفاقِ والمالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ » (2).
دعاء يقرأ عند المطالعة :
« اللّهُمَّ أخْرِجْني مِنْ ظُلُماتِ الوَهْمِ وَأكْرِمْني بِنُورِ الفَهْمِ ، اللّهُمَّ افْتَحْ عَلَيْنا أَبْوابَ رَحْمَتِكَ وَانْشُرْ عَلَيْنا خَزائِنَ عُلُومِكَ بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ » (3).
دعاء يقرأ عند النسيان
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام إذا أردت أن تحدث عنا بحديث فأنساكه الشيطان فضع يدك على جبهتك وقل : « صَلّى الله عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ اللّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يا مُذَكِّرَ الخَيْرِ وَفاعِلَهُ وَالامِرَ بِهِ ذَكِّرْنِي ما أنْسانِيهِ الشَّيْطانُ ».
وقد ورد ايضا عن الإمام الصادق عليه السلام من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلا : « بِسْمِ الله أعوذُ بِالله مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الخَبِيثِ الُمخْبِثِ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ ».
يقول الشيخ عباس القمي في كتابه مفاتيح الجنان :
من شاء أن يقوي ذاكرته فليستعمل السواك وليصم وليقرأ القرآن لا سيما آية الكرسي وليدمن أكل الزبيب على الريق ، ولا سيّما إحدى وعشرين حبة من الأحمر منه ، فذلك ينفع للفهم والذهن والحفظ ، ومما يورث الحفظ أكل اللحم مما يلي العنق وأكل الحلوا والعسل والعدس وقيل إنّ ممّا جرب للحفظ أن يؤخذ من الكندر والسعد وسكر طبر زد أجزاء متساوية وتسحق ناعما ويستف كل يوم خمسة دراهم ، يستعمل ثلاثة أيام ويقطع خمسة ، وهكذا وليقل أيضاً كل يوم بعد فريضة الصبح قبل أن يتكلم : يا حَيُّ يا قَيُّومُ فلايَفُوتُ شَيْئاً عِلْمُهُ وَلايؤدُهُ ، وليقرأ عقيب الصلوات دعاء : سُبْحانَ مَنْ لايَعْتَدِي عَلى أهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، وليصل أيضاً ما رويناه في الباب الثاني من الصلاة لقوّة الذاكرة ، وغير ذلك وليتجنب ما يورث النسيان وهو أكل التفّاح الحامض والكزبرة الخضراء ، والجبن وسؤر الفار ، والبول في الماء الواقف وقراءة ألواح القبور ، والمشي بين امرأتين ، والقاء القملة الحية على الأرض ، وترك تقليم الأظفار وترك القيلولة ، والاكثار من المعاصي وكثرة الهموم والأحزان في أمور الدنيا وكثرة الاشغال والعلائق والنظر إلى المصلوب والمرور بين القطار من الجمل (4).
صلاة لتقوية الحافظة
وقد نقل عن ابن عباس قال : « علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ما أتقوى به على الحفظ حين شكوت إليه قلة الحفظ، فقال: ألا أهدي لك هدية يا ابن عباس علمني إياها جبرئيل عليه السلام ؟ فقلت: بلى يا رسول الله، فقال لي: تكتب في طست بزعفران وماء الورد، فاتحة الكتاب والتوحيد والمعوذتين ويس والحشر والواقعة والملك، ثم تصب عليه ماء زمزم، أو ماء السماء، وتشرب على الريق وقت السحر، وذلك مع ثلاث مثاقيل لبان، وعشر مثاقيل عسل، وعشر مثاقيل سكر ثم تصلي بعد شربه عشر ركعات، تقرء في كل ركعة بفاتحة الكتاب عشر مرات وقل هو الله أحد، ثم تصبح صائما ذلك اليوم، فما تأتى عليك أربعون يوما حتى تكون حافظا بإذن الله تعالى» (5).
قيل: وكان الزهري يكتبها لأولاده ويسقيهم إياها.
قال ابن عاصم: كتبتها كثيرا وكنت ابن اثنتين وخمسين سنة، فما أتى على شهر حتى صرت حافظا بإذن الله تعالى.
قوّة الحفظ والنسيان وهما متضادّتان في الجسم لكن ضروريتان للإنسان
ونورد هنا كلام الإمام الصادق عليه السلام بشأن قوة الحفظ والنسيان التي ذكرها للمفضل حيث قال : « تأمّل يامفضّل! هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان ، أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك ، أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال الحفظ وحده كيف كانت تكون حاله؟ وكم من خلل كان يدخل عليه في اُموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ما له وعليه ، وما أخذه وما أعطى ، وما رأى وما سمع ، وما قال وما قيل له ، ولم يذكر من أحسن إليه ممّن أساء به ، وما نفعه ممّا ضرّه ، ثمّ كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى ، ولا يحفظ علما ولو درسه عمره ، ولا يعتقد دينا ، ولا ينتفع بتجربة ، ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى ، بل كان حقيقا أن ينسلخ من الإنسانية أصلاً فانظر إلى النعمة على الإنسان في هذه الخلال ، وكيف موقع الواحد منها دون الجميع ؟
وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان ، فإنّه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ، ولا إنقضت له حسرة ، ولا مات له حقد ، ولا إستمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكّر الآفات ، ولا رجا غفلة من سلطان ، ولا فترة من حاسد. أفلا ترى كيف جعل في الانسان الحفظ والنسيان ، وهما مختلفان متضادان ، وجعل له في كل منهما ضرب من المصلحة ؟ وما عسى أن يقول الذين قسموا الاشياء بين خالقين متضادين في هذه الاشياء المتضادة المتبائنة وقد تراها تجتمع على ما فيه الصلاح والمنفعة ؟ » (6).
ما الذي يورث شدّة الحفظ وقوّة الذاكرة
السؤال : ما الذي يورث شدة الحفظ وقوة الذاكرة مما ورد في الاثر عن اهل البيت عليهم السلام ؟ وكذا من مجربات علمائنا الابرار.
الجواب : لتقوية الحافظة :
1. حفظ القرآن الكريم وقراءته لا سيما آية الكرسي.
2. تقليل الطعام.
3. صلاة الليل بالخضوع والخشوع.
4. الاكثار من الصلاة على محمد وآل محمد.
5. قراءة القرآن نظراً في المصحف.
6. السواك.
7. شرب العسل وأكل الكندر مع السكر، وأكل 21 زبيبة حمراء كل يوم على الريق.
8. صلاة للذكاء وجودة الحفظ.
9. في الرسالة الذهبية للإمام الرضا عليه السلام : « من أراد أن يزيد في حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيباً على الريق، ومن أراد أن يقلّ نسيانه ويكون حافظاً فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربّى بالعسل، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم » (7).
10. عن علي عليه السلام : « من أخذ من الزعفران الخالص جزءً ومن السُعد جزءً ويضيف اليهما عسلاً ويشرب منه مثقالين في كل يوم فانه يتخوف عليه من شدة الحفظ أن يكون ساحراً » (8).
في ختام هذا المقال، نجد أن روايات أهل البيت عليهم السلام تقدم لنا كنزًا من المعرفة والإلهام لتعزيز قدرتنا على الحفظ والفهم. إن الحفظ ليس مجرد مهارة عقلية، بل هو نعمة إلهية تساعدنا في بناء شخصياتنا العلمية والعملية. من خلال الأدعية والنصائح المستمدة من تراث أهل البيت، يمكننا تحسين ذاكرتنا وتسهيل عملية التعلم، مما يساهم في تحقيق النجاح في مختلف مجالات الحياة.
ندعوكم لتطبيق ما تم استعراضه في حياتكم اليومية، سواء من خلال تلاوة الأدعية، أو اتباع النصائح الغذائية، أو ممارسة الطقوس الروحية التي تعزز الذاكرة. بتطبيق هذه التعاليم، يمكننا أن نحقق التوازن بين الحفظ والنسيان، مما يعزز من قدراتنا الفكرية ويمنحنا القدرة على الاستفادة من تجارب الحياة.
ختامًا، لنحرص جميعًا على طلب العلم والمعرفة، فكما قال الإمام علي عليه السلام: « العِلْمُ خَيـرٌ مِنَ المالِ »، ولننظر إلى كل فرصة للتعلم كفرصة لتقوية ذاكرتنا واستثمارها في الخير والنماء.
1ـ سورة الكهف : الآية 65.
2ـ ميزان الحكمة / الشيخ محمد المحمدي الري شهري / المجلّد : 3 / الصفحة : 2066.
3ـ مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 860.
4ـ مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 870.
5ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 92 / الصفحة : 340 / ط دار الاحیاء التراث.
6ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 3 / الصفحة : 81 / ط مؤسسة الوفاء.
7ـ مرآة الكمال / الشيخ عبد الله المامقاني / المجلّد : 3 / الصفحة : 452.
8ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 59 / الصفحة : 273 / ط دارالاحیاء التراث.
التعلیقات