فضل الصمت والمزاورة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتعدة من الناس يصلون إلى أعلى مراتب الكمال المطلوب، ويصبحون في درجة عالية حتى أنهم يكونون نواباً عن أعظم شخصيات الخلق في زمانهم، التي تتمثل بالنبي أو من ينوب عنه -أي وصيه وخليفته الشرعي والذي يتمتع بشأن عظيم- من جملة هؤلاء
الأشخاص الذين نالوا هذا الشريف العظيم هو مولانا عبد العظيم الحسني عليه وعلى آبائه أفضل التحية والسلام، ونحن في هذه الأيام في ذكرى ميلاده الميمون والمبارك.
روى لنا هذا السيد الجليل الأحاديث عن المعصومين عليهم أفضل التحية والسلام التي هي دستور لنمط الحياة المثالية المحببة لدى الجميع والمطابقة للفطرة الإنسانية السليمة، ومن أجمل ما روى لنا حديثه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: "يا عبد العظيم! أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومُرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة فإن ذلك قربة إلي".(1)
فالإمام صلوات الله عليه يبيّن كيفية التعامل في ما بين أوليائه، ويرسم لهم طريق الخير والسعادة بعد ما يبلغهم السلام وعدم أتباع الشيطان، فيبدأ صلوات الله عليه في بيان الفضائل الأخلاقية الفردية التي يجب أن تكون نمط لحياتنا ونحن نريد أن نسلط الضوء على ظاهرتين مهمتين، أحدهما السكوت وما له من ثمرات قيمة والآخر المزاورة وما لها من آثار إيجابية على الفرد أولاً والمجتمع ثانياً، وكل هذه الأمور تكون قربة إلى الإمام المعصوم صلوات الله عليه.
فائدة السكوت:
في بعض الأحيان يفعل الشخص الخطأ، وهو لا يعلم، ونيته سليمة يريد الخير، ولكن تكون النتيجة عكس ما يريد، فتجد أشخاص يحاولون أن يفرضوا أنفسهم في وسط المجموعة محاولة منهم للفت نظر الآخرين، ويكون ذلك من خلال دخولهم في كلام الغير ومقاطعة كلامهم أو رفع صوته والكثير يفعل هذا الشئ من دون أن ينتبه، وهذا الأمر يعطي النتيجة العكسية، وتجد الذين يحيطون به لا يهتمون به، وكلامه لا يؤثر بهم، ولا يرتبوا عليه أثر؛ وهذا ليس لأنهم سيئون، بل هو وضع نفسه في مكان غير مناسب، فمن فوائد الصمت هنا أن تتحلى بالهدوء والسكينة إلا اذا طلبوا منك أن تبدي رأيك في ما يدور الحديث عليه وهنا الطريقة الجيدة إذا كنت لم تحط بالموضوع لا تتكلم بكلام فارغ، إذا كنت لا تعرف شئ فقل الواقع أو ألزم الصمت؛ لأنّ القيام بهذا العمل يكون هو الحل الأفضل أحياناً، كما أن الصمت يجعل الآخرين يفكرون عنك بالصورة الأيجابية، وتكون بسكوتك حفظت كرامتك، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: (عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ تُعَدَّ حَلِيماً، جَاهِلًا كُنْتَ أَوْ عَالِماً؛ فَإِنَّ الصَّمْتَ زَيْنٌ لَكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَستْرٌ لَكَ عِنْدَ الْجُهَّال).(2)
فضل المزاورة:
أما بالنسبة إلى فضل مزاورة الإخون فلا شك أن زياراتهم وتواصلهم قد أخذت مكانة لا بأس به في الأحاديث وشروحها، وأكد العلماء عليها في كلماتهم وفي كتبهم، ولا بأس هنا بأن نسلط الضوء على رواية من هذه الروايات التي تعلمنا كيفية التعامل مع الإخوان، ولها فوائد جمة للإنسان في الدنيا والآخرة.
عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سمعته يقول لخيثمة: يا خيثمة، اقرأ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقياهم حياة أمرنا. قال: ثم رفع يده فقال: رحم الله من أحيا أمرنا).(3) ترى آثارها القيّمة ودعاء المعصوم في حق من يقوم بها، ولكن في عصرنا الحاضر صارت صعبة المؤنة؛ لأننا أصبح معظم اهتمامنا بالأمور الجانبية أكثر من الأمور الأصلية، فصار الغاية والهدف من الزيارات هو ما يقدمه صاحب البيت إلى ضيفه وعادتاً تكون باهظة، وإذا أراد الضيف أن يرد الجميل يكون همه وغمه أن يقدم أكثر مما قدم له صاحبه. هذا جيد بشرط أن لا يقع الشخص في العسر والحرج، ويكون السبب في عدم المزوارة أو صعوبة هذا العمل المحبب عند أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ــــــــــــــــــــ
1ـ الاختصاص: للمفيد، ص 247.
2ـ تحف العقول: ص 305.
3ـ الأمالي الطوسي:ج1، ص 135.
التعلیقات