كيفية معالجة الوسواس
موقع وارث
منذ 6 سنواتلو أمكن العلاج في القطع الكلي للوساوس فإنما يتم بأمور ثلاثة : (الأول) سد الأبواب العظيمة للشيطان في القلب ، و هي الشهوة ، و الغضب ، و الحرص ، و الحسد و العداوة ، و العجب و الحقد ، و الكبر، و الطمع ، و البخل ، و الخفة و الجبن ، و حب الحطام الدنيوي الدائر، و الشوق إلى التزين بالثياب الفاخرة ، و العجلة في الأمر، و خوف الفاقة و الفقر، و التعصب لغير الحق ، و سوء الظن بالخالق و الخلق ، و غير ذلك من رؤوس ذمائم الصفات و رذائل الملكات ، فإنها أبواب عظيمة للشيطان ، فإذا وجد بعضها مفتوحا يدخل منه في القلب بالوساوس المتعلقة به ، و إذا سدت لم يكن له إليه سبيل إلا على طريق الاختلاس و الاجتياز.
(الثاني) عمارة القلب بأضدادها ، من فضائل الأخلاق و شرائف الاوصاف ، و الملازمة للورع و التقوى، و المواظبة على عبادة ربه الأعلى.
(الثالث) كثرة الذكر بالقلب و اللسان ، فإذا قلعت عن القلب أصول ذمائم الصفات المذكورة التي هي بمنزلة الأبواب العظيمة للشيطان ، زالت عنه وجوه سلطنته و تصرفاته ، سوى خطراته و اجتيازاته ، و الذكر يمنعها و يقطع تسلطه و تصرفه بالكلية ، و لو لم يسد أبوابه أو لا لم ينفع مجرد الذكر اللساني في إزالتها ، إذ حقيقة الذكر لا يتمكن في القلب إلا بعد تخليته عن الرذائل و تحليته بالفضائل ، و لولاهما لم يظهر على القلب سلطانه ، بل كان مجرد حديث نفس لا يندفع به كيد الشيطان و تسلطه، فإن مثل الشيطان مثل كلب جائع ، و مثل هذه الصفات المذمومة مثل لحم أو خبز أو غيرهما من مشتهيات الكلب ، و مثل الذكر مثل قولك له : اخسأ.
ولا ريب في أن الكلب إذا قرب إليك و لم يكن عندك شيء من مشتهياته فهو ينزجر عنك بمجرد قولك : اخسأ ، و إن كان عندك شيء منها لم يندفع عنك بمجرد هذا القول ما لم يصل إلى مطلوبه.
فالقلب الخالي عن قوت الشيطان يندفع عنه بمجرد الذكر، و أما القلب المملوء منه فيدفع الذكر إلى حواشيه ، و لا يستقر في سويدائه ، لاستقرار الشيطان فيه.
و أيضا الذكر بمنزلة الغذاء المقوي ، فكما لا تنفع الأغذية المقوية ما لم ينق البدن عن الأخلاط الفاسدة و مواد الأمراض الحادثة، كذلك لا ينفع الذكر ما لم يطهر القلب عن الأخلاق الذميمة التي هي مواد مرض الوسواس ، فالذكر إنما ينفع للقلب إذا كان متطهرا عن شوائب الهوى و منورا بأنوار الورع و التقوى، كما قال سبحانه.
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف : 201].
و قال سبحانه : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق : 37] ، و لو كان مجرد الذكر مطردا للشيطان لكان كل أحد حاضر القلب في الصلاة ، و لم يخطر بباله فيها الوساوس الباطلة و الهواجس الفاسدة ، إذ منتهى كل ذكر و عبادة إنما هو في الصلاة مع أن من راقب قلبه يجد أن خطور الخواطر في صلاته أكثر من سائر الأوقات ، و ربما لا يتذكر ما نسيه من فضول الدنيا إلا في صلاته ، بل يزدحم عندها جنود الشياطين على قلبه و يصير مضمارا لجولانهم ، و يقلبونه شمالا و يمينا بحيث لا يجد فيه إيمانا و لا يقينا و يجاذبونه إلى الأسواق و حساب المعاملين و جواب المعاندين ، و يمرون به في أودية الدنيا و مهالكها ، و مع ذلك كله لا تظنن أن الذكر لا ينفع في القلوب الغافلة أصلا ، فإن الأمر ليس كذلك ، إذ للذكر عند أهله أربع مراتب كلها تنفع الذاكرين ، إلا أن لبه و روحه و الغرض الأصلي من ذلك المرتبة الأخيرة :
(الأولى) اللساني فقط.
(الثانية) اللساني و القلبي ، مع عدم تمكنه من القلب ، بحيث احتياج القلب إلى مراقبته حتى يحضر مع الذكر، و لو خلي و طبعه استرسل في أودية الخواطر.
(الثالثة) القلبي الذي تمكن من القلب و استولى عليه، بحيث لم يمكن صرفه عنه بسهولة ، بل احتاج ذلك إلى سعي و تكلف ، كما احتيج في الثانية إليهما في قراره معه و دوامه عليه.
(الرابعة) القلبي الذي يتمكن المذكور من القلب بحيث انمحى عند الذكر، فلا يلتفت القلب إلى نفسه و لا إلى الذكر، بل يستغرق بشراره في المذكور، و أهل هذه المرتبة يجعلون الالتفات إلى الذكر حجابا شاغلا.
و هذه المرتبة هي المطلوبة بالذات و البواقي مع اختلاف مراتبها مطلوبة بالعرض لكونها طرقا إلى ما هو المطلوب بالذات .
المؤلف : محمد مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع السعادات
الجزء والصفحة : ج1، ص : 189-192.
التعلیقات