كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
عماد الكاظمي
منذ 14 سنةبسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله والحمدُ حقه، كما يستحقهُ حمداً كثيرا، وأصلي وأسلمُ على مَنْ أُرسلَ للعالمينَ بشيراً ونذيرا، وعلى آلهِ الهداةِ الذين أُذْهِبَ عنهم الرجس وطُهِّروا تطهيرا.
إنَّ الحديث عن الأئمة المعصومين عليهم السلام من أهم الأحاديث التي يجب علينا أنْ ننشرها في كل آنٍ، لتتعرف الأجيال على أئمتها، وتستلهم من سيرتهم الدروس النافعة، للوصول إلى طاعة الله ورضاه، والفوز بسعادة الدارين في الدنيا والآخرة، والنجاة من الزيغ والضلال، حيث لا يكون ذلك إلا بالتمسك بهم كما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه المشهور بحديث الثقلين، إذ يوصي الأمة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم كما يروى عن أبي سعيد الخدري (إنِّي قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم بهِ لن تضلوا بعدي الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل البيت ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وفي رواية بعد ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (فلا تَقْدَمُوهُمْ فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تُعَلِّمُوهُمْ فإنَّهُمْ أعلم منكم)(1).
ونسلط الضوء في هذه السطور على بعض ما يتعلق بمسألة الإمام الثاني عشر من أئمتنا عليه السلام وغيبته وتحقق الانتظار لدولته التي سيقيم فيها العدل الإلهي. فلو تتبعنا جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام في بيان أمر الإمام المهدي (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) لرأينا أنَّ أغلب هذهِ الأحاديث تبشرُ المؤمنين بفرجهِ في آخر الزمان، ذلك الزمان الذي تملأ الأرض فيها ظلماً، فترى الإسلام والمسلمين في صراعٍ عظيم مع الكفار والمنافقين الذي يريدون إطفاء نور الله في الأرض ونشر الظلم والعدوان والفساد، وهذا ما نراه اليوم مِنْ تكالب أعداء المسلمين وأعداء أهل البيت من الاعتداءات الأثيمة على المؤمنين، فيجب علينا أنْ نؤمنَ بما وَعَدَنَا اللهُ ورسولُهُ في الغلبة والنصرة عليهم عند خروج الإمام المهدي (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ).
ولأجل أنْ يتحقق ذلك النصر الإلهي ويكون الانتظار لفرجه مثمراً سوف نحاول معك عزيزي القارىء أنْ نطلع على بعض الكلمات التي يجب علينا أنْ نطلع عليها ونعيها لنكون من المنتظرين لفرجه الشريف والعاملين لنصرته عليه السلام ويكون انتظارنا تحقيقاً لذلك الأمل الموعود.
فقد يسأل بعضٌ من الناس ما نوع النصرة التي يجب أنْ نقوم بها ؟
فهل الجلوس والتلفظ بألفاظ الفرج والدعاء له ؟
أم العمل الدؤوب لكل المستويات في المجتمع لتهيأة الأرضية الملائمة للظهور ؟!!
أم ما هو واجبنا الذي يجب أنْ نقوم به ؟
فسوف نحاول في هذه الصفحات بيان بعض الواجبات والأمور التي يجب أنْ نهيأها لذلك المجتمع المنتظر لإمام زمانه ليكون حقيقةً من المنتظر له، والاستعداد لذلك من أجل نصرته. والله ولي التوفيق.
ولادته عليه السلام:
الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الثاني عشر من أئمة المسلمين الذين فرض الله تعالى طاعتهم وولايتهم والذين نصَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم في موارد عدة منها الحديث المشهور بانَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر كلهم من قريش وغيره.
فهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
ومن ألقابه عليه السلام: المهدي، المنتظر، الحجة، القائم ...
ولد الإمام المهدي (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) في سامراء في الخامس عشر من شهر شعبان سنة (255هـ)، وكان عمرهُ عند وفاة أبيهِ خمس سنوات، وكان أبوهُ الإمام الحسن العسكري عليه السلام يخشى عليهِ كثيراً من السلطات العباسية لعلمهم إنَّهُ يولد إمام من نسلِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهِ هلاك ملوك الظالمين والطواغيت، ولقد كانت له عليه السلام غيبتان غاب بهما عن الناس، الأولى هي الغيبة الصغرى التي دامت سبعون عاماً فكان الناس لا يستطيعون الوصول إليهِ إلا عن طريق أحد من سفرائهِ ونوابهِ الأربعة وهم:
1- عثمان بن سعيد العمري ، المدفون في بغداد .
2- محمد بن عثمان الخلاني ، المدفون في بغداد .
3- الحسين بن روح النوبختي ، المدفون في بغداد .
4- علي بن محمد السمري ، المدفون في بغداد .
فلقد كان هؤلاء الأربعة هم السفراء والواسطة بين الإمام (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) وبين الناس في إيصالِ وصايا الإمام وحلِّ مشاكلهم ومسائلهم ولا يعرف مكانهُ سوى هؤلاء، وبعد وفاة السفير الرابع وهو الشيخ علي ابن محمد السمري بدأت غيبة الإمام الكبرى التي شاء الله تعالى فيها أنْ يغيب ثم يظهرهُ الله تعالى ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمتهُ وكذلك الأئمة المعصومون عليهم السلام، ولقد اتفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء كلمة الحق، وإظهار الدين كله ولو كره المشركون، فهو بإذنِ الله ينجي العالم من ذلِّ العبودية لغير الله، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة، ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء، ويقطع أواصر التعصبات القومية والعنصرية، ويمحو أسباب العداء والبغضاء التي صارتْ سبباً لاختلاف الأمة وافتراق الكلمة، ويحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))(2) وقال تعالى: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ))(3) وقال تعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))(4) وسـوف تشهد الأمـة بعد ظهـوره عليه السلام عصراً ذهبياً لا يبقى فيه على الأرض بيت إلا ودخلته كلمة الإسلام، ولا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة لا إله إلا الله بكرةً وعشياً.
فلقد تواترت النصوص الصحيحة والأخبار المروية من طريق أهل السنة والشيعة المؤكدة على إمامة أهل البيت عليهم السلام والمشيرة صراحة إلى أنَّ عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل، وأنَّ آخر هؤلاء الأئمة هو الذي يملأ الأرض – في عهده – عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وأن أحاديث الإمام الثاني عشر الموسوم بالمهدي المنتظر قد رواها جملة من محدثي السنة في صحاحهم المختلفة كأمثال الترمذي (المتوفى عام 297 هـ) وأبي داود (المتوفى عام 275 هـ) وابن ماجة (المتوفى عام 275 هـ) وغيرهم ......
فهذا هو المهدي الذي اتفق المُحَدِّثون والمتكلمون عليه، وإنما الاختلاف بين الشيعة والسنة في ولادته، فالشيعة ذهبت إلى أنَّ المهـدي الموعود هو الإمام الثاني عشر الذي ولد بسامراء عام 255 هـ واختفى بعد وفاة أبيه عام 260 هـ، وقد تضافرت عليه النصوص من آبائه، على وجه ما ترك شكاً ولا شبهة، ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنة، وقالوا بأنه ولد وأنه محمد بن الحسن العسكري، نعم كثيرٌ منهم قالوا بأنه سيولد في آخر الزمان، وبما أنَّ أهل البيت أدرى بما في البيت، فمن رجع إلى روايات أئمة أهل البيت في كتبهم يظهر له الحق، وأنَّ المولود للإمام العسكري هو المهدي الموعود.
ومن الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام المهدي عليه السلام:
* روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لَمْ يبقَ مِنَ الدُّنْيا إلا يوم لبعث الله تعالى رجلاً مِنْ أهلِ بيتي.
* روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقومُ الساعَةُ حتى تملأ الأرضَ ظُلْماً وعُدْواناً ثم يخرجُ مِنْ عترتي مَنْ يملأها قِسْطاً وَعَدْلاً.
* روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو لَمْ يبقَ مِنَ الدنيا إلا يوم واحد لطوَّلَ اللهُ ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلٌ مِنْ أُمَّتي يواطىء اسْمُهُ اسْمِي وكنيتُهُ كُنْيَتي يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً.
الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهدي عليه السلام
لقد كان لجميع الأئمة عليهم السلام دور في الحديث والإخبار عن الإمام المهدي عليه السلام وما يتعلق بسيرته وغيبته ولكن كان من أهم تلك الأدوار هو دور الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تهيأة الأمة لاستقبال أمر جديدٍ وهو غيبة إمامها عنها، فإنَّ أهم إنجاز للإمام الحسن العسكري عليه السلام هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهدي (عجل الله فرجه) من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته ومن هنا كانت التمهيدات التي اتخذها الإمام العسكري عليه السلام بفضل جهود آبائه السابقين عليه السلام وتحذيراتهم تنصبُّ على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة.... إلى إتمام الحجة به على شيعته ومحبيه وأوليائه، ففي مجال كتمان أمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عن عيون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البيت عليهم السلام إلى أنَّه ابن سيدة الإماء، وأنّه الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، وفي هذه النصوص ثلاث إرشادت أساسية تُحقق هذا الكتمان: أولها أنَّ أمَّه أمَةٌ وهي سيدة الإماء وقد اختار الإمام الحسن العسكري عليه السلام عندما بلغ أوج الفتوة والشباب، وحان وقت الزواج والاقتران- لهذه المهمة إحدى الجواري شريكة لحياته. وقد أنجبت هذه السيدة الكريمة ابنها الوحيد المنتظر لدولة الحق، وقد خفيت الولادة حتى على أقرب القريبين من الإمام فإنَّ عمة الأمام عليه السلام لم تتعرف على حَمل أم الإمام المهدي عليه السلام فضلاً عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وقد خطط الإمام العسكري عليه السلام ليبقي الإمام المهدي عليه السلام بعيداً عن الأنظار كما ولد خفية ولم يَطّلع عليه إلا الخواص أو أخص الخواص من شيعته.
وأما كيفية إتمام الحجة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحققت ضمن خطوات ومراحل دقيقة منها:
الخطوة الأولى: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكري عليه السلام قبل ولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) تبشيرا بولادته. فلقد جاءت النصوص المبشرة بولادة المهدي (عجل الله فرجه) عن أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام تالية لنصوص الإمام الهادي عليه السلام التي ركزت على أنّه حفيد الهادي وأنّه ابن الحسن العسكري وأنَّ الناس سوف لا يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه وأنّه الذي يقول الناس عنه أنّه لم يولد بعد وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنّه الذي ستختلف شيعته إلى أنْ يقوم، وعلى الشيعة أنْ تلتف حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون قيامه ودولته ويتمسكون بأهل البيت عليهم السلام ويظهرون له الولاء بالدعاء والزيارة وأنّه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين، ومن هذه النصوص التي أشارت إلى ذلك أنّه روى الصدوق عن الكليني أنّ جارية أبي محمد عليه السلام لما حملت قال لها: (ستحملين ذكراً واسمه محمد وهو القائم من بعدي) وغيرها من الأحاديث ....
الخطوة الثانية: الإشهاد على الولادة. لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بالإشهاد على الولادة فضلا عن إخباره وإقراره بولادته وذلك إتماما للحجة بالرغم من حراجة الظروف وضرورة الكتمان التام عن أعين الجواسيس الذين كانوا يرصدون دار الإمام وجواريه قبل الولادة وبعدها. إنّ السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادي وعمة الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد تولت أمر نرجس أم الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في ساعة الولادة وصرّحت بمشاهدة الإمام المهدي بعد مولده وصرح الإمام العسكري عليه السلام بأنها قد غسّلته وساعدتها بعض النسوة مثل جارية أبي علي الخيزران التي أهداها إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
الخطوة الثالثة: الإخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمام (عجل الله فرجه). وتمثلت هذه الخطوة بإخبار الإمام العسكري عليه السلام شيعته بأنَّ الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) قد وُلد وحاول نشر هذا الخبر بين شيعته بكل تحفظ. ولدينا ثمانية عشر حديثا يتضمن كل منها سعي الإمام عليه السلام لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه وهي ما بين صريح وغير صريح قد اكتفى فيه الإمام عليه السلام بالتلميح حسب ما يقتضيه الحال، فمنها الخبر الذي صرح فيه الإمام الحسن عليه السلام بعلَّتين لوضع بني العباس سيوفهم على أهل البيت عليهم السلام واغتيالهم من دون أن يكونوا قد تصدوا للثورة العلنية عليهم حيث جاء فيه: (فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله فأبى الله أنْ يكشف أمره لواحد منهم إلا أنْ يتم نوره ولو كره الكافرون)، وقد تضمن هذا الحديث الإخبار بولادته خفية ليتم الله نوره ......
الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهدي (عجل الله فرجه). وتمثلت في الإشهاد على ولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ووجوده وحياته. فعن أبي غانم الخادم أنّه ولد لأبي محمد ولد فسمّاه محمدا فعرضه على أصحابه في اليوم الثالث وقال: (هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً فملأها قسطاً وعدلاً). وعن عمر الأهوازي أن أبا محمد أراه ابنه وقال: (هذا صاحبكم من بعدي). وعن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري أنهم قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً عن الحجة من بعده فخرج عليهم غلام أشبه الناس به فقال: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا)، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام.
الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) خلال خمس سنوات من قِبَلِ بعض خواص الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الإجابة على أسئلة شيعته المختلفة وإخباره عما في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصِّبا من دون أنْ يتلكّأ في ذلك، وهذا خير دليل على إمامته وأنّه حجة الله الموعود المنتظر. ومما حدّث به أحمد بن إسحاق حين سأل الإمام الحسن العسكري عن علامة يطمئن إليها قلبه حول الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حين أراه إياه وقد كان غلاما كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين أنّ الغلام نطق بلسان عربي فصيح فقال :(أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق).
الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) بواسطة وكلاء الإمام العسكري عليه السلام الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي بنفس الأسلوب الذي كان معلوما لدى الشيعة - من دون أنْ يتجشموا الأخطار والصعاب لذلك- حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام العسكري عليه السلام وقد كان عثمان بن سعيد الوكيل الأول للإمام المهدي (عجل الله فرجه) بعد استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام ثم أصبح محمد بن عثمان وكيله الثاني -كما هو المعروف في ترتيب النواب الأربعة للإمام المهدي (عجل الله فرجه)- ثم الحسين بن روح وكيله الثالث ثم علي بن محمد السمري وكيله الرابع.
الخطوة السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عما سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل وما ينبغي لهم أنْ يقوموا به لئلا يفاجأوا بأمور لا يعرفون كيفية التعامل معها مثل ما يحصل بعد الغيبة من الحيرة والاختلاف بين الشيعة وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإيمان والدعاء للإمام ولتعجيل فرجه الشريف. ومن هنا نفهم السر في كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها إلى نصوص الإمام الهادي عليه السلام ولاحظنا قِصَر الفترة الزمنية لإمامة الإمام العسكري وهي لا تتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الإمام الهادي عليه السلام تناهز الـ (34) سنة مما يعني أنها كانت ستة أضعاف مدة إمامه ابنه العسكري عليه السلام وتكفي هذه الخطوات السبع للتمهيد اللازم لتصبح قضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) قضية واقعية تعيشها الجماعة الصالحة بكل وجودها رغم الظروف الحرجة التي كانت تكتنف الإمام المهدي.
فكل ذلك من الخطوات وغيرها كان الإمام العسكري عليه السلام يريد من وراءها الاستعداد والتهيؤ للمرحلة القادمة من حياة الأمة ولإمامها الغائب عنها، ولذا أعَدّ المؤمنين لهذه المرحلة إعداداً فكرياً وذهنياً ونفسياً وروحياً.
حتى وقعت تلك الغيبة التي وعدنا بها من قبل النبي وأهل بيته عليهم السلام وسوف يكون الحل الأمثل للتعامل مع الإمام عليه السلام وغيبته هو الصبر والانتظار والعمل من أجل قرب ذلك الفرج الإلهي الموعود، وسوف نحاول تسليط الضوء باختصارٍ حول مسائل ثلاث لنكون على بينةٍ من هذا الأمر الإلهي بعد أنْ نستعرض لمحة عن فكرة الإمام المهدي عليه السلام وجذورها التاريخية، وهذه المسائل الثلاث:
أولاً: الانتظار والمنتظرون.
ثانياً: فلسفة الانتظار.
ثالثاً: الحكومة العالمية للإمام المهدي عليه السلام والاستعداد لها.
فكرة المهدي عليه السلام وجذورها في التاريخ
إنَّ فكرة انتظارِ مصلحٍ في آخر الزمان من الأفكار التي تؤمن بها أغلب الديانات التي سبقت الإسلام ويمكن لأي باحثٍ أنْ يتتبع أثر ذلك في معتقداتهم، ولكون البحث يتناول الإمام وانتظاره بين مفهومي اليأس والأمل لنرى أثر هذين المفهومين على الشخصية الإسلامية وكيفية التعامل مع هذه القضية، اقتصرنا على بحثها والاستدلال عليها من وجهة إسلامية تارة وإنسانية تارة أخرى، ولكي تتمحور هذه الفكرة عندنا نحاول أنْ نستدل بكلمات بعض العلماء الكبار من المفكِّرين الإسلاميين لنرى نظرتهم لموضوعنا هذا.
يقول المفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في ذلك: ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهامٍ فطريٍّ أدرك الناس من خلاله - على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب - أنَّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدَّ إلى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشدِّ الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسرتِ التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهكذا نجد أنَّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مرِّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان. وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام ويؤكد أنَّ الأرضَ في نهايةِ المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد أنْ ملئت ظلماً وجوراً يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلى إيمانٍ حاسمٍ بمستقبلِ المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاءٍ وقوةٍ. فهو مصدر عطاء، لأنَّ الإيمان بالمهدي إيمانٌ برفضِ الظلمِ والجورِ حتى ..... وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب لأنه بصيصُ نورٍ يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادْلَهَمَّتِ الخطوب وتعملق الظلم، لأنَّ اليوم الموعود يثبتُ أنَّ بإمكان العدل أنْ يواجه عالماً مليئاً بالظلمِ والجورِ فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، وأنَّ الظلم مهما تجبَّر وامتدَّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدراته، فهو حالة غير طبيعية ولا بد أنْ ينهزم. وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمةِ مجده، تضع الأمل كبيراً أمامَ كل فردٍ مظلومٍ، وكل أمةٍ مظلومةٍ في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء......
ويقول في نهاية بحثه أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف. وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية، لأنَّ الرسالة التي تعتمدها عملية التغيير هنا ربانية، ومن صنع السماء لا مِنْ صُنْعِ الظروف الموضوعية، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى أنزلت آخر رسالاتها على يد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأنَّ الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك. والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية ....... وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي عليه السلام لنجد أنَّ عملية التغيير التي أعدَّ لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى بظروفٍ موضوعيةٍ تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أنْ توقَّتْ وفقاً لذلك. ومن المعلوم أنَّ المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعي محدود، ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك، لأنَّ رسالته التي ادخر لها من قبل الله - سبحانه وتعالى - هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، وإخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتَمَّتْ شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمياً مناسباً، وجواً عاماً مساعداً، يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية. فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسَّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بنى، مدركاً حاجته إلى العون، متلفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول .....(5)
فبهذه الكلمات الإيمانية العميقة التي تبعث على إحياء روح الأمل والصبر على الظلم الموجود في كل هذه البقاع من الأرض يناقش الشهيد الصدر قدس سره ذلك ويجدد للناس العزيمة والذكرى والأمل نحو النصر الإلهي المبين الذي لا بُدَّ من تحقيقه في الأيام اللاحقة.
الانتظار والمنتظرون
تُعدُّ مسألة انتظار الإمام الثاني عشر من أئمة المسلمين من المسائل المهمة في عقيدتنا، وقد أكدت الشريعة المقدسة على ذلك وحثت على الاستعداد لذلك الوقت الموعود حين يرث الله تعالى الأرض ومن عليها لعبادهِ الصالحين، فلا يكاد يمرّ دور أي إمام من الأئمة المعصومين عليهم السلام إلا ويتم التأكيد على ذلك إجمالاً تارة وتفصيلاً أخرى، ونحاول قبل أنْ نبين مفهوم الانتظار وكيفية التعامل مع ذلك أنْ نستعرض بعض الروايات المباركة التي أشارت إلى هذه الفترة من الزمن (زمن غيبة المعصوم عليه السلام) وما ينبغي أنْ يكون عليه المؤمنون المنتظِرون لتطبيق حكومة العدل الإلهي على الأرض ......
* عن علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني انه لا بُدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هـي محنـة من الله عز وجل امتحن بها خلقه ...)(6).
* في حديث المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أما والله ليغيبنَّ إمامكم سنين من دهركم ولتمحصنَّ حتى يقال: مات؟
قتل؟
هلك؟
بأي وادٍ سلك؟
ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه... قال: فبكيتُ ثم قلت: فكيف نصنع؟ فنظر إلى شمسٍ داخلةٍ في الصفة، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال: والله إنَّ أمرنا أبين من هذه الشمس(7).
* في حديث أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره عليه السلام أفضل من أهل كل زمان، لأنَّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً)(8).
وغير هذا من الأحاديث الواردة في هذا الباب.
إنَّ المتأمل في ألفاظ هذه الأحاديث ومضامينها يخلص إلى نتيجة عامة ظاهرة وهي شدة الامتحان والاختبار وعظمة المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين في زمن غيبته عليه السلام والدور الكبير المطلوب منهم تجاه إمامهم لأنه وكما ورد في الحديث الشريف (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِف إمامَ زَمَانِهِ مَات ميتَةً جاهليَّةً) فإنه من اليقين ليس المراد من معرفته هو معرفة الاسم والرسم، كلا فليس ذلك هو المراد!!.
إذن يمكن أنْ نخرج بعدة نتائج من خلال الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة المباركة التي وردت في هذا الباب فإنه:-
أولاً: نحن المخاطَبـون خصوصـاً في هذه الأحاديث وما يتعلق به (أي كُلُّ من شهد غيبة الإمام المهدي عليه السلام منذ عام (255هـ) إلى ما لا يعلمه إلا الله من اليوم الموعود فكُلٌّ مِنّا على اختلاف الاتجاهات والاعتقادات يشمله هذا الخطاب وهو أمام هذا الاختبار .
ثانياً: إنَّ الأمر المتوجه إلينا هو في غاية الأهمية ويجب علينا معرفته والإحاطة به لنكون على يقين من المعتقد تجاه إمام زماننا ولذا أشارت الرواية الأولى إلى عظمة هذا الأمر بقوله عليه السلام: (إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه) وقال عليه السلام في الرواية الثانية: (فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه) وقال في الرواية الثالثة: (والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً ...) فعلينا أنْ نتأمل أيها الأخوة المؤمنين في ذلك في كل آنٍ لنرى ما نحن عليه.
ثالثاً: يظهر كذلك من هذه الروايات صعوبة هذا الأمر وخطره وما يستوجب علينا من الحزم والشدة والقوة والبصيرة لتعدِّي ذلك الاختبار دون التردد والشك والسقوط في حزب المعاندين أو المنكرين لأمره عليه السلام كما ذكرت الروايات ذلك: (فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد .... حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به) وكذا (.. حتى يقال مات؟ قتل؟ بأي وادٍ سلك؟...).
فهذه هي النقاط الثلاث التي يجب على كل مسلم عموماً والمؤمن خصوصاً أنْ يضعها أمامه دائماً ولا يغفل عنها طرفة عينٍ أبداً ليكون على استعداد تامٍ لهذا الاختبار.
إذن ما هي الخطوات التي يجب علينا أنْ نتبعها لنكون حقيقة من المنتظرين له ولأمره فإنَّ الانتظار قد يكون تارة للإمام عليه السلام أي شخصه الشريف، وقد يكون لأمره عليه السلام وكلاهما انتظاران شريفان، ولكن الثاني وقته معلوم والأول غير معلوم إلى أنْ يأذن الله في ذلك، والثاني هو نفس ما يشترك فيه مع الأئمة المعصومين عليهم السلام من قبل، وهو تطبيق الشريعة المقدسة وهداية الناس نحو الخير والصلاح والسعادة وإنْ كان يفترق عن زمانهم في جهات معينة ولكن الأمر عموماً هو واحد لأنَّ هدف الأئمة عليهم السلام هو امتداد لهدف الأنبياء ولكن الأمر في زمانه عليه السلام يكون محاطاً بكثرة الفتن والادعاءات من المغرضين والمعاندين وأصحاب الأهواء والأباطيل وإنْ كان ذلك موجوداً أيضاً في زمن الأئمة عليهم السلام من قبل ولكن بنسبٍ متفاوتة ولذا كان السلاح النافع في النصر على ذلك هو المعرفة والصبر، وقد أشارت الروايات إلى ذلك حيث قال عليه السلام: (من مات ولم يعرف إمام زمانه .....) فكان التأكيد على المعرفة الحقيقية لحجة الله في الأرض. وروايات أخرى أشارت كذلك إلى الصبر حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منا)، قلت: جعلت فداك كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟
قال: لأنّا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون، فالصبر هنا في هذه الرواية هو السلاح لمقارعة فتن هذا الزمان والنجاة منها، ولكن الرواية تذكر بأنَّ الشيعة يصبرون على ما لا يعلمون، فإنَّ الصبر على أمرٍ مجهولٍ قد لا تكون فيه من الآثار المحمودة -كما قد يُقال- وللإجابة على ذلك يكون في أنه يمكن فهم الرواية على نحوِ انَّ الأئمة عليهم السلام يصبرون على الأمور وهم يعلمون بها تفصيلاً وتحقيقاً وتدقيقاً، وأما غيرهم فيصبرون وهم لا يعلمون تلك المعرفة التي لديهم ولكنهم إجمالاً يعلمون بأنهم على الحق ويتبعون أهل الحق، والحق أحق أنْ يُتَّبَع.
إذن فالانتظار يكون ناجحاً عندما يكون مقروناً بالمعرفة والصبر لكي يصل الإنسان المُنتظِر إلى الغاية التي يريد تحقيقها وهي صعبة جداً بطبيعة الحال، والقرآن الكريم قد أشار إلى ذلك في موارد عديدة،قال تعالى ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))(9) وقد أشارت الروايات التي مضت إلى ذلك حيث قال عليه السلام في الرواية الثانية: (فلا ينجو إلا مَنْ أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه .....) وقال عليه السلام في الرواية الثالثة: (لأنَّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة) فإنَّ الله تعالى لا يؤيّد من عباده أحداً في هذا الأمر إلاّ مَنْ كان عارفاً صابراً لذلك، متأسياً بسنة الأنبياء من قبل، وكذا فلا يعطي العقول والأفهام والمعرفة إلا لمن هم أهلٌ لذلك.
وعلى ذلك فالمنتظرون حقيقةً لإمام زمانهم عليه السلام عليهم بالمعرفة والصبر لكي يفوزوا بثواب ذلك الانتظار سواء تحقق اللقاء مادياً أم لم يتحقق، ولذا ورد التأكيد على هذا المفهوم في الروايات المباركة حيث ورد عنهم عليهم السلام: (مَنْ مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام)(10) وقال الصادق عليه السلامأيضاً: (مَنْ مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه)، قال الراوي: ثم مكث هنيئة ثم قال: (لا بل كمَنْ قارع معه بسيفه)، ثم قال: (لا والله إلا كمَنْ استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(11).
إذن فيجب علينا أنْ نكون حقيقة من المنتظرين لنفوز بذلك الثواب العظيم.
وأعتقد في الختام انه قد تبين لنا جلياً معنى الانتظار وهو العمل الجاد الدؤوب الذي لا تواني فيه أبداً بل الاستعداد المطلق للتضحية بهوى النفس وشهواتها أمام الأمر الإلهي وطاعة الله تعالى، وأخيراً نُذكِّر أنفسنا بما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (مَنْ سَرَّه أنْ يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإنْ مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَنْ أدركه ......)(12).
فلسفة الانتظار
حثَّ الأئمة عليهم السلام شيعتهم على انتظار الفرج لدولة الإمام المهدي عليه السلام الذي سيملأ بها الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملِئت ظلماً وجوراً وكما أكدت الأحاديث الشريفة على هذا المعنى العظيم، وكذلك الأحاديث التي بينت أنِّ انتظار الفرج هو من أفضل الأعمال الصالحة في آخر الزمان وما يجب على المؤمنين التحلي به كما روي في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) و(المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه) وغيرهما من الأحاديث التي تحثّ على ذلك. فإنَّ هذه الأحاديث وغيرها التي تعرضت إلى الانتظار قد يسيء بعضهم فهمها ويتصور أنها تدعو إلى الكسل والتواني والابتعاد عن العمل وترك المجتمع الإسلامي انتظاراً لذلك اليوم، ولكنَّ هذا الفهم قاصر عن النظرية الإسلامية تجاه اليوم الموعود للإمام المهدي عليه السلام وتهيئة سبل الدعوة وأسباب النصر التي يجب أنْ يكون عليه أنصاره، ولكي نخرج بالصورة الواضحة لمفوم العمل والانتظار لدولة الإمام المهدي عليه السلام نتجوّل معاً في كتاب (الانتظار الموجَّه)(13) للشيخ الجليل "محمد مهدي الآصفي" ليبين لنا كيفية العلاقة بين هذين المفهومين والخروج بالنتيجة من ذلك، فيقول تحت عنوان "علاقة الانتظار بالحركة" يحبّ بعض الناس أنْ يصوّروا حالة الانتظار بأنّها مسألة نفسية نابعة من حالة الحرمان في الطبقات المحرومة في المجتمع والتاريخ وحالة الهروب من الواقع المثقل بالمتاعب إلى الاستغراق في تصوّر المستقبل الذي يتمكن فيه المحرومون من استعادة جميع حقوقهم واستعادة السيادة والحقوق المغتصبة وهذا نوع من أحلام اليقظة أو الهروب من الواقع إلى التخيّل.
أقول إنَّ هذا التوجيه لمسألة الانتظار غير علمي بالتأكيد ..... فقد يفهم الناس الانتظار بطريقة سلبية يتحول فيها هذا المفهوم إلى عاملٍ للتخدير والإعاقة عن الحركة, وقد يفهم بطريقة إيجابية تجعل منه عاملاً من عوامل التحريك والبعث والإثارة في حياة النفوس .... إذن يكون الانتظار الذي نريد أنْ نبينه على نحوين:
النحو الأول من الانتظار هو الذي يبعث نحو الأمل والذي يورِّث الإنسان بدوره المقاومة, ومثال ذلك الإنسان الغريق الذي ينتظر فريق الإنقاذ إليه من السواحل وَيَرَاهم مُقبلين لإنقاذه فإنّ هذا الانتظار يبعث في نفس الغريق أملاً قويّاً في النجاة ويدخل نور الأمل على ظلمات اليأس التي تحيط به من كل جانب، وهذا الأمل يمنحه المقاومة فيواصل الغريق المقاومة حتى يصل فريق الإنقاذ إليه، ولاشك في أنَّ هذه المقاومة من الله تعالى ولاشك في أنَّ هذا الأمل من أسباب هذه المقاومة وهاتان معادلتان لا سبيل للتشكيك فيهما .
أما النحو الثاني وهو الذي يبعث على الحركة ومثله شفاء الإنسان من المرض وإنجاز مشروعٍ عمرانيٍّ أو علميٍّ أو تجاريٍّ والانتصار على العدو والتخلص من الفقر فإنَّ كل ذلك من الانتظار وأمر تعجيل هذه الأمور أو تأخيرها بيد الإنسان نفسه فمن الممكن أنْ يعجِّلَ بالشفاء ومن الممكن أنْ يؤخره أو ينفيه، إذن الانتظار على النحو الأول لم يكن بإمكان الإنسان إلا الأمل والمقاومة.
أما على النحو الثاني فهو يمنح الإنسان إضافة إلى ذلك الحركة ....... ونحن الآن نعيش في مرحلة الانتظار وهناك واجبات ومسؤوليات يجب أنْ نفهمها لنتعرف على العلاقة الوثيقة بين مفهوم العمل والانتظار فمنها:
* أولاً: الوعي وهو وعي التوحيد بأنَّ الكون كله من الله وكل شيءٍ مسخّرٍ بأمره وهو قادرٌ على كل شيءٍ، وكذا الوعي بوعد الله تعالى وسط هذه الأجواء السياسية الضاغطة والإيمان بوعده ونصرته للمؤمنين حيث قال تعالى: ((ولاتَهِنُـوا وَلاتَحْزَنُـوا وَأنْتُـمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُـمْ مُؤمنيـنَ)) وقوله تعالى: ((وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ على الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ))، إضافة إلى وعي الإنسان المسلم في أداء واجباته ورسالته في الأرض ....
* ثانياً: الأمل بوعد الله تعالى لعباده بحوله وقوته وسلطانه وبهذا الأمل يشد المسلم حبله بحبل الله فلا نفاد لأمله بقوته تعالى وسلطانه.
* ثالثاً: المقاومة وهي نتيجة الأمل كما قدَّمنا.
* رابعاً: الحركة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإعداد الأرض لظهور الإمام وقيام دولته العالمية وإعداد جيل مؤمنٍ يتولى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعياً وإيماناً وتنظيماً وقوةً.
وغيرها من الأمور التي يجب تهيئتها استعداداً للظهور الموعود.
وأخيراً الدعاء وطلب النصرة من الله تعالى في الاستجابة لذلك والتوجه نحو تحقيق المقدمات له والتضحية بكل شيء من أجل هذا النصر الإلهي الموعود، ولذا يجب التأمل كثيراً في فقرات هذا الدعاء العظيم "دعاء الافتتاح" حيث ورد في آخر فقراته (اللهمَّ إنّا نرغَبُ إليكَ في دولةٍ كريمَةٍ تعزُّ بها الإسلام وأهلَه، وتذلّ بها النّفاق وأهله، وتجعلنا فيها مـن الدعاةِ إلى طاعتِـكَ، والقـادةِ إلى سبيلك، وترزقنا كرامة الدنيا والآخرة. الحكومة العالمية للإمام المهدي عليه السلام والاستعداد لها
إنَّ الحديث عن تلك الحكومة الإلهية التي ستحقق الوعد الإلهي وتلأ الأرض قسطاً وعدلاً حديث عظيم وعظيم ولقد كتبت العديد من المؤلفات والموسوعات التي تتعلق بالإمام المهدي عليه السلام ودولته في آخر الزمان وكذا التي تناولت سيرته الشريفة وغيبته وسفراءه وما يتعلق بذلك، فكانت العشرات من تلك المؤلفات لعلماء المسلمين من شتى الطوائف. ونقف اليوم عند مؤلَّفٍ من تلك المؤلفات التي تسلط الضوء على طبيعة حكومة الإمام المهدي عليه السلام التي نترقبها، وآلية هذه الحكومة، وكيفية الاستعداد لها وتهيئة الأرضية المناسبة وغير ذلك .
حيث يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (صاحب تفسير الأمثل) في كتابه "الحكومة العالمية للإمام المهدي عجل الله فرجه" : لا شك أن القرائن تشير على ضوء النظرة الابتدائية إلى أن الدنيا تمضي قدماً نحو الفاجعة التي تتبين ملامحها من خلال مقارنة الوضع السائد مع الماضي القريب ...... ولكي يكون الاستعداد نافعاً فهناك عدة خطواتٍ يجب العمل على تهيأتها.
الاستعدادات العامة:
لابد أنْ نذعن بأن بلوغ تلك المرحلة التاريخية التي يجتمع فيها كافة الناس تحت راية واحدة وتزول فيها الأسلحة الفتاكة وتنعدم فيها الطبقات المستعمَرة (بالفتح) والمستعمِرة (بالكسر) وتنتهي فيها النزاعات والألاعيب السياسية والعسكرية للدول العظمى.... وعلى أية حال، هناك استعدادات ينبغي توفرها لقيام هذه الحكومة:
1- الاستعداد الفكري والثقافي: أي ينبغي أنْ يبلغ المستوى الفكري للناس درجة تجعلهم يدركون بأن قضية العِرْق أو المناطق الجغرافية المختلفة ليست بالأمور الجديرة بالاهتمام في حياتهم وليس للخلافات على أساس اللون واللغة والأرض أن تفرق بين أبناء البشر ويجب أن تموت وإلى الأبد العصبيات القبلية والفئوية ....
2- الاستعداد الاجتماعي: لابد أنْ يتعظ الناس من الظلم والجور والأنظمة السائدة ويشعروا بحرارة هذه الحياة المادية واليأس التام من أن مثل هذه الحياة الأحادية النزعة يمكنها في المستقبل حل المشكلة القائمة..... فقد اتسعت رقعة الإرباكات المادية وعدم الأمن والاستقرار إلى جانب غياب حالة الرفاه والرخاء.
3- الاستعدادات التقنية: خلافاً لما يراه البعض من أن بلوغ مرحلة التكامل الاجتماعي وعالم مفعم بالأمن والعدل والسلام يقترن ضرورة بالقضاء على التقنية المعاصرة، بل الواقع أن هذه التكنولوجيا المتطورة ليس فقط لا تحول دون قيام حكومة العدل العالمية فحسب، بل ربما يستحيل بدونها تحقيق تلك الحكومة .... فإن مثل هذه الحكومة وبغية إشاعة الأمن وبسط العدل في ربوع العالم، تحتاج إلى العلم بكافة المناطق والسيطرة التامة لتتمكن من تربية المجتمع المتأهب للإصلاح إلى جانب الإبقاء على وعيه وحيويته .... ويبدو أن العالم الذي يريد أن يبلغ هذه المرحلة ينبغي أن تتسع فيها رقعة وسائل التربية والتعليم وتتصف بالشمولية بحيث تستند أغلب مشاريعها إلى التثقيف الذاتي، وهذا بدوره يتطلب مراكز ثقافية فاعلة ووسائل ارتباط عامة وصحافة وكتب ضخمة والتي لا تتيسر جميعاً دون وفرة الآلات الصناعية المتطورة..... فهذه بعض الاستعدادات التي جيب أن تتوفر كمقدمة لتلك الحكومة العالمية، فإن مسألة انتظار الحق والعدل وقيام المصلح العالمي (المهدي) تتركب في الواقع من عنصرين: عنصر النفي وعنصر الإثبات، وعنصر النفي هو عدم التكيّف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعي إلى الوضع الأفضل خلافاً لاعتقاد البعض بأن المحور الرئيسي لانتظار ظهور المصلح المطلق يكمن في الإحباطات والإرباكات على مستوى الأفكار.
فالانتظار يعني التأهب التام، فإنْ كنتُ ظالماً فكيف يسعني انتظار من يضع سيفه في أعناق الظَلَمَة؟
وإنْ كنتُ ملوَّثاً وفاسداً فكيف أنتظر نهضةً أول شرارتها أن تطيح بالملوَّثين المَرَدَة!.
والجيش الذي ينتظر الجهاد الأكبر إنما يرفع القدرة القتالية لأفراده وينفخ فيهم روح الثورة ويصلح فيهم كل ضعف. فالبعد الأول لهذه النهضة يتمثل في القضاء على عوامل الفساد والانحطاط ويطهر المجتمع من دنس العصاة، وما أنْ تنتهي هذه المرحلة حتى يأتي دور البعد الإيجابي أي إشاعة عوامل الإصلاح.
هناك عبارة رائعة في عدة روايات بشأن فلسفة وجود الإمام عليه السلام في عصر الغيبة يمكن أن تساعدنا في حل هذه المشكلة حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن فائدة الإمام في الغيبة (إي والذي بعثني نأن بالنبوة إنهم ينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب) .... فللأشعة المعنوية غير المرئية لوجود الإمام عليه السلام حين تكون خلف سحب الغيبة عدة آثار تكشف عن فلسفته الوجودية رغم تعطيل مسألة التعليم والتربية والزعامة المباشرة منها:
أولاً: بث الأمل: إنَّ جُلَّ اهتمام الجنود الأوفياء في ميدان القتال يتمثل في حفظ الراية خفاقة تجاه هجمات الأعداء بينما يسعى العدو جهد الإمكان إلى الإطاحة بهذه الراية ذلك لأن انتصاب الراية يبث روح الأمل والمقاومة والصمود وديمومة القتال كما أن وجود القائد (مهما كان صامتاً) يبعث على رفع المعنويات وتجديد القوى وتعبئة الطاقات والاندفاع نحو القتال حيث يشعرون بقوة حين يرون القائد واهتزاز الراية .... والشيعة تعتقد بوجود إمامها حياً وإن لم تره بينها، وبالتالي فهي لا ترى نفسها وحيدة في الساحة (لا بُدَّ من التأمل) فهي تنتظر قدومه وتحتمله في كل لحظة وهذا ما يؤثر على مسيرتها إيجابياً ومن هنا يمكن إدراك الأثر النفسي لهذا الأسلوب من التفكير في بث الأمل والرجاء في قلوب الأفراد وسوقهم نحو التهذيب والاستعداد لتلك النهضة الكبرى، ولو أضفنا نقطة أخرى إلى هذا الموضوع لأصبحت القضية أكثر جدية وهي على ضوء الاعتقاد العام للشيعة فقد وردت في أغلب الروايات في المصادر الشيعية أن الإمام يتفقد طيلة غيبته وبصورة مستمرة أوضاع شيعته ويقف على تفاصيل أعمالهم عن طريق الإلهام وما شابه وحسب الروايات فإن أعمالهم تُعرض عليه كل أسبوع ويحيط علماً بتصرفاتهم وأفعالهم، وهذا الاعتقاد يجعل هؤلاء الأتباع يخضعون لمراقبة دائمية يستحضرونها عند كل قول وفعل، الأمر الذي لا يمكن إنكار دوره النفسي والتربوي.
ثانياً: حماية الدين: قال علي عليه السلام في بعض الكلمات القصار في إشارته إلى ضرورة وجود الزعمـاء الربانيين في كل عصـر وزمان، (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته)، فإنه كيف يتم حفظ أصالة الدين والحيلولة دون التحريفات والانحرافات؟ وهل يتم ذلك سوى من جانب الإمام المعصوم سواء كان مشهوراً ومعلوماً أم مغموراً ومجهولاً (لئلا تبطل حجج الله وبيناته).
ثالثاً: إعداد ثلة ثورية واعية: خلافاً لما يعتقده البعض من قطع الارتباط المطلق بين الإمام والأمة في عصر الغيبة، بل كما يستفاد من الروايات الإسلامية، فإن هناك ثلة من الأفراد الذين يعيشون عشق الله ويتمتعون بقلب ينبض بالإيمان والإخلاص والتفكير في إصلاح العالم مرتبطة بالإمام وتعدّ بالتدريج من خلال هذه الرابطة.
فهذه بعض الآثار العملية للاستفادة من الإمام المهدي عليه السلام في غيبته.
وأما سبل انتصار ذلك المصلح العظيم، فهل ينهض بالسيف فعلى هذا الأساس ترد بعض الأسئلة
التعلیقات