بشارة الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه بالرجعة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 3 ساعاتقضية الرجعة تُعدّ من الموضوعات العقائدية المهمة في الإسلام، ولا سيّما في المذهب الشيعي، حيث تعني عودة بعض الأموات إلى الحياة قبل يوم القيامة لتحقيق أهداف إلهية محددة. تتناول هذه القضية العديد من الروايات والأحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، وهي ترتبط بشكل وثيق بظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وتحقيق العدالة الإلهية. في هذه المقالة، سنستعرض مفهوم الرجعة، ودلالاتها في الروايات، ودور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في تحقيقها، مع التركيز على رواية الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه ليلة العاشر من محرم.
مفهوم الرجعة
الرجعة هي عقيدة إسلامية تشير إلى عودة بعض المؤمنين والكافرين إلى الحياة الدنيا بعد موتهم وقبل يوم القيامة. هذه العودة ليست عامة، بل تخص مجموعة محددة من الناس لتحقيق أهداف إلهية محددة مثل الانتقام من الظالمين وإنصاف المظلومين. الرجعة تختلف عن البعث العام الذي يحدث يوم القيامة حيث أن الرجعة تكون لفئة معينة ولأهداف خاصة.
الدلائل القرآنية
القرآن الكريم يلمح إلى فكرة الرجعة في عدة مواضع. من أبرزها قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ (1). تُفسَّر هذه الآية على أنها تشير إلى حشر جماعة معينة من كل أمة في الدنيا قبل يوم القيامة وقد جاء في تفسير هذه الآية، قَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِنَّ الْعَامَّةَ تَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُ : ﴿ وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ﴾ ، عَنَى فِي الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : « أَ فَيَحْشُرُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ امَّةِ فَوْجاً ، وَ يَدَعُ الْبَاقِينَ ؟! لا َ، وَ لَكِنَّهُ فِي الرَّجْعَةِ ، وَ أَمَّا آيَةُ الْقِيَامَةِ فَهِيَ : ﴿ وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ (2) » (3).
كذلك، هناك آيات أخرى يمكن تأويلها لدعم هذا المفهوم ، مما يعزز الإيمان بأن الرجعة جزء من خطة الله الإلهية لتحقيق العدالة.
الرجعة في روايات أهل البيت
أهل البيت عليهم السلام لديهم العديد من الروايات التي تتحدث عن الرجعة وتشرح تفاصيلها وأهدافها. من أبرز هذه الروايات هي الرواية المنقولة عن الإمام الحسين عليه السلام عندما خطب بأصحابه ليلة العاشر من محرم الحرام. في هذه الرواية، يذكر الإمام الحسين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له عن استشهاده في كربلاء ويحث أصحابه على الثبات.
نص الرواية
عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ثابت بن دينار عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لأصحابه قبل أن يُقتل بليلة واحدة ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال لي : يا بني انك ستُساق الى العراق، وتنزل في أرضيقال لها (عمورا) و (كربلاء) وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة.
وقد قرب ما عهد اليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وانّي راحل إليه غداً فمن احبّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فانّي قد أذنت له، وهو منّي في حل.
وأكّد فيما قاله تأكيداً بليغاً ، وقالوا : والله ما نفارقك أبداً حتى نرد موردك.
فلمّا رأى ذلك ، قال : فأبشروا بالجنة ، فو الله انّما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يجري علينا ، ثم يخرجنا الله وايّاكم حين يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين وإنّا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وانواع العذاب والنكال.
قال الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه في ليلة العاشر من محرّم : « ثم يُخرجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وإنّا وأنتم لنشاهدهم في السلاسل والأغلال، وأنواع العذاب والنكال »
فقيل له : مَنْ قائمكم يا ابن رسول الله؟
قال : السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني وهو الذي يغيب مدّة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً » (4).
ومن كتاب الخرائج والجرائح : تأليف سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي رحمهالله ، عن أبي سعيد سهل بن زياد ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، أخبرنا ابن فضيل ، أخبرنا سعد الجلاّب ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال الحسين بن علي عليهما السلام لأصحابه قبل أن يُقتل : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : يا بُنيّ إنّك ستُساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى فيها النبيّون ، وأوصياء النبيّين ، وهي أرض تدعى « عمورا » ، وإنّك لتستشهد بها ويستشهد جماعة معك من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد ، وتلا : ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (5) ، تكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم فابشروا ، فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا صلى الله عليه وآله .
ثم أمكث ما شاء الله ، فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه ، فأخرج خرجة توافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السلام وقيام قائمنا عليه السلام ، وحياة رسول لله صلى الله عليه وآله ثمّ لينزلنّ عليّ وفد من السماء من عند الله عزّ وجلّ ، لم ينزلوا إلى الأرض قطّ ، ولينزلنّ إليّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وجنود من الملائكة ، ولينزلنّ محمّد وعلي وأنا وأخي وجميع من منّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ ، خيل بلق من نور ، لم يركبها مخلوق.
ثمّ ليهزّنّ محمّد صلى الله عليه وآله لواءه وليدفعنّه إلى قائمنا عليه السلام مع سيفه ، ثمّ إنّا نمكث بعد ذلك ما شاء الله.
ثمّ إنّ الله تعالى يُخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من لبن وعيناً من ماء.
ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إليّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله فيبعثني إلى الشرق والغرب ، فلا آتي على عدوّ لله إلاّ أهرقت دمه ، ولا أدع صنماً إلاّ أحرقته ، حتى أقع إلى الهند فأفتحها.
وإنّ دانيال ويوشع يخرجان مع أمير المؤمنين عليه السلام يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما سبعين رجلاً فيقتلون مقاتليهم ، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم.
ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيّب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولاُخيرنّهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه.
ولا يبقى رجل من شيعتنا إلاّ أنزل الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب ، ويعرّفه أزواجه ومنازله في الجنّة ، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلاّ كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت.
ولتنزلنّ البركة من السماء إلى الأرض حتى أنّ الشجرة لتنقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة ، ولتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف ، وثمرة الصيف في الشتاء وذلك قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ (6). ثمّ إنّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء من الأرض وما كان فيها ، حتى أنّ الرجل منهم يريد أن يعلم عِلمَ أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون » (7).
دلالات الرواية
هذه الروايتين تحملان دلالات عقائدية عميقة وتوضح عدة نقاط جوهرية حول مفهوم الرجعة وعلاقتها بالعدالة الإلهية. من خلال كلام الإمام الحسين عليه السلام ، يمكننا أن نفهم مدى أهمية الرجعة في العقيدة الشيعية ، وكيف أنها تُعزز الإيمان بالعدالة الإلهية والانتقام من الظالمين.
معرفة الإمام الحسين عليه السلام بمصيره
الإمام الحسين عليه السلام كان واعيًا تمامًا لمصيره ومصير أصحابه في كربلاء. إذ يذكر في الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بأنه سيستشهد في كربلاء ، وأن معه جماعة من المؤمنين ستُقتل. هذا الوعي المسبق يبين مدى ارتباط الإمام الحسين عليه السلام بالوحي الإلهي ومعرفته بما سيجري عليه.
تأكيد الإمام على الثبات والصبر
الإمام الحسين عليه السلام ، على الرغم من علمه بالمصير الذي ينتظره ، حث أصحابه على الثبات والصبر وأعطاهم الخيار في الانصراف إن أرادوا. هذا العرض للانصراف يعكس قمة العدل والإيمان لدى الإمام عليه السلام ، حيث لم يُرغم أحدًا على البقاء معه ، بل أعطاهم الحرية التامة في اتخاذ قرارهم.
الرجعة وتحقيق العدالة
أحد أهم جوانب هذه الرواية هو تأكيد الإمام الحسين عليه السلام على أن الله سيخرجهم مرة أخرى للانتقام من الظالمين عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام. هذا الجانب من الرواية يعزز الاعتقاد بأن العدالة الإلهية ستتحقق في النهاية ، حتى لو لم تكن في هذه الحياة الدنيا. الرجعة هنا تُظهر كجزء من خطة الله لتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين.
دور الإمام المهدي عليه السلام في الرجعة
تُعَدُّ الرجعة مرتبطة بشكل وثيق بظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. وفقًا لرواية الإمام الحسين عليه السلام يوضح أن الإمام المهدي هو السابع من ولد الإمام محمد بن علي الباقر عليهم السلام، وهو الذي سيغيب مدة طويلة ثم يظهر ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا.
صفات الإمام المهدي عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام يتمتع بصفات خاصة تجعله القائد المنتظر الذي سيحقق العدالة الإلهية. هو من نسل أهل البيت الطاهرين ، ويُعرف بأنه سيظهر في زمن يعم فيه الظلم والفساد ليقيم العدل وينشر الخير في الأرض. يُعرف أيضًا بغيابه الطويل قبل ظهوره ، مما يزيد من ترقب المؤمنين وانتظارهم لظهوره.
الإمام المهدي والعدالة الإلهية
ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مرتبط بشكل وثيق بتحقيق العدالة الإلهية. يعتقد المؤمنون أن الإمام المهدي سيعيد الحقوق إلى أصحابها وينتقم من الظالمين ، ويقيم دولة العدل الإلهي. الرجعة تلعب دورًا مهمًا في هذا السياق حيث ستشهد عودة بعض الأموات للمشاركة في تحقيق هذه العدالة.
تحقيق الأهداف الإلهية
الرجعة ليست مجرد عودة إلى الحياة الدنيا، بل هي جزء من خطة إلهية لتحقيق أهداف محددة. من خلال الرجعة، يتمكن المؤمنون من تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه في حياتهم الأولى، كما يتمكن الظالمون من مواجهة عواقب أفعالهم.
الانتقام من الظالمين
أحد أبرز أهداف الرجعة هو الانتقام من الظالمين الذين أفلتوا من العقاب في حياتهم الأولى. يُعطي هذا الانتقام نوعًا من التعزية للمظلومين ويعزز الإيمان بأن الله سيحقق العدالة في النهاية. الرجعة هنا تعمل كآلية إلهية لتحقيق هذا الهدف.
الخاتمة
تُعتبر قضية الرجعة من القضايا العقائدية المهمة في المذهب الشيعي، حيث تُعزز الإيمان بالعدالة الإلهية والانتقام من الظالمين. من خلال الرواية المنقولة عن الإمام الحسين عليه السلام ، نرى كيف تتجلى هذه العقيدة في كلمات وأفعال أهل البيت عليهم السلام. يؤكد الإمام الحسين عليه السلام على أهمية الثبات والصبر، مشددًا على أن الله سيحقق العدالة في النهاية من خلال ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. الرجعة تُعتبر جزءًا من خطة الله لتحقيق العدالة الإلهية ، وتُعطي المؤمنين الأمل في تحقيق هذه العدالة في الدنيا قبل الآخرة.
الهوامش
1. سورة النمل : الآية 83.
2. سورة الكهف : الآية 47.
3. البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد : 4 / الصفحة : 228.
4. النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب / الشيخ حسين الطبرسي النوري/ المجلّد : 1 / الصفحة : 512.
5. سورة الأنبياء : الآية ٦٩.
6. سورة الأعراف : الآية ٩٦.
7. مختصر بصائر الدّرجات / الشيخ عزّ الدين الحلّي / المجلّد : 1 / الصفحة : 139 ـ 141 / ط مؤسسة النشر الإسلامي.
التعلیقات