الدعاء وضرورة الأرتباط بالمهدي عجّل الله فرجه الشريف
الشيخ محمد السند
منذ يومينميزان التواصل مع المهدي عليه السلام
العلاقة بين المؤمنين الموالين لاهل البيت صلوات الله عليهم، وبين امام زمانهم عجل الله فرجه الشريف هل هي بطبيعتها مقطوعة أو موصولة ؟ هذه الجدلية ليست نزاعا بقدر ما هي ميزان لطبيعة هذه العلاقة.
أحد طرق الارتباط هو الارتباط القلبي والفكري وليس فقط الحسي العيني فهو لا ينحصر بالنوع الثاني، وقد نقل عن الكثير من الأعلام أنه لدى بعض علماء الأمامية الحضوة والارتباط مع صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، وهذا الارتباط ليس بالضرورة أن يكون جغرافياً، كالسلطان الذي يحكم بلداً بعض الوزراء والقادة لا تكاد الناس تراهم، ولكن مع ذلك هم من يدير تلك المملكة ويسير شؤونها لأن الجغرافيا لا تحدد دائماً طبيعة العلاقة.
والتوقيع الوارد عن صاحب العصر والزمان عليه السلام الى السفير الرابع علي بن محمد السمري، والمقطوع بصدوره عند الطائفة يحدد هذه العلاقة، فقد ورد في هذا التوقيع المبارك: « بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة)، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزوجل)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم » (1).
نوع العلاقة موجود بعدة ألسن سواء في دعاء الندبة او الزيارات الكثيرة الأخرى الواردة بحقه عليه السلام: « السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها العَلَمُ المَنْصُوبُ وَالعِلْمُ المَصْبُوبُ وَالغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الواسِعَةُ وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ » (2) ، فالغوث يعني ان تتمسك به لكي يغيثك، وكذلك دعاء الفرج ودعاء المؤمنين له، وكذلك الكثير من الروايات عن آبائه بالتشديد وضرورة التمسك به عجل الله فرجه الشريف.
عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام فقلت له: يا إبن رسول الله أنت القائم بالحق؟ قال: « أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها اقوام ويثبت فيها آخرون، ثم قال عليه السلام: طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من اعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة » (3). فالثبات هنا هو ثبات سياسي وعقائدي.
اذن هنا لونين من العلاقة مع صاحب العصر والزمان وليس بينهما تناقض أو تنافي بل هما يحددان ميزان العلاقة بالأمام المهدي عليه السلام، أحدهما يدعي له صفة رسمية في الارتباط مع صاحب العصر والزمان وهذا امر باطل، فمن يدعي الارتباط الرسمي بعد السفير الرابع فهو مارق عن الدين، وكاذب، ومنحرف عن الصراط المستقيم حسب ضرورة وتسالم أعلام الطائفة قدس الله أرواحهم.
وهذا النمط من الارتباط الباطل لفترة محدودة، وهو حسب التوقيع الشريف الى زمان خروج السفياني والصيحة التي سيسمعها كل إنسان بلغته، وهي نهاية الغيبة الكبرى وبداية الظهور الأصغر وهو بحسب بعض الروايات يستمر لستة أشهر وسيكون له نواب خاصين.
اما النيابة العامة فهي دور الفقهاء ونيابتهم في زمن الغيبة الكبرى، وهي مذكورة في القرآن الكريم وفي مرويات أهل البيت عليهم السلام.
ففي نص القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ إِنّٰا أَنْزَلْنَا اَلتَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا اَلنَّبِيُّونَ اَلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هٰادُوا وَ اَلرَّبّٰانِيُّونَ وَ اَلْأَحْبٰارُ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتٰابِ اَللّٰهِ وَ كٰانُوا عَلَيْهِ شُهَدٰاءَ... ﴾ (4) . فالأحبار هم الفقهاء.
وكذلك الحديث الوارد عن صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف: « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله عليهم » (5).
نوع الأرتباط بالإمام عجل الله فرجه الشريف
من وظائف المؤمن هو شدة الارتباط بالامام المهدي عليه السلام: « هَلْ مِنْ مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ اِذا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى... عزيز علي أن أرى الخلق ولاترى » (6).
بغض النظر عما إذا كان الأنسان صادقاً أو كاذباً في إدعائه « عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى » فالأمام لا يستطيع أن يكشف هويته، لعدم وجود القوة التي تحميه من بطش الأعداء في الشرق والغرب!، فالاتصال بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ليس بدرجة الانقطاع التام، لأن هذا جحود وإنكار لأصل إمامة الامام عليه السلام.
واذا كان الشخص يعتقد ان صاحب العصر والزمان حي يرزق ويدبر الامور العامة للبشر لكن طريق الارتباط به منقطعة تماما هذا أيضاً درجة من درجات الجحود بأمامته عليه السلام.
والصحيح لا هو إنقطاع تام بمعنى الجحود والأنكار له عليه السلام، ولا هو وصال تام بمعنى السفارة والوساطة الرسمية، فهذا في منهج مدرسة اهل البيت عليهم السلام هو الاخر باطل.
والكليني رحمه الله عقد لهذه المسألة جملة من الأبواب في اصول الكافي، وكذلك الصدوق في كمال الدين، والطوسي في الغيبة، والنعماني تلميذ الكليني أيضاً في كتاب الغيبة، وكذلك الشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والسيد بن طاووس، كل هؤلاء الاعلام وغيرهم عندهم إصرار كبير على تثبيت التشرف بالرؤيا مع إبطال السفارة والنيابة الخاصة لمن يدعيها في الغيبة الكبرى.
وإبطال المشاهدة والوساطة الرسمية في الوقت الذي يصرون فيه على وقوع الرؤيا يعني اصراراً منهم على عدم الانقطاع التام.
وهذا هو مسلك علماء الامامية وهي الوسطية في العلاقة مع الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
رؤية الأمام دليل على وجوده عجل الله فرجه الشريف
ما ورد في كتب الشيعة الامامية عن فقهاء الطائفة وعلمائها بتشرف البعض برؤية صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف جعلها الفقهاء من الأدلة على وجود الأمام المهدي عليه السلام، وهو لا يناقض نص التوقيع الشريف لأن التشرف بالرؤية مع عدم إدعاء النيابة الخاصة لا مشكلة فيه.
وقد روى الأعلام من الإمامية في كتبهم كالميرزا النوري رحمه الله حيث ألف كتاباً خاصاً فيمن فاز برؤية صاحب العصر والزمان، وهو الأن يطبع مع البحار في المجلد الثالث والخمسون. وهذا نوع من أنواع الأرتباط بالأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
حجية التشرف برؤية الإمام عجل الله فرجه الشريف
الاجماع التشرفي يختلف عن الاجماع اللطفي، والتعبدي، والتسالمي كما يعبر الاصوليون، فالأجماع التشرفي هو أضعف من زاويتين أو اكثر عن بقيه مراتب الاجماع، وهو حجة على من تشرف فقط وليس على غيره، ولا يعتمد عليه كحجة ولا حتى كرواية ضنية، إذا كان الامر كذلك فما هي ثمرة هذا التشرف؟.
الحق أن فيه ثمرة هم يعطوها الأهتمام إذا لم تخالف الكتاب والسنة، أو البديهيات المأثورة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، صحيح أن نقل من تشرف الى من لم يتشرف باللقاء ليس حجة ضنية أو حسية، ومع ذلك يبنون على أنها ليست عديمة الفائدة.
والشيخ الطوسي في المصباح ينقل أدعية ليست منقولة عن النواب الأربعة بل هي منقولة عمَّن تشرف باللقاء في زمن الغيبة الكبرى، وكذلك الشيخ المفيد في المزار وفي موارد متعددة، مع ان الأعلام يقولون أن الأجماع التشرفي حتى لمن تشرف هو أضعف حجة من الاجماع اللطفي وكذلك التسالمي والتعبدي، لضابطة وسطية يعتمد عليها علماء الأمامية وهي ان السبب ليس في المعصوم وإنما في من تلقى عن المعصوم، حتى لو كان التشرف واقعاً وليس فيه خطأ ما، ففهم غير المعصوم وسمعه أيضاً لا يتصفان بالعصمة لأن التلقي من غير المعصوم.
ويمكن ملاحظة ذلك في القرآن الكريم فانه لا يكفي العصمة من المنبع، بل لا بد من العصمة في المتلقي حتى يكون الملقى وحياً بالحق ﴿ وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْنٰاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ﴾ (7)، فالوحي معصوم من الله، والمتلقي معصوم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذا أجمع علماء الامامية أن المصحف الشريف لا يمكن أن يكون وحيانياً بنقل إجماع الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين من دون المعصوم، لذلك قالوا إجماع الأمة ليس بحجة ومقصودهم هي الحجة الوحيانية، فالحجة الضنية والتواتر الحسي موجود لكن من دون إمام معصوم ينزل عن الحجية الوحيانية.
الحجية الأكمل والأتم
الحجة الوحيانية هي الأكمل والأتم والتي لا يشوبها شك أبداً، في حين أن الحجية الحسية على سبيل المثال ممكن فيها الاشتباه، والنص القرآني واضح في ذلك: ﴿ وَ قَوْلِهِمْ إِنّٰا قَتَلْنَا اَلْمَسِيحَ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اَللّٰهِ وَ مٰا قَتَلُوهُ وَ مٰا صَلَبُوهُ وَ لٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ اَلَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مٰا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اِتِّبٰاعَ اَلظَّنِّ وَ مٰا قَتَلُوهُ يَقِيناً ﴾ (8)، وهذا الاشتباه في الحس أثبتت الدراسات وقوعه، والعقل عادة يصحح هذا الأشتباه، وفي قصة عيسى عليه السلام الوحي هو من صحح إشتباه الحس لدى اليهود بزعمهم قتل المسيح عليه السلام.
لا يمكن باليقين الحسي الوصول الى نتيجة وحيانية لا شائبة فيها، والا سيكون القرآن الكريم الذي مستنده رواة الصحابة بالتواتر كتاباً تأريخياً بشرياً والعياذ بالله، ويتم إثبات وحيانية القرآن الكريم بوجود صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف فهو السبب المتصل بين الأرض والسماء.
فتلقي غير المعصوم على جلالة قدره كزرارة ومحمد بن مسلم وغيرهم من الأكابر على سبيل المثال لا يجعل هذا التلقي وحياً، غاية الأمر أن هذا الوحي الذي ألقاه الأمام الصادق عليه السلام بسبب المتلقي غير المعصوم تلون وهبط من المستوى الوحياني الى المستوى الحسي الضني.
هذا المستوى الحسي والضني يعتمد على محكمات القرآن الكريم، والمتواترات الوحيانية من سنة النبي والعترة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام، تلك المحكمات ليس بتلقي الأفراد بل هناك حافظ لوحيانيتها وهو إمام العصر في كل زمان. لذلك نحن نقول أن تلقي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يختلف عن تلقي جميع الصحابة لأن تلقي الصحابة حسي ضني، أما تلقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هو تلقي وحياني معصوم من معصوم، ﴿ لِنَجْعَلَهٰا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ ﴾ (9)، فالصحابة يشتبهون في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعمد أو غيره، ولهذا بقي الأجتهاد مفتوحاً عند الأمامية لأن تلقي العلماء الفقهاء عن المعصوم ليس معصوماً وهو قابل للتخطئة.
والتشرف بلقاء صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ليس بحجة ولكنه إرشاد لشيء غفل عنه الأنسان، والحجية تبقى لمحكمات الكتاب والسنة.
1. الصدوق، كمال الدين، ج 2، ص 516. و الطوسي، الغيبة، ص 243، 242.
2. مقطع من زيارة آل ياسين.
3. الصدوق، كمال الدين: ص 361 ب 34 ح 5.
4. المائدة، 44.
5. الصدوق، كمال الدين وإتمام النعمة، ص 484، ب 45. والحر العاملي، وسائل الشيعة ج 27، ص 140، ب 11، ح 33424. من أبواب صفات القاضي.
6. مقطع من دعاء الندبة.
7. الأسراء، 105.
8. النساء، 157.
9. الحاقة، 12.
مقتبس من كتاب المشروع السياسي للامام المهدي عجل الله تعالي فرجه شريف للشيخ محمد السند / الصفحة : 83 ـ 92.
التعلیقات