الدعاء ومنهج التعامل مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الشيخ محمد السند
منذ 9 ساعاتدوام الاستشعار بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الإمام الصادق عليه السلام في الرواية يخاطب الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ب - (سيدي) ويتحدث معه كأنه يقف الآن أمامه، بهذه الطريقة وهذا النهج يريد الأئمة سلام الله عليهم أن نرتبط بصاحب الزمان عليه السلام.
أن نشعر به ونستشعر وجوده المقدس، فهو لا زال يستنصرنا ويجدد لنا بإستمرار نداء جده الحسين عليه السلام:" هل من ناصر ينصرنا "، والمسؤولية الآن كلها ملقاة على المؤمنين، وبكاء أجداده عليه لثقل المسؤولية وكثرة الخاذل له مع قلة الناصر!، وابليس يحاول بإستمرار ان يمنع المؤمن عن مسؤوليته، ويحاول تجنيده بطرق مختلفة حتى لا يرتبط بمشروع الإمام المهدي الاساسي، ودور المؤمنين ركن مهم في المشروع المهدوي (الركن الثالث) والذي أشار اليه دعاء الندبة، وهو ايضاً ما يشير اليه الإمام الصادق عليه السلام في رواية سدير الصيرفي.
فعلى المؤمن إستشعار دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ووجوده المبارك بكل كيانه وجوارحه، وبما دأب عليه علمائنا الأبرار شكر الله سعيهم جيلاً بعد جيل من أجل تربية الأمة على الأرتباط بالإمام عليه السلام من خلال دعاء الندبة وذكره عجل الله فرجه الشريف على الدوام.
وهذه التربية هي بالأساس نهج الأئمة عليهم السلام مع هذه الأمة، واستمر عليه أعلامنا الأبرار قدس الله أرواحهم، وهذا الاستمرار هو لغرض ترويض النفس وتطويعها للمشروع المهدوي، والخلاص من براثن إبليس وكيده، بحيث يكون المؤمن قادراً بأستمرار على الخلاص كلما وقع في شراك الغفلة.
ومن اعظم طرق الاستشعار التي ضربها الله سبحانه لنا مثلاً حسب بيانات اهل البيت عليهم السلام في سورة يوسف ونهج يعقوب النبي عليه السلام والذي ما فتئ يذكر ولده يوسف عليه السلام طوال مدة غيبته حتى خاف عليه اهله، لأنه ذِكرٌ مع إستشعار الحزن والتأوه!، وهذا ما أبقى جذوة العشق والأرتباط مستمرة، ﴿ قٰالُوا تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّٰى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ اَلْهٰالِكِينَ * قٰالَ إِنَّمٰا أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اَللّٰهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ ﴾ (1).
ولأنه يعلم أن هناك مشروع سيأتي، ويعلم أيضاً أن الله سيمكن يوسف عليه السلام في الارض بقي عليه السلام منتظراً للفرج مستعداً له على الدوام، بل انه حاول بأستمرار أن يعيد أولاده الغافلين الى طريق الهداية والخلاص ﴿ يٰا بَنِيَّ اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لاٰ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ إِنَّهُ لاٰ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكٰافِرُونَ ﴾ (2) ، وهذا أول طريق الهداية (تحسسوا) أي (أستشعار) وهو بداية الأيمان العملي والفعلي.
المسؤولية مطلقة
ماذكر في دعاء الندبة من مسؤوليات الإمام عجل الله فرجه الشريف ليس كما تصوره البعض أنها مسؤوليات مرحلة الظهور، بل الحقيقة أنها مطلقة.
وقد ورد عن الأئمة عليهم السلام بطرق متعددة انهم لو وجدوا أنصاراً مخلصين لنهضوا بالأمر (3)، وهذا يعني أن الأئمة عليهم السلام وجدوا أن البيئة المعاصرة لهم ضعيفة لذا شرعت التقية لعدم توفر الضرف المناسب فأحتاج الأمر الى تجميد مؤقت لبعض المشاريع.
لكن هذه البيئة ليست أولوية يجب الحفاظ عليها، بل المطلوب إزالة هذه الموانع وتحويل الوضع من التقية الى تغيير المجتمع وتوفير القوة اللازمة للقيام بالأمر، صحيح أن التقية حكم شرعي وقد ورد عن الأئمة عليهم السلام: « التقية ديني ودين آبائي » ولكن اللازم هو تبديل موضوعها، بدليل تلك الأحاديث الواردة عن اهل البيت عليهم السلام في تعليل أسباب عدم نهوضهم بالأمر.
وهذا يدل على ان الأولوية بعينها في قوله تعالى : ﴿ وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ اَلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اَللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ..... ﴾ (4).
يجب على المؤمن ان يبني قوته في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية لأنه بها ينتصر.
ويجب التنبه الى أمر مهم وهو أن كل الفرائض لها توقيت معين كالصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة الا الولاية فهي في كل زمان ومكان، وغير مقيدة بأي شيء، ﴿ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ..... ﴾ (5) ، كل آيات الولاية لا تقيد بزمان او مكان، حتى آية إعداد القوة غير مقيدة بسقف معين، وهذا ما أشير اليه في دعاء الندبة: « اَينَ الْمُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ، اَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لاِقامَةِ الاْمْتِ وَاْلعِوَجِ، اَيْنَ الْمُرْتَجى لاِزالَةِ الْجَوْرِ وَالْعُدْوانِ.. » (6).
هذه الواجبات أولية بالنسبة لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وكذلك الأئمة من قبله، ولكن لضروف التقية بسبب نقص القوة شُرِّعت التقية، وتبقى محاولات إزالة الضرف الخاص قائمة.
سيد الشهداء حافظ للمشروع المهدوي
طبعا الانسان متى يفقد الأمل سينكسر ويفقد القدرة على المقاومة، ولكن الحقيقة المسلمة ان هناك حافظ لهذا المشروع الإلهي وهو الدور الذي قام به سيد الشهداء عليه السلام، وهذا السبب الذي جعل كل الأنبياء والرسل في ذكر مستمر لسيد الشهداء، فالحسين عليه السلام قطع الطريق على المتربصين بدين النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بهذه التضحية العظيمة، لأن ما قام به سيد الشهداء كان هو الضمان لحفظ الدين وقطع الطريق أمام الاموين وامثالهم من أعداء الأسلام.
وهنا أيضاً تتضح الفلسفة والغاية في شعائر سيد الشهداء في أنها إستمرار لقطع الطريق أمام النواصب والقوى العظمى لضرب الدين ومحوه، أو حتى التلاعب به ومسخ صورته الحقيقية، بل هو مانع عن إنزلاق نفس المؤمنين من حيث يشعرون او لا يشعرون، عن قصور او تقصير.
الشعائر الحسينية هي حفاظ على هوية الدين، وحقيقة نبض الدين وفلسفته، وتذكير بالمبادئ بشكل دائم ومستمر لأنها نبض حي للمبادئ والقيم.
من ينصر من؟
الإمام الحسين عليه السلام والإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف من ينصر من ؟. الحقيقة ان الإمام الحسين عليه السلام ينصر ولده المهدي عجل الله فرجه الشريف، لأن القضية الحسينية أصبحت معسكراً أساسياً لتجنيد الانصار للأمام المهدي عليه السلام، وحتى تكون جندياً في المشروع المهدوي لابد ان تمر بهذا المعسكر فهو الذي يؤهلك ويجعلك مدرباً لنصرة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، وهذه الأجيال تلقائياً تجد نفسها مهيئة لأن تكون مهدوية، هكذا هي نصرة الإمام الحسين لصاحب العصر والزمان عليهما السلام، وهذا ليس شعراً بل هي حقائق حضارية وعلمية وفيها الكثير من الأدلة والبراهين.
أما نصرة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف لجده الحسين عليه السلام فهي نصرة حقيقية سواء كانت فعلية أم لاحقة.
الأمل وأثره في الصبر والثبات
ما جرى على لوط عليه السلام لما اتى قومه ليراودوا أضيافه: ﴿ قٰالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ (7)، في روايات اهل البيت ان المقصود من هذا الكلام هو نوع إستغاثة بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف من قبل النبي هود عليه السلام (8).
والواقع ان فلسفة التسلية والسلوى والأمل شيئ عظيم لهول المصائب التي تجري على الأنبياء والرسل، بل وعلى أئمة اهل البيت عليهم السلام، « أين المنتظر لأقامة الأمت والعوج، أين المعد لقطع دابر الظلمة...» وفي علم النفس أن الأمل هو مصدر قوة الصبر والتحمل والثبات والاستقامة، وإنعدام الأمل عند الانسان هو إنهيار لأرادته.
وجود الإمام مع وجود الأمل يتولد النشاط والحيوية وبالصبر تكون المقاومة.
فإن قيل لماذا يستغيث النبي لوط عليه السلام بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف مع علمه بالبعد الزمني بينهما ؟
والجواب أن لوط عليه السلام مساهم في ضمن سلسلة بمشروع كبير، وهو يعلم ان نتاج هذا الزرع لن يضيع فهناك من يحافظ عليه، وهنا تنبثق الحيوية والنشاط والارادة في المضي الى النهاية في المساهمة في هذا الزرع الالهي المبارك.
والأستغاثة بصاحب العصر والزمان فلسفة الهية سواء أتاك الغوث العاجل أم تأخر عنك، ففيها من الإيجابيات والنتائج العظيمة الشيئ الكثير منها بقاء الإصرار والإرادة عندك بحيث لا يذهب جهدك وعملك سدى، والاستغاثة بصاحب العصر والزمان لها دور في بعث النشاط والأمل.
وجود الإمام الدائم في الساحة
الاعتقاد أن غيبة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف تبرر الآن كل الأصطفافات السياسية والعسكرية والأمنية وَهمٌ كبير.
الولاية هي الفريضة الوحيدة في القرآن والتي لم تقيد بكل تشعباتها بقيد زماني او مكاني، « ولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم » فمن يوالي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف يستطيع ان يشخص سياساته التدبيرية، أما من لا يشخص فهو من يعتقد بالمفهوم الخاطئ لغيبته عليه السلام وهو بهذا يقول بالجمود والأقصاء والعياذ بالله.
الحق والاعتقاد الحق أن هناك محميات يحامي عنها عسكريا صاحب العصر والزمان، كدار الايمان والمراقد المقدسة لابائه واجداده وغيرها، حتى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ولو بتدبير خفي.
يجب أن يكون هناك ولاء ثقافي وسياسي للأمام عليه السلام، ولا يسوغ للمؤمن أن يتهاون بأسرار الايمان وتذاع حتى تصل الى الاعداء والخصوم بل هناك مسؤولية امنية لأنه: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ».
منطق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك منطق اهل بيته من بعده هو ان الكل مسؤول في الاعداد والاستعداد للمشروع الألهي، اذن هذه المسؤوليات العظيمة لا يعطل منها شيء، نعم لابد للأنسان المؤمن في مسؤولياتة ان يهيئ الارضية والمقدمات لمشروعه ليكون البناء على أسس رصينة.
الهوامش
1. سورة يوسف : الآية 86 ـ 85.
2. سورة يوسف : الآية 87.
3. ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحادثة السقيفة: « لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ».
وكذلك ورد عن الإمام الحسن عليه السلام عن سبب الصلح أنه قال: « والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ».
4. سورة الانفال : الآية 60.
5. سورة النساء : الآية 59.
6. مقطع من دعاء الندبة.
7. سورة هود : الآية 80.
8. عن أبي بصير: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما كان قول لوط عليه السلام لقومه: ﴿ قٰالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾، إلا تمنياً لقوة القائم عليه السلام، ولا ذكر إلا شدة أصحابه، وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل. (الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 673) عنه (إثبات الهداة، الحر العاملي، ج 3، ص 494... وبحار الانوار، المجلسي، ج 52، ص 327).
مقتبس من كتاب المشروع السياسي للامام المهدي عجل الله تعالي فرجه شريف للشيخ محمد السند / الصفحة : 70 ـ 80.
التعلیقات