الفصول العشرة فی الغیبه
الشیخ المفید
منذ 13 سنةالفصول العشرة : للشيخ المفيد.
الكلام في الفصل الأول
القول فيما يدعيه الإمامية من وجود خلف لأبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا ولد في حياته مع خفاء ذلك على أهله
و أقول إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي (عليه السلام) عن جمهور أهله و غيرهم و خفاء ذلك عليهم و استمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف و لا مخالفا لحكم العادات بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك و السوقة لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء .
فمنها أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أستر تملكها من زوجته و أهله فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره و يستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها و أنصارها و يتم الفساد به ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه و ينشأ الولد و ليس أحد من أهل الرجل و بني عمه و إخوانه و أصدقائه يعرفه و يمر على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه فيعرف به إذ ذاك
[54]
و ربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته فيعرف به عند حضورها تحرجا من تضييع نسبه و إيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه .
و قد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشأ و يترعرع فإن رءاه على الصورة التي تعجبه و قد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس و الروم و الهند في الدولتين معا فسطروا أخبارهم في ذلك و أثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس الذي جمع ملك بابل و المشرق
[55]
و ما كان من ستر أمه حملها و إخفاء ولادتها لكيخسرو و أمه هذه المسماة بوسفافريد بنت فراسياب ملك الترك فخفي أمره مع الجد كان من كيقاوس جده الملك الأعظم في البحث عن أمره و الطلب له فلم يظفر بذلك حينا طويلا .
و الخبر بأمره مشهور و سبب ستره و إخفاء شخصه معروف قد ذكره علماء الفرس و أثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ .
[56]
و هو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي (عليه السلام) و استتار شخصه و وجوده و ولادته بل ذلك أعجب .
و من الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه و طمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد فلا يزال مستورا حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه .
[57]
و منهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس فيتم له في ستر ولده و إخفاء شخصه و أمره و التظاهر بأنه لم يتعرض بنكاح من قبل و لا له ولد من حرة و لا أمة و قد شاهدنا من فعل ذلك و الخبر عن النساء به أظهر منه عن الرجال .
و اشتهر من الملوك من ستر ولد و إخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير في إقامة خليفة له و امتحان جنده بذلك في طاعته إذ كانوا يرون أنه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من إظهاره برضى القوم و صرف الأمر عن الولد إلى غيره أو لعزل مستخلف عن المقام على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه .
و غير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد و إظهار موتهم و استتار الملوك أنفسهم و الإرجاف بوفاتهم و امتحان رعاياهم بذلك و أغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات .
و كم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل و لم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان و ذلك لداع دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب و بعيد إلا من شهد
[58]
به من بعد عليه بإقراره به على الستر لذلك و الوصية بكتمانه أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده .
فصل :
و قد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) و أمه لذلك و تدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه .
و بستر ولادة موسى بن عمران (عليه السلام) و بمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان و الخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته و عوده إليها و كان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل و علا لمصالح العباد .
فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن (عليه السلام) ولادة ابنه المهدي عن أهله و بني عمه و غيرهم من الناس و أسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه و سميناها و سنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله .
[59]
و الخبر بصحة ولد الحسن (عليه السلام) قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس إذ كان النسب يثبت بقول القابلة و مثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء و تولي معونتهم عليه و باعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه و بشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه .
و قد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة و الفضل و الورع و الزهد و العبادة و الفقه عن الحسن بن علي (عليه السلام) أنه اعترف بولده المهدي (عليه السلام) و آذنهم بوجوده و نص لهم على إمامته من بعده و بمشاهدة بعضهم له طفلا و بعضهم له يافعا و شابا كاملا و إخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر و النواهي و الأجوبة عن المسائل و تسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه .
و قد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي (عليه السلام) و خاصته المعروفين بخدمته و التحقيق به و أثبت ما رووه عنه في وجود ولده و مشاهدتهم من بعده و سماعهم النص بالإمامة عليه .
و ذلك موجود في مواضع من كتبي و خاصة في كتابي المعروف أحدهما
[60]
بالإرشاد في معرفة حجج الله على العباد و الثاني بالإيضاح في الإمامة و الغيبة .
و وجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف إثباته في هذا الكتاب .
[61]
الكلام في الفصل الثاني
إنكار جعفر بن علي بن محمد بن علي أخي الحسن بن علي دعوى الإمامية ولدا له و حوزه ميراثه و التظاهر بتكذيب من ادعى لأخيه ولدا في حياته و بعد وفاته
و أما المتعلق بإنكار جعفر بن علي شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن بن علي (عليه السلام) ولد في حياته بعده و الحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلا دون ولد له و ما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن (عليه السلام) و استبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد بقية لولد أخيه و إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفا من بعده كان أحق بمقامه من بعده من غيره و أولى بميراثه ممن حواه .
فليس بشبهه يعتمدها عاقل في ذلك فضلا عن حجة لاتفاق الأمة على أن جعفرا لم يكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق و دعوى باطل بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل و يعتريها السهو و يقع منها الغلط و لا يؤمن منها تعمد الباطل و يتوقع منها الضلال .
[62]
و قد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليه و على ولده الأنبياء و آبائه المنتجبين الأصفياء و كافة المرسلين الصلاة الدائمة و التحية و السلام في ظلم أخيهم يوسف (عليه السلام) و إلقائهم له في غيابت الجب و تقريرهم بدمه بذلك و بيعهم إياه بالثمن البخس و نقضهم عهده في حراسته و تعمدهم معصيته في ذلك و حقوقه و إدخال الهم عليه بما صنعوه بأحب ولده إليه و أوصلوه إلى قلبه من الغم بذلك و تمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم و يمينهم بالله العظيم على براءتهم مما اقترفوه في ظلمه من الإثم و هم لما أنكروه متحققون و ببطلان ما ادعوه في أمر يوسف (عليه السلام) عارفون .
هذا و هم أسباط النبيين و أقرب الخلق نسبا بنبي الله و خليله إبراهيم .
فما الذي ينكر ممن هو دونهم في الدنيا و الدين أن اعتمد باطلا يعلم خطؤه فيه على اليقين و يدفع حقا قد قامت عليه الحجج الواضحة و البراهين .
[63]
فصل :
و ما أرى المتعلق في إنكار وجود ولد الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) و قد قامت بينة العقل و السمع به و دل الاعتبار الصحيح على صواب معتقده بدفع عمه لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه بحوز تركة أخيه دونه مع جلالتها و كثرتها و عظم خطرها لتعجل المنافع بها و النهضة بمآربه عند تملكها و بلوغ شهواته من الدنيا بحوزها و دعوى مقامه الذي جل قدره عند الكافة باستحقاقه له دون من عداه من الناس و بخعت الشيعة كلها بالطاعة له بما انطوت عليه من اعتقادها لوجوبه له دون من سواه و طمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته و استمرارها على ذلك بعد وفاته و زكوات الأموال لتصل إلى مستحقها من فقراء أصحابه .
إلا كتعلق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه أبي لهب صدق
[64]
دعوته و جحد الحق في نبوته و الكفر بما جاء به و دفع رسالته و مشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم و بني أمية لعمه في ذلك و اجتماعهم على عداوته و تجريدهم السيف في حربه و اجتهادهم في استئصاله و متبعيه على ملته .
هذا مع ظهور حجته و وضوح برهانه في نبوته و ضيق الطريق في معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر و أمثاله من البعداء عن علم حقيقته .
و من صار في إنكار شيء أو إثباته أو صحته و فساده إلى مثل التعلق بجعفر بن علي في جحد وجود خلف لأخيه و ما كان من أبي جهل و شركائه من أقارب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و جيرانه و أهل بلده و الناشئين معه في زمانه و العارفين بأكثر سر أمره و جهرة و أحواله في دفع نبوته و إنكار صدقه في دعوته .
سقط كلامه عند العلماء و لم يعد في جملة الفقهاء و كان في أعداد ذوي الجهل و السفهاء .
[65]
فصل :
و بعد فإن الشيعة و غيرهم ممن عنى بأخبار الناس و الجواد من الآراء و أسبابها و الأغراض كانت له فيها قد ذكروا أخبارا عن أحوال جعفر بن علي في حياة أخيه أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و أسباب إنكاره خلفا له من بعده و جحد ولد كان له في حياته و حمل السلطان على ما سار به في مخلفيه و شيعته لو أوردتها على وجهها لتصور الأمر في ذلك على حقيقته و لم يخف على متأمل بحاله و عرفه على خطيئته .
لكنه يمنعني عن ذلك موانع ظاهرة أحدها كثرة من يعترف بالحق من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا و يظهر التدين بوجود ولد الحسن بن علي في حياته و مقامه بعد وفاته في الأمر مقامه و يكره إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جده بل لا أعلم أحدا من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن الحسن (عليه السلام) و التدين بحياته و الانتظار لقيامه .
[66]
و العشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيدهم الله بترك إثبات ما سبق به من سميت في الأخبار التي خلدوها فيما وصفت أولى .
مع غناي عن ذلك بما أثبت من موجز القول في بطلان الشبهة لتعلق ضعفاء المعتزلة و الحشوية و الزيدية و الخوارج و المرجئة في
[67]
إنكار جعفر بن علي لوجود ابن الحسن بن علي حسب ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك و الله الموفق للصواب .
[68]
الكلام في الفصل الثالث
وصية الحسن (عليه السلام) المشهورة إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن في وقوفه و صدقاته و إمضائها على شروطها و لم يذكر فيها ولدا له موجودا و لا منتظرا .
و أما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن رضي الله عنها بوقوفه و صدقاته و إسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها .
فليس بشيء يعتمد في إنكار ولد له قائم من بعده مقامه من قبل أنه أمر بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته و ستر حاله عن متملك الأمر في زمانه و من يسلك سبيله في إباحة دم داع إلى الله تعالى منتظر لدولة الحق .
و لو ذكر في وصيته ولدا له و أسندها إليه لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه و نافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه و عدل عن النظر بولده و أهله و نسبه لا سيما مع اضطراره كان إلى شهادة خواص الدولة العباسية عليه في الوصية و ثبوت خطوطهم فيها كالمعروف بتدبر مولى الواثق و عسكر الخادم مولى محمد بن المأمون و الفتح بن عبد ربه و غيرهم
[70]
من شهود قضاة سلطان الوقت و حكامه لما قصد بذلك من حراسة قومه و حفظ صدقاته و ثبوت وصيته عند قاضي الزمان و إرادته مع ذلك الستر على ولده و إهمال ذكره و الحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده و الكف لأعدائه بذلك عن الجد و الاجتهاد في طلبه و التبريد عن شيعته لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده و إمامته .
و من اشتبه عليه الأمر فيما ذكرناه حتى ظن أنه دليل على بطلان مقال الإمامية في وجود ولد للحسن (عليه السلام) مستور عن جمهور الأنام كان بعيدا من الفهم و الفطنة بائنا عن الذكاء و المعرفة عاجزا بالجهل عن التصور أحوال العقلاء و تدبيرهم في المصالح و ما يعتمدونه في ذلك من صواب الرأي و بشاهد الحال و دليله من العرف و العادات .
فصل :
و قد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) و حراسته ابنه موسى بن جعفر (عليه السلام) بعد وفاته من ضرر
[71]
يلحقه بوصيته إليه و أشاع الخبر عن الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده و الاعتماد في حجتهم لذلك على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه .
فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته و جعلها إلى خمسة نفر أولهم المنصور و قدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت و مدبر أهله ثم صاحبه الربيع من بعده ثم قاضي وقته ثم جاريته و أم ولده حميدة البربرية و ختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (عليه السلام) يستر أمره و يحرس بذلك نفسه .
[72]
و لم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده و يتعلق بإدخاله في وصيته .
و لو لم يكن موسى (عليه السلام) ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه و صحة نسبه و اشتهار فضله و علمه و حكمته و امتثاله و كماله بل كان مثل ستر الحسن (عليه السلام) ولده لما ذكره في وصيته و لاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه .
و هذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمد (عليه السلام) في وصيته إلى والدته دون غيرها و إهمال ذكر ولد له و نظر له في معناه على ما بيناه .
[73]
الكلام في الفصل الرابع
ما الداعي إلى ستر ولادته و السبب إلى خفاء أمره و غيبته مع ظهور نسب آبائه و ولادتهم و نشئهم و اشتهار وجودهم و قد كانوا في أزمان التقية فيها أشد من زمن الحسن بن علي بن محمد و خوفهم فيها من ملوك بني أمية و من بعدهم أعظم و لم يغب أحد منهم و لا خفيت ولادته و وجوده عن الناس .
فأما الكلام في الفصل الرابع و هو الاستبعاد الداع كذا للحسن (عليه السلام) إلى ستر ولده و تدبير الأمر في إخفاء شخصه و النهي لشيعته عن البينونة بتسميته و ذكره مع كثرة الشيعة في زمانه و انتشارهم في البلاد و ثروتهم بالأموال و حسن الأحوال و صعوبة الزمان فيما سلف على آبائه (عليه السلام) و اعتقاد ملوكه فيهم و شدة غلظهم على الدائنين بإمامتهم و استحلالهم الدماء و الأموال و لم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم و لا مؤهل الأمر من بعدهم و قول الخصوم أن هذا متناقض في أحوال العقلاء فليس الأمر كما ظنوه و لا كان على ما استبعدوه .
و الذي دعا الحسن إلى ستر ولده و كتمان ولادته و إخفاء شخصه و الاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الإشارة إليه و حظر تسميته و نشر الخبر بالنص عليه
[74]
شيء ظاهر لم يكن في أوقات آبائه (عليه السلام) فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه و هو أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة (عليه السلام) التقية و تحريم الخروج بالسيف على الولاة و عيب من فعل ذلك من بني عمهم و لومهم عليه و أنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى تركد الشمس عند زوالها و يسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه و يخسف بالبيداء و يقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل .
و كانوا لا يكبرون بوجود من يوجد منهم و لا بظهور شخصه و لا بدعوة من يدعو إلى إمام لأمانهم مع ذلك من فتق يكون عليهم به و لاعتقادهم قلة عدد من يصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم أو يصدقهم فيما يخبرون به من منتظر يكون لهم .
فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك المخوف منه القيام بالسيف و وجدنا الشيعة الإمامية مطبقة على تحقيق أمره و تعينه و الإشارة إليه دون غيره بعثهم ذلك على طلبه و سفك دمه و لتزول الشبهة في التعلق به و يحصل الأمان في الفتنة بالإشارة إليه و الدعوة إلى نصرته .
[75]
و لو لم يكن ما ذكرناه شيئا ظاهرا و علة صحيحة و جهة ثابتة لكان غير منكر أن يكون في معلوم الله جل اسمه أن من سلف من آبائه (عليه السلام) يأمن مع ظهوره و أنه هو لو ظهر لم يأمن على دمه و أنه متى قتل أحد من آبائه (عليه السلام) عند ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم مقامه .
و أن ابن الحسن (عليه السلام) لو يظهر لسفك القوم دمه و لم تقتض الحكمة التخلية بينهم و بينه و لو كان في المعلوم للحق صلاح بإقامة إمام من بعده لكفى في الحجة و أقنع في إيضاح المحجة فكيف و قد بينا عن سبب ذلك بما لا يحيل على ناظر و المنة لله.
الفصل الخامس
خروج دعوى الإمامية في غيبة الإمام عن حكم العادة في استتاره عن الخلق طول المدة التي يدعونها لصاحبهم و انسداد الطرق إلى الوصول إليه و عدم معرفة مكان له على حال .
و أما الكلام في الفصل الخامس و هو قول الخصوم أن دعوى الإمامية لصاحبهم أنه منذ ولد إلى وقتنا هذا مع طول المدة و تجاوزها الحد مستتر لا يعرف أحد مكانه و لا يعلم مستقره و لا يدعي عدل من الناس لقاءه و لا يأتي بخبر عنه و لا يعرف له أثرا .
خارجة عن العرف إذ لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك إذ كان كل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه و لغير ذلك من الأغراض تكون مدة استتاره مرتبة و لا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد عليها و لا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه بل لا بد من أن يعرف ذلك بعض أهله و أوليائه بلقائه و بخبر منه يأتي إليهم عنه .
و إذا خرج قول الإمامية في استتار صاحبهم و غيبته عن حكم العادات بطل و لم يرج قيام حجة
[78]
فصل :
و ليس الأمر كما توهمه الخصوم في هذا الباب و الإمامية بأجمعها تدفعهم عن دعواهم و تقول أن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) قد شاهدوا خلفه في حياته و كانوا أصحابه و خاصته بعد وفاته و الوسائط بينه و بين شيعته دهرا طويلا في استتاره ينقلون إليهم عن معالم الدين و يخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه و يقبضون منهم حقوقه لديهم .
و هم جماعة كان الحسن بن علي (عليه السلام) عد لهم في حياته و اختصهم أمناء له في وقته و جعل إليهم النظر في أملاكه و القيام بمآربه معروفون بأسمائهم و أنسابهم و أمثالهم .
كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمان و ابنه أبي جعفر محمد بن
[79]
عثمان و بني الرحبا من نصيبين و بني سعيد و بني مهزيار بالأهواز و بني الركولي بالكوفة و بني نوبخت ببغداد
[80]
و جماعة من أهل قزوين و قم و غيرها من الجبال مشهورون بذلك عند الإمامية و الزيدية معروفون بالإشارة إليه به عند كثير من العامة .
[81]
و كانوا أهل عقل و أمانة و ثقة و دراية و فهم و تحصيل و نباهة و كان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا و يكرمهم لظاهر أمانتهم
[82]
و اشتهار عدالتهم حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم ضنا بهم و اعتقادا لبطلان قذفهم به و ذلك لما كان من شدة تحرزهم و ستر حالهم و اعتقادهم و جودة آرائهم و صواب تدبيرهم .
و هذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الإمامية لهم أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته و لا عرف له مكان و لا خبر أحد بلقائه .
فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه و أصحابه (عليه السلام) فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد (عليهم السلام) متناصرة بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبره الخاص في القصري و لا يعرف العام له مستقرا في الطولى إلا من تولى خدمته من ثقات أوليائه و لم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره .
و الأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد و أبيه و جده (عليهم السلام) و ظهر حقها عند مضي الوكلاء و السفراء الذين سميناهم رحمهم الله و بان صدق رواتها بالغيبة الطولى فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية و دانت به في معناه .
[83]
و ليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو و امتحان لهم بذلك في عبادته مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم كما ادعاه الخصوم يعرف جماعة من الناس مكانه و يخبرون عن مستقره .
و كم ولي لله تعالى يقطع الأرض بعبادة ربه تعالى و التفرد من الظالمين بعمله و نأى بذلك عن دار المجرمين و تبعد بدينه عن محل الفاسقين لا يعرف أحد من الخلق له مكانا و لا يدعي إنسان له لقاء و لا معه اجتماعا .
و هو الخضر (عليه السلام) موجود قبل زمان موسى (عليه السلام) إلى وقتنا هذا بإجماع أهل النقل و اتفاق أصحاب السير و الأخبار سائحا في الأرض لا يعرف له أحد مستقرا و لا يدعي له اصطحابا إلا ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى (عليه السلام) و ما يذكره بعض الناس من أنه يظهر أحيانا و لا يعرف و يظن بعض من رآه أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر و إن لم يكن يعرف بعينه في الحال و لا ظنه بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان .
[84]
و قد كان من غيبة موسى بن عمران (عليه السلام) عن وطنه و فراره من فرعون و رهطه ما نطق به الكتاب و لم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا حتى ناجاه الله عز و جل و بعثه نبيا فدعا إليه و عرفه الولي و العدو إذ ذاك .
و كان من قصة يوسف بن يعقوب (عليه السلام) ما جاءت به سورة كاملة بمعناه و تضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه و هو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحا و مساء و أمره مطوي عنه و عن إخوته و هم يعاملونه و يبايعونه و يبتاعون منه و يلقونه و يشاهدونه فيعرفهم و لا يعرفونه حتى مضت على ذلك السنون و انقضت فيه الأزمان و بلغ من حزن أبيه (عليه السلام) عليه لفقده و يأسه من لقائه و ظنه خروجه من الدنيا بوفاته ما انحنى له ظهره و أنهك به جسمه و ذهب لبكائه عليه بصره .
و ليس في زماننا الآن مثل ذلك و لا سمعنا بنظير له في سواه .
[85]
و كان من أمر يونس نبي الله (عليه السلام) مع قومه و فراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه و استخفافهم بحقوقه و غيبته عنهم لذلك عن كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره و مكانه إلا الله تعالى إذ كان المتولي لحبسه في جوف حوت في قرار بحر و قد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيا ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض و لم يخطر له ببال سكناه .
و هذا أيضا خارج عن عادتنا و بعيد من تعارفنا و قد نطق به القرآن و أجمع عليه أهل الإسلام و غيرهم من أهل الملل و الأديان .
و أمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه و قد نزل القرآن بخبرهم و شرح أمرهم في فرارهم بدينهم من قومهم و حصولهم في كهف ناء عن بلدهم فأماتهم الله فيه و بقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد و دبر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير فكان يقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال كالحي الذي يتقلب في منامه بالطبع و الاختيار و يقيهم حر الشمس التي تغير الألوان و الرياح التي تمزق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة و تسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم .
[86]
ثم أحياهم فعادوا إلى معاملة قومهم و مبايعتهم و أنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحل الطعام و أطيبه و أزكاه بحسب ما تضمن القرآن من شرح قصتهم مع استتار أمرهم عن قومهم و طول غيبتهم عنهم و خفاء أمرهم عليهم .
و ليس في عادتنا مثل ذلك و لا عرفناه و لو لا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم و خبرهم و ما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون و الزنادقة و الدهريون و يحيلون صحة الخبر به و قد تقول لن يكون في المقدور .
و قد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن و أهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى و قد كان مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها فاستبعد عمارتها و عودها إلى ما كانت عليه و رجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة فـ قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ و بقي طعامه و شرابه بحاله لم يغيره تغيير طبائع الزمان كل طعام و شراب عن حاله فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار و شرابه و بقي حماره قائما في مكانه لم ينفق و لم يتغير عن
[87]
حاله حي يأكل و يشرب لم يضره طول عمره و لا أضعف و لا غير له صفة من صفاته .
فلما أحياه الله تعالى المذكور بالعجب من حياة الأموات و قد أماته مائة عام قال له فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ يريد به لم يتغير بطول مدة بقائه وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها يعني عظام الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق أجزائها و اندراسها بالموت فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذلك و شاهد الأعجوبة فيه قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
و هذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر و البيان لا يختلف فيه المسلمون و أهل الكتاب و هو خارج عن عادتنا و بعيد من تعارفنا منكر عند الملحدين و مستحيل على مذهب الدهريين و المنجمين و أصحاب الطبائع من اليونانيين و غيرهم من المدعين الفلسفة و المتطببين .
على أن ما يذهب إليه الإمامية في تمام استتار صاحبها و غيبته و مقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول و العادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن .
[88]
فأي طريق للمقر بالإسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك لو لا أنهم بعداء من التوفيق مستمالون بالخذلان .
و أمثال ما ذكرناه و إن لم يكن قد جاء به القرآن كثير قد رواه أصحاب الأخبار و سطره في الصحف أصحاب السير و الآثار .
من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من التدبيرات لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا و لا عثر لهم على موضع و لا مكان ثم ظهروا بعد ذلك و عادوا إلى ملكهم بأحسن حال و كذلك جماعة من حكماء الروم و الهند و ملوكهم .
و كم كانت لهم غيبات و أخبار بأحوال تخرج عن العادات .
لم نتعرض لذكر شيء من ذلك لعلمنا بتسرع الخصوم إلى إنكاره لجهلهم و دفعهم صحة الأخبار به و تعويلهم في إبطاله على بعده من عاداتهم و عرفهم .
فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه و إجماع أهل الإسلام لإقرار الخصم بصحة ذلك و أنه من عند الله تعالى و اعترافهم بحجة الإجماع .
و إن كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك و نتحقق استبطانهم بخلافه لعلمنا بإلحادهم في الدين و استهزائهم به و أنهم كانوا ينحلون
[89]
بظاهره خوفا من السيف و تصنعا أيضا لاكتساب الحطام به من الدنيا و لو لا ذلك لصرحوا بما ينتمون و ظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها يدينون و لها يعتقدون .
و نعوذ بالله من سيئ الاتفاق و نسأله العصمة من الضلال .
[90]
......................
[91]
الكلام في الفصل السادس
انتقاض العادة في دعوى طول عمره و بقائه منذ ولد على قول الإمامية قبل وفاة أبيه بسنين و كانت وفاته في سنة ستين و مائتين إلى وقتنا هذا و هو سنة عشرة و أربعمائة
تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره و بقائه على تكامل أدواته منذ ولد على قول الإمامية في سني عشر الستين و المائتين و إلى يومنا هذا و هو سنة أحد عشر و أربعمائة و في حملهم في بقائه و حاله و صفته التي يدعونها له بخلاف حكم العادات و أنه يدل على فساد معتقدهم فيه .
فصل :
و الذي تخيله الخصوم هو فساد قول الإمامية بدعواهم
[92]
لصاحبهم طول العمر و تكامل أدواته فيه و بقائه إلى يومنا هذا و إلى وقت ظهوره بالأمة على حال الشبيبة و وفارة العقل و القوة و المعارف بأحوال الدين و الدنيا .
و إن خرج عما نعهده نحن الآن من أحوال البشر فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية و أمثالهم في الإنسانية .
و ما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها و كان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان .
و لو لم تجر عادة بذلك جملة لكانت الأدلة على أن الله تعالى قادر على فعل ذلك تبطل توهم المخالفين للحق فساد القول به و تكذبهم في دعواهم .
و قد أطبق العلماء من أهل الملل و غيرهم أن آدم أبا البشر (عليه السلام) عمر نحو الألف لم يتغير له خلق و لا انتقل من طفولية إلى شبيبة و لا عنها إلى هرم و لا عن قوة إلى عجز و لا عن علم إلى جهل و أنه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز و جل إليه .
[93]
هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح و اختراعه من التراب من غير بدو و انتقاله من طين لازب إلى طبيعة الإنسانية و لا واسطة في صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه .
و القرآن مع ذلك ناطق ببقاء نوح نبي الله (عليه السلام) في قومه تسعمائة سنة و خمسين سنة للإنذار لهم خاصة و قبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به و لا هرم و لا عجز و لا جهل مع امتداد بقائه و تطاول عمره في الدنيا و سلامة حواسه .
و أن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل (عليه السلام) بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه .
و هذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين و شركائهم في الزندقة من الدهريين فأما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم على ما وصفناه .
و الأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب و العجم و الهند و أصناف البشر و أحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك و المحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم و المأثور من تفصيل قصاتهم من أهل أعصارهم و خطبهم و أشعارهم لا يختلف أهل النقل في صحة الأخبار عنهم بما ذكرناه
[94]
و صدق الروايات في أعمارهم و أحوالهم كما وصفناه .
و قد أثبت أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بالإيضاح في الإمامة و أخبار كافتهم مجموعة مؤلفة حاصلة في خزائن الملوك و كثير من الرؤساء و كثير من أهل العلم و حوانيت الوراقين فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه من الجهات المذكورة يجدها على ما يثلج صدره و يقطع بتأمل أسانيدها في الصحة له عذره إن شاء الله تعالى .
و أنا أثبت من ذكر بعضهم هاهنا جملة تقنع و إن كان الوقوف على أخبار كافتهم أنجع فيما نؤمه بذكر البعض إن شاء الله .
فمنهم لقمان بن عاد الكبير و كان أطول الناس عمرا بعد الخضر (عليه السلام) و ذلك أنه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و قيل إنه
[95]
عاش عمر سبعة أنسر و كان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد و كان أطولها عمرا فقيل طال الأمد على لبد .
و فيه يقول الأعشى :
لنفسك إذ تختار سبعة أنسر *** إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسر
فعمر حتى خال أن نسوره خلود *** و هل تبقى النفوس على الدهر
و قال لأدناهن إذ حل ريشه *** هلكت و أهلكت ابن عاد و ما تدري
و منهم ربيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة
[96]
عاش ثلاثمائة سنة و أربعين سنة و أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لم يسلم .
و هو الذي يقول و قد طعن في ثلاثمائة سنة .
أصبح مني الشباب قد حسرا *** إن ينأ عني فقد ثرى عصرا
و الأبيات معروفة و هو الذي يقول أيضا منه
إذا كان الشتاء فأدفئوني *** فإن الشيخ يهدمه الشتاء
و أما حين يذهب كل قر *** فسربال خفيف أو رداء
إذا عاش الفتى مائتين عاما *** فقد أودى المسرة و الفتاء
و منهم المستوغر بن ربيعة بن كعب .
[97]
عاش ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين سنة و هو الذي يقول :
و لقد سئمت من الحياة و طولها *** و عمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي *** و عمرت من عدد الشهور سنينا
و منهم أكثم بن صيفي الأسدي عاش ثلاثمائة سنة و ثمانين سنة و كان ممن أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و آمن به و مات قبل أن يلقاه و له أحاديث كثيرة و حكم و بلاغات و أمثال و هو القائل :
و إن امرأ قد عاش تسعين حجة *** إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان بعد عشر وفائها *** و ذلك من عدى ليال قلائل
[98]
و كان والده صيفي بن رياح بن أكثم أيضا من المعمرين .
عاش مائتين و ستة و سبعين سنة و لا ينكر من عقله شيء و هو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري :
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا *** و ما علم الإنسان إلا ليعلما
و منهم ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة و عشرين سنة فلم يشب قط و أدرك الإسلام و لم يسلم .
[99]
و روى أبو حاتم [و] الرياشي عن العتبي عن أبيه أنه قال مات ضبيرة السهمي و له مائتا سنة و عشرون سنة و كان أسود الشعر صحيح الأسنان .
و رثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال :
من يأمن الحدثان بعد *** ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيته المشيب *** و كان ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا *** من دون أهلكم خفاتا
[100]
و منهم دريد بن الصمة الجشمي عاش مائتي سنة و أدرك الإسلام فلم يسلم و كان أحد قواد المشركين يوم حنين و مقدمهم حضر حرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقتل يومئذ و منهم محصن بن عتبان بن ظالم الزبيدي .
عاش مائتي سنة و خمسة و خمسين سنة .
و منهم عمرو بن حممة الدوسي .
عاش أربعمائة سنة .
و هو الذي يقول :
كبرت و طال العمر حتى كأنني *** سليم أفاع ليله غير مودع
فما الموت أفناني و لكن تتابعت *** علىّ سنون من مصيف و مربع
ثلاث مئات قد مررن كواملا *** و ها أنا هذا أرتجي نيل أربع
[101]
و منهم الحرث بن مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة .
و هو القائل :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس و لم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي و الجدود العواثر
و في غير من ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب و الفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم و امتدت و زادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب و يذكرون أن من جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان عاش ألفي سنة و خمسمائة
[102]
لم نتعرض لشرح أخبارهم لظهور ما قصصته من أمر العرب من أعمارهم على ما تدعيه الفرس و لقرب عهدها منا و بعد عهد أولئك و ثبوت أخبار معمري العرب في صحف أهل الإسلام و عند علمائهم .
و قد أسلفت القول بأن المنكر لتطاول الأعمار إنما هم طائفة من المنجمين و جماعة من الملحدين فأما أهل الكتب و الملل فلا يختلفون في صحة ذلك و ثبوته .
فلو لم يكن من جملة المعمرين إلا من التنازع في طول عمره مرتفع و هو سلمان الفارسي رحمة الله عليه و أكثر أهل العلم يقولون بأنه رأى المسيح و أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عاش بعده و كانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب و هو يومئذ القاضي بين المسلمين في
[103]
المدائن و يقال إنه كان عاملها و جابي خراجها و هذا أصح و فيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه و الحمد لله .
[104]
........................
[105]
الكلام في الفصل السابع
أن غيبته متى صحت على الوجه الذي تدعيه الإمامية بطلت الحاجة إليه إذ كان وجود منعها كعدمه من العالم و لا تظهر له دعوة و لا تقوم له حجة و لا يقيم حدا و لا ينفذ حكما و لا يرشد مسترشدا و لا يأمر بمعروف و لا ينهى عن منكر و لا يهدي ضالا و لا يجاهد في الإسلام
فأما قول الخصوم إنه إذا استمرت غيبة الإمام على الوجه الذي تعتقده الإمامية فلم يظهر له شخص و لا تولى إقامة حد و لا إنفاذ حكم و لا دعوة إلى حق و لا جهاد العدو بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع و الملة و كان وجوده في العالم كعدمه .
فصل :
فإنا نقول فيه إن الأمر بخلاف ما ظنوه و ذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع و الملة و استيداعها له و تكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمة و تمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته و هو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته .
[106]
أ لا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته و تقوم الحجة لهم في ذلك و لا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه كما كانت دعوة الأنبياء (عليه السلام) تظهر نائبا عنهم و المقرين بحقهم و ينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم كذا و مستقرهم و لا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم و قد أقامت أيضا نائبا عنهم بعد وفاتهم و تثبت الحجة لهم في ثبوتهم بامتحانهم في حياتهم و بعد موتهم و كذلك إقامة الحدود و تنفيذ الأحكام و قد يتولاها أمراء الأئمة و عمالهم دونهم كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء (عليه السلام) و ولاتهم و لا يخرجونهم إلى تولي ذلك بأنفسهم و كذلك القول في الجهاد أ لا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء و الأئمة دونهم و يستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم .
فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الإمام و منع من عدمه
[107]
ما اختص به من حفظ الشرع الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه و مراعاة خلق في أداء ما كلفوه من أدائه [آدابه] .
فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الاستتار و الصموت و متى وجدهم قد أطبقوا على تركه و ضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه و لم يسعه إهمال القيام به فلذلك ما وجب في حجة العقل وجوده و فسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين و حفظه و هذا بين لمن تدبره .
و شيء آخر و هو أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين فضاعت لذلك الحدود و انهملت به الأحكام و وقع به في الأرض الفساد فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه و كانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه .
فلو أماته الله تعالى و أعدم ذاته فوقع لذلك الفساد و ارتفع بذلك الصلاح كان سببه فعل الله دون العباد و لن يجوز من الله تعالى سبب الفساد و لا رفع ما يرفع الصلاح .
فوضح بذلك الفرق بين موت الإمام و غيبته و استتاره و ثوبته و سقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات و المنة لله .
[108]
.........................
[109]
الكلام في الفصل الثامن
بطلان دعوى الإمامية في الغيبة بما به اعتصموا في إنكار قول الممطورة أن موسى بن جعفر (عليه السلام) حي موجود غائب منتظر و بما به شنعوا على الكيسانية و الناووسية و الإسماعيلية في دعواهم حياة أئمتهم محمد بن الحنفية و جعفر بن محمد و إسماعيل بن جعفر و تناقض مقالهم في ذلك
فأما قول المخالفين إنا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا (عليه السلام) السبائية في قولها أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقتل و أنه حي موجود و قول الكيسانية في محمد بن الحنفية و مذهب الناووسية في أن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) لم يمت و قول الممطورة في موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه لم يمت و أنه حي إلى أن يخرج بالسيف و قول أوائل الإسماعيلية و أسلافها أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر و أنه حي لم
[110]
يمت و قول بعضهم مثل ذلك في محمد بن إسماعيل و قول الزيدية مثل ذلك فيمن قتل من أئمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي .
و إذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الإمامية .
و قولها في غيبة صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضا و وضح فسادها .
فصل :
فإنا نقول إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق و ظنوه نظيرا لمقالهم و ذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان و شهد به أئمة قاموا بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت إمامة من تقدمهم و الإنكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء و شهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه .
و ليس كذلك قول الإمامية في دعوى وجود صاحبهم (عليه السلام) لأن دعوى وجود صاحبهم (عليه السلام) لا تتضمن دفع المشاهد و لا له إنكار المحسوس و لا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى (عليه السلام) إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية أو وجود إمامها و غيبته .
فأي نسبة بين الأمرين لو لا التحريف في الكلام و العمل على أول خاطر يخطر للإنسان من غير فكر فيه و لا إثبات .
[112]
فصل :
و نحن فلم ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا و إنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة و اليقين بقتل من قتل منهم و موت من مات من جملتهم و حصول العلم بذلك من جهة الإدراك بالحواس .
و لأن في جملة من ذكروه من لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال فلا يضر لذلك دعوى من ادعي له الغيبة و الاستتار .
و من تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه و وضح له الفرق بيننا و بين الضالة من المنتسبين إلى الإمامية و الزيدية و لم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا (عليه السلام) و مذاهبهم الفاسدة بما قدمناه و المنة لله .
[113]
الكلام في الفصل التاسع
اعتراف الإمامية بأن الله تعالى أباح للإمام الاستتار عن الخلق و سوغ له الغيبة عنهم بحيث لا يلقاه أحد منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفا له في ذلك و لهم و إقرارهم بأن الله سبحانه لا يبيح إلا ما هو صلاح و لا يسوغ إلا ما هو في التدبير صواب و لا يفعل بعباده إلا ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة و التكليف باقيا و هذا ينقض قولهم في مشاهدته و أخذ معالم الدين فيه مصلحة تامة و أن بظهوره تمام المصالح و النظام و التدبير
و هو قول الخصوم إن الإمامية تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة و قولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام و ظهوره و أمره و نهيه و تدبيره و استشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل و تمكنه من البلاد و العباد .
و قولهم مع ذلك أن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق و سوغ له الاستتار عنهم و أن ذلك هو المصلحة و صواب التدبير للعباد .
و هذه مناقضة لا تخفى على العقلاء .
[114]
فصل :
و أقول إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار و وجوه الصلاح و أسباب الفساد و ذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال و لا تتفق مع تضادها بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر و الاستصلاح بتغير آراء المستصلحين و أفعالهم و أغراضهم في الأعمال .
أ لا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده و أحبته و أهله و عبيده و حشمه بما يكسبهم المعرفة و الآداب و يبعثهم على الأعمال الحسنات ليستثمروا بذلك المدح و حسن الثناء و الإعظام من كل أحد و الإكرام و يمكنوهم من المتاجر و المكاسب للأموال لتتصل مسارهم بذلك و ينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات و ذلك هو الأصلح لهم مع توقرهم على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه .
فمتى أقبلوا على العمل بذلك و الجد فيه أداموا لهم ما يتمكنون به
[115]
منه و سهلوا عليهم سبيله و كان ذلك هو الصلاح العام و ما أخذوا بتدبيرهم إليه و أحبوه منهم و أبروه لهم .
و إن عدلوا عن ذلك إلى السفه و الظلم و سوء الأدب و البطالة و اللهو و اللعب و وضع المعونة على الخيرات في الفساد كانت المصلحة لهم قطع مواد السعة عنهم في الأموال و الاستخفاف بهم و الإهانة و العقاب .
و ليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل و لا تضاد في صواب التدبير و الاستصلاح .
و على الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه و إرادته عمومهم بالصلاح .
أ لا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم و كلفهم الأعمال الصالحات ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة و مدحا و ثناء حسنا و إكراما و إعظاما و ثوابا في الأجل و يدوم نعيمهم في دار المقام .
فإن تمسكوا بأوامر الله و نواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه و سهل عليهم سبيله و يسره لهم .
و إن خالفوا ذلك و عصوه تعالى و ارتكبوا نواهيه تغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم و صواب التدبير لهم يوجب قطع مواد
[116]
التوفيق عنهم و حسن منه ذمهم و حربهم و وجب عليهم به العقاب و كان ذلك هو الأصلح لهم و الأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا و لزموا السداد .
فليس ذلك بمتناقض في العقل و لا متضاد في قول أهل العدل بل هو ملتئم على المناسب و الاتفاق .
فصل :
أ لا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به و إظهار التوحيد و الإيمان برسله (عليه السلام) لمصلحتهم و أنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم و الأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله و العدول عن إظهار التوحيد و المظاهرة بالكفر بالرسل و إنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال و كان في تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين و إن كان ما اقتضاه من فعل ?
التعلیقات