في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه ، وطريقة أحكامه ، ووصف زمانه ، ومدة أيامه
الفضل بن الحسن الطبرسي
منذ 11 سنةروى الحجّال ، عن ثعلبة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « كأنّي بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في الأمصار » (١).
وفي رواية عمرو بن شمر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ذكر المهديّ فقال : « يدخل الكوفة وفيها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ، ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة ، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغريّ ، ويصلّي بهم هناك ، ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري إلى الغريّين حتّى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء » (٢).
وفي رواية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إذا قام قائم آل محمد بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، واتّصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء » (٣).
قال : وسمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إذا أذن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ، ودعاهم إلى حقه ، على أن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله عزّ وجل جبرئيل عليه السلام حتّى يأتيه فينزل على الحطيم ثمّ يقول له : إلى أيّ شيء تدعو ؟ فيخبره القائم فيقول جبرئيل : أنا أوّل من يبايعك ابسط كفّك ، فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فيبايعونه ، ويقيم بمكّة حتّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثمّ يسير إلى المدينة » (4).
وروى محمد بن عجلان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دثر وضلّ عنه الجمهور ، وإنّما سُمّي المهديّ مهديّاً [ لأنّه يهدي إلى أمر قد ضلُّوا عنه ، وسمّي بالقائم ] (5) لقيامه بالحقّ » (6).
وروى عبدالله بن المغيرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ، ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ، ثمّ خمسمائة أخرى ، حتّى يفعل ذلك ستّ مرّات ».
قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟
قال : « نعم ، منهم ومن مواليهم » (7).
وروى أبو بصير قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها بالكعبة ، وكتب عليها : هؤلاء سرّاق الكعبة » (8).
وروى عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر : ثلث على خيول شهب ، وثلث على خيول بلق ، وثلث على خيول حُوّ ».
قلت : يا ابن رسول الله ، وما الحُوّ ؟
قال : « الحمر » (9).
وروى محمد بن عطاء ، عن سلّام بن أبي عمرة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له : الحمد ، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف » (10).
وروى أبو الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث طويل ـ أنّه قال : « إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية ، عليهم السلاح ، فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم ، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب ، ويهدم قصورها ، ويقتل مقاتليها ، حتّى يرضى الله عزّ وجل » (11).
وروى عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل ، وارتفع في أيّامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، وردّ كلّ حقّ إلى أهله ، ولم يبق أهل دين حتّى يُظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله عزّ وجل يقول : ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ (١2) وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فحينئذ تُظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركتها ، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين ».
ثمّ قال عليه السلام : « إنّ دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا لئلّا يقولوا ـ إذا رأوا سيرتنا ـ : لو ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (13) » (14).
وروى عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم ؟
قال : « سبع سنين ، تطول له الأيّام والليالي حتّى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين من سنيكم هذه ، فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه ، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم ير الناس مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأنّي انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رؤوسهم من التراب » (15).
وروى أبو بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا قام القائم عليه السلام سار إلى الكوفة فهدم بها أربع مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدمه وجعلها جمّاً ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف المازيب ، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ، ولا سنّة إلّا أقامها ، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ، ويمكث على ذلك سبع سنين من سنيكم هذه ، ثمّ يفعل الله ما يشاء ».
قال : قلت له : جعلت فداك ، وكيف تطول السنون ؟
قال : « يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلّة الحركة ، فتطول الأيّام لذلك والسنون ».
قال : قلت : إنّهم يقولون : إنّ الفلك إن تغيّر فسد ؟
قال : « ذلك قول الزنادقة ، فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شقّ الله القمر لنبيّه ، وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وإنّه ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ (16) » (17).
وروى عاصم بن حميد الحنّاط ، عن محمد بن مسلم الثقفيّ قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « القائم منّا منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تُطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر به الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلّا عمر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ».
قال : فقلت : ياابن رسول الله ، ومتى يخرج قائمكم ؟
قال : « إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وقُبلت شهادات الزور وردّت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا ، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخرج السفيانيّ من الشام ، واليمانيّ من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة ، وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحقّ فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا.
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأوّل ما ينطق به هذه الآية ﴿ بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ (18) ثمّ يقول : أنا بقيّة الله وخليفته وحجّته عليكم ، فلا يسلّم عليه مسلم إلّا قال : السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه ، فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود دون الله ـ من صنم ولا وثن ـ إلّا وقعت فيه نار واحترق ، وذلك بعد غيبة طويلة ، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به » (19).
وروى المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع ابن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة الأنصاريّ ، والمقداد بن الأسود ، ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً » (20).
وروى عبد الله بن عجلان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ، ويُخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ (21) »
وقد روي : أنّ مدّة دولة القائم تسع عشرة سنة ، تطول أيّامها وشهورها على ما تقدّم ذكره (22).
وروي أيضاً : أنّه عليه السلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين ، قدر ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم (23) ، وهذا أمرٌ مغيّب عنّا ، والله أعلم بحقيقة ذلك.
وروى المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها ، واستغنى العباد عن ضوء الشّمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمّر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم انثى ، وتظهر الأرض كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله » (24).
الهوامش
1. ارشاد المفيد ٢ : ٣٧٩ ، روضة الواعظين : ٢٦٤.
2. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٠ ، غيبة الطوسي : ٤٦٨ / ٤٨٥ ، روضة الواعظين : ٢٦٣.
3. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٠ ، غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ذيل حديث ٤٨٤ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٧٦ لم يرد فيه ذيل الحديث.
4. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٢ ، روضة الواعظين : ٢٦٥ لم يرد فيه ذيل الحديث.
5. ما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق.
6. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٤.
7. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.
8. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٦٥ ، ونحوه في غيبة الطوسي : ٤٧٢ / ٤٩٢.
9. غيبة النعماني : ٢٤٤ / ٤٤.
10. غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ٤٨٣ ، غيبة النعماني : ٢٣٩ / ٣١ ، اثبات الوصية : ٢٢٦.
11. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.
12. آل عمران ٣ : ٨٣.
13. الأعراف ٧ : ١٢٨ ، القصص ٢٨ : ٨٣.
14. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٦٥.
15. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨١ ، روضة الواعظين : ١٦٤ ، وقطعة منه في : غيبة الطوسي : ٤٧٤ / ٤٩٧ ، وصدره في : الفصول المهمة : ٣٠٢.
16. الحج ٢٢ : ٤٧.
17. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٥ ، روضة الواعظين : ٢٦٤ ، ونحوه في : غيبة ٤٧٥ / ٤٩٨ ، وصدره في : الفصول المهمة : ٣٠٢.
18. هود ١١ : ٨٦.
19. كمال الدين : ٣٣٠ / ١٦ ، وباختلاف يسير في : الفصول المهمة : ٣٠٢.
20. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨٦ ، روضة الواعظين : ٢٦٦ ، وباختلاف يسير في : تفسير العياشي ٢ : ٣٢ / ٩٠.
21. الحجر ١٥ : ٧٥.
22. تقدم في صفحة : ٢٩٠.
23. غيبة الطوسي : ٤٧٤ / صدر حديث ٤٩٦ ، تاج المواليد : ١٥٣ ، دلائل الامامة : ٢٤٢ ضمن رواية.
24. ارشاد المفيد ٢ : ٣٨١ ، روضة الواعظين : ٢٦٤ ، وباختلاف في ذيل الحديث في : غيبة الطوسي : ٤٦٧ / ٤٨٤ ، وصدره في : دلائل الامامة : ٢٤١.
مقتبس من كتاب : [ إعلام الورى بأعلام الهدى ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 287 ـ 293
التعلیقات