في إثبات إمامة المهدي عليه السلام ووجوده
في إثبات إمامته ووجوده
[ وعصمته بالأدلّة العقليّة ]
قال قدّس الله روحه : لابدّ من ذكر إثبات إمامته ووجوده وعصمته بالأدلّة العقليّة ، وإن كان إثبات إمامة آبائه عليهم السلام يثبت بها وجوده وإمامته ؛ لأنّ ذلك أصل يترتّب هذا عليه ١ ومقام يرجع هذا البحث إليه ، ولكن نذكر هنا ما يقطع حجّة جاحديه ، ويعلم به ٢ أنّ الحقّ له ومعه وفيه.
قال قدّس الله روحه : والأدلّة العقليّة من وجوه :
أ ٣ ـ لو لم يكن القائم عليه السلام موجوداً لخلا الزّمان عن الإمام ، لكنّ التّالي باطل ٤ ، فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة : انّ الإمامة منحصرة فيهم عليهم السلام ، وآباؤه عليهم السلام لا شكّ في انتقالهم إلى ربّهم ، فلو لم يكن وجوده واجباً لخلا الزّمان عن الإمام المعصوم ، فالملازمة ظاهرة.
وأمّا بطلان التّالي : فلأنّه قد ثبت أنّ الإمامة ٥ لطف ، واللّطف واجب على الله تعالى ٦ ، فخلوّ الزّمان عن الإمام ( يوجب ارتفاع اللّطف وهو محال ، فخلوّ الزّمان عن الإمام ) ٧ محال ، ( فيبطل التّالي ) ٨ فيبطل المقدّم ، فيكون موجوداً وهو المطلوب. ٩
ب ١٠ ـ لو قيل بعدم وجود القائم محمّد بن الحسن عليهما السلام وعدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع ، لكنّ التّالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشّرطيّة : انّ الإجماع واقع بين كافّة المسلمين أنّ النّاس طرّاً على قسمين : قسم قائل بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، وقسم غير قائل بذلك.
أمّا القائلون بإمامتهم فلا شكّ عندهم في وجوده وإمامته ، وهو ظاهر.
وأمّا غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته ووجوده ، بل في إمامة ١١ أجداده ؛ فإنّ كلّ من قال بإمامتهم ، قال بإمامته ووجوده ، وكلّ من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته ولا بوجوده ؛ فلو قال أحد بإمامتهم وأنكر إمامته ووجوده ، لكان قولاً ثالثاً خارقاً للإجماع. فقد بانت الشّرطيّة.
وأمّا بطلان التّالي فظاهر ، فيبطل المقدّم ، فيكون القول بعدم وجوده وبعدم إمامته محالاً ، وهو المطلوب.
لا يقال : الإمام هو الّذي يقوم بأعباء ١٢ الإمامة ، و ( أنتم تقولون ) ١٣ انّ الحسن العسكري مات وابنه المهديّ صغير لا يصحّ أن يقوم بأعباء الإمامة ، فلا يكون على تقدير صحّة وجوده إماماً.
لأنّا نقول : النّبوّة أعظم درجة من الإمامة ، وقد نبيّ الله عيسى بن مريم وهو ابن ساعة واحدة. ألا ترى كيف أنكر بنو إسرائيل على مريم فـ ( قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) (١٤) ما كنّا نظنّ أنّك تفعلين مثل هذا الفعل الفظيع ١٥ ، ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) ١٦ فقالت : كلّموا هذا الطّفل ، ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) ١٧ فأجابوها منكرين عليها : أرأيت طفلاً يتكلّم ؟ ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ١٨ فتكلّم بالحكمة ، وأثبت لنفسه النّبوّة.
وكذلك القول في يحيى بن زكريّا ، أثبت الله له الحكم في الكتاب وهو صبيّ فقال ١٩ : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) ٢٠ وهذا نصّ في الباب.
ولا يدفع الشّكُّ في إمامته إمامتَه ، وإلّا لدفع الشّكُّ في نبوّة عيسى نبوّتَه. ولعمري انّ النّاس على قسمين : قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن عليه السلام ، وقسم نفوا ذلك. فأيّ الشّهادتين أثبت وأولى بالقبول عند أهل العقول والمنقول ؟ أليست شهادة النّفي منفيّة لا يجب قبولها في الشريعة المحمّديّة.
ج ٢١ : إنّما دهى ٢٢ مخالفونا في إمامة القائم وإمامة آبائه عليهم السلام فأنكروها ، وزيّن لهم الشّيطان منعها فمنعوها ، لموضع جهلهم بحقيقة الإمام وما خصّه الله تعالى به من الكرامة حتّى صار أهلاً للإمامة ٢٣ ، فخفي عليهم معرفة حقيقته ، فوضعوا الحقّ في غير موضعه ، وأخرجوه عن مستحقّه ، وغفلوا عن كون الإمام يجب أن يكون في مرتبة النّبيّ صلّى الله عليه وآله ٢٤ ، إذ هو المبلّغ عنه صلّى الله عليه وآله ٢٥ ما أُنزل إليه ٢٦ ، كأنّهم لم يطّلعوا على ما خاطبه به في الكتاب المبين : ( الر كتاب أنزل إليك لتكون للعالمين نذيراً ) ٢٧ فجعله نذيراً لكافّة المخلوقين ، من الملائكة المقرّبين والجنّ والإنس أجمعين.
وإذا كان الإمام في مرتبته ، كان حجّة على هؤلاء بأجمعهم ، لوجوب تبليغه إيّاهم ما وجب عليهم من شريعته. فبمجرّد ٢٨ اختيار بعض النّاس لبعض الأشخاص في بعض الأصقاع ٢٩ ، أو يكون فيه صفه اختاروها ، أو حالة أرادوها ، يصير حجّة على كافّة المخلوقين من الملائكة والجنّ والإنس أجمعين ؟ نعوذ بالله من هذا الإفك العظيم والضّلال المبين.
ويعضد ما ادّعيناه ويشهد بصحّة ما قلناه ، ما صحّ لي روايته عن الشّيخ محمّد ( ابن عليّ ) ٣٠ بن بابويه ، يرفعه إلى ( أبي عبد الله ) ٣١ بن صالح الهروي ، عن الرّضا عليه السلام قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ٣٢ : والله ما خلق ٣٣ أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي.
قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول الله أفأنت أفضل أم جبرئيل ؟
فقال عليه السلام : يا عليّ إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين ٣٤ والفضل بعدي لك يا عليّ ، وللأئمّة من بعدك. وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.
يا عليّ المؤمن من آمن بولايتنا ، أليس « الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للّذين آمنوا » ٣٥ حملة العرش ومن حوله من الملائكة يخدمون المؤمنين بالاستغفار دائبين اللّيل والنّهار ٣٦.
يا عليّ لولا نحن لما خلق الله آدم ، ولا حوّاء ، ولا الجنّة ، ولا النّار ، ولا السّماء ، ولا الأرض. وكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا عزّ وجلّ وتسبيحه وتقديسه وتهليله ، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا ، فأنطقها بتوحيده وتحميده.
ثمّ خلق الملائكة ، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً ، استعظمت ٣٧ أمورنا ، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون ، وأنّه منزّه عن صفاتنا ، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ٣٨ ونزّهته عن صفاتنا.
( فلمّا شاهدوا عظم شأننا ، هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله.
فلمّا شاهدوا كِبَر محلّنا ، كبّرنا لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال عظيم المحال ٣٩.
فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزّ والقوّة ، قلنا : لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم ، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوّة إلّا بالله ) ٤٠ ، ( فقالت الملائكة : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ) ٤١.
فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه ٤٢ من فرض الطّاعة لنا ، قلنا: الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله. فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده ٤٣ وتمجيده.
ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم عليه السلام وأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسّجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبوديّة ، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف [ لا نكون ] ٤٤ أعظم من الملائكة ، وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون.
ولمّا عرج بي جبرئيل ٤٥ إلى السّماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ثمّ قال : تقدّم يا محمّد.
فقلت له : يا جبرئيل أتقدّم عليك ؟
فقال : نعم ، إنّ الله تعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضّلك خاصّة. فتقدّمتُ وصلّيت بهم ولا فخر.
فلمّا انتهينا ٤٦ إلى حجب النّور قال لي جبرئيل ٤٧ : تقدّم يا محمّد ، وتخلّف عنّي.
فقلت : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع ٤٨ ؟
فقال : يا محمّد إنّ انتهاء حدّي الّذي وضعني الله عزّ وجلّ ، هذا المكان ؛ فإن تجاوزتُ احترقت أجنحتي لتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله.
( فزجّ بي زجّة ) ٤٩ في النّور حتّى انتهيت إلى حيث ٥٠ ما شاء الله عزّ وجلّ من ملكوته ، فنوديت : يا محمّد ! أنت عبدي وأنا ربّك ، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل ، فإنّك نوري في عبادي ، ورسولي إلى خلقي ، وحجّتي في بريّتي. لمن تبعك خلقت جنّتي ، ولمن خالفك ٥١ خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ٥٢ ثوابي.
فقلت : يا ربّ ومن أوصيائي ؟
فنوديت : يا محمّد ! أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش. فنظرت وأنا بين يدي ربّي إلى ساق العرش ، فرأيت اثني عشر نوراً في كلّ نور سطر عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم مهديّ أُمّتي.
فقلت : يا ربّ إنّ هؤلاء أوصيائي بعدي ؟
فنوديت : يا محمّد إنّ هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك ، وخير خلقي بعدك. وعزّتي وجلالي لأظهرنّ بهم ديني ، ولأُعلينّ ٥٣ بهم كلمتي ، ولأُطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأُملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأُسخّرنّ له الرّياح ، ولأُذلّنّ له الرّقاب ٥٤ الصّعاب ، ولأُرقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأُمدّنّه بملائكتي ، حتّى يعلن دعوتي ٥٥ ، ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأُديمنّ ملكه ، ولأُداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة. ٥٦
وإذا كان ذلك كذلك ، فأين من ادّعي فيه الإمامة غير هؤلاء المعصومين إلى يوم القيامة وهذه الصّفات ، وأنّى لهم هذه الحالات ، وهل اختصّ بها إلّا هم عليهم السلام دون سائر الأنام ( ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ). ٥٧
الهوامش
١. « على هذا » بدل « هذا عليه » ب ، ح.
٢. ليس في « أ » و « ب ».
٣. « الأوّل » ح.
٤. روى الكليني رحمه الله في الكافي : ١ / ١٧٨ ـ باب أن الأرض لا تخلو من حجّة ـ ح ١ بإسناده إلى الحسين بن أبي علاء قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام : يكون الأرض ليس فيها إمام ؟
قال : لا.
قلت : يكون إمامان ؟
قال : لا إلّا وأحدهما صامت.
قال المولى الحكيم صدر المتألّهين في شرح أصول الكافي : ٤٥٨ ذيل هذا الحديث : « أمّا أنّ الأرض لابدّ فيها بعد انقراض زمن النّبوّة من إمام ، فعليه اتّفاق الأُمّة سلفاً وخلفاً إلّا شاذّاً لا يعبأ به ، مع اختلافهم في أنّ وجوب نصبه علينا سمعاً ، أو علينا عقلاً ، أو على الله تعالى عقلاً.
فالأوّل مذهب جمهور أهل السّنّة وأكثر المعتزلة.
والثّاني مذهب الجاحظ والكعبي وأبي الحسن البصريّ.
والثّالث مذهب الشّيعة رحمهم الله ... ».
٥. « الإمام » أ.
٦. قال العلّامة رحمه الله : اللّطف هو ما يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل الطّاعة ، وأبعد من فعل المعصية ، ولم يكن له حظّ في التمكين ، ولم يبلغ حدّ الإلجاء.
واحترزنا بقولنا : « ولم يكن له حظّ في التّمكين » عن الآلة ؛ فإنّ لها حظّاً في التّمكين وليس لطفاً ، وقولنا : « ولم يبلغ حدّ الإلجاء » لأنّ الإلجاء ينافي التّكليف ، واللّطف لا ينافيه ... إذا عرفت هذا فنقول : اللّطف واجب خلافاً للأشعريّة. والدّليل على وجوبه أنّه يحصّل غرض المكلّف ، فيكون واجباً وإلّا لزم نقض الغرض.
بيان الملازمة : أنّ المكلِّف إذا علم أنّ المكلَّف لا يطيع إلّا باللّطف ، فلو كلّفه من دونه كان ناقضاً لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنّه لا يجيبه إلّا أن يستعمل معه نوعاً من التأدّب ، فإذا لم يفعل الدّاعي ذلك النّوع من التأدّب ، كان ناقضاً لغرضه ، فوجوب اللّطف يستلزم تحصيل الغرض. « كشف المراد : ٢٥٤ ».
٧. ما بين القوسين ليس في « ب ».
٨. ما بين القوسين ليس في « أ ».
٩. قال المولى صدر المتألّهين في شرح أصول الكافي : ٤٦٠ : « وأمّا القائلون بوجوب نصب الإمام على الله ـ وهم أصحابنا الإماميّة رحمهم الله ـ : فمتكلّموهم استدلّوا عليه بأنّ نصب الإمام لطف من الله في حقّ العباد ، واللّطف واجب عليه تعالى ، فيكون واجباً عليه.
أمّا الصّغرى : فلأنّ اللّطف ـ وهو : ما يقرّب العبد إلى الطّاعة ويبعّده عن المعصية ـ متحقّق بنصبه ؛ فإنّ النّاس إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثّهم على الواجبات ، كانوا معه أقرب إلى الطّاعات وأبعد عن المعاصي منهم بدونه.
وأمّا الكبرى : فلما بيّنوه في أصولهم الكلاميّة ». انظر الصّفحة السّابقة الهامش رقم ٢.
١٠. « الثّاني » ح.
١١. « بإمامة » بدل « في إمامة » أ.
١٢. جمع « العِبْء » بالكسر ، وهو الحِمْل والثِّقْل من أيّ شيءٍ كان. انظر « القاموس : ١ / ١٣٢ ».
١٣. « إنّهم يقولون » ح.
١٤. سورة مريم : ٢٧.
١٥. « الفضيع » أ. فَظُع الأمر ـ ككُرم ـ : اشتدّت شناعته وجاوز المقدار في ذلك. « القاموس : ٣ / ٩٠ ـ فظع - ».
١٦. سورة مريم : ٢٩.
١٧. سورة مريم : ٢٩.
١٨. سورة مريم : ٣٠.
١٩. ليس في « أ ».
٢٠. سورة مريم : ١٢.
٢١. « الثّالث » ح.
٢٢. دهاه دهياً ، ودهّاه : نسبه إلى الدّهاء أو عابه وتنقّصه. « القاموس : ٤ / ٤٧٧ ـ الدَّهْي ـ ».
٢٣. روى الصّدوق رحمه الله في عيون أخبار الرّضا : ١ / ١٧١ ـ ١٧٥ حديثاً طويلاً في وصف الإمام والإمامة عن الرّضا عليه السلام ، ونحن نورد هنا قِطَعاً منه لمناسبة المقام : أسند رحمه الله إلى عبد العزيز بن مسلم قال :
كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام بمرو ، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا ، فأدار النّاس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف النّاس فيها ، فدخلت على سيّدي ومولاي الرّضا عليه السلام فأعلمته ما خاض النّاس فيه.
فتبسّم عليه السلام ثمّ قال : يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه صلّى الله عليه وآله حتّى أكمل له الدّين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج اليه كملاً فقال عزّ وجلّ : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ، وأنزل في حجّة الوداع ، وهي آخر عمره صلّى الله عليه وآله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ، وأمر الإمامة من تمام الدّين ، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله ، وتركهم على قصد سبيل الحقّ ، وأقام لهم عليّاً عليه السلام عَلماً وإماماً ، وما ترك لهم شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلّا بيّنه.
فمن زعم أن الله عزّ وجلّ لم يُكمل دينه فقد ردّ كتاب الله عزّ وجلّ ، ومن ردّ كتاب الله تعالى فهو كافر. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم ؟
إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها النّاس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم.
إنّ الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النّبوّة والخلّة ، مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره ، فقال عزّ وجلّ : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ). فقال الخليل عليه السلام سروراً بها : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ). قال الله عزّ وجلّ : ( قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ). فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة....
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء.
إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ وخلافة الرّسول ، ومقام أمير المؤمنين ، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام.
إنّ الإمامة زمام الدّين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدّنيا ، وعزّ المؤمنين.
إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النّامي ، وفرعه السّامي.
بالإمام تقام الصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ والجهاد ، وتوفير الفيء والصّدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثّغور والأطراف.
الإمام يُحلّل حلال الله ، ويُحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة.
الإمام كالشّمس الطّالعة المجلّلة بنورها للعالم ، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام : البدر المنير ، والسّراج الزّاهر ، والنّور السّاطع ، والنّجم الهادي في غياهب الدّجى والبيد القفار ولجج البحار.
الإمام : الماء العذب على الظّماء ، والدّالّ على الهدى ، والمنجي من الرّدى ؛ والإمام النّار على البقاع الحارّ لمن اصطلى به ، والدّليل في المسالك ، من فارقه فهالك.
الإمام : السّحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشّمس المضيئة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير ، والرّوضة.
الإمام : الأنيس الرّفيق ، والوالد الشّفيق ، والأخ الشّقيق ، ومفزع العباد في الدّاهية.
الإمام أمين الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، وخليفته في بلاده ، الدّاعي إلى الله ، والذّابّ عن حرم الله.
الإمام : المطهّر من الذّنوب ، المبرّأ من العيوب ، مخصوص بالعلم ، مرسوم بالحلم ، نظام الدّين ، وعزّ المسلمين ، وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد له بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهّاب ؛ فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره ؟....
والإمام : عالم لا يجهل ، راعٍ لا ينكل ، معدن القدس والطّهارة والنّسك والزّهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرّسول ، وهو نسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ؛ فالنّسب من قريش ، والذّروة من هاشم ، والعترة من آل الرّسول(صلى الله عليه وآله ، والرّضا من الله شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ؛ نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسّياسة ، مفروض الطّاعة ، قائم بأمر الله عزّ وجلّ ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله.
إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ؛ فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تعالى ( فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وقوله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ـ الحديث.
٢٤. « عليه السّلام » أ ، ب.
٢٥. « صلّى الله عليه » « ب » و « ح ».
٢٦. « إليهم » أ.
٢٧. كذا في النّسخ ، ولعلّه من تصحيح النّسّاخ ، قال الله تعالى في سورة الفرقان : ١ ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ).
٢٨. « فمجرّد » أ.
٢٩. الصُّقْع : النّاحية من البلاد والجهة أيضاً والمحلّة ، وهو في صُقع بني فلان : أي في ناحيتهم ومحلّتهم. « المصباح المنير : ٤٧٠ ـ صقع ـ ».
٣٠. ما بين القوسين ليس في « أ ».
٣١. كذا في النّسخ ، وفي كمال الدّين والعيون والعلل : « عبد السّلام ». انظر ص ٧٠ الهامش رقم ٤.
فهنا تصحيف إلّا أن يكون المذكور في رجال الشّيخ : ٣٨٣ ـ باب العين من أصحاب الرّضا عليه السلام ـ رقم ٤٨ بلفظ : « عبد السّلام بن صالح يكنّى أبا عبد الله » متّحداً مع عبد السّلام بن صالح أبي الصّلت الهرويّ. وانظر معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٦ رقم ٦٥٠٤.
٣٢. بزيادة « وسلّم » ح.
٣٣. « ما خلق الله » ب ، ح.
٣٤. « المرسلين » أ.
٣٥. قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ـ الآية ). ( سورة غافر : ٧ ).
٣٦. بدل « يا عليّ المؤمن ـ إلى ـ والنهار » : « يا عليّ الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للّذين آمنوا بولايتنا » كمال الدّين والعيون والعلل.
٣٧. « استعظموا » كمال الدّين والعلل.
٣٨. ليس في « ب » و « ح ».
٣٩. بدل « عظيم المحال » : « عظم المحلّ إلّا به » العيون والعلل ، « وإنّه عظيم المحلّ » كمال الدّين.
٤٠. ما بين القوسين ليس في « ب ».
٤١. ما بين القوسين ليس في « ب » و « ح ».
٤٢. « وأحبّه » ب.
٤٣. « وحمده » ب.
٤٤. أثبتناه من كمال الدّين والعيون والعلل. « لا تكون » أ ، « لا يكون » ب ، ح.
٤٥. بزيادة « عليه السلام » ح.
٤٦. « انتهيت » أ.
٤٧. بزيادة « عليه السلام » أ.
٤٨. بزيادة « تفارقني » كمال الدين والعيون والعلل.
٤٩. « فزخّ بي زخّة » كمال الدّين. في لسان العرب : ٢ / ٢٨٦ ـ زجج ـ : زجّ بالشيء من يده ، يزُجُّ زجّاً : رمى به. وفي ج ٣ / ٢٠ ـ زخخ ـ : « زخّه يزُخّه زخّاً : دفعه في وهدة ... وفي الحديث : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من تخلّف عنها زُخّ به في النّار. أي دُفع ورُمي ».
٥٠. ليس في « ب » و « ح ».
٥١. « خالف » ب.
٥٢. « أوجب » أ.
٥٣. « ولأعلننّ » ب ، ح.
٥٤. « السّحاب » العيون والعلل.
٥٥. « كلمتي » ب ، ح.
٥٦. رواه الصّدوق رحمه الله في كمال الدّين : ٢٥٤ - ٢٥٦ ح ٤ ، والعيون : ١ / ٢٠٤ ح ٢٢ ، وعلل الشّرائع : ٥ ح ١ بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ ، عن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: .... عنها إثبات الهداة : ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ ح ١٤٠ ، والبحار : ١٨ / ٣٤٥ ح ٥٦ ، و ج ٢٦ / ٣٣٥ ح ١. وفي ج ٥٢ / ٣١٢ ح ٥ عن العلل والعيون ذيله.
٥٧. سورة الجمعة : ٤.
مقتبس من كتاب : منتخب الأنوار المضيئة / الصفحة : ٧ ـ ١٨
التعلیقات