سند دعاء الندبة
الشيخ محمد السند
منذ 4 أيامهناك من يثير بعض التساؤلات عن سند دعاء الندبة وقد يصل إلى إثارة اللغط والتشكيك بهذا الدعاء الشريف.
والإجابة على هذا التساؤل أو رد التشكيك بسند الدعاء الشريف من خلال عدة وجوه، وإن كان العمدة في الحجية ليس السند فقط، وهذا ما دأب عليه مشهور الفقهاء كالشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن زهرة وأكثر القدماء ايضا، كما نقل الشيخ الأنصاري في الرسائل أن الركن الأهم في حجية الخبر هو متن الخبر ونفس الحديث الشريف، والمحقق الحلي كذلك في كتاب معارج الأصول، بل إن الشيخ المفيد وبعض القدماء عدوا من يجعل الطريق هو الركن الأهم من الحشوية، وهذا لا يعني أن الطريق والسند ليس له دور،بل له دور ولكنه شرط جزء في موضوع الحجية، أما الركن الأهم في الحجية فهو المتن.
ويجب الالتفات إلى أن الخبر لا تستتم حجيته إلا بعدة جهات: منها حجية الطريق، وحجية جهة الصدور، وحجية الدلالة، مضافة إلى أن صحة الكتاب تغایر صحة الطريق.
أما سند الدعاء فيمكن معرفة صحته من عدة وجوه:
الوجه الأول
سيرة العلماء والمؤمنين على اعتماده، حيث دأب العلماء الأوائل منذ القرن الرابع تقريبا على تربية الأمة وفي أوقات مهمة وحساسة في الأعياد وأيام الجمع تربية عقائدية وإيمانية وتحويلها إلى شعيرة، وهي الاستمرار في دعاء الندبة، والدعاء به لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه شریف منذ بداية عصر الغيبة الكبرى، وأصبح ظاهرة عبادية منتشرة ومن طقوس ومعالم الإيمان، وسيرة علماء الإمامية فيه تربية المؤمنين على تعهده والاستمرار في التمسك به.
بل إن الشيخ الأنصاري رحمه الله محقق وأستاذ الفقهاء، يستدل على بحث حساس ومعقد في الخيارات في بحث الشروط - وهو بحث مفصلي في كل العقود والإيقاعات في معنى الشرط، وهل أنه يشمل الشرط الابتدائي أو غيره - بمقطع من متن دعاء الندبة: « وشرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية.. » ويرسله هكذا إرسال المسلمات.
وهكذا المرحوم الأصفهاني وكذلك السيد الخوئي رحمة الله عليهما، فسيرة علماء الإمامية في الاستدلال بدعاء الندبة شيء مرکوز لديهم، وليس فقط سيرة عملية بل فتوائية أيضا كما في جعل مقطعا منه مستندا لقاعدة الشروط، والتي هي قاعدة خطيرة تجري في كل العقود، وهذا الأمر مفروغ منه منذ القرن الرابع، وهو ظاهرة موجودة وشائعة.
الوجه الثاني :
أنه متواتر لفظا، وهذه حقيقة متحققة وإن يستغرب البعض منها، وهذا الأمر قامت بالدلالة عليه إحدى المؤسسات العلمية الحوزوية، حيث وجدت بعد التحقيق أن دعاء الندبة موجود بألفاظه وبنوده في جمل والفاظ وحيانية متواترة لفظا، أي أن كل جملة فيه أو جملتين معا يوجد لها نص وحياني، بل إن البعض منها لها وجود وحياني قرآني فهم لم يكتفوا بالاستفاضة المعنوية، أو التواتر المعنوي، أو اللفظية المعنوية، بل اثبتوا التواتر اللفظي في كل بنوده و جمله، وهذه الطريقة هي من خلال الاتيان بألفاظ الدعاء جملة جملة، أو جملتين بمعنى واحد ثم يبحثون في طوائف الروايات الواردة في موارد عديدة فيجدون نفس اللفظ ونفس التركيب والسياق، لكن هذا التواتر يسمى تواتر توليفي وهو تواتر حقيقي، یعني هو مؤلف من مجموعة طوائف من الروايات كل منها تشكل ورودا لهذه اللفظة المعينة، ومن المجموع يصبح عندنا تواتر لفظي حسب هذه الضابطة.
والتواتر له أقسام عديدة منها: التواتر اللفظي، والتواتر المعنوي، والأجمالي، والنظري، والبديهي، وأيضا تواتر وسیع الدائرة ومتوسطه، وتواتر نخبوي،واحکامها تختلف عن بعضها البعض، ويجب الالتفات إلى ذلك.
مثلا: إذا نظرنا إلى اللغة العربية فانها بتمام موادها وخصوصياتها وقواعدها متواترة، ولكن هذا التواتر ليس عند كل من يتكلم اللغة العربية، بل هناك من يتكلم اللغة العربية أبا عن جد لكنه لا يحيط بدقائقها، فهو متواتر فقط عند مجموعة من النخب، وهذا ما يسمونه تواتر ضمن دائرة محدودة، وهو قسم من أقسام التواتر، والبعض غفلة ينفي التواتر في حال عدم وجوده عند دائرة وسيعة، وهذا بسبب عدم الاطلاع على أقسامه، فلو فرضنا أن أحد أصحاب الإمام الصادق أو الكاظم أو الرضا علیهم السلام والان لم يكن مطلعا على كل الأئمة، فهذا لا ينفي التواتر، لأنه عبارة عن دوائر، وقد لا يكون هذا الشخص مشمولا بدائرة التواتر.
هذه الشبهات والمغالطات تثار لعدم الانتباه إلى أقسام التواتر، ومن هذا الباب قال كبار العلماء بالتواتر النظري، وهو ما يختص بالاطلاع عليه رواد العلماء وكبارهم لأنهم يملكون تتبع علمي صناعي ثاقب، يعلمون من خلاله أن هذا الأمر متواتر في روايات أهل البيت علیهم السلام وهذا ما يسمى بالتواتر النظري، وإن كان عموم العوام أو حتى بعض العلماء لا يعلمون به فلا يصح الاستعجال بأنكار التواتر بمجرد عدم وجود الوسيع منه بعد وجود النخبوي منه.
وهذا الأمر يشبه جغرافيا الكرة الأرضية التي فيها تواتر لدي عموم البشر، بخلاف جغرافية بلد معين فإنها ليست مواترة لكل البشر، بل هي متواترة عند أبناء ذلك البلد أو المجاورين له، وعدم توفر التواتر لعموم البشر، لا ينفي التواتر لدى دائرة أضيق، لما تقدم أنه على أقسام متعددة.
وعليه لا يجب التشكيك في المسائل الحساسة، بحجة عدم التواتر لمن لا يملك القابلية والتخصص في علم الرجال والدراية والحديث وعلوم أخرى تقع في هذا السياق.
وبما أن تراث الدين مهم جدا فيجب الحذر من الحكم عليه بهذه الطريقة، فهو منسوب إلى السماء سواء بنسبة إحتمالية أو جزمية، والنسبة الاحتمالية لها أهمية، نعم ليس هناك تسامح أو إنفلات من هذا الطرف أو ذاك.
وعلى ضوء هذا المنهج فإن دعاء الندبة بندا بندا وردت ألفاظه في روايات عديدة من مجموعها يصبح لدينا تواترا لفظيا بتلفيق طوائف الروايات، أما أن يكون تواترا من أول الدعاء إلى آخره فالأمر بهذه الطريقة ليس ضروريا.
ولكن يجب الالتفات إلى أن الأدعية مصادر معرفية مهمة لمدرسة أهل البيت علیهم السلام، فهي من الأهمية بمكان وهي ليست أمر هينا، لذا يجب التدقيق فيها طبق موازین علمية دقيقة.
كما أن المؤسسة العلمية التي قامت بتخريج بنود وجمل الدعاء أثبتت أن جملة من البنود الواردة في هذا الدعاء الشريف فيها هي في الأصل بنود قرآنية وهذه نكتة لطيفة، لكي لا يتوهم أحد بأن هذه القوالب (الأدعية) من وضع عالم من العلماء كما للأسف يتلفظ به البعض من دون دراية، فكل إنسان يحدد موقفا علميا من دون مستند، نفيا وإثباتا يحاسب عليه، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ (1).
ولو أشکل وقيل: سلمنا أن بنود الدعاء متواترة وأنها ألفاظ وحيانية، أما النظم والربط بين تلك البنود فهو بشري؟
فجوابه: أن الربط البشري لا يخل بحجية البنود الوحيانية حتى ولو كان هناك تقديم وتأخير في المطالب، فكل كتب الأحاديث الموجودة عندنا تبويبها نظم بشري، ولكن حجية تلك الأحاديث ثابتة، وحتى القرآن الكريم فنحن نعلم أن العهد المكي أسبق من المدني، لكنك تجد في تسلسل السور القرآنية الموجودة بين الدفتین عدم مراعاة لذلك الأمر، وترى سور مدنية قبل المكية، وهذا لا يخل بحجية القرآن الكريم، وهذا الأمر ينطبق أيضا على دعاء الندبة الشريف.
الوجه الثالث:
أحد المباني والمدارس في علم الرجال، تعتقد أن نفس كتب الحديث هي مصدر من مصادر علم الرجال، من خلال علم الطبقات وعلم تجريد الإسناد، يعني الأسانيد الموجودة في كتب الحديث وطبقاتها تعتبر أعظم مصدر متواتر ومتصل لعلم الرجال، وقد مارسه الكثير من العلماء منهم شيخ الشريعة وكذلك الوحيد البهباني والشيخ علي النمازي وغيرهم، ومن خلال علم الأسانيد يعرف الراوي التلميذ وأستاذه ومشربه العلمي وكفائته.
ومن خلال هذا المبنى الرجالي نستطيع معرفة وثاقة سند دعاء الندبة، فأقدم مصدر لهذا الدعاء هو کتاب «المزار» للشيخ أبي عبد الله محمد بن جعفر بن المشهدي (2) وهو يرويه عن محمد بن علي بن أبي قرة (3)، والذي بدوره نقله عن كتاب محمد بن الحسن بن سفيان البزوفري (4).
والبزوفري الذي يروي الدعاء هو أحد وجوه الحجية فيه، فهو يروي عن الشيخ حسین بن روح النوبختي السفير الثالث للإمام المهدي عجل الله تعالی شریف مباشرة وأحيانا بالواسطة، يعني بطبيعة الحال هو يروي التوقيعات الشريفة الصادرة من الناحية المقدسة، كما يروي السفراء المحمودين بالواسطة، وكل علماء الإمامية يتعاملون مع ما يصدر من السفراء المحمودين معاملة توقيع صادر من الناحية المقدسة، وهذا التعامل هو نفسه مع دعاء الندبة الذي يرويه البزوفري، أي يتعاملون معه معاملة التوقيع الصادر من الناحية المقدسة وهذا هو ديدن علماء الإمامية.
بقي أمر، وهو أن المجلسي رحمه الله (5) یسند دعاء الندبة إلى الإمام الصادق علیه السلام مع أن أغلب الفقهاء يسندونه إلى الناحية المقدسة، ومنشأ هذا الإسناد هو رواية عن سدير الصيرفي.
وأيضا رواه السيد ابن طاووس في مصباح الزائر، وكذلك رواه في الأقبال، وهذا المصدر مهم جدا، والسيد الخوئي تبعا لمعاصره « آغا بزرك الطهراني » أكد أن السيد ابن طاووس ألم بكم كبير من تراث الحديث وتراث الرجال وكتب الإمامية إلماما كبيرا يفوق معاصريه فضلا عن جاء من بعده.
الوجه الرابع:
لا شك أن القرآن الكريم كل ما فيه مقدس وعظيم وهو دستور خالد، وكما بين أهل البيت علیهم السلام أن نظم المعلومات والمعادلات العلمية المودعة فيه ليست على درجة واحدة من الأهمية، كما صرح بذلك القرآن الكريم في سورة آل عمران: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (6)، وكذلك في سورة المائدة: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ (7).
فعظمة المحكم لا من حيث الدلالة، وإنما من المعلومة والمعادلة العلمية الموجودة في الآية، فهي معلومة ومعادلة مهيمنة، وهذا النظام موجود فيكل العلوم أيضا، فهناك بعض المعادلات الفوقية المهيمنة والتي تتفرع منها بقية أبواب العلم، وهيمنة القرآن الكريم على بقية الكتب هو من هذا الباب، فعلومه تحيط بما موجود في التوراة والإنجيل وبقية الكتب السماوية من حيث العلو والسعة والإحاطة.
وهذا الأمر بعينه يجري في تراث أهل البيت علیهم السلام حيث فيه المحكم والمهيمن والأهم والمهم، ومن هذا التراث المهيمن هو دعاء الندبة وتبيان ذلك يتم بعدة تنبيهات:
تنبيهات
أولا: دعاء الندبة كمضمون متسق مع منظومة الدين بشكل بنيوي متناسق، حاله في ذلك حال بقية الأدعية والزيارات المشهورة الواردة عن أهل البيت علیهم السلام .
على ذلك تسالم أعلام الإمامية، ولذلك تسمية الدعاء أو الزيارة بأسم معين لا يوجب أو يوحي إلى الذهن بأن هذا الدعاء أو تلك الزيارة مخصوصة فقط بهذا العنوان، بل إن كل دعاء أو زيارة فيها من الوهج النوري والعناوين الشيء الكثير.
على سبيل المثال دعاء الندبة هو في حقيقته كما ذكر السيد بن طاووس وغيره من أعلام الإمامية أنه زيارة لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالی شریف، بالإضافة إلى ذلك فيه ماهيات أخرى مثل الشوق والتودد لأهل البيت علیهم السلام والتواصل معهم، وأيضا فيه التعلم والمعرفة، بالإضافة إلى أمور أخرى موجودة، وهذاأمر يجب الالتفات إليه، بل إنه من الخطأ اعتبار الدعاء أو الزيارة ماهية واحدة، بل هي زیارة ودعاء وتشهد وتجديد للعهد وإلى ما شاء الله من العبادات الأخرى المنطوية تحت عنوان عبادي واحد.
ثانيا: أن العبادات في الشارع المقدس غير محصورة بأبواب معهودة كباب الصلاة أو الصوم أو الحج وغيرها، مع أن كل العبادات هي توقيفية توقيتية لأن العبادات في حقيقة الأمر متعددة، ففي الصلاة على سبيل المثال التشهد بنفسه عبادة، والخضوع بنفسه عبادة أيضا،والركوع والسجود والدعاء كل مفردة في نفسها عبادة، فالصلاة في حقيقتها مجموعة من العبادات جمعت في هذا العنوان.
وحتى الحالات النفسية للإنسان هي عبادة كالرضا بقضاء الله وقدره، والتوكل عليه وهكذا، فعناوين العبادة أكبر وأكثر من أن تحصی. ثالثا: هناك عبادات قلبية وأخرى بدنية، يعبر عن الأولى بفقه القلوب أو الفقه الأوسط، وعن الثانية بفقه الأبدان أو الفقه الأصغر (فقه الفروع)، أما العقائد فيعبر عنها بالفقه الأكبر.
وهذا التقسيم يجب الالتفات إليه ووضعه في الحسبان، فكما للصوم تروك وواجبات في الأكل والشرب وما شابه، هناك أيضا تروك وواجبات قلبية كما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة، وإلى هذا أشار الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلی الله علیه و آله: « الصوم جنة، فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات، وقطع الهمة عن خطرات الشياطين، وانزل نفسك منزلة المرضى، ولا تشتهي طعاما ولا شرابا، وتوقع في كل لحظة شفاءك من مرض الذنوب، وطهر باطنك من كل كدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله» (8). والأمر كذلك في الطواف فالأبدان تطوف حول الكعبة، أما كعبة القلوب فشيء آخر: ﴿ رَّبَّنَا إِنِّی أَسْکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِندَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ ﴾ (9)، والأفئدة لا تهوى الحجر!، بل تهوى ذرية إبراهيم المصطفاة « محمد وآله الطاهرين عليهم الصلاة والسلام »، فقد جاء عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: « إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم » (10).
كذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی کُنتَ عَلَیْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَی عَقِبَیْهِ وَإِن کَانَتْ لَکَبِیرَةً إِلَّا عَلَی الَّذِینَ هَدَی اللَّهُ ﴾ (11)، قبلة القلوب هي ولاية النبي صلی الله عليه و آله، وولاية أهل بیته علیهم السلام من بعده. هذا هو الأهم وإن كانت عبادة الأبدان هي المقدمة، وفيما بعد تاتي العبادة القلبية، ولكن يبقى التكامل الإنساني هو في العبادة القلبية، وقد ورد عن الإمام الجواد علیه السلام: « القصد إلى الله بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال » (12).
ويبقى البون شاسعة بين فقه الابدان وفقه القلوب، فقد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه، إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه، فرض الله عز وجل الفرائض، فمن أداهن فهو حدهن، إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حدآ ينتهي إليه » (13)، ثم تلا هذه الآية : ﴿ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْرًا کَثِیرًا ﴾ (14).
الهوامش
1- سورة الإسراء، الآية 36.
2- الشيخ أبو عبد الله محمد بن جعفر بن المشهدي «كان فاضلا محدثا صدوقا» وكذلك وثقه الشيخ الطوسي والشيخ حسن بن نما بذات العبارة التي عبر بها الشهيد إذ قال عنه: « الشيخ الإمام السعيد عبد الله محمد بن جعفر المشهدي رحمه الله » (الحر العاملي، مع د بن الحسن: أمل الآمل في علماء جبل عامل، ج2، ص253، ص 252).
3- محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة، أبو الفرج، القناني، الكاتب، ثقة. وكذلك قال العلامة في الخلاصة. (رجال النجاشي، ص398).
4- روى عنه الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون. ووالده من الثقات، إذ قال فيه الشيخ النجاشي: « الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان أو عبد الله البزوفري، شيخ ثقة، جليل، من أصحابنا، له كتب » والشيخ المفيد مكثر من الرواية عنه وهو شيخه وأستاذه. (النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي: أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشی)، ص69، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1416ه، ط 5).
5- هكذا ورد في كتاب (زاد المعاد) للعلامة المجلسي قدس سره: « وأما دعاء الندبةالمشتمل على العقائد الحقة والتأسف على غيبة القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف، فقد نقل بسند معتبر عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام، ويستحب أن يقرأ دعاء الندبة هذا في الأعياد الأربعة، أي: الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الغدير » (العلامة المجلسي، محمد باقر : زاد المعاد، ص 488، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2002م، ط1).
6- سورة آل عمران، الآية 7.
7- سورة المائدة، الآية 48.
8- مصباح الشريعة للإمام جعفر بن محمد الصادق ، ب63، ص135، مؤسسة الأعلمي ، ط2، 1983.
9- سورة إبراهيم، الآية 37.
10- الصدوق، من لا يحضره الفقیه، ج 2، ص 334، ح 1553.
11- سورة البقرة، الآية 143.
12- المجلسي، بحار الانوار، ج 75، ص 364
13- الحويزي، تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 285، الحدیث 147.
14- سورة الأحزاب، الآية 41.
مقتبس من كتاب / المشروع السياسي للإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف / سماحة الشيخ محمد السند / المجلّد : 1 / الصفحة : 25 ـ 37 / دار المحجة البيضاء.
التعلیقات