التوحيد في الصفات ـ نظرية الأشاعرة
التوحيد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 35 ـ 37
(35)
الثاني : نظرية الأشاعرة
إنَّ الأشاعرة ذهبت إلى وجود صفات كمالية زائدة عى ذاته سبحانه
مفهوماً ومصداقاً ، فلا تعدو صفاته صفات المخلوقين إلاّ في القدم والحدوث ،
فالصفات في الواجب والممكن زائدة على الذات غير أنّ صفات الأوّل قديمة ،
وفي غيره حادثة.
________________________________________
(36)
واستدل عليه الأشعري في « اللّمع » و « الإبانة » بوجهين:
الوجه الأوّل : إنَّ كونه سبحانه عالماً بعلم ، لا يخلو عن صورتين:
1ـ أنْ يكون عالماً بنفسه.
2ـ أنْ يكون عالماً بعلم يستحيل أنْ يكون هو نفسه.
فإنْ كان الأوّل ، كانت نفسه علماً ، ويستحيل أنْ يكون العلم عالماً ،
أو العالم علماً. ومن المعلوم أنَّ الله عالمٌ . ومن قال إنَّ علمه نفس ذاته ، لا
يصح له أنْ يقول إنَّه عالمٌ ، فإذا بطل هذا الشق ، تعين الشق الثاني ، وهو
أنّه يعلم بعلم يستحيل أن يكون هو نفسه(1).
وصُلْبُ البرهان يرجع إلى أنَّ واقعية الصفة هي البينونة ، فيجب أنْ
يكون هناك ذات وعَرَضٌ ، ينتزع من اتّصاف الذات بالعَرَض عنوان العالم
والقادر . فالعالم من له العلم ، والقادر من له القدرة ، لا مَنْ ذاته نفسهما ،
فيجب أنْ نفترض ذاتاً غير الوصف.
يلاحظ عليه : بأنَّه لم يدل دليل على أنّ الصفة يجب أنْ تكون مغايرة
للموصوف ، وإنّما هو أمرٌ سائد في الممكنات ، فإنَّ العلم في الإنسان ليس
ذاته ، بشهادة أنَّه قد كان ، ولم يكن عالماً ، ولكن يمكن أن تبلغ الذات في
الكمال والجمال مرتبة تكون نَفْسَ العلم ونَفْسَ القدرة من دون أن يكون العلم
أو القدرة زائدين عليها . والقول بأنَّ واقعية الصفة مغايرتُها للموصوف ما
هو إلاّ نتيجة ما اعتدنا عليه من ممارسة الممكنات العالمة والأُنس بها ؛ فإنَّ
الصفة فيها عرَضٌ والموصوف معروض ، والعَرَضُ غير المعروض ، ولكن لا
غرو في أن يكون هناك علم قائم بالذات ، وقدرة قائمة بنفسها من دون أن
تكون عَرَضاً . نعم ، تصور ذلك لمن يمارس الأُمور الممكنة ، ولا يجرّد نفسه
عن هذا المضيق أمرٌ مشكل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اللمع : ص 30.
________________________________________
(37)
وعلى ذلك فالعلم عَرَضٌ في بعض مراتبه ، وغيره في المراتب العليا ،
ومثله القدرة . وكون لفظ العالم موضوعاً لمن يكون علمه غير ذاته لا يكون
دليلاً على أنَّه سبحانه كذلك . فإذا قام الدليل على عينية صفاته لذاته كان
إطلاق العالِم عليه سبحانه بمِلاك غير إطلاقه على الممكنات.
الوجه الثاني: لو كان علمه سبحانه عين ذاته ، لصح أنْ نقول: « يا
علم الله اغفر لي وارحمني» (1).
ويلاحظ عليه: إنَّ الشيخ لم يشخّص محل البحث ، فإنَّ القائل بالوحدة
لا يقول بوحدة الذات والصفة مفهوماً ؛ فإنَّ ذلك باطل بالضرورة ، فإن ما يفهم
من « لفظ الجلالة » غير ما يفهم من لفظ «العالم» ، وإنكار ذلك إنكار
للبداهة ، بل القائل بالوحدة يقصد منها اتحاد واقعية العلم وواقعية ذاته ، وأنَّ
وجوداً واحداً مع بساطته ووحدته ، مصداق لكلا المفهومين ، وليس ما يقابل
لفظ الجلالة في الخارج مغايراً لما يقابل لفظ « العالم » . وإنَّ ساحة الحق
جلّ وعلا منزّهة عن فقد أية صفة كمالية في مرتبة الذات ، بل وجوده البحت
البسيط ، نفس النعوت والأوصاف الكمالية ، غير أنّها مع الذات متكثرة في
المفهوم ، وواحدة بالهُوِيَّة والوجود.
وعلى كل تقدير فيرد على الأشعري أنَّ القول بالزيادة يستلزم القول
بتعدد القدماء بعدد الأوصاف الذاتية . فإذا كان المجوس قائلين بقديمين ،
والنصارى بثلاثة ، فالقول بالزيادة لازمه القول بقدماء ثمانية ، أفهل يصح في
منطق العقل الالتزام بذلك لأجل أنّ المتبادر من صيغة الفاعل زيادة المبدأ
على الذات؟.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإبانة: ص 108.
التعلیقات