السنّة النبويّة والأئمّة الإثنا عشر
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةالسنّة النبويّة والأئمّة الإثنا عشر
إنّ النبي الأكرم لم يكتف بتنصيب عليّ منصب الإمامة والخلافة ، كما لم يكتف بإرجاع الأمّة الإسلاميّة إلى أهل بيته وعترته الطاهرة ، ولم يقتصر على تشبيههم بسفينة نوح ، بل قام ببيان عدد الأئمّة الذين يتولّون الخلافة بعده ، واحداً بعد واحد ، حتّى لا يبقى لمرتاب ريب ، ولا لشاكّ شكّ ، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد بصُوَر مختلفة نشير إليها.
1 ـ كلّهم من قريش
روى البخاري عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي يقول :
« يكون إثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلُّهم من قُرَيْش » (1).
2 ـ لا يزال الإسلام عزيزاً
روى مسلم عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقول :
« لا يزال الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة ، ثمّ قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش » (2).
3 ـ لا يزال الدين عزيزاً منيعاً
وروى أيضاً عن جابر سمرة قال ، انطلقت إلى رسول الله ومعي أبي فسمعته يقول :
لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة ، فقال كلمة صمّنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش (3).
4 ـ لا يزال الدين قائماً
وروى أيضاً عنه ، قال : سمعت رسول الله يوم جمعة عَشية رجم الأسلمي ، يقول : لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش (4).
5 ـ لا يزال الدين ظاهراً
روى أحمد في مسنده ، عن جابر قال سمعت رسول الله يقول في حجّة الوداع : إنّ هذا الدين لن ظاهراً على ناواه ، لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتّى يمضي من أُمّتي إثنا عشر خليفة. ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما قال : قال : كلّهم من قريش (5).
6 ـ لا يزال هذا الأمر صالحاً
روى أحمد في مسنده عن جابر عن سمرة قال : جئت أنا وأبي إلى النبي ، وهو يقول : لا يزال هذا الأمر صالحاً ، حتّى يكون إثنا عشر أميراً ، ثمّ قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش (6).
7 ـ لا يزال الناس بخير
وروى أيضاً عنه قال : كنت مع أبي عند رسول الله ، فقال رسول الله : لا يزال هذا الدين عزيزاً ، أو قال : لا يزال الناس بخير ـ شكّ أبو عبد الصمد ـ إلى إثني عشر خليفة ، ثمّ قال كلمة خفيّة ، فقلت لأبي ، ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش (7).
فَهَلُمّ الآن إلى البحث عن هؤلاء الخلفاء الإثني عشر ، حتّى نعرف من هم وقد وقفت على أنّ الرسول الأكرم قد عرفهم بالخصوصيّات التالية :
ـ لا يزال الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة.
ـ لا يزال الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة.
ـ لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة.
ـ لا يزال الدين ظاهراً على من ناواه ... حتّى يمضي من أمّتي إثنا عشر خليفة.
ـ لا يزال الدين هذا الأمر صالحاً حتّى يكون إثنا عشر أميراً.
ـ لا يزال الناس بخير إلى إثني عشر خليفة.
وقد اختلفت كلمة شراح الحديث في تعيين هؤلاء الأئمّة ، ولا تجد بينها كلمة تشفي العليل ، وتروي الغليل ، إلّا ما نقله القندوزي عن بعض المحقّقين ، قال :
« إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده إثني عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان ، وتعريف الكون والمكان ، علم أنّ مراد رسول الله من حديثه هذا ، الأئمّة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه ، لقلّتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين لزيادتهم على الإثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز ، ولكونه غير بني هاشم لأنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : كلّهم من بني هاشم ، في رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوته في هذا القول يرجّح هذه الرواية ، لأنّهم لا يُحَسِّنون خلافة بني هاشم ، ولا يمكن أن يحمل على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلّة رعايتهم قوله سبحانه : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ، وحديث الكساء ، فلابدّ من أن يُحمل على الأئمّة الاثني عشر من أهل بيته وعترته ، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم ، وأجَلِّهم ، وأوُرَعَهم ، وأتْقاهم ، وأعلاهُم نَسَباً ، وأفضَلَهم حَسَباً ، أَكْرَمَهِم عند الله ، وكانت عُلُومهم عن آبائهم متّصلة بجدّهم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وبالوراثة اللَّدُنيَّة ، كذا عَرَّفهم أهلُ العلم والتحقيق ، وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيّد هذا المعنى ، أيّ أن مراد النبي الأئمّة الإثني عشر من أهل بيته ، ويشهد عليه ويرجّحه حديث الثقلين والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها.
وأمّا قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : كلُّهم يجتمع عليه الأمّة ، في رواية جابر بن سمرة ، فمراده أنّ الأُمّة تجتمع على الإقرار بإمامة كلّهم وقت ظهور قائمهم المهدي » (8).
والعجب من بعض المتعصبين حُمْلَهُ على خلفاء بني أميّة من بعد الصحابة ، قال : « وليس الحديث وارداً على المدح ، بل على استقامة السلطنة ، وهم يزيد بن معاوية ، وابنه معاوية ، ولا يدخل عبد الله بن الزبير لأنّه من الصحابة ، ولا مروان بن الحكم لكونه بويع بعد ابن الزبير ، فكان غاصباً ، ثمّ عبد الملك ، ثمّ الوليد ، إلى مروان بن محمّد » (9).
و هذا لعمري رمي للقول على عواهنه ، فمن أين علم أنّه إشارة إلى إمارة غير الصحابة ، مع أنّه قال : يكون بعدي. ثمّ ما فائدة هذا الإخبار وما حاصله ؟.
أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأكرم أناط عزّة الإسلام ، ومنعته ، وقوام الدين وصلاح الأمّة ، بخلافة هؤلاء. وهل كان في خلافتهم هذه الآثار ، أو الذي كان هو ما يضادّها ؟ فكيف يمكن عمل هذه البشائر التي صدرت على سبيل المدح ، على مثل يزيد بن معاوية قاتل الإمام الطاهر ، والفاسق المعلن بالمنكرات والكفر ، والمتمثل بأشعار ابن الزّبعرى المعروفة (10). وموبقات هذا الرجل من استباحة دم الصحابة ، والتابعين ثلاثة أيام (11) ، وغير ذلك ، ممّا لا يحصى. وكيف يعدّ وليد بن يزيد بن عبد الملك من خلفاء رسول الله الذين يعتزّ بهم الدين ؟.
فتح الوليد المصحف ذات يوم وقرأ قوله تعالى : ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ ) (12) ، فدعى بالمصحف ، فنصبه غرضاً للنشاب ، وأقبل يرميه وهو يقول:
تهدّدني بجبار عنيد |
فها أنا ذاك جبّار عنيد |
|
إذا ما جئت ربّك يوم حشر |
فقل ياربّ مزّقني الوليد |
وذكر محمّد بن يزيد المبرَّد النحوي أنّ الوليد ألحد في شعر له ذكر ليه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وأنّ الوحي لم يأته من ربَّه. كذب أخزاه الله من ذلك الشعر :
تَلَعَّبَ بالخلافة هاشمي |
بلاَ وحي أتاه ولا كتاب |
|
فقل لله يمنعني طعامي |
وقُلْ لله يمنعني شرابي |
فلم يُمهل بعد قوله هذا إلّا أياماً حتى قتل (13).
والإنسان الحرّ الفارغ عن كل رأي مسبق ، لو أمعن النظر في هذه الأحاديث وأمعن في تاريخ الأئمّة الإثني عشر من ولد الرسول ، يقف على أنّ هذه الأحاديث لا تروم غيرهم ، فإنّ بعضها يدلّ على أنّ الإسلام لا ينقرض ولا ينقضي حتى يمضي في المسلمين إثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ، وبعضها يدلّ على أنّ عزّة الإسلام إنّما تكون إلى إثني عشر خليفة ، وبعضها يدلّ على أنّ الدين قائم إلى قيام الساعة ، وإلى ظهور إثني عشر خليفة ، وغير ذلك من العناوين.
وهذه الخصوصيّات لا توجد في الأمّة الإسلاميّة إلّا في الأئمّة الإثني عشر المعروفين عند الفريقين ، خصوصاً ما يدلّ على أن وجود الأئمّة مستمر إلى آخر الدهر ، ومن المعلوم أنّ آخر الأئمّة هو المهدي المنتظر ، الذي يعدّ ظهوره من أشراط الساعة.
ولو أضفنا إلى هذا ، الروايات الكثيرة الواردة في الأئمّة الإثني عشر ، يقطع الإنسان بأنّه ليس المراد إلّا هؤلاء الذين اعترف بفضلهم ، وورعهم ، تُقاهم ، وعلمهم ، ووعيهم ، وحلمهم ، وصبرهم ، ودرايتهم ، وكفايتهم ، الداني والقاصي ، والصديق والعدو ، ألا وهم :
علي بن أبي طالب ، فالحسن بن علي ، فالحسين بن علي ، فعلي بن الحسين ، فمحمّد بن علي ، فجعفر بن محمّد ، فموسى بن جعفر ، فعلي بن موسى ، فمحمّد بن علي ، فعلي بن محمّد ، فالحسن بن علي ، فمحمّد بن الحسن العسكري ، المهدي المنتظر الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً (14) ، صلوات الله وتحيّاته وسلامه عليهم أجمعين.
وقد تضافرت النصوص في تنصيص الإمام السابق على الإمام اللاحق ، فمن أراد الوقوف على هذه النصوص ، فعليه الرجوع إلى الكتب المعدّة لإمامة الأئمّة الإثني عشر (15).
الهوامش
1. صحيح البخاري ، ج 9 ، باب الإستخلاف ، ص 81. ورواه ناقصاً كما يظهر ممّا نقله مسلم وغيره ، رواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 90 ، وص 92 ، وص 95 ، وص 108.
2. صحيح مسلم ، ج 6 ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ، ص 3. وروى هذا المضمون تارة عن سماك بن حزب عن جابر ، وأخرى عن الشعبي عن جابر. ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 90 ، و 98 ، وفيه فكبّر الناس وضجّوا.
3. المصدر السابق من صحيح مسلم ، ومسند أحمد ، ج 5 ، ص 98. وفيه: « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ينصرون على من ناواهم عليه ».
4. المصدر نفسه. ومسند أحمد ، ج 5 ، ص 86 ، ص 89 ، وفي ص 92 : « لا يزال الدين قائماً يقاتل عليه عصابة حتّى تقوم الساعة ». وص 98 ، وفيها « عصابة من المسلمين ».
5. مسنده أحمد ، ج 5 ، ص 78 و ص 90. ولاحظ المستدرك ، ج 3 ، ص 618 وفيه : « لا يزال أمر هذه الأمّة ظاهراً ».
6. مسند أحمد ، ج 5 ، ص 97 و ص 107 ولاحظ المستدرك ، ج 3 ، ص 618.
7. مسند أحمد ، ج 5 ، ص 98.
8. ينابيع المودة ، للشيخ سليمان المعروف بالبلخي القندوزي ، ص 446 ، ط اسطنبول عام 1301.
9. منتخب الأثر ، ص 16 ، نقلاً عن حواشي صحيح الترمذي.
10.
ليت أشياخي ببدر شهدوا |
وقع الخزرج من وقع الأسل |
إلى آخر الأبيات وفيها :
لعبت هاشم بالملك فلا |
خبر جاء ولا وحي نزل |
البداية والنهاية ، لابن الأثير ، ج 8 ، ص 142. ط دار الفكر ـ بيروت ، وتذكرة الخواص ، لابن الجوزي ، ص 235 ، ط بيروت 1401 ـ 1981.
11. لاحظ تاريخ الطبري ، حوادث سنة 63 ، ص 370 ـ 381.
12. سورة إبراهيم : الآيتان 15 و16.
13. مروج الذهب ، ج 3 ، ص 216.
14. سيوافيك الكلام في الإمام المنتظر ، وأحاديثه في السنّة النبويّة ، وطول عمره ، وعلائم ظهوره ، وغير ذلك ممّا يرجع إليه.
15. لاحظ الكافي ، ج 1 ، كتاب الحجّة ، وأجمع كتاب في هذا الموضوع هو كتاب « إثبات الهداة » للشيخ الحرّ العاملي وقد جمع فيه النصوص المتضافرة على إمامة كلّ واحد من الأئمّة الإثني عشر.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 109 ـ 115
التعلیقات