في نبوّة شعيب عليه السّلام
قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي
منذ سنتين( في نبوّة شعيب عليه السّلام )
153 ـ أخبرنا السيّد ذو الفقار بين معبد الحسيني ، عن الشّيخ أبي جعفر الطّوسي ، عن الشّيخ المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن الحسين السّعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام ، عن سعد الإِسكافي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إنّ أوّل من عمل المكيال والميزان شعيب النّبي عليه السّلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثمّ إنّهم بعد طفّفوا في المكيال وبخسوا في الميزان « فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ » فعذّبوا بها « فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ » (1).
154 ـ وبهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن يحيى بن زكريّا ، عن سهل بن سعيد ، قال : بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئراً في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة ، ثمّ بدت لنا جمجمة رجل طويل ، فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عظيمة عليه ثياب بيض ، وإذا كفّه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه ، فكنّا إذا نجّينا يده عن رأسه سالت الدّماء ، وإذا تركناها عادت فسدّت الجرح ، وإذا في ثوبه مكتوب : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السّلام إلى قومه (2) فضربوني وأضرّوا بي طرحوني في هذا الجبّ وهالوا عليَّ التّراب فكتبنا إلى هشام بما رأيناه فكتب : أعيدوا عليه التّراب كما كان واحتفروا في مكان آخر (3).
155 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه إبراهيم بن هشام ، عن عليّ بن معبد ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن يحيى بن بشير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي عليه السّلام ، فأشخصه إلى الشّام ، فلمّا دخل عليه قال له : يا أبا جعفر إنّما بعثت إليك لاسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلّا رجل واحد ، فقال له أبي : يسألني أمير المؤمنين عمّا أحبّ ، فان علمت أجبتهُ ، وإن لم أعلم قلت : لا أدري وكان الصّدق أولى بي.
فقال هشام : أخبرني عن اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ، بما استدلّ الغائب (4) عن المصر الّذي قتل فيه على ذلك ؟ وما كانت العلامة فيه للنّاس ؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة ؟ فقال له أبي : إنّه لمّا كانت اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الارض حجرٌ إلّا وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي فقد فيها هارون أخو موسى عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.
فتربّد (5) وجه هشام ، وامتقع (6) لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على النّاس الطّاعة لامامهم والصّدق له بالنّصيحة ، وأنّ الّذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطّاعة ، فليحسن ظنّ أمير المؤمنين فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألّا ترفع هذا الحديث إلى أحدٍ ما حييت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضٰاه.
ثمّ قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجّهاً من الشّام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريداً وكتب معه إلى جميع عمّاله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيءٍ من مدينتهم ، ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشّام حتّى ينفذ الى الحجاز ، فلمّا انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاهم بعضهم فأخبرهم أنّ زادهم قد نفد ، وأنّهم قد منعوا من السّوق ، وأنّ باب المدينة اُغلق.
فقال : أبي : فعلوها ؟ ائتوني بوضوءٍ فأتى بماءٍ فتوضّأ ، ثم توكّأ على غلام له ، ثمّ صعد الجبل حتّى إذا صار في ثنيّةٍ استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ، فقام وأشرف على المدينة ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وقال : « وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » (7) ثمّ وضع يده على صدره ، ثم نادى بأعلى صوته أنا والله بقيّة الله ، أنا والله بقيّة الله. قال : وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السّن وأدبته التّجارب ، وقد قرأ الكتب ، وعرفه أهل مدين بالصّلاح ، فلمّا سمع النّداء قال لأهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع النّاس إليه ، فقال لهم : ما هذا الّذي سمعته من فوق الجبل ، قالوا : هذا رجل يطلب السّوق فمنعه السّلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشّيخ : تطيعونني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، قال : قوم صالح إنّما ولي عقر النّاقة منهم رجل واحد ، وعُذّبوا جميعاً على الرّضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام شعيب ، ونادى مثل ندآء شعيب صلوات الله عليه ، وهذا رجل ما بعده ، فارفضوا السّلطان وأطيعوني وأخرجوا إليه بالسّوق فاقضوا حاجته ، وإلّا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السّوق إلى أبي ، فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه ، وبخبر الشّيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشّيخ إليه ، فمات في الطّريق رضي الله عنه (8).
156 ـ أخبرنا السّيد عليّ بن أبي طالب السّليقي (9) ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبٰان ، عن محّمد بن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد رفعه إلى علي عليه السّلام قال : قيل له يا أمير المؤمنين : حدّثنا قال : إنّ شعيباً النّبيّ صلوات الله عليه دعا قومه إلى الله حتّى كبر سنّه ورق عظمه ، ثمّ غاب عنهم ما شاء الله ، ثمّ عاد إليهم شابّاً فدعاهم إلى الله ، فقالوا : ما صدّقناك شيخاً ، فكيف نصدّقك شابّاً ؟ وكان عليّ عليه السّلام يكرّر عليهم الحديث مراراً كثيرة (10).
157 ـ وبهذا الإسناد عن ابن أورمة ، عمّن ذكره ، عن علا ، عن فضيل بن يسار قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : لم يبعث الله عزّ وجلّ من العرب إلّا خمسة أنبيآء : هوداً ، وصالحاً ، وإسماعيل ، وشعيباً ، ومحمّداً خاتم النبييّن صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكاء (11).
158 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن عمران ابن خالد ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدّثنا عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة (12) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : إنّ الله تعالى بعث شعيباً إلى قومه ، وكان لهم ملك فأصابه منهم بلاءٌ ، فلمّا رآى الملك أنّ القوم قد خصبوا أرسل إلى عمّاله ، فحسبوا على النّاس الطّعام ، وأغلوا أسعارهم ، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا النّاس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربّهم ، فكانوا مفسدين في الأرض ، فلمّا رآى ذلك شعيب صلوات الله عليه قال لهم : « لا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أرايكم بخير وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط » فأرسل الملك إليه بالانكار.
فقال شعيب : إنّي منهيّ في كتاب الله تعالى والوحي الّذي أوحى الله إلي به : أنّ الملك إذا كان بمنزلتك الّتي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته ، فلمّا سمع الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليه سحابة فاظلّتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم السّموم وفي طريقهم الشّمس الحارّة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السّحابة الّتي قد أظلّتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعاً كلّهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكيال والميزان ولا يبخسون النّاس أشياءهم فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة ، ثمّ أرسل على أهل القرية من تلك السّحابة عذاباً وناراً فأهلكتهم ، وعاش شعيب صلوات الله عليه مائتين واثنين وأربعين سنة (13).
159 ـ وعن ابن بابويه حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السّمرقندي حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه (14) عن وهب بن منبّه اليماني ، قال : إنّ شعيباً وأيّوب صلوات الله عليهما وبلعم بن باعورا كانوا من ولد رهطٍ آمنوا لإِبراهيم يوم أحرق فنجا ، وهاجروا معه إلى الشّام ، فزوّجهم بنات لوط ، فكلّ نبيّ كان قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل اولئك الرّهط ، فبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته الّتي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الامم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.
وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسوا النّاس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطّعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول فيما صنعت أراض أم أنت ساخط ؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : « نُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا ».
فزادهم شعيب في الوعظ (15) ، فقالوا : يا شعيب : « أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ » فآذوه بالنّفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة لهم ، وهو قوله تعالى : « وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ » فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم ناراً منها فاحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : « فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ».
وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والّذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا.
والرّواية الصّحيحة : أنّ شعيباً عليه السّلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى ابن عمران صلوات الله عليهما (16).
الهوامش
1. بحار الانوار (12 / 382) ، برقم : (6) والآية في سورة الاعراف : (78).
2. في البحار : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله الى قومه.
3. بحار النوار (12 / 383) ، برقم : (7).
4. في جميع النّسخ : الكاتب عن المصر الّذي قتل فيه عليّ. وهي ناقصة حتّى نسخة البحار والصّحيح ما وضعناه في المتن اكتمالاً عن نسخة إثبات الهداة.
5. تربّد وجه فلان : تغيّر من الغضب.
6. أي : تغيّر من حزن أو فزع.
7. سورة هود : (84 ـ 86).
8. بحار الانوار (46 / 315 ـ 317) ، برقم : (3) ، وجائت قطعات من الحديث في (13 / 368) ، برقم : (12) و (14 / 336) ، برقم : (4) و (42 / 302) ، وأورد قسماً منه في إثبات الهداة (2 / 464) من الباب (11) الفصل (21) برقم : (213).
9. كذا في ق 3 وأعيان الشّيعة : وفي ق 1 : الصّيقلي ، وفي ق 2 وق 4 وق 5 : السّيقلي وفي الرّياض (2 / 427) و (437) : السّليقي والسّيلقي.
10. بحار الانوار (12 / 385) ، برقم : (10).
11. بحار الانوار (11 / 42) ، برقم : (44) ، وراجع (12 / 385) ، برقم : (11).
12. كذا في ق 1 وق 2 والبحار ، وفي ق 3 وق 5 : علي بن خذيمة.
13. بحار الانوار (12 / 386 ـ 387) ، برقم : (13).
14. الزيادة من العلل فقط.
15. في ق 1 وق 5 : الوعد.
16. بحار الانوار (12 / 384 ـ 385) ، برقم : (9).
مقتبس من كتاب : [ قصص الأنبياء ] / الصفحة : 142 ـ 147
التعلیقات