حديث بدء الدعوة
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةحديث بدء الدعوة
أخرج الطبري وغيره ، بسنده ، عن علي بن أبي طالب ، أنّه لما نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (1) دعاني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وقال لي : يا عليّ ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر ، أرى منهم ما أكره ، فَصَمَدتُ عليه حتّى جاءني جبرئيل ، فقال ، يا محمّد ، إنّك إن لا تفعل ما تؤمر به ، يعذّبك ربّك ، فاصنع ـ يا علي ـ لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، وأملأ لنا عسا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه ... ـ إلى أن قال : ـ فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ قال ـ النبي ـ : أسقهم. فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثمّ تكلّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فقال : يا بني عبد المطلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب ، جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه.
وفي رواية أخرى قال ذلك القول ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول : إجلس (2).
ودلالة الحديث على الخلافة لعلي والوصاية له ، لا تحتاج إلى بيان ، وهذا إن دَلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ النبوّة والإمامة كانتا متعاقدتين بعقد واحد ، تتجلّيان معاً ، ولا تتخلفان.
كتمان الحقائق
إنّ من العجب أنّ أناساً يدّعون أنّهم حفظة الحديث وعيبة آثار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، كتموا الحقائق وارتكبوا جنايات في نقل الآثار ، وإليك نبذة من هؤلاء.
1 ـ رأينا أنّ الطّبري في تاريخه ، نقل قول النبي على الوجه التالي :
ـ « فأيّكم يوازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ». كما نقل قوله الآخر :
ـ « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ».
و لكنّه في تفسيره ، لم يعجبه نقل الحقيقة ، لمخالفتها لما يبطنه من العقيدة ، فقال مكان الجملتين : « فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي وكذا وكذا ».
ـ « إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوه » (3).
2 ـ إنّ الحافظ أبا الفداء ابن كثير [ م 774 هـ ] ، ذكر الحديث في تاريخه ، على منوال تاريخ الطبري ، ولكن لم يعجبه نقله من تاريخه ، واعتمد على التفسير الذي كنى عن نصّ رسول الله بالوصاية والخلافة لعلي (4).
3 ـ إنّ محمّد حسين هيكل ، كتب ما هو خزاية فاضحة في مجال الحديث ، فإنّه كتب الجملة الأولى أعني قول النبي الأكرم : « فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ». وترك من رأس الجملة الثانية التي قالها النبي لعلي.
ولكن هذا المقدار من الإعتراف بالحقيقة ، لم يعجب القشريين من الأزهريين ، فوقع موقع النقد منهم ، وأسقط في الطبعة الثانية من الكتاب كلّ ما يرجع إلى عليّ ـ عليه السَّلام ـ ، دفعاً لأمواج اللوم والعتاب (5).
الهوامش
1. سورة الشعراء : الآية 214.
2. تاريخ الطبري ، ج 63 ـ 64. ورجال السند كلّهم ثقات إلّا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم ، فقد ضَعّفه القوم ، ليس ذلك إلّا لتشيّعه ، فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه ، وبالغ في مدحه ، كما في لسان الميزان ، ج 4 ، ص 43 وأسند إليه.
وأخرجه بهذا اللفظ أبو جعفر الإسكافي المتكلّم المعتزلي البغدادي ، في كتابه نقض العثمانيّة ، على ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 13 ، ص 244 ، وقال : « إنّه روي في الخبر الصحيح » ، وابن الاثير في الكامل ، ج 2 ، ص 24 ، وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي ، في تاريخه : ج 3 ، ص 40. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ، ص 390. وغيرهم من الحفّاظ وأساتذة الحديث وأئمّة الأثر ، والمراجع في الجرح والتعديل ، ولم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في أسناده.
على أنّه أخرجه الإمام أحمد في مسنده في غير مورد ، فرواه في الجزء الأوّل ، ص 159 عن عفان عن أبي عوانة عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجز ، ورجال السند كلُّهم ثقات. كما أخرجه في الجزء الأوّل ، ص 111 ، بسند رجاله كلُّهم من رجال الصحاح بلا كلام ، وهم شريك ، والعمش ، والمنهال ، وعباد.
وللحديث صور مختلفة رواها عدّة من الحفاظ ، فمن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى المصادر التالية : الغدير ، ج 2 ، ص 278 ـ 289. غاية المَرام ، للسيّد البحراني ، المقصد الثاني ، الباب 15 و 16. وتعاليق إحقاق الحقّ ، ج 4 ، ص 66 ـ 70. والمراجعات ، المراجعة 20 ، والمراجعة 22 ، وقد تكلّم في إسناد الحديث في المتن وتعاليقه بما لا يدع للمريب شكّاً.
3. تفسير الطبري ، ج 19 ، ص 75.
4. البداية والنهاية ، الجزء الثالث من المجلّد الثاني ، ص 40.
5. حياة محمّد ، الطبعة الثانية ، سنة 1354 ، ص 139. وعلى هذه الطبعة جاءت الطبعات اللاحقة ، ونسخت الطبعة الأولى وكأنّ الأستاذ لم يكتبها.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 76 ـ 79
التعلیقات