الرجعة
الرجعة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 289 ـ 291
(289)
مباحث المعاد
(11)
الرجعة
قضية الرجعة التّي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن
أهل بيت الرسالة ، ممّا تعتقد به الشيعة من بين الأُمة الإسلامية ، وليس هذا بمعنى
أنّ مبدأ الرجعة يُعدّ واحداً من أصول الدين ، وفي مرتبة الاعتقاد باللّه وتوحيده ،
والنبوة والمعاد بل إنّها تُعدّ من المسلّمات القطعية ، وشأنها في ذلك شأن كثير من
القضايا الفقهية والتاريخية التّي لا سبيل إلى إنكارها . مثلاً اتّفقت كلمة الفقهاء
على حرمة مسّ النساء في المحيض ، بنص الكتاب العزيز يقول تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ } (1).
ودلّت الوثائق التاريخية على أنّ معركة بدر وقعت في السنة الثانية للهجرة ،
فالأُولى قطعية فقهية ، والثانية قطعية تاريخية ، ولكن لا يعدان من أصول العقائد
الإسلامية ، وشأن الرجعة في هذا المجال شأنهما.
إذا عرفتَ ذلك نقول : الرجعة في اللّغة ترادف العودة ، وتطلق اصطلاحاً
على عودة الحياة إلى مجموعة من الأموات بعد النهضة العالمية للإمام المهدي ـ عليه
السَّلام ـ ، وهذه العودة تتم بالطبع قبل حلول يوم القيامة ، وطبقاً لهذا المبدأ ،
فالحديث عن العودة ، يُعدّ من أشراط القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة البقرة : الآية 222 .
________________________________________
(290)
وعلى ضوء ذلك ، فظهور الإمام المهدي ـ عليه السَّلام ـ شيءٌ ، وعودة الحياة
إلى مجموعة من الأموات شيء آخر ، كما أنّ البعث يوم القيامة أمر ثالث ، فيجب
تمييزها وعدم الخلط بينها.
قال الشيخ المفيد : « إنّ اللّه تعالى يحشر قوماً من أُمة محمّد ـ صلى الله عليه
وآله وسلم ـ ، بعد موتهم ، قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمّد ( صلوات
اللّه عليه وعليهم ) ، والقرآن شاهد به » (1).
و قال المرتضى متحدثاً عن الرجعة عند الشيعة : « اعلم أنّ الّذي تذهب
الشيعة الإمامية إليه ، أنّ اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان ، المهدى ـ عليه
السَّلام ـ ، قوماً ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ،
و مشاهدة دولته ، و يعيد أيضاً من أعدائه لينتقم منهم ، فيلتذوا بما يشاهدون
من ظهور الحق ، وعلو كلمة أهله » (2).
و قال العلامة المجلسي : « والرجعة إنّما هي لممحضي الإيمان من أهل الملّة ،
وممحضي النفاق منهم ، دون من سلف من الأُمم الخالية » (3).
فالاعتقاد بالرجعة من الأُمور القطعية المسلّم بها ، والروايات الكثيرة الواردة
عن الأئمة المعصومين لا تُبقي أي مجال للشك في وقوعها.
يقول العلامة المجلسي : « كيف يشك مؤمن بحقيّة الأئمة الأطهار فيما تواتر
عنهم فيما يقرب من مائتي حديث صريح ، رواها نيّف وثلاثون من الثقات
العظام ، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الإسلام الكليني والصدوق
و... » (4).
و قد وصف الشيخ الحرّ العاملي الروايات المتعلّقة بالرجعة بأنّها أكثر من أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - بحار الأنوار : ج 53 ، ص 136 ، نقلا عن المسائل السروية ، للشيخ المفيد.
(2) - المصدر السابق نفسه : نقلاً عن رسالة كتبها السيّد المرتضى جواباً على أسئلة أهل الريّ.
(3) - المصدر السابق نفسه : و قد نقل أقوال علماء الشيعة ونصوصهم في هذا الجزء من بحاره ، فمَن أراد
زيادة الاطلاع ، فليرجع إليه : ص 22 ـ 144 .
(4) - المصدر السابق.
________________________________________
(291)
تعد وتحصى ، وأنّها متواترة معنى (1).
هذه بعض كلمات كبار علماء الشيعة و محدثيهم حول الرجعة ، ويقع الكلام
في مقامين
الأوّل : إمكان الرجعة.
الثاني : الدليل على وقوعها في هذه الأُمة.
* * *
التعلیقات