الخلفاء الراشدون
محمّد گوزل الحسن الآمدي
منذ 4 سنواتالخلفاء الراشدون
قد تقدّم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « تركت فيكم الثقلين » وقال : « تركت فيكم الخليفتين » وقال : « لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما » ، وعلّمنا أنّ أحدهما كتاب الله والآخر أهل بيته ، وفي النصوص الآتية يبين لنا مراده من الخليفة الثاني ومن هم الخلفاء الذين أوجب علينا اتّباعهم والاهتداء بهداهم.
وقد روى محدثو أهل السنّة والجماعة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثاً ، جاء فيه : « فعليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين فتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ ، وإيّاكم ومحدثات الأمور ، فانّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة » أخرجه أحمد وابن أبي عاصم والدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم (1).
وتعداد هؤلاء الخلفاء الراشدين اثنا عشر ، كما بينه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في النصوص الآتية ، وذكر أسماءهم كما جاء في بعضها.
أخرج أبو عوانة ومسلم والطبراني من طريق حصين عن جابر بن سمرة ـ واللفظ لمسلم ـ قال : دخلت مع أبي على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمعته يقول : « إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة » ، ثم تكلّم بكلام خفي علي ، قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
وفي لفظ لأبي عوانة : « لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يقوم اثنا عشر خليفة » ، ثم تكلّم بشيء لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش » (2).
وأخرج أبو عوانة وأحمد بن حنبل ومسلم والطبراني من طريق عامر بن سعد عن جابر أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ».
وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3).
وأخرج أبو عوانة وأحمد بن حنبل ومسلم والطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن جابر قال سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، كلّهم من قريش » ، وفي رواية : « كلّهم من بني هاشم » (4).
وأخرج البخاري وأحمد والبغوي والبيهقي والطبراني من طريق عبد الملك بن عمير ، وأحمد وأبو عوانة والترمذي والطبراني بعدة أسانيد من طريق سماك بن حرب ، وأبو عوانة والطبراني من طريق زهير عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين بن عبد الرحمن ، وأبو عوانة من طريق أبي خيثمة عن الثلاثة ، وأبو عوانة والطبراني من طريق أبي بكر بن أبي موسى ، وابن عدي والخطيب من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « يكون من بعدي اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش ».
وأخرجه الترمذي من طريق أبي بكر بن أبي موسى عن جابر ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب يستغرب من حديث أبي بكر بن أبي موسى عن جابر بن سمرة ، وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو (5).
وأخرج أحمد وابن حبّان ومسلم وأبو عوانة والطبراني من طريق سماك ابن حرب ، وأبو عوانة من طريق عبد الملك عن جابر بن سمرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لا يزال الاسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ، فقال كلمة لم أفهمها ، قال : قلت لأبي : ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش » (6).
وأخرج أحمد بن حنبل وأبو عوانة والطبراني ومسلم ونعيم بن حماد وأبو نعيم والحاكم وابن حبّان من طريق الشعبي وأحمد من طريق عبد الملك بن عمير عن جابر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة » ، فقال كلمة صَمَّنِيها الناس ، فقلت لأبي ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
والمذكور كان لفظ مسلم ، وأخرجه كلّ من أحمد وأبوعوانة والطبراني بأسانيد متعددة وألفاظٍ متفاوتة.
وفي لفظ آخر لمسلم من طريقه : « لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ، قال : ثم تكلّم بشيء لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
وفي لفظ لأحمد من طريقه عن جابر قال : سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « يكون لهذه الأمّة اثنا عشر خليفة » (7).
وأخرج أبو عوانة وأبو داود وابن أبي عاصم والبيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم تجتمع عليه الأمّة ».
قال الألباني : وهذا سندٌ ضعيف رجاله كلّهم ثقات غير أبي خالد هذا ـ هو الأحمسي ـ قال الذهبي : ما روى عنه سوى ولده ، وقد صحّح له الترمذي ...
ثم قال : قلت : وقد تفرد بهذا الجملة : « كلهم تجتمع عليه الأمة » ، فهي منكرة وإن سكت عليها الحافظ في الفتح. انتهى.
وأخرجه الطبراني بعدّة أسانيد من طريقه وساق الحديث .. إلى أن قال : قال إسماعيل : أظنّ أن أبي قال : كلهم تجتمع عليه الأمة.
وأخرج أبوعوانة من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه قال سمعت جابر يقول : « اثنا عشر خليفة » فسمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كلمةً لم أفهمها ، قلت لأبي : ما يقول ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
وأخرجه الطبراني من طريق فطر عن أبي خالد عن جابر يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا يضر هذا الدين من ناواه حتى يقوم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ».
وأخرج أحمد من طريق أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا يزال هذا الأمر مؤاتى ـ أو مقارباً ـ حتى يقوم إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش » (8).
وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود وابن حبّان والبغوي والطبراني من طريق الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ».
وفي لفظ للطبراني والبيهقي : « لا تزال هذه الأمة مستقيماً أمرها ظاهرة على عدوّها حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش » (9).
وأخرج أبوداود من طريق عامر عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ، قال : فكبر الناس وضجّوا ، ثم قال كلمة خفيّة ، قلت لأبي : يا أبتي ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
وفي لفظ أحمد : « لا يزال الدين قائماً حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش » (10).
وأخرج أحمد بأسانيد متعددة وألفاظ متقاربة من طريق عامر عن جابر أنه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في حجّة الوداع : « إنّ هذا الدين لن يزال ظاهراً على من ناواه ، لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة ... » (11).
وأخرج أبو عوانة والطبراني من طريق عبيد الله بن عبّاد عن جابر بن سمرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لا يزال الإسلام ظاهراً حتى يكون اثنا عشر أميراً ـ أو خليفة ـ كلّهم من قريش » (12).
وأخرج الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جابر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا تزال أمّتي على الحقّ ظاهرين حتّى يقوم عليهم اثنا عشر أميراً ، كلّهم من قريش » (13).
وأخرج الطبراني من طريق النضر بن صالح عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخطب ، فقال : « لا تبرحون بخير ما قام عليكم اثنا عشر أميراً » ، قلت لأبي : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول آنفاً كذالك ؟ قال أبي : قد قال : « كلّهم من قريش » (14).
وأخرج أبو عوانة من طريق محمّد بن مالك عن عبد الملك بن عمير وزياد بن علاقة عن جابر بن سمرة : كنت مع أبي عند النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمعته يقول : « يكون بعدي اثنا عشر خليفةً » ، ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي : يا أبه ، سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول اثنا عشر خليفة ، ولم أسمع ما بعده ؟ قال : « كلّهم من قريش » (15).
وأخرج الطبراني من طريق عطاء بن أبي ميمونة عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يخطب على المنبر ويقول : « اثنا عشر قيّماً من قريش ، لا يضرهم عداوة من عاداهم ... » (16).
وأخرج أبو عوانة والطبراني من طريق المسيّب بن رافع عن جابر بن سمرة قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ هذا الأمر لا يزال ظاهراً لايضره خلاف من خالفه حتى يؤمّر اثنا عشر من أمّتي كلّهم من قريش » (17).
وأخرج أبو عوانة من طريق معبد بن خالد عن جابر بن سمرة : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « يكون من بعدي اثنا عشر أميراً » (18).
وأخرج ابن عساكر عن جابر قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حجّة الوداع يقول : « لا يزال أمر هذه الأمّة عالياً على من ناواها حتى يملك اثنا عشر خليفة » ، ثم قال كلمة خفيّة لم أسمعها ، قال : فسألت أبي وهو أقرب إليه منّي ما قال ؟ قال : « كلّهم من قريش » (19).
وأخرج البخاري والحاكم وابن عساكر والطبراني والبزّار عن أبي جحيفة قال : كنت مع عمّي عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يخطب ، فقال : « لا يزال أمر أمّتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة » ـ وخفض بها صوته ـ فقلت لعمّي ـ وكان أمامي ـ : ما قال يا عمّ ؟ قال : « كلّهم من قريش ».
وأورده الهيثمي في الزوائد ، ثم قال : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، والبزّار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح (20).
وأخرج أحمد بن حنبل ونعيم بن حماد والحاكم وأبو يعلى والطبراني والبزّار والهيثم بن كليب عن مسروق قال : كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود ، فسأله رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم نبيّكم كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال ابن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : « اثنا عشر ، عدّة نقباء بني إسرائيل ».
وفي لفظ لنعيم : قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يكون بعدي من الخلفاء عدة نقباء موسى ».
وفي لفظ للبزّار : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « يكون من بعدي اثنا عشر خليفة ـ أحسبه قال ـ : عدّة نقباء بني إسرائيل ».
وأورد ابن كثير الشامي حديث ابن مسعود في تاريخه ، ثم قال : وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمرو وحذيفة وابن عباس وكعب الأحبار من قولهم (21).
وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم وابن عدي والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « يكون بعدي اثنا عشر خليفة ... » (22).
ما ذكرنا هو المشترك بين جميع ما روي في ذلك عن عبد الله بن عمرو ، إلّا أن المنحرفين لعبوا بحديثه ، فأضافوا إليه في بعض الروايات إسم عمر فقط ، وفي بعضها أسامي الخلفاء الثلاثة ، وفي ثالثة ذكروا أسماءهم مع معاوية وابنه يزيد وجماعة آخرين من سلاطين العباسية ، من دون أن يتعرضوا لاسم أمير المؤمنين علي عليه السلام في شيء من ذلك.
وأورده المتقي الهندي في كنزه ، ثم قال : وفيه ربيعة بن سيف ، قال البخارى : عنده مناكير.
وأخرج ابن النجّار عن أنس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش ، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها » (23).
وأخرج نعيم بن حمّاد والطبراني والبيهقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنّهم ذكروا عنده اثني عشر خليفة ، ثم الأمير ، فقال ابن عباس : والله إنّ منّا بعد ذلك السفاح والمنصور والمهدي يدفعها إلى عيسى بن مريم (24).
وأخرج الجويني في فرائده عن ابن عباس وأورد القندوزي في الينابيع عن جابر بن عبد الله : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « أنا سيّد المرسلين وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم » (25).
وأخرج الجويني في الفرائد وعن الهمداني في مودة القربى عن ابن عبّاس قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « أنا وعلي والحسن والحسين وتسعةٌ من ولد الحسين مطهَّرون معصومون » (26).
وأخرج الجويني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر : أوّلهم عليّ وآخرهم ولدي المهدي ، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلف المهدي ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب » (27).
وأخرج الجويني عن أبي جعفر عليه السلام رفعه قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام : « اكتب ما أملي عليك » قال : يا نبيّ الله وتخاف عليّ النسيان ؟ فقال : « لست أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت الله عزوجل لك أن يحفظك ولا يُنْسِيَك ، ولكن اكتب لشركائك » قال : قلت : ومن شركائي يا نبي الله ؟ قال : « الأئمة من ولدك ، بهم يسقى أمّتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم » وأومأ بيده إلى الحسن ثم أومأ بيده إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : « الأئمة من ولده » (28).
ونقل القندوزي عن الموفّق بن أحمد من الحنفية في مناقبه : أنّه أخرج عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : قال لي : رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يا جابر ، إنّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم عليّ بن الحسين ثم محمّد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليّ بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ـ إسمه إسمي وكنيته كنيتي ـ ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لايثبت على القول بامامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان » ، قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، فهل للناس الإنتفاع به في غيبته ؟ فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها سحاب ، هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله فاكتمه إلّا عن أهله » (29).
وأخرج الجويني عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء ، فعددت اثني عشر آخرهم القائم ، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم علي.
وقد روى الجويني الشافعي عدّة روايات عن جابر بن عبد الله حول قصّة اللوح الذي فيه أسماء الخلفاء والأوصياء وعرضه على أبي جعفر عليه السلام وموافقته لما عند ذلك الإمام الهمام عليه السلام ، فراجع (30).
أخرج الموفق بن أحمد ـ كما في الينابيع ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « الأئمة بعدي اثنا عشر أوّلهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ».
وأخرج أيضاً عن الحسين بن عليّ عليهما السلام قال : دخلت على جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فأجلسني على فخذه وقال لي : « إنّ الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم ، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء » (31).
وأخرج الجويني من الشافعية والموفّق بن أحمد من الحنفية ـ كما في الينابيع ـ عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبّل خديه ويلثم فاه ويقول : « أنت سيّد ابن سيّد أخو سيّد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حُجّة ابن حُجّة أخو حُجّة أبو حُجَجٍ تسعة ، تاسعهم قائمهم المهدي » (32).
أخرج نعيم بن حمّاد عن أبي عيّاش حدثنا الثقات من مشايخنا : أن نشوعاً سأل كعباً عن عدّة ملوك هذه الأمة ؟ فقال : أجد في التوراة اثني عشر ربياً (33).
قال ابن كثير الشامي : وفي التوراة الّتي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إنّ الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسماعيل ، وأنّه ينميه ويكثّره ويجعل من ذريّته اثني عشر عظيماً.
قال : قال شيخنا العلّامة أبو العباس بن تيمية : وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة ، وقرّر أنهم يكونون مفرّقين في الأمة ، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا ، وغلط كثير ممن تشرّف بالإسلام من اليهود فظنّوا أنهم الّذين تدعو إليهم الفرقة الرافضة فاتّبعوهم (34).
إنّ ابن كثير وشيخه ابن تيمية يتخيّلان أنّه كما انخدع بعض البسطاء من هذه الأمّة بأمثالهما ، سينخدع بهم أهل الكتاب أيضاً ، فإذا أسلموا اعتنقوا أراءهم ، ولا يشعرون بأنّ في كتبهم مشخّصات هؤلاء الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فبعد معرفتهم لتلك الأوصاف والمشخّصات يعتنقون دين الإسلام الحقيقي الذي ورثه علماء الشيعة من أئمتهم المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم ، فإليك بعض ما ورد في ذلك :
أخرج الجويني الشافعي عن ابن عبّاس قال : قدم يهوديّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقال له نعثل ـ فقال له : يا محمّد ، إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين ، فإن أجبتني عنها أسلمت على يدك ، قال : « سل يا أبا عمارة » ... ثم ذكر عرض أسئلة اليهوديّ على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجوابه عليها ، إلى أن قال : فأخبرني عن وصيّك من هو ؟ فما من نبي إلّا وله وصيّ ، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال : « إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار » ، قال : يا محمّد فسمهم لي ، قال : « نعم ، إذا مضى الحسين فابنه عليّ ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه عليّ ، فإذا مضى علي فابنه محمّد ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، فهذه اثنا عشر أئمة عدد نقباء بني إسرائيل » ، قال : أخبرني عن كيفية موت علي والحسن والحسين ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يقتل علي بضربة على قرنه ، والحسن يقتل بالسمّ ، والحسين بالذبح » ، قال : فأين مكانهم ؟ قال : « في الجنّة في درجتي » ، قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدّمة وفيما عهد إلينا موسى بن عمران عليه السلام : أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له أحمد ومحمّد هو خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده ، فيكون أوصياؤه بعده اثنى عشر : أوّلهم ابن عمّه وختنه والثاني والثالث كانا أخوين من ولده ، وتقتل أمّة النبيّ الأوّل بالسيف والثاني بالسمّ والثالث مع جماعة من أهل بيته بالسيف وبالعطش في موضع الغربة ، فهو كولد الغنم يذبح ويصبر على القتل لرفع درجاته ودرجات أهل بيته وذريّته ولإخراج محبّيه وأتباعه من النار ، وتسعة الأوصياء منهم من أولاد الثالث ، فهؤلاء الاثنا عشر عدد الأسباط ... (35)
أسلم هذا اليهوديّ ، ولم ينتظر ابن كثير الشامي وشيخه ابن تيمية كي يشاورهما في ذلك !
أخرج الموفق بن أحمد الحنفي عن جابر بن عبد الله قال : دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فذكر بعض أسئلته على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ثمّ قال : أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسَّك بهم ، قال : « أوصيائي الاثنا عشر » ، قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة ، وقال : يا رسول الله سمِّهم لي ، فقال : « أولهم سيّد الأوصياء أبو الأئمة عليّ ، ثم ابناه الحسن والحسين ، فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين ، فإذا ولد عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه » ، فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء عليهم السلام : ايليا وشبر وشبير ، فهذه اسم علي والحسن والحسين ، فمن بعد الحسين ؟ وما أساميهم ؟ قال : « اذا انقضت مدّة الحسين فالامام ابنه علي ويلقب بزين العابدين ، فبعده ابنه محمد يلقّب بالباقر ، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق ، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم ، فبعده ابنه عليّ يدعى بالرضا ، فبعده ابنه محمّد يدعى بالتقي الزكي ، فبعده ابنه علي يدعى بالنقي والهادي ، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري ، فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي والقائم والحجّة ، فيغيب ، ثم يخرج فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ... » الحديث (36).
وأخرج الموفّق بن أحمد عن عامر بن واثلة قال : جاء يهودي من يهود المدينة إلى عليّ كرم الله وجهه قال : إني أسألك عن ثلاث وثلاث وعن واحدة ، فقال علي : لم لا تقول أسألك عن سبع .. فذكر القصة إلى قوله : أخبرني كم لهذه الأمّة بعد نبيّها من إمام ؟ وأخبرني عن منزل محمد أين هو في الجنّة ؟ وأخبرني من يسكن معه في منزله ؟ قال علي : لهذه الأمّة بعد نبيّهم اثنا عشر إماماً لا يضرّهم خلاف من خالفهم ، قال اليهودي : صدقت ، قال عليّ : ينزل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في جنّة عدن وهي وسط الجنان وأعلاها وأقربها من عرش الرحمن جلّ جلاله ، قال اليهوديّ : صدقت ، قال علي : والذي يسكن معه في الجنة هؤلاء الأئمة الإثنا عشر أوّلهم أنا وآخرنا القائم المهدي ... إلى آخره (37).
قال الشيخ لطف الله الصافي ـ وهو من مراجع الشيعة في هذا العصر ـ : إعلم أنّ الأخبار المتواترة الدالّة على أنّ الأئمة اثنا عشر مأثورة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السلام من طرق الفريقين.
وقد أخرج كثيراً منها جمعٌ من أكابر علماء العامة ، كأحمد بن حنبل في مسنده من خمسة وثلاثين طريقاً ، والبخاري ومسلم في الصحيحين ، والترمذي وأبي داود والطيالسي والخطيب وابن عساكر والحاكم و ...
وقد صنّف محمّد معين السندي من علماء الجمهور كتاباً في هذه الأحاديث أسماه : مواهب سيّد البشر في أحاديث الأئمة الإثني عشر ، كما قد روى هذه الأحاديث جمعٌ من الصحابة :
1 ـ كأمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
2 ـ وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.
3 ـ والحسن عليه السلام.
4 ـ الحسين عليه السلام.
5 ـ وعبد الله بن مسعود.
6 ـ وأبي جحيفة.
7 ـ وأبي سعيد الخدري.
8 ـ وسلمان الفارسي.
9 ـ وأنس بن مالك.
10 ـ وأبي هريرة.
11 ـ وواثلة بن الأسقع.
12 ـ وعمر بن الخطاب.
13 ـ وأبي قتادة.
14 ـ وأبي الطفيل.
15 ـ وشفي الاصبحي.
16 ـ وعبد الله بن عمر.
17 ـ وعبد الله بن أبي أوفى.
18 ـ وعمّار بن ياسر.
19 ـ وأبي ذر.
20 ـ وحذيفة بن اليمان.
21 ـ وجابر بن عبد الله الأنصاري.
22 ـ وعبد الله بن عباس.
23 ـ وحذيفة بن أسيد.
24 ـ وزيد بن أرقم.
25 ـ وسعد بن مالك.
26 ـ وأسعد بن زرارة.
27 ـ وعمران بن حصين.
28 ـ وزيد بن ثابت.
29 ـ وعائشة.
30 ـ وأمّ سلمة.
31 ـ وأبي أيوب الأنصاري.
32 ـ وجابر بن سمرة.
33 ـ وأبي أمامة.
34 ـ وعثمان بن عفّان.
35 ـ وعبد الله بن عمرو بن العاص.
وهذه الأخبار على طائفتين ، فطائفة منها ليس فيها إلّا التصريح بأنّ الخلفاء والائمة اثنى عشر ، والطائفة الأخرى تتضمّن أسماء الإثني عشر بعضهم أو جميعهم.
ثم إنّ هذه الأخبار ـ حسب استقصائنا الناقص ـ بلغت قريباً من الثلاثمائة حديث ، والأخبار الدالّة على أنّ أمير المؤمنين علياً عليه السلام أوّل الأئمة عليهم السلام تزيد على ذلك بكثير .. إلى آخر كلامه أدام الله ظله (38).
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة آخرين من الصحابة ، كما عن كتاب الدرر الموسوية للسيد حسن صدر الدين ، وهم :
1 ـ أبو بردة.
2 ـ وعبد الرحمن بن سمرة.
3 ـ وأبو سليمان الراعي (39).
وأورد المتّقي الهندي هذا الحديث بألفاظٍ متعددة في كنزه وابن كثير في تاريخه والهيثمي في مجمعه وابن الأثير في جامعه والألباني في الأحاديث الصحيحة (40).
قال القندوزي : قال بعض المحقّقين : إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلِمَ أنّ مراد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « كلّهم من بني هاشم » في رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوته صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا القول يرجح هذه الرواية ، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم الآية : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (41) ، وحديث الكساء.
فلابُد أنْ يُحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله ، وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجدّهم صلّى الله عليه وآله وسلّم وبالوراثة واللدنيّة ، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيّد هذا المعنى ، أي أنّ مراد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ويشهده ويرجّحه حديث الثقلين والأحاديث المتكثّرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها. انتهى (42).
وفي هامش صحيح البخاري : قال ابن بطال عن المهلب : لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ـ يعني بشيء معين ـ ؛ فقوم قالوا : يكونون بتوالي إمارتهم ، وقوم قالوا : يكونون في زمن واحد كلّهم يدعي الإمارة ... (43).
قال ابن العربي في شرحه على سنن الترمذي : فعددنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اثني عشر أميراً ، فوجدنا : أبا بكر ، عمر ، عثمان ، عليّ ، الحسن ، معاوية ، يزيد ، معاوية بن يزيد ، مروان ، عبد الملك بن مروان ، الوليد ، سليمان ، عمر بن عبد العزيز ، يزيد بن عبد الملك ، مروان بن محمد بن مروان ، السفّاح ، المنصور ... وذكر أسماء سلاطين بني العباس إلى زمانه ثم قال : وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان ، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة : الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ، ولم أعلم للحديث معنى (44).
مشكلة أهل السنة :
أقول : ليس ابن العربي وحده لا يعلم للحديث معنىً ، بل جميع من غضّوا أبصارهم وأغلقوا أفكارهم لا يعلمون للحديث معنى ، ولو أنّهم تدبّروا في حديث الثقلين وحده ، وأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قال لهم : « تركت فيكم الخليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » لكان كافياً لهم في معرفة معنى الحديث ، من أن هؤلاء الخلفاء الاثني عشر كانوا من عترته وأهل بيته ، مع تواتر الآثار في بيان عددهم وأسمائهم في كتب الشيعة والسنّة صلوات الله عليهم.
ولكن ـ مع الأسف ـ بينهم وبين قبولهم لتلك الأخبار سور عظيم وحجب ثخينة ، وذلك لأمور :
أوّلاً : إنّ السلطة الأموية منعت الصحابة من نشر ما يتعلق بفضائل أهل البيت عليهم السلام ، فكان جزاء من تفوّه بذلك إما القتل أو التعذيب والحرمان.
وثانياً : إنّ التقيّة في مذهب الشيعة صارت سبباً لاتّهام أحاديثهم من قبل أهل السنّة بالوضع والافتراء لفائدة مذهبهم ، ولكنّهم لا يشعرون بأنّ الشيعة لا يرون وضع الأخبار تقيّة ، بل يرونه خيانة للاسلام ومن أكبر الكبائر وخروجاً من مذهب أهل البيت عليهم السلام.
وثالثاً : إنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام في أيّام بني أمية وبني عباس لم يستطيعوا أن يفشوا أسرارهم إلّا لمن اعتمدوا عليهم من أصحابهم وتلاميذهم ، وعلماء السنّة عندما يرون فضيلة لأهل بيت النبوة مرويّةً عن أحد هؤلاء يبادرون إلى طعنه ورميه بالرفض والتشيع ، ويطرحون حديثه ، خاصّة إذا كان من أهل الكوفة ، بل أحياناً تراهم يتهمون أكابر علمائهم بسبب روايتهم لبعض ما ورد في فضل عليّ عليهالسلام ، كما فعلوا ذلك في حق عبد الرزّاق والحاكم وغيرهما.
ورابعاً : إنّ أهل السنة يرون نقل ما يخالف مذهبهم من قبل علمائهم من السذاجة والبساطة ، ويصفون كل من استعمل الحساسية في ذلك بالدقّة والضبط ، فترى بعض علمائهم يقطعون الأحاديث أو يطرحونها أو يهملونها إذا كان مضمونها مخالفاً لآراء أهل السنة ـ كما أشرنا إليه ـ وقايةً لمكانتهم وحمايةً لشخصيتهم ، إلّا النادر ممّن ملئت قلوبهم حبّاً لأهل بيت النبوّة ، أمثال الموفّق بن أحمد والقندوزي من الحنفية وابن الصبّاغ من المالكية والجويني من الشافعية وابن الجوزي ( السبط ) من الحنابلة ثم الحنفية وغيرهم.
وخامساً : إنّ أهل السنّة يرون حشداً هائلاً من الأخبار واردة في مناقب الخلفاء الثلاثة ، خاصّة ما نسب من ذلك لأهل البيت عليهم السلام ، مثل ماروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال : إنّ خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ... ونحوها ممّا كان سبباً لأن يلتبس عليهم الأمر.
ولا يأبهون بأنّ هذه الأخبار وردت عن طريق من ؟! ولا يلتفتون إلى أن هذه الأخبار صدرت عن الذين كانوا من أعدى أعداء عليّ وأهل بيته سلام الله عليهم ، من الذين كانوا يلعنونه على المنابر ، ويغمضون أعينهم عن الآثار المتواترة في أنّ عدوّ عليّ عدوّ الله وحرب عليّ حرب الله وسبّ علي سبّ الله ، بل تراهم يعدّون هؤلاء من الثقات ويحكمون بصحّة ما ورد عنهم.
فهذه هي مشكلة أهل السنة والجماعة ، وليست مشكلة سهلة ، بل عبارة عن غطاء تاريخي عظيم سدل على وجه الحق منذ زمن بني أمية واستمر إلى هذا العصر.
لذا تراهم كيف يريدون أن يحملوا حديث الائمة الاثني عشر على بعض الطغاة من بني أمية وبني العباس ، وأما إذا وصلت النوبة إلى الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تراهم كأنهم خرس لا لسان لهم حتى يتفوهوا باحتمال ذلك.
الهوامش
1. الفتح الرباني وبلوغ الأماني : 1 / 188 ح 7 ، كنز العمال : 1 / 173 ح : 874 ، السنة لابن أبي عاصم : 1 / 29 ـ 30 ح : 54 ـ 59 ، مسند أحمد : 4 / 126 وفي المطبوع في مؤسسة الرسالة : 28 / 367 و 373 و 375 ح : 17142 و 17144 و 17145 و 17146 ، سنن أبي داود : 2 / 611 ح : 4607 ، الجامع الكبير للترمذي : 4 / 408 ح : 2676 ، سنن ابن ماجه : 1 / 29 ح : 42 و 43 ، سنن الدارمي : 1 / 44 ـ 45 ، المستدرك : 1 / 95 ـ 96.
2. صحيح مسلم كتاب الامارة باب : الناس تبع لقريش : 12 / 442 ح : 1821 ، مسند أبي عوانة : 4 / 369 ـ 370 ح : 6979 و 6980 ، المعجم الكبير : 2 / 255 ح : 2067 و 2068 و 2069.
3. مسند أحمد : 5 / 89 ، صحيح مسلم : 12 / 445 ح : 1822 ، مسند أبي عوانة : 4 / 373 ح : 6996 و 6997 و 6998 ، المعجم الكبير : 2 / 199 ح : 1809 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 2 / 654 ح : 964.
4. مسند أحمد : 5 / 101 ، صحيح مسلم : 12 / 443 ح : 1821 ، جامع الأصول : 4 / 45 ح : 2022 ، مسند أبي عوانة : 4 / 370 ح : 6981 ، المعجم الكبير : 2 / 214 ح : 1877 ، ينابيع المودة / 258 و 445 ب : 77.
5. صحيح البخاري كتاب الأحكام : 4 / 347 ح : 7222 و 7223 ، سنن الترمذي كتاب الفتن باب ما جاء في الخلفاء : 4 / 95 ـ 96 ح : 2230 ، مسند أحمد : 5 / 90 و 92 و 93 و 94 و 95 و 97 و 98 و 99 و 107 و 108 ، شرح السنة : 8 / 316 ح : 4237 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6 / 519 ، تاريخ بغداد : 14 / 353 م : 7673 ، كنز العمال : 12 / 24 ح : 33803 ، مسند أبي عوانة : 4 / 370 ـ 371 ح : 6983 و 6984 و 6986 و 6987 و 6988 ، المعجم الكبير : 2 / 214 و 218 و 223 و 226 و 241 و 249 و 253 و 254 و 255 ح : 1875 و 1896 و 1923 و 1936 و 2007 و 2044 و 2062 و 2063 و 2067 و 2070 و 2071 ، الكامل لابن عدي : 3 / 282 م : 508 ، جامع الأصول : 4 / 45 ، 47 ح : 2022 ، البداية والنهاية : 6 / 278 ، تحفة الأشراف : 1 / 173 ح : 2209 و ح : 2193 و 15539.
6. صحيح مسلم : 12 / 443 ح : 1821 ، مسند أحمد : 5 / 90 و 100 و 106 ، صحيح ابن حبان : 15 / 44 ح : 6662 ، مسند أبي عوانة 4 / 370 ح : 6982 ، المعجم الكبير : 2 / 232 ح : 1964.
7. صحيح مسلم : 12 / 444 ح : 1821 ، مسند أحمد : 5 / 93 و 96 و 98 و 99 و 101 و 106 صحيح ابن حبان : 15 / 45 ح : 6663 ، المعجم الكبير : 2 / 195 ـ 197 ، ح : 1791 ـ 1793 و 1794 و 1795 و 1796 و 1797 و 1798 و 1799 ، جامع الأُصول : 4 / 45 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 1 / 719 ح : 376 المستدرك : 3 / 617 ، المعجم الأوسط : 3 / 279 ح : 2943 ، مسند أبي عوانة : 4 / 369 و 372 ح : 6976 و 6977 و 6978 و 6991 ، حلية الأولياء : 4 / 333 ، الفتن لنعيم : 1 / 95 ح : 225.
8. مسند أحمد : 5 / 107 ، سنن ابي داود : 4 / 106 ح : 4279 ، مسند أبي عوانة : 4 / 372 و 373 ح : 6993 و 6994 و 6995 ، دلائل النبوة للبيهقي عن طريق أبي داود : 6 / 520 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 1 / 720 ، المعجم الكبير : 2 / 207 ـ 208 ح : 1849 و 1850 و 1851 و 1852 ، جامع الاصول : 4 / 47 ، البداية والنهاية : 6 / 278 ـ 279 ، السنة لابن أبي عاصم : 2 / 518 ح : 1123.
9. صحيح ابن حبان : 15 / 43 ح : 6661 ، شرح السنة : 8 / 315 ح : 4236 ، التاريخ الكبير للبخاري : 1 / 446 م : 1426 ، مسند أحمد : 5 / 92 و 99 ، سنن أبي داود : 4 / 106 ح : 4281 ، المعجم الكبير : 2 / 253 ح : 2059 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6 / 520 ، البداية والنهاية : 6 / 279.
10. سنن أبي داود : 4 / 106 ح : 4280 ، مسند أحمد : 5 / 86 و 88.
11. مسند أحمد : 5 / 87 و 88 و 90.
12. المعجم الأوسط : 1 / 474 ح : 863 ، المعجم الكبير 2 / 206 ح : 1841 ، مسند أبي عوانة : 4 / 371 ح : 6988.
13. المعجم الكبير : 2 / 253 ح : 1061.
14. المعجم الكبير : 2 / 253 ح 2060.
15. مسند أبي عوانة ، 4 / 371 ح : 6985.
16. المعجم الكبير : 2 / 256 ح : 2073.
17. مسند أبي عوانة : 4 / 372 ح : 6991 ، المعجم الكبير : 2 / 215 ـ 216 ح : 1883.
18. مسند أبي عوانة : 4 / 372 ح : 6992.
19. مختصر تاريخ دمشق : 3 / 224 م : 271.
20. المعجم الأوسط : 7 / 118 ح : 6207 ، المستدرك : 3 / 618 ، مختصر تاريخ دمشق : 27 / 111 ، التاريخ الكبير : 8 / 410 ـ 411 م : 3520 ، مجمع الزوائد : 5 / 190 باب الخلفاء الاثني عشر ، كنز العمال : 12 / 32 ح : 33849.
21. مسند أحمد : 1 / 398 و 406 ، المستدرك : 4 / 501 ، الفتن لنعيم بن حماد : 1 / 95 ح : 224 ، المعجم الكبير : 10 / 157 ـ 158 ح : 10310 ، مسند أبي يعلى : 8 / 444 ح : 5031 و 9 / 222 ـ 223 ح : 5322 و 5323 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 1 / 720 ، مجمع الزوائد : 5 / 190 ، كنز العمال : 12 / 33 ح : 33857 و 33859 و 33860 ، البحر الزخار : 5 / 320 ح : 1937 و 1938 ، مسند الهيثم بن كليب : 1 / 404 ـ 405 ح : 408 ، البداية والنهاية : 6 / 278 ، ينابيع المودة / 445 ب : 77.
22. معرفة الصحابة لأبي نعيم : 1 / 23 و 49 ح : 64 و 188 ، المعجم الأوسط : 9 / 342 ح : 8744 ، الكامل لابن عدي : 5 / 346 م : 1015 ، كنز العمال : 11 / 252 و 629 ح : 31420 و 31421 و 33065 ، الفتن لنعيم بن حماد : 1 / 95 ح : 226 و 227.
23. ـ كنز العمال : 12 / 34 ح : 33861.
24. الفتن لنعيم : 1 / 96 ح : 228 ، البداية والنهاية : 6 / 270 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6 / 514 ، كنز العمال : 11 / 246 ح : 31398.
25. فرائد السمطين : 2 / 313 ح : 564 ب : 61 ، ينابيع المودة / 258 و 445 ب : 77 و 447 ب : 78.
26. فرائد السمطين : 2 / 133 و 313 ح : 430 و 431 و 563 ، ينابيع المودة / 258 و 445 ب : 77.
27. فرائد السمطين : 2 / 312 ح : 562 ب : 61 س : 2 ، ينابيع المودة / 447 ب : 78.
28. فرائد السمطين : 2 / 259 ح : 527 ب : 50 س : 2 وينابيع المودة / 20 ب : 3.
29. ينابيع المودة / 494 ـ 495 ب : 94.
30. فرائد السمطين : 2 / 136 ـ 141 ح : 432 ـ 435 ب : 32 س : 2.
31. ينابيع المودة / 492 و 493 ب : 94.
32. ينابيع المودة / 258 و 445 و 492 ب : 77 و 94.
33. الفتن للنعيم : 1 / 97 ح : 232.
34. البداية والنهاية : 6 / 280.
35. فرائد السمطين : 2 / 133 ـ 134 ح : 431 ، ينابيع المودة / 441 ب : 76.
36. ينابيع المودة / 441 ـ 442 ب : 76.
37. ينابيع المودة / 443 ـ 444 ب : 76.
38. جلاء البصر لمن يتولى الأئمة الاثني عشر / 4 ـ 7.
39. مذهب أهل البيت / 203 ، هكذا ذكر في المصدر ، ولعل المراد بأبي سليمان الراعي : حريث راعي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم المعروف بأبي سلمى الراعي.
40. كنز العمال : 11 / 246 و 252 و 12 / 24 و 32 ـ 34 في الباب الرابع عند ذكر قريش ، مجمع الزوائد : 5 / 190 ، جامع الأصول : 4 / 45 ـ 47 ح : 2022 ، البداية والنهاية : 6 / 278 ـ 280 ، ينابيع المودة / 444 ب : 77 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 1 / 719 ـ 720.
41. سورة الشورى : 23.
42. ينابيع المودة / 446 ب : 77.
43. صحيح البخاري : 4 / 347.
44. عارضة الأحوذي : 9 / 68 ـ 69.
مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 357 ـ 380
التعلیقات