Logo
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخوللإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول
١١.١K
لإجراء العمليات قم أولاً بتسجيل الدخول

الإحتجاج بحديث الغدير على إمامة علي عليه السلام

الإحتجاج بحديث الغدير على إمامة علي عليه السلام

والإحتجاج به على إمامة عليٍّ ـ عليه السَّلام ـ يتحقّق ببيان الأُمور التالية :

الأمر الأول : البلاغ الرسمي للولاية

إنّ النبي الأكرم أشاد بولاية علي ووصايته ، في حديث يوم الدار ، في مجتمع محدود ، لا يربو عددهم الأربعين. كما أشاد بخلافته عند توجّهه إلى تبوك أمام جماعة من الصحابة والمهاجرين ، وكان هذا وذاك ، وغيرهما ممّا صدر منه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، في ظروف مختلفة ، حول ولاية الإمام ، تهيئة للأذهان ، للإعلان الرسمي لهذه الولاية أمام الجموع الهائلة ، ليقف عليها القريب والبعيد ، والحاضر والبادي ، فقام بإبلاغ ذلك في ذلك المحتشد العظيم ، وأخذ منهم الإقرار والإعتراف ، وهنّأ الصحابة عليّاً ـ عليه السَّلام ـ ، بهذه المكرمة الإلهيّة ، فكان هذا إعلاناً رسميّاً ، للأمّة جمعاء ، لا يصحّ لأحد إنكاره ، والتغاضي عنه. وسيوافيك دلالة الحديث بوجه واضح لا يدع لقائل كلمة ، ولا لمجادل شبهة.

* * *

الأمر الثاني : سند الحديث وتواتره

إنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة من عصر الرسول الأكرم إلى يومنا هذا ، يقف عليه من سبر كتب الحديث والتاريخ والسّير والكلام التفسير وغيرها. وما ربّما يصدر من كلمات حول الحديث من أنّه من أحاديث الآحاد ، فهو كلام صدر من المغرضين ورماة القول على عواهنه ، من غير تدبّر تثبت.

إنّ كتب الإماميّة في الحديث وغيره ، مفعمة بإثبات قصّة الغدير والإحتجاج بمؤدّاها. فمن مسانيد معنعنة إلى مُنْبَثَقِ أنوار النبوّة ، إلى مراسيل أرسلها المؤلّفون إرسال المسلَّم ، وحذفوا أسانيدها لتسالم الفريقين.

وأمّا المحدّثون وغيرهم من أهل السنّة فلا يتأخّرون عن الإماميّة في نقل الحديث والبخوع لصحّته ، والركون إليه ، والتصحيح له ، والإذعان بتواتره إلّا شُذّاذ تنكبوا عن الطريقة ، وقد ألّف غير واحد من علماء الإسلام كتباً مستقلّة ، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة في الكتب ، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده ، وضبطوا ما صحّ لديهم من طرقه ، كلّ ذلك حرصاً على كلاء متنه من الدثور ، وعن تطرق يد التحريف إليه ، منهم أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين [ ت 224 ـ م 310 هـ ] ، وأبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة [ م 333 هـ ] ، أبو بكر محمّد بن عمر محمّد بن سالم التميمي البغدادي [ م 355 هـ ] وغيرهم (1).

ولأجل إيقاف القارئ على اهتمام الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين ، والعلماء ، والأدباء ، والفقهاء ، بنقل الحديث وضبط أسانيده ، نذكر عدد رواته في كلّ قرن على وجه الإجمال ونحيل التفصيل إلى الكتب المعدّة لذلك.

1 ـ روى الحديث من الصحابة 110 صحابيّاً ، وطَبْع الحال يستدعي أن يكون رواته أضعاف المذكورين ، لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف ، أو يزيدون.

2 ـ رواه من التابعين 84 تابعيّاً.

وأمّا عدّة الرواة من العلماء والمحدّثين فنذكرها على ترتيب القرون.

3 ـ عدد من رواه في القرن الثاني : 56 عالماً ومحدّثاً.

4 ـ عدد من رواه في القرن الثالث : 92 عالماً ومحدّثاً.

5 ـ عدد من رواه في القرن الرابع : 43 عالماً ومحدّثاً.

6 ـ عدد من رواه في القرن الخامس : 24 عالماً ومحدّثاً.

7 ـ عدد من رواه في القرن السادس : 20 عالماً ومحدّثاً.

8 ـ عدد من رواه في القرن السابع : 20 عالماً ومحدّثاً.

9 ـ عدد من رواه في القرن الثامن : 19 عالماً ومحدّثاً.

10 ـ عدد من رواه في القرن التاسع : 16 عالماً ومحدّثاً.

11 ـ عدد من رواه في القرن العاشر : 14 عالماً ومحدّثاً.

12 ـ عدد من رواه في القرن الحادي عشر : 12 عالماً ومحدّثاً.

13 ـ عدد من رواه في القرن الثاني عشر : 13 عالماً ومحدثاً.

14 ـ عدد من رواه في القرن الثالث عشر : 12 عالماً ومحدّثاً.

15 ـ عدد من رواه في القرن الرابع عشر : 19 عالماً ومحدّثاً.

و قد أغنانا المؤلّفون في الغدير عن إراءة مصادره ومراجعه ، وكفاك في ذلك كتب لمّة كبيرة من أعلام الطائفة :

منهم العلّامة السيّد هاشم البحراني [ م 1107 ] مؤلّف عاية المرام.

ومنهم السير مير حامد حسين الهندي اللكهنوئي [ م 1306 ] ، ذكر حديث الغدير ، وطرقه ، وتواتره ، ومفاده في مجلّدين ضخمين في ألف وثمان مائة صحيفة وهما من مجلّدات كتابه الكبير « العبقات » ، فقد أتمّ الله به الحجّة ، وأوضح المحجّة ، وكتابه العبقات كتاب جليل ، فاح أريجه بين لابتي العالم ، وطبق حديثه المشرق والمغرب.

ومنهم العلّامة المتتبّع المحقّق الفذّ الشيخ عبد الحسين النجفي [ ت 1320 ، م 1390 ] في كتابه الفريد « الغدير » ، وبعين الله ، إنّ كتابه هذا هو المعجز المبين ، ومن حسنات الدهر الخالدة ، جزاه الله خيرا الجزاء (2).

* * *

الأمر الثالث : دلالة الحديث

إنّ دلالة الحديث على إمامة مولانا أمير المؤمنين ، دلالة واضحة لم يشكّ فيها أيّ عربي صميم ، عصر نزول الحديث وبعده إلى قرون ، ولم يفهموا من لفظة المولى سوى معنى الإمامة ، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء إلى أن ولّد الدهر إمام المشكّكين ، فجاء بتشكيكات ، كسائر تشكيكاته ، التي تاب منها عند احتضاره (3).

والدلالة مركزة على أنّ لفظ المولى نصّ فيما نثبته من الإمامة بالوضع اللغوي ، أو بالقرائن المحتفّة به. وعلى كلا التقديرين ، يكون الحديث حجّةً قاطعةً في الإمامة ، ونحن نسلك كلا الطريقين.

الطريق الأول : الدلالة بالوضع اللغوي

إنّ « مفعل » ـ هنا ـ بمعنى « أفعل » ، ولفظ « مولى » أريد منه هنا الأولى ، سواء أقلنا إنّه المعنى الوحيد ـ كما سيوافيك ـ أو أحد معانيه ، كما في قوله سبحانه : ( فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (4).

والمفسّرون للآية على فريقين منهم من حصر التفسير بأنّها أولى بكم ، ومنهم من جعله أحد المعاني ، وهؤلاء أئمّة العربيّة ، عرفوا أنّ هذا المعنى من معاني اللفظ اللغويّة ، ولولاه لما صحّ لهم تفسيره به ، يقول الخازن : « هي مولاكم ، أيّ وليّكم ، وقيل أولى بكم ، لما أسلفتم من الذنوب ، والمعنى : هي التي تلي عليكم ، لأنّها ملكت أمركم وأسلمتم إليها ، فهي أولى بكم من كل شيء » (5). وقد نقل كون المولى بمعنى الأوّل ، الرازي في تفسيره عن الكلبي النّسابة [ م 146 ] والفرّاء [ م 207 ] (6) وأبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري [ م 210 ] ، والأخفش الأوسط [ م 218 ] (7) ونهاية العقول (8).

و استشهد أبو عبيدة ببيت لبيد :

     

فقدت كلا الفَرْجَيْن تَحْسَبُ أنّه

 

مولى المخافة خلفها وأمامها

حتّى أنّ البخاري ، صاحب الصحيح ، في قسم التفسير منه ، فسّره بـ « أولى » (9).

نعم هنا شبهة ذكرها الرازي في تفسيره ، حسب أنّها تصادم دلالة الحديث على الولاية الكبرى للإمام عليٍّ ـ عليه السَّلام ـ ، فقال في تفسير قوله سبحانه : ( هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ، « لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة ، لصحّ استعمال كلّ واحد منهما في مكان الآخر ، فيجب أن يقال : هذا مولى من فلان ، ولمّا بطل ذلك ، عَلِمنا أنّ الذي قالوه معنىً، وليس بتفسير ».

وقال في نهاية العقول : « لو كان المولى يجيء بمعنى الأولى ، لصحّ أن يقرن بأحدهما ، كلّما يصحُّ قَرْنُه بالآخر ، لكنه ليس كذلك ، فامْتَنَع كون المولى بمعنى الأولى ، مع أنّه لا يقال : هو مولى من فلان ، ولا يصحّ أن يقال : « هو أولى » بدون من ».

يلاحظ عليه : قد فات الرازي أنّ اتّحاد المعنى أو الترادف بين الألفاظ ، إنّما يقع في جوهريّات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب ، تصاريف الألفاظ ، وصيغها. مثلاً : الإختلاف الحاصل بين المولى والأولى ، بلزوم مصاحبة الثاني بالباء « أولى به » ، وتجرّد الأوّل منه ، إنّما حصل من ناحية صيغة إفعل من هذه المادّة ، كما أنّ مصاحبة « من » ، هي مقتضى تلك الصيغة مطلقاً ، إذن مفاد « فلان أولى بفلان » ، و « فلان مولى فلان » ، واحد ، حيث يراد به « الأولى به من غيره » ، ويشهد لذلك أنّ « افعل » بنفسه ، يستعمل مضافاً إلى المثنّى والجمع ، أو ضميرهما بغير أداة ، فيقال : زيد أفضل الرجلين ، أو أفضلهما ، وأفضل القوم وأفضلهم ، ولا يستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفرداً ، فلا يقال : زيد أفضل عمرو ، وإنّما يقال هو أفضل منه ، ولا يرتاب عاقل في اتّحاد المعنى في الجميع.

قال الأزهري في باب التفضيل : « إنّ صحة وقوع المرادف موقع مرادفه ، إنّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع ، وها هنا منع ما منع ، وهو الإستعمال ، فإنّ إسم التفضيل ، لا يصاحب من حروف الجر إلّا « من » خاصّة ، وقد تحذف مع مجرورها للعلم بها نحو : ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) (10). » (11)

ثمّ إنّ الرازي اختار أنّ المولى في الحديث بمعنى « الناصر » ، مع أنّ ما أورده على القول بأنّه بمعنى « الأولى » ، وارد عليه ، فلا يقال في اللغة العربيّة ، « هو مولى دين الله » ، مكان « ناصر » ، ولا يصحّ تبديل قوله : ( مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ) (12). إلى « من مواليّ الله » ، أو تبديل الحواريين : ( نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ ) (13) إلى « نحن موالي الله ».

هذه الحالة مطّردة في كثير من المترادفات التي جمعها الرّماني [ م 384 ] في تأليف مفرد ، مع أنّ اختلاف الكيفيّة حاكم عليها أيضاً ، مثلاً يقال : عندي درهم غير جيّد ، ولا يصحّ أن يقال : عندي درهم إلّا جيّد ، كما هو السائد في كلمة « هل » و « همزة الإستفهام » ، فإنّهما بمعنى واحد ، ولكن يفترقان بفروق ثلاثة ، أو خمسة ، أو ستّة.

ولما كان الإشكال ضئيلاً ، قال النيسابوري ، في تفسيره ـ بعد نقل كلام الرازي ، إلى قوله : وحينئذ يسقط الإستدلال به ـ : « قلت : وفي هذا الإسقاط بَحْثٌ لا يخفى » (14).

ولما وقف التفتازاني على تماميّة دلالة الحديث على الإمامة ، حاول رمي الحديث بعدم التواتر ، قال ـ في دلالة الحديث ـ : « المولى » قد يراد به المعتق ، والمعتق ، والحليف ، والجار ، وابن العمّ ، والناصر ، والأولى بالتصرّف ، قال الله تعالى : ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) ، أيّ أولى بكم ، ذكره أبو عبيدة ،قال النبي : « أيّما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن مولاها » ، أيّ الأولى بها ، والمالك لتدبير أمرها ، ومثله في الشعر كثير. وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولّي ، والمالك للأمر ، والأولى بالتصرّف ، شائع في كلام العرب ، منقول عن كثير من أئمّة اللغة ، والمراد أنّه اسم لهذا المعنى ، لا صفة بمنزلة الأولى ليعترّض بأنّه ليس من صيغة اسم التفضيل ، وأنّه لا يستعمل استعماله ، وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ، ليطابق صدر الحديث ، ولأنّه لا وجه للخمسة الأوّل ، وهو ظاهر ، ولا للسادس لظهوره ، وعدم احتياجه إلى البيان وجمع الناس لأجله ». إلى أن قال : « و لا خفاء في أنّ الولاية بالناس ، والتولّي ، والمالكية لتدبير أمرهم ، والتصرّف فيهم ، بمنزلة النبي ، وهو معنى الإمامة » (15).

هذا من غير فرق بين تفسير مَفّعَلْ بأَفْعَل ، أيّ المولى بمعنى أَوْلى ، أو تفسيره بفَعيل ، أيّ الولي ، وقد نصّ على ذلك أئمّة العربيّة منهم الفراء في تفسيره ، وأبو العباس المُبَرّد ، قالا : « الولي والمولى ، بمعنى في لغة العرب واحد » (16).

قال في الصحاح : والولي كل من ولي أمر واحد ، فهو وليّه ، وقول الشاعر :

     

هُمُ المَوْلى وإن جَنَفوا علينا

 

و إنّا من لقائهم لزورُ (17)

وقال في النهاية : « وكُلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه » (18).

وقال الفيروزآبادي ، في قاموسه : « المَوْلى : المالِك ، والعبد ، والمعتق ، والولي ، والربّ » (19).

ليس للمولى إلّا معنى واحد

إنّ السابر في كتب اللغة يرى أنّهم يذكرون في تفسير « المولى » أموراً ، يبدو أنّها معان مختلفة له ، مثلاً يقول صاحب القاموس : « المولى : المالك ،العبد ، والمعتق ، والمعتَق ، والصاحب ، والقريب كابن العمّ ونحوه ، والجار ، والحليف ، والإبن ، والعمّ ، والنّزيل ، والشّريك ، وابن الأُخت ، والوَليّ ، الربّ ، والناصر ، والمُنْعِم ، والمنعَم عليه ، والمحبّ ، والتابع ، والصِّهر » (20).

والحقّ أنّه ليس للمولى إلّا معنى واحد وهو الأولى بالشيء ، وتختلف هذه الأولوية بحسب الإستعمال في كلّ مورد من موارده ، والإشتراك معنوي ، وهو الأولى من الإشتراك اللفظي المستدعي لألفاظ كثيرة غير معلومة بنصّ ثابت والمنفيّة بالأصل المحكّم ، وهذه النظريّة أبدعها ابن البطريق الحلّي [ ت 533 ـ م 600 ] (21).

وهذا المعنى الواحد ، وهو الأولى بالشيء جامع لهاتيك المعاني جمعاء ، ومأخوذ في كلّ منها بنوع من العناية ، ولم يطلق لفظ المولى على شيء منها إلّا بمناسبة لهذا المعنى :

1 ـ فالمالك أولى بكلاءة مماليكه ، وأمرهم ، والتصرف فيهم.

2 ـ والعبد أولى بالإنقياد لمولاه من غيره.

3 ـ والمعتق « بالكسر » أولى بالتفضيل على من أعتقه من غيره.

4 ـ والمعتق « بالفتح » أولى بأن يعرف جميل من أعتقه عليه ويشكره.

5 ـ والصاحب ، أولى بأن يؤدّي حقوق الصحبة من غيره.

6 ـ والقريب ، هو أولى بأمر القريبين منه ، والدفاع عنهم ، والسعي وراء صالحهم.

7 ـ والجار ، أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار كلّها من البعداء.

8 ـ والحليف ، أولى بالنهوض بحفظ مَنْ حالفه ، ودفع عادية الجور عنه.

9 ـ والإبن أولى الناس بالطاعة لأبيه والخضوع له.

10 ـ والعم ّ، أولى بكلاءة إبن أخيه ، والحنان عليه ، وهو القائم مقام والده.

11 ـ والنّزيل ، أولى بتقدير من آوى إليهم ولجأ إلى ساحتهم ، وأمن في جوارهم.

12 ـ والشريك أولى برعاية حقوق الشركة وحفظ صاحبه عن الأضرار.

13 ـ وابن الأُخت ، أولى الناس بالخضوع لخاله الذي هو شقيق أُمّه.

14 ـ والولي ، أولى بأن يراعي مصالح المُوَلّى عليه.

15 ـ والناصر ، أولى بالدفاع عمّن التزم بنصرته.

16 ـ والربّ ، أولى بخلقه من أيّ قاهر عليهم.

17 ـ والمنعم « بالكسر » أولى بالفضل على من أنعم عليه ، وأن يتبع الحسنة بالحسنة.

18 ـ والمنعم عليه ، أولى بشكر منعمه من غيره.

19 ـ والمحبّ ، أولى بالدفاع عمّن أحبّه.

20 ـ والتابع ، أولى بمناصرة متبوعه ممّن لا يتبعه.

21 ـ والصهر ، أولى بأن يرعى حقوق من صاهره ، فشدّ بهم أزره ، وقوي أمره.

إلى غير ذلك من المعاني التي هي أشبه بموارد الإستعمال. والأولويّة مأخوذة فيها بنوع من العناية.

إلى هنا قد ظهر أنّ المولى في الحديث الشريف بمعنى الأولى ، أو بمعنى الولي ، وأنّ ما ذكر للمولى من المعاني المختلفة ، فليس من قبيل المعاني المختلفة ، حتّى يحتاج تفسير المولى بالأولى إلى قرينة معيّنة ، بل من قبيل المصاديق.

هذا كلّه في الطريق الأوّل.

الطريق الثاني : الدلالة بالقرائن

إنّ القرائن الحافة بالحديث تدلّ على أنّ المراد من المولى هو الأولى أو الولي ، وهي على قسمين : قرائن حالية وقرائن مقالية :

والمراد من الأولى ، ما احتفّ به الكلام الصادر من النبي الأكرم ، من ظروف زمانيّة ومكانيّة. والمراد من الثانية ما يتّصل بالكلام نفسه من الجمل العبارات.

أمّا القرائن الحالية ، فبيانها بكلمة جامعة أنا لو فرضنا أنّ لفظ المولى مشترك بين المعاني التي تلوناها عليك ، إلّا أنَّه لا يمكن إرادة غيره في المقام ، إمّا لاستلزامه الكفر ، كما إذا أريد منه الرب.

أو الكذب ، كما إذا أُريد منه العم ، والإبن ، وابن الأُخت ، والمعتِق ، والمعتق ، والعبد ، والمالك ، والتابع ، والمُنْعَم عليه ، والشَريك ، والحليف ، وهو واضح لمن تدبر فيه.

وأمّا الصاحب ، والجار ، والنزيل ، والصّهر ، والقريب ، فلا يمكن إرادة شيء من هذه المعاني ، لسخافته ، لا سيّما في هذا المحتشد الرهيب ، وفي أثناء المسير ، ورمضاء الهجير ، وقد أمر ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بحبس المتقدّم في السير ، ومنع التالي منه ، في محلّ ليس صالحاً للنزول ، غير أنّ الوحي الإلهي ، حبسه هناك ، فيكون ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد عقد هذا المحتفل ، والناس قد أنهكتهم وعثاء السفر ، وحرّ الهجير ، وحراجة الموقف ، حتى أنّ أحدهم ليضع طرفاً من ردائه تحت قدميه، وطرفاً فوق رأسه، فيرقى هنالك منبر الأهداج، ويُعْلِمُهم عن الله تعالى بأنّه من كان هو ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مصاحباً أو جاراً أو نزيلاً عنده ، أو صحراً أو قريباً له ، فعليّ كذلك !!.

وأمّا المنعم ، فلا ملازمة بين أن يكون كلّ من أنعم عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فعليّ منعم عليه.

وأمّا الناصر والمحبّ ، فسواء كان كلامه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، إخباراً أو إنشاء ، فاحتمالان ساقطان ، إذ ليسا بأمر مجهول عندهم ، لم يسبقه التبليغ حتّى يأمر به في تلك الساعة ، ويحبس له الجماهير ، ويعقد له ذلك المنتدى الرهيب ، في موقف حرج ، لا قرار فيه.

فلم يبق من المعاني إلّا الولي ، والأولى به ، والمراد منه المتصرف في الأمر ومتوليه. ذكر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ) (22) ، قال : قال القفال : « هو مولاكم ، سيّدكم والمتصرّف فيكم » (23).

فتعيّن أنّ المراد بالمولى : المتصرّف ، الذي قيّضه الله سبحانه لان يُتَّبع ، ويكون إماماً ، فيهدي البشر إلى سنن النجاة فهو أولى من غيره بأنحاء التصرف في المجتمع الإنساني ، فليس هو إلّا نبي مبعوث أو إمام مفترض الطاعة منصوص به من قبله تعالى ، بأمر إلهي ، لا يبارحه في أقواله وأفعاله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (24).

وأمّا القرائن المقالية : فمتعدّدة تثبت أيضاً أنّ المولى بمعنى الأولى بالشيء أو بمعنى الولي ، إذا تنازلنا إلى أنّه أحد معانيه ، وأنَّه من المشترك اللفظي ، وأمّا على القول بأنّه ليس للمولى إلّا معنى واحد ، كما أوضحناه ، فلا حاجة لذكر القرائن إلّا تأكيداً.

القرينة الأولى : صدر الحديث ، وهو قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « ألست أَوْلى بِكُمِ من أَنفسكم » ، أو ما يؤدّي مؤدّاه من ألفاظ متقاربة ثم فرّع على ذلك قوله : « فَمَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مولاه ». وقد روى هذا الصدر من حفاظ أهل السنّة ، ما يربو على أربع وستين عالماً (25).

فإنّ هذا الصدر يعيّن أنّ المراد من المولى هو الأولى ، ولا وجه للتفكيك المخل.

القرينة الثانية : ذيل الحديث ، وهو قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، وفي جملة من طرق الحديث قوله : وانصر من نصره ، اخذل من خذله ، أو ما يؤدّي مؤدّاه ، فلو أريد منه غير الأولى بالتصرف ، فما معنى هذا التطويل ، فإنّه لا يلتئم ذكر هذا الدعاء إلّا بتنصيب علي مقاماً شامخاً ، يؤهله لهذا الدعاء.

القرينة الثالثة : أخذ الشهادة من الناس ، حيث قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ حجّته حقّ الخ ». فإنّ وقوع قوله : « من كنت مولاه » ، في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة ، يحقّق كون المراد ، الإمامة ، الملازمة للأولويّة على الناس.

القرينة الرابعة : التكبير على إكمال الدين ، حيث لم يتفرّقوا بعد كلامه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، حتّى نزل أمين وحي الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) « الآية » ، فقال رسول الله : « الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي » ، فأيّ معنى يكمل به الدين ، وتتمّ به النعم ، ويرضى به الربّ في عداد الرسالة ، غير الإمامة التي بها تمام الرسالة ، وكمال نشرها وتوطيد دعائمها.

القرينة الخامسة : نعيُ النبي وفاته إلى الناس ، حيث قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « كأنّي دُعيت فأجبت ». وفي نقل : « إنّه يوشك أن أدعى » ، أو ما يقرّر ذلك ، وهذا يعطي أنّ النبي قد بقيت من تبلغيه مهمّة ، يحذر أن يدرِكَهُ الأجلُ قبل الإشادة بها ، وهي تعرب عن كون ما أشار به في هذا المحتشد ، تبليغ أمر مهم ، يخاف فوته ، وليس هو إلّا الإمامة.

أضف إليه أنَّه يعرب بذلك عن أنَّه سوف يرحل من بين أظهرهم ، فيحصل بعده فراغ هائل ، وأنّه يُسَدُّ بتنصيب عليٍّ في المقام الولاية.

القرينة السادسة : التهنئة ، جاء في ذيل الحديث ، وأخرجه الطبري في كتاب « الولاية » عن زيد بن أرقم ، أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، قال : « معاشر الناس ، قولوا : أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهالينا ، لا نبغي بذلك بدلاً ، وأنت شهيد علينا ، وكفى بالله شهيداً قولوا ما قلت لكم ، وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، وقولوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، فإنّ الله يعلم كلّ صوت ، خائنة كلّ نفس ، فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، ( وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) قولوا ما يرضي الله عنكم ، فإن تكفروا ، فإنّ الله غنيّ عنكم ».

القرينة السابعة : الأمر بإبلاغ الغائبين : وقد أمر ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في آخر خطبته بأن يبلّغ الشاهد الغائب ، فما معنى هذا التأكيد ، إذا لم يكن هناك مهمّة لم تتح الفرص لتبليغها على نطاق واسع ، ولا عرفته جماهير المسلمين ، وما هي إلّا الإمامة.

و غير ذلك من القرائن التي استقصاها شيخنا المتتبع في غديره (26).

الهوامش

1. ذكر شيخنا الحجّة العلّامة الأميني ، أسماء المؤلّفين وخصوصيّات كتبهم ، في الجزء الأوّل ، من غديره ، ص 152 ـ 157.

2. ومن أراد التبسط فعليه الرجوع إلى ما ذكرنا من المصادر ، وإلى كتاب « المراجعات » لمصلح الدين ، السيّد شرف الدين العاملي ـ رحمه الله ـ.

3. لاحظ دائرة المعارف ، لفريد وجدي ، ج 4 ، ص 149 ، وفيها أنّه قال : « وأمّا ما استكثرت من إيراد السؤالات ، فإنّي ما أردت إلّا تكثيرالبحث وتشحيذ الخاطر ، والإعتماد في الكلّ على الله تعالى ».

4. سورة الحديد : الآية 15.

5. تفسير الخازن ، نقلاً عن الغدير ، ج 1 ، ص 341.

6. معاني القرآن ، للفراء ، ج 3 ص 134.

7. لاحظ جميع ذلك في تفسير الرازي ، ج 8 ، ص 93.

8. نهاية العقول ، للرازي ، أيضاً.

9. صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 240.

10. سورة الأعلى : الآية 17.

11. التصريح ، لخالد بن عبد الله الأزهري ، باب أفعل التفضيل.

12. سورة آل عمران : الآية 52.

13. الآية السابقة نفسها.

14. تفسير النيسابوري ، تفسير سورة الحديد.

15. شرح المقاصد ، ج 2 ، ص 290.

16. لاحظ معاني القرآن للفراء ، ج 3 ، ص 124 ، والغدير ج 1 ، ص 361.

17. الصحاح ، ج 6 ، مادة « ولى » ، ص 2529.

18. النهاية لإبن الأثير ، ج 5 ، ص 228.

19. القاموس المحيط ، مادة « ولى » ، ج 4 ، ص 401.

20. تاج العروس ، ج 10 ، ص 399.

21. عُمّدة عيون صحاح الأخبار ، لابن البطريق ، ص 114 ـ 115.

22. سورة الحج : الآية 78.

23. تفسير الرازي ، ج 6 ، ص 21.

24. سورة النجم : الآيتان 3 و 4.

25. لاحظ نقولهم ، في كتاب الغدير ، ج 1 ، موزعين حسب قرونهم.

26. لاحظ الغدير ، ج 1 ، ص 370 ـ 383.

27. من أراد الوقوف على أشعارهم ، فليرجع إلى الغدير بأجزائه.

28. لقد استندنا في هذا البحث الضافي إلى كتاب الغدير ، فنقدر جهود شيخنا العلامة الأميني ، المغفور له.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 85 ـ 98

التعلیقات

اکتب التعلیق...

اخیره