إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى
نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 216 ـ 217
(216)
5 ـ إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى
ذكر المفسرون أنّ موسى ـ عليه السَّلام ـ اختار من قومه سبعين رجلاً حين خرج
من الميقات ليكلمه الله سبحانه بحضرتهم ، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل
لعدم وثوقهم بأنّ الله سبحانه يكلّمه ، فلما حضروا الميقات ، وسمعوا كلامه تعالى
سألوا الرؤية ، فأصابتهم الصاعقة فماتوا ، ثمّ أحياهم الله تعالى (4) ، يقول
سبحانه :
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(4) - مجمع البيان : ج2، ص 484.
________________________________________
(217)
الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1) .
ويقول سبحانه: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ
الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ
هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ } (2) .
والمتبادر من الآية هو إحياؤهم بعد الموت ، والخطاب لليهود والمعاصرين
للنبي باعتبار أسلافهم ، ولا يفهم أي عربي صميم من جملة : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ
بَعْدِ مَوْتِكُمْ } : سوى الإحياء بعد الإماتة.
وقد اتخذ صاحب المنار في تفسير الآية موقفه المعلوم من المعاجز ، فذهب إلى
أنّ المراد من البعث هو كثرة النّسل ، أي إنّه بعد ما وقع فيهم الموت بالصاعقة ،
وظنّ أن سينقرضون ، بارك الله في نسلهم ، ليعد الشعب بالبلاء السابق للقيام
بحق الشكر على النعم التّي تمتع بها الأباء الذين حل بهم العذاب بكفرهم لها (3) .
يلاحظ عليه : أوّلاً: إنّ الظاهرمن قول موسى : { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ
مِنْ قَبْلُ } ، أنّه سبحانه أجاب دعوته ، وأحياهم حتى يدفع عنه عادية اعتراض
القوم بأنّه ذهب بهم إلى الميعاد ، فأهلكهم ، وهذا لا يتم إلا إذا كان المراد هو
إحياؤهم حقيقة .
وثانياً: إنّ الرجفة لم تأخذ إلا سبعين رجلاً من قومه ، فليس في إهلاكهم
مظنة انقراض نسلهم .
وعلى كل تقدير ، فالباعث لصاحب المنار على تفسيره ، هو جنوحه إلى إنكار
المغيبات ، وتطبيق ماورد في الذكر الحكيم على العالم الحسّي التجريبي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة البقرة : الآيتان 55 ـ 56.
(2) - سورة الأعراف : الآية 155.
(3) - تفسير المنار : ج1، ص 322.
التعلیقات