قبول التوبة واجب على اللّه أو لا ؟
التوبة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 329 ـ 331
(329)
الأمر السابع : قبول التوبة واجب على اللّه أو لا ؟
لا شكّ أنّ التوبة تسقط العقاب ، و هو ممّا أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنّما
الخلاف في أنّه هل يجب على اللّه قبولها بحيث لو عاقب بعد التوبة كان ظالماً ، أو
هو تفضل منه سبحانه ، وكرم ورحمة منه بعباده؟
________________________________________
(330)
فالمعتزلة على الأوّل ، والأشاعرة والإمامية على الثاني.
استدل المعتزلة بوجهين:
1 ـ إنّ العاصى قد بذل وسعه في التلافي ، فيسقط عقابه ، كمن بالغ في
الاعتذار إلى من أساء إليه ، فإنّه يسقط ذمه بالضرورة (1).
و بعبارة أُخرى : إنّ من أساء إلى غيره ، واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات ،
وعرف منه الاقلاع عن تلك الإساءة بالكلية ، فالعقلاء يذمون المظلوم ، إذا ذمّه بعد
ذلك (2).
2 ـ لو لم يجب اسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي ، والتالي باطل
إجماعاً ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : إنّ التكليف إنّما يحسن للتعريض للنفع ، وبوجوب العقاب
قطعاً لا يحصل الثواب ، وبغير التوبة لا يسقط العقاب ، فلا يبقى للعاصي طريق
إلى إسقاط العقاب عنه ، ويستحيل اجتماع الثواب والعقاب ، فيكون التكليف
قبيحاً (3).
يلاحظ على الأوّل : بأنّه لا يجب في منطق العقل قبول المعذرة ، بل المظلوم
في خيرة بين القبول والصفح ، وليس رفض المعذرة مخالفاً للحكمة والعدل حتى
يجب على اللّه سبحانه.
وأمّا الثاني : فيلاحظ عليه أنّه مبنيٌ على الأصل الّذي اختاره المعتزلة من أنّ
مرتكب الكبيرة مخلدٌ في النار ، وهو لا يجتمع مع الثواب المترتب على التكليف ،
فاستدلوا بأنّه لو لم تقبل توبته لوجب أن يخلد في النار ( ولو بمعصية واحدة ) ، وهو لا
يجتمع مع الثواب ، فيلزم سقوط تكليف العاصي ، ولكن الأصل مردود لما قلنا من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - شرح المقاصد : ج 2 ص 242.
(2) - كشف المراد : ص 268. و لا حظ شرح الأُصول الخمسة : ص 798.
(3) - كشف المراد : ص 268 ط صيدا . و لا حظ شرح المقاصد : ج 2 ص 242 .
________________________________________
(331)
أنّ المؤمن لا يخلد في النار ، وإنّما كتب الخلود على الكافر ، فلا مانع من أنّ يعاقب
مدّة ، ثمّ يخرج فيثاب .
وعلى هذا فلا دليل على وجوب قبول التوبة على اللّه سبحانه ، بل قبولها
تفضّل وكرم منه سبحانه.
قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا
فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1). قال: « ووصفه بالرحيم عقيب
التوّاب يدل على أنّ اسقاط العقاب بعد التوبة تفضل منه سبحانه و رحمة من
جهته ، على ما قاله أصحابنا ، وأنّه غير واجب عقلاً على خلاف ما ذهب إليه
المعتزلة » (2).
نعم ، هذا إذا لوحظ قبول التوبة من حيث هو هو ، وأمّا إذا لوحظ بعدما
وعده سبحانه بقبول توبة التائب ، فالوجوب لا محيص عنه ؛ لأنّ خلف الوعد
قبيح ، من غير فرق بين الواجب والممكن ، و قد أوضحنا لك معنى كون شيء
واجباً على اللّه سبحانه ، وأنّه لا يراد منه تكليف اللّه سبحانه ، بل أنّ العقل
يكشف حكماً عاماً سائداً على الواجب والممكن ، وهو أنّ الحكيم لا يفعل القبيح ،
لما فيه من المبادئ الرافضة لارتكابه ، فيكون وجوب قبول التوبة سمعياً لا عقلياً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة البقرة : الآية 160 .
(2) - مجمع البيان : ج 1، ص 242.
التعلیقات