كلام الإمام الحسين عليه السلام في توحيد الله عزّ وجلّ
التوحيد
منذ 10 سنواتكلام الإمام الحسين عليه السلام في توحيد الله عزّ وجلّ
للإمام ( عليه السلام ) تراث رائع ، خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي مُنيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها ( عليه السلام ) ، وبيَّن وِجهة الإسلام فيها ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه :
في معنى ( التَّوحِيد ) :
وعَرَّض الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كثير من كلامه إلى توحيد الله ، فَبيَّنَ حقيقته وجوهره ، وفَنَّد شُبَه المُلحدين وأوهامهم ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أُثِر عنه :
أولاً :
قال عليه السلام :
« أيُّها النَّاس ، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يُشبِّهون الله بأنفسهم ، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير.
استخلص الوحدانية والجَبَروت ، وأمضى المشيئة ، والإرادة ، والقدرة ، والعلم بما هو كائن ، لا منازع له في شيء من أمره ، ولا كُفو له يعادِلُه ، ولا ضِدّ له ينازعه ، ولا سَمِيّ له يشابهه ، ولا مثل له يشاركه.
لا تتداوله الأمور ، ولا تجري عليه الأحوال ، ولا ينزل عليه الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كُنهَ عظمته ، ولا يخطر على القلوب مَبلغ جبروته ، لأنه ليس له في الأشياء عديل.
ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلّا بالتحقيق ، إيقاناً بالغيب لأنّه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين ، فذلك الله لا سَمِيّ له ، سبحانه ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ».
وحذّر الإمام ( عليه السلام ) من تشبيه الخالق العظيم بعباده ، أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء.
ثانياً :
يقول المؤرخون إن حَبْر الأمة عبد الله بن عباس كان يُحدِّث الناس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقام إليه نافع الأزرق فقال له : تُفتي الناس في النملة والقَملة ، صف لي إِلَهَك الذي تعبُد ؟
فأطرقَ إعظاماً لقوله ، وكان الإمام الحسين عليه السلام جالساً فانبرى قائلاً : « إِليَّ يا بن الأزرق » ؟
فقال نافع : لَستُ إِيَّاك.
فثار ابن عباس ، وقال له : إنه من بيت النبوة ، وهم وَرَثة العلم.
فأقبل نافع نحو الإمام عليه السلام ، فقال عليه السلام : « يا نافع ، من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس سائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً بالاعْوِجَاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل.
أصفُ لك إلهي بما وصفَ به نفسه ، وأعَرِّفُه بما عَرَّف به نفسه ، لا يُدركُ بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريبٌ غير مُلتَصِق ، بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف ، بالآيات موصوف ، بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المُتَعَال ».
فحارَ الأزرق ، ولم يُطِق جواباً ، فقد مَلَكَته الحيرة ، وسدَّ عليه الإمام عليه السلام كل نافذة ينفذ منها ، وبُهِر جميع من سمعوا مقالة الإمام عليه السلام ، وراحوا يُرَدِّدُون كلام ابن عباس : إِنَّ الحُسين عليه السلام مِن بيت النبوَّة ، وَهُم وَرَثَة العلم.
في معنى ( الصَّمَد ) :
كتب إليه عليه السلام جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى : ( اللهُ الْصَّمَدُ ).
فكتب عليه السلام لهم بعد البسملة : « أما بعد : فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تُجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بِغَير عِلم ، فقد سمعت جَدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « مَن قال في القرآن بغير عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأُ مقعدُهُ من النار ».
وإن الله سبحانه قد فَسَّر الصمد فقال : ( اللهُ أَحَدُ * اللهُ الْصَّمَدُ ).
ثم فَسَّرهُ فقال : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ).
( لَمْ يَلِدْ ) : لم يخرج منه شيء كثيف ، كالولد وسائر الأشياء الكثيفة ، التي تخرج من المخلوقين.
ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعب من البدوات كالسِّنَة والنوم والخطرة ، والهم والحزن ، والبهجة والضحك ، والبكاء والخوف ، والرجاء والرغبة والسأمة ، والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولَّدَ منه شيء كثيف أو لطيف.
( وَلَمْ يُولَدْ ) : لم يتولد منه شيء ، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرهم ، والدابة من الدابة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار.
ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، والسمع من الأذن ، والشم من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر.
لا ، بل هو الله الصمد الذي لا شيء ، ولا في شيء ، ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه ، فذلكم اللهُ الصَّمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير المُتَعال ، وَلم يَكُن لَهُ كُفوا أحد ».
المصدر : شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي
التعلیقات