حديث الرزيّة وصورها
السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان
منذ 6 سنواتحديث الرزيّة
حديث وأيّ حديث ؟! حديث ترك الأمّة تخبط في عشواء إلى يوم القيامة.
حديث وأيّ حديث ؟! حديثٌ فتح باب الفرقة والاختلاف بين الأمّة والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعدُ بين ظهرانيهم ، يدعوهم لما يحييهم فلم يستجيبوا له ، بل كايدوه وعاندوه حتى أغمي عليه.
حديث وأيّ حديث بعده يؤمنون ؟! حديث ما ذكره حبر الأمّة عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه إلّا وبكى ، بكاءٌ وأيّ بكاء ؟! بكاءٌ يبلّ دمعه الحصى ، بكاءٌ كأنّ دموعه حين تسيل نظام اللؤلؤ.
هكذا يصفه الرواة فلنقرأ ولنبك مع حبر الأمّة ، ولنندب حظ الأمّة العاثر حيث أضاعت تلك الفرصة الثمينة ، فرفضت ذلك العرض السخيّ المؤمِّن من الضلالة أبداً.
فلنقرأ ما يرويه ابن عبّاس رضي الله عنه :
قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس ؟! يوم أشتدّ برسول الله وجعه فقال : « إيتوني بدواة وبياض اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ». فتنازعوا ـ ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ـ فقال عمر : إنّ النبيّ يهجر ـ وفي حديث آخر : « إنّه ليهجر » ، وفي ثالث : « إنّه هجر » ـ ثمّ قال : عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف مَن في البيت ، وأختصموا فمن قائل يقول : القول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومن قائل يقول : القول ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغط واللغو ، وتمادى القوم في نزاعهم ، غضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « قوموا عنّي ، لا ينبغي عند نبيّ تنازع » ، فقاموا.
قال ابن عبّاس : فجئناه بعد ذلك بصحيفة ودواة ، فأبى أن يكتبه لنا ، ثمّ سمعناه يقول : « بعد ما قال قائلكم : عدى العَدَوي وسينكث البكري » ، ثمّ قال : « ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » ، ثمّ أوصى بثلاث فقال : « أحفظوني في أهل بيتي ، وأخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به » (1).
فكان ابن عبّاس رضي الله عنه بعد ذلك يقول : « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، لولا مقالته ـ يعني مقالة عمر ـ لكتب لنا كتاباً لم تختلف أمّته بعده ولم تفترق ».
هذه إحدى صور الحديث الآتية ، وأعتقد أنّ القارئ يستفزه مثل هذا الحديث ويتسرّع إلى الحكم بوضعه ، لشدّة صدمته ، وقد تذهب به المذاهب في الحكم على أولئك الصحابة الّذين شاقـّوا الله ورسوله ، فنسبوا الهجر إلى نبيّ أصطفاه الله لأداء رسالته إلى الناس كافة ، فكان سفيره في خلقه ، وأمينه على وحيه ، ورسوله المسدّد ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (2).
لكنّي أعتقد أيضاً أنّ القارئ سيظهر له من متابعة صور الحديث الآتية ، وما يتبعها من أقوال العلماء في توجيهه ، اعتذاراً عن المعارضة ، أنّ الحديث صحيح وأنّهُ حديث رزيّة وأيّ رزيّة ، ولم يكن ابن عباس رضي الله عنه مبالغاً حين قال ذلك فيه ، لأنّ فيه الردّ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو عين الردّ على الله تعالى ، أوليس الردّ على الله وعلى الرسول من موجبات الكفر فالله سبحانه يقول : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (3).
والمعارضة تردّ على الرسول ما طلب ، وتصرّ على الإمتناع من تلبية طلبه.
والله سبحانه يقول : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (4).
والمعارضة تقول : إنّه يهجر.
والله سبحانه يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (5).
والمعارضة : تأبى ذلك وتردّ عليه بعنف وقسوة.
والله سبحانه يقول : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (6). والمعارضة تأبى ذلك.
والله سبحانه يقول لنبيّه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (7).
والمعارضة تشاكسه في التبليغ ، وتردّ عليه بعنف وسوء أدب ، وكأنّهم لم يسمعوا جميع تلكم الآيات الكريمة ولم يسمعوا الله سبحانه يقول في كتابه : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (8).
أليس هذا هو الضلال البعيد ؟ أليس هذا هو الخسران المبين ؟ أليس هذا هو الظلم والجفاء ؟ أليس هذا هو الغباء والشقاء ؟ أيّ غباء فوق هذا يتركون طريق التأمين على السلامة إلى الأبد ، ويرتطمون أوحال الجهالة !؟
يا لله لقد سبق أن آذوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في نفسه وآله ، حتّى وبّخهم القرآن الكريم في آية ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ ) (9) ، وآذوه الآن في قدسه وعصمته ، منتهكين بذلك حرمته في أداء رسالته. وهل يعني ذلك غير ردّهم : إنّه يهجر ؟.
هذه نبذة عن حديث الرزيّة ، بل نفثة حرّى جاش بها الصدر فباحا ، وما قدّمتها إلّا لتنبيه القارئ على استعداده لقراءة ما سيقرأه من حديث الرزيّة وملابساته ، وما تبعه من أعذار واهية ، لا تزيد علماً ولا تغني عملاً ، سوى كشف صفحات ـ لولا حديث الرزيّة ـ لسنا بصددها والكشف عنها ، ولكنّها جناية السلف ، وخيانة الخلف ، أودت باُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى حافة الهاوية والتلف. ولئلا يصدمه عنف الردّ كما صدم الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى أغمي عليه ، فليستعد ويتدرع بالصبر من الآن.
لنقرأ « أوّلاً » صور الحديث في الصحاح والسنن والمسانيد وكتب التاريخ واللغة والأدب ، من ثمّ نتابع معه قراءتنا « ثانياً » في مصادر الحديث ، و « ثالثاً » مع العلماء في آرائهم حول الحديث.
وليقرأ القارئ كلّ ذلك بروحٍ موضوعيّة مع التجرّد عن العاطفة والأبتعاد عن التعصّب ، ونترك له الحكم في تلك القضيّة وبالأصحّ الرزيّة ، فعلى مَن تقع المسؤوليّة ؟
ولا نريد أن نستبق الحكم في ذلك بل له ما سيؤدّيه نظره إليه من رأي حول رموز المعارضة أيّاً كانوا ومهما كانوا ، فهم أوّلاً وأخيراً إنّما نكنّ لهم الإحترام ، ما داموا في طاعة النبيّ وخدمة الإسلام. أما وقد نبذوا أمر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يكتفوا بذلك حتّى نسبوا إليه الهجر ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) (10) ، فنحن في حلٍّ من حسابهم ، وهم كسائر الناس في خطأهم وصوابهم. فهم غير معصومين ، ولا نحن في حسابهم بملومين.
صور الحديث
لقد ورد الحديث بصور متعدّدة تبلغ الثلاثين أو تزيد ، وهذا رقم قد يبعث على الدهشة ! حديث واحد عن واقعة واحدة ، يرويها أربعة من شهودها وهم :
1 ـ الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
2 ـ الخليفة عمر بن الخطاب بطل المعارضة.
3 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.
4 ـ عبد الله بن عبّاس.
كيف يبلغ اختلاف الصور في رواياتهم إلى ذلك العدد !!
ولو كان العدد يتساوى فيه الشهود لهان الأمر ولا غرابة ، ولكن الغرابة أنّا سنقرأ الحديث عن كلّ من الإمام عليّ عليه السلام وعن الخليفة عمر ورد بصورتين ، وعن جابر بصورتين. وباقي الصور كلّها تروى عن ابن عبّاس لماذا ذلك ؟
سؤال يفرض نفسه ، ولابدّ من تلمّس الجواب عليه ، وهذا ما سنجده عند الوقوف على قائمة الرواة عنه ، ثمّ في باقي الطبقات من رجال الأسانيد بعدهم ، حتّى نصل إلى مدوّنيه من أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والتاريخ وغيرهم.
وهؤلاء بذلوا جهداً كبيراً في التعتيم على رموز المعارضة ، فأحاطوه بهالة من التضبيب الكثيف ، تكاد أن تخفي معالمه ، حفاظاً على حقّ الصحبة ، وإن تمّ ذلك على حساب قدس صاحب الرسالة ، فانظر ـ أيها القارئ ـ تلكم الصور كما وردت في مصادرها الموثوقة عن أعيان شهودها.
ولنبدأ بما روي عن الإمام عليّ عليه السلام ، ثمّ بما روي عن الخليفة عمر ، ثمّ بما روي عن جابر ، وأخيراً بما روي عن ابن عبّاس. وهو المعني به في هذا التحقيق وهو صاحب الكتاب :
الصورة الأولى
ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام :
أخرج ابن سعد في طبقاته قال : « أخبرنا حفص بن عمر الحوضي عن عمر بن الفضل العبدي عن نعيم بن يزيد عن عليّ بن أبي طالب انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا ثقل قال : « يا عليّ إئتني بطبق أكتب فيه ما لا تضل أمّتي بعدي » ، قال : فخشيت أن تسبقني نفسه ، فقلت : إنّي أحفظ ذراعاً من الصحيفة.
قال : فكان رأسه بين ذراعي وعضدي ، فجعل يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم.
قال : كذلك حتى فاضت نفسه ، وأمر بشهادة أن لا اله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله حتى فاضت نفسه ، من شهد بهما حُرّم على النار » (11).
أقول : أخرج هذه الصورة أحمد في مسنده : « عن بكر بن عيسى الراسبي عن عمر بن الفضل وإلى قوله : وما ملكت أيمانكم » (12). ورواها البخاري في الأدب المفرد (13). وهذه الصورة كما تراها مهلهلة الجوانب ، تخفق فيها رياح الأهواء ، فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يأمر عليّاً باحضار طبق ليكتب فيه ما لا تضلّ أمّته بعده ، وعليّ عليه السلام لا يمتثل خشية أن تسبقه نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟! وجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ، حتّى فاضت نفسه ؟!
وأمر بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله حتّى فاضت نفسه ؟ (14)
أيّ نفس هذه بعد أن سبق وأن فاضت نفسه أوّل مرّة ـ كما مرّ ـ فهل عادت إليه ثانياً فجعل يأمر بالشهادتين حتّى فاضت نفسه ثانياً ؟!
الجواب عن ذلك عند الرواة. غير إني أنبّه القارئ إلى أنّ مارواه الإمام عليه السلام ليس هذا ، بل هو عين ما رواه عبد الله بن عبّاس كما صرّح بذلك الحسن البصري وهو من سادة التابعين فأقرأ ما يأتي.
الصورة الثانية
أخرج أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في كتابه سير الصحابة والزهّاد والعلماء العبّاد فقال : « حدّثني محمّد بن عليّ قال سمعت أبا أسحاق يزيد الفراء عن الصّباح المزني عن أبان بن أبي عياش قال سمعت الحسن بن أبي الحسن قال : سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ ثمّ سمعته بعينه من عبد الله بن عبّاس بالبصرة وهو عامل عليها ، فكأنّما ينطقان بفم واحد ، وكأنّما يقرآنه من نسخة واحدة ، والّذي عقلته قول ابن عبّاس ، والمعنى واحد غير أنّ حديث ابن عبّاس أحفظه ـ قال : سمعته يقول : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في مرضه الّذي قبض فيه : « إيتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً » ، فقام بعضهم ليأتي به ، فمنعه رجل من قريش « ؟ » وقال : إنّ رسول الله يهجر.
فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فغضب وقال : « إنّكم تختلفون وأنا حيّ ! قد أعلمت أهل بيتي بما أخبرني به جبرئيل عن ربّ العالمين ، إنّكم ستعملون بهم من بعدي ، وأوصيتهم كما أوصاني ربّي ، فأصبرُ صبراً جميلاً » .
فبكى ابن عبّاس حتّى بلّ لحيته. ثمّ قال : « لولا مقالته لكتب لنا كتاباً لم تختلف أمّته بعده ولم تفترق ... اهـ » (15).
الصورة الثالثة
ما روي عن عمر بن الخطاب :
أخرج ابن سعد في طبقاته قال : « أخبرنا محمّد بن عمر حدّثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : كنا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أغسلوني بسبع قِرب ، وائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ».
فقال النسوة : إئتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحاجته. قال عمر : فقلت : اسكتنّ فإنكنّ صواحبه ، إذا مرض عصرتنّ أعينكم ، وإذا صحّ أخذتنّ بعنقه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « هنّ خير منكم » » (16).
وأخرجه عنه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد عن ابن أبي شيبة بتفاوت يسير (17).
الصورة الرابعة
ما روي عن عمر بن الخطاب ، وهي تقرب من الثالثة إلّا أنّها أتم ولفظها كما يلي :
أخرج النسائي في السنن الكبرى والهيثمي في مجمع الزوائد قال : « وعن عمر بن الخطاب قال : لمّا مرض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « ادعوا لي ـ ائتوني ـ بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي » ، فكرهنا ذلك أشد الكراهيّة ثمّ قال : « ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت : إنّكنّ صواحبات ـ صواحب ـ يوسف إذا مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عصرتنّ أعينكنّ ، وإذا صحّ ركبتنّ عنقه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم » » (18).
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمّد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، قال العقيلي : في حديثه نظر ، وبقية رجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف ... أه.
أقول : لا يهمني قول العقيلي في محمّد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ـ وهذا منتظر منه في الرجل وأمثاله ـ ما دام الحديث رواه أصحاب الصحاح ومنهم البخاري ، ولا كلام للعقيلي في رجاله.
لكن الّذي يهمّني تنبيه القارئ على ما مرّ في الصورة الثالثة من حذف قول عمر : « فكرهنا ذلك أشدّ الكراهيّة » لماذا كرهوا ذلك أشدّ الكراهيّة ؟
والجواب : سيأتيك بالأخبار من لم تزوّد. فانتظر ما سوف يأتي من تعقيب على الصور والأسانيد من أقوال علماء التبرير ، فستجد هناك من التحوير والتزوير ، وعجائب بل وغرائب من التفكير والتصوير.
ثمّ إنّ قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أدعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ». فقال النسوة ... قد حذف وهذا يكشف عن التواطؤ العملي بين الرواة على تعمية الصورة ، بكلّ ما أمكنهم من حول وطول.
فقد حذفوا دعوة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثانياً بإحضار الصحيفة ، ممّا يدلّ على تصميم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على تنفيذ أمره ، كما يدلّ على إصرار المعارضة على رفضه. وسيأتي في حديث جابر ما يدلّ عليه.
وقد شوّشوا على تدخل العنصر النسوي في تلك المعركة الكلاميّة الحادّة بعد دعوة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثانية لهم باحضار الكتاب. ممّا يدل على مدى الصخب والجدال حتّى كانت المرأة كالرجل في ذلك اليوم. وسيأتي مزيد إيضاح عن ذلك في حديث طاووس عن ابن عباس « الصورة 14 ، 15 » وحديث عكرمة عن ابن عبّاس « الصورة 17 ».
الصورة الخامسة
ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري :
أخرج ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمّد بن عبد الأنصاري عن قرّة بن خالد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « لمّا كان في مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الّذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمّته كتاباً لا يَضِلّون ولا يُضِلّون ، قال : فكان في البيت لغط وكلام وتكلّم عمر بن الخطاب. قال : فرفضه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم » (19).
وبهذا النصّ ورد في نهاية الإرب للنويري (20) ، ورواه البيهقي في سننه باب كتابة العلم في الصحف وبتره عند قوله : وتكلّم عمر فتركه (21).
وأخرج ابن سعد أيضاً بسنده عن محمّد بن عمر عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر قال : « دعا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لأمّته لا يَضِلوا ولا يُضلّوا فلغطوا عنده حتّى رفضها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم » (22).
أقول : وأخرج هاتين الروايتين الهيثمي في مجمع الزوائد إلّا أنّه قال في آخر الأولى : « فرفضها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقال : رواه أبو يعلى. وعنده في رواية : يكتب فيها كتاباً لأمّته قال : لا يَظلمون ولا يُظلمون. ثمّ قال : ورجال الجميع رجال الصحيح » (23) ، ثمّ أخرجها ثانياً وقال : « رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه خلاف » (24).
أقول : وسند أحمد كما في مسنده عن موسى بن داود عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر (25) ، ونحن لا يهمّنا الخلاف في ابن لهيعة بعد ما مرّ عن ابن سعد بإسنادين ليس فيهما ابن لهيعة ويأتي عن ابن حبّان كذلك ، لكن الّذي يهمّنا هو التحريف عنده في آخر الرواية الأولى !
فعن ابن سعد والنويري : « وتكلّم عمر بن الخطاب فرفضه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم » ، بينما في روايته الثانية : « فتكلّم عمر بن الخطاب ، فرفضها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » ، وفي تغيير الضمير في الرفض ما يستحق التأمّل فيه.
أمّا عن ابن لهيعة فليس يهمنا فعلاً الدفاع عنه بعد ما روي الحديث بأسانيد ليس فيها ابن لهيعة كما مرّ عن ابن سعد ، ورواه أيضاً ابن حبّان في كتابه الثقات بسند ليس فيه ابن لهيعة ، فقد روى عن إبراهيم بن خريم عن عبد بن حميد عن عثمان بن عمر عن قرة بن خالد السدوسي عن أبي الزبير عن جابر : « انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا بصحيفة عند موته فكتب لهم فيها شيئاً لا يَضلّون ولا يُضلون ، وكان في البيت لغط ، وتكلّم عمر فرفضها ... ا ه » (26).
وبالمقارنة بين رواية ابن حبّان وما سبقها ، يدرك القارئ مدى التحريف المتعمد كما هو عند الهيثمي ، إلّا أنّ الجديد في رواية ابن حبّان هي قوله : « فكتب لهم فيها شيئاً ... » ، فما هو الشيء الّذي كتب لهم ؟ ثمّ لماذا كان اللغط ؟ وممّن كان ؟ وأخيراً لماذا تكلّم عمر ؟ ثمّ من ذا رفضها ؟ أهو عمر ؟ أم النبيّ ؟
كلّ هذا يجد القارئ الإجابة عليه في قول عمر لابن عبّاس : « أراده ـ يعني عليّاً ـ للأمر فمنعت من ذلك » ، وقوله الآخر وقد مرّ : « فكرهنا ذلك أشدّ كراهيّة » [ راجع الصورة ٤ ].
ولم يكن ما تقدم من اختلاف في صورة حديث جابر مقتصراً على ما مرّ ، بل له صورة أخرى أخرجها البلاذري في جمل أنساب الأشراف من حديث جابر ، فقال : « حدّثني روح ثنا الحجاج بن نصير عن قرّة بن خالد عن أبي الزبير عن جابر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا بصحيفة أراد أن يكتب فيها كتاباً لأمّته فكان في البيت لغط فرفضها » (27).
والآن وقد انتهينا من عرض خمس صور للحديث بروايتها عن الإمام أمير المؤمنين وعن الخليفة عمر وعن جابر بن عبد الله ، فلنعد نقرأ باقي الصور بكلّ أشكالها واختلاف رجالها برواياتهم عن ابن عبّاس.
الصورة السادسة
ما رواه عليّ بن عبد الله بن عباس عن أبيه :
قال : « لمّا حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوفاة وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إيتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » ، فقال عمر : كلمة معناها إنّ الوجع قد غلب على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمّ قال : عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف مَن في البيت واختصموا ، فمن قائل يقول القول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن قائل يقول : القول ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغَط وَاللغو والاختلاف ، غضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « قوموا إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يختلف عنده هكذا » ، فقاموا. فمات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك اليوم.
فكان ابن عبّاس يقول : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » يعني الاختلاف واللغط.
أخرج هذه الصورة أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه « السقيفة » عن الحسن بن الربيع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عليّ ابن عبد الله بن العباس. ورواها عن كتاب الجوهري ابن أبي الحديد في شرح النهج.
ثمّ قال ابن أبي الحديد : « قلت : هذا الحديث قد خرّجه الشيخان محمّد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما ، واتّفق المحدّثون كافة على روايته » (28).
أقول : كلام ابن أبي الحديد في هذا المقام تعوزه الدقّة. فإن هذه الصورة من الحديث سنداً ومتناً لم ترد في الصحيحين ، ولم يتّفق المحدّثون كافةً على روايتها بألفاظها. نعم اتّفق المحدّثون كافّة على رواية مضمونها بألفاظ متفاوتة وأسانيد مختلفة ، كما سنقرؤها في الصور الآتية.
الصورة السابعة
ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس فيما أخرجه أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في كتابه سير الصحابة والزهاد بسنده عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير قال : « كان ابن عبّاس إذا ذكر ليلة الخميس بكى ، فقيل له : يابن عبّاس ما يبكيك ؟ قال : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « يا بني عبد المطلب أجلسوني وسنّدوني أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي أبداً » ، فقال بعض أصحابه : أنّه يهجر ـ قال : وأبى أن يسمي الرجل ـ فجئنا بعد ذلك ، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يكتبه لنا ، ثمّ سمعناه يقول : « عدى العدوي وسينكث البكري » (29).
الصورة الثامنة
ما رواه أيضاً سعيد بن جبير عن ابن عبّاس فيما أخرجه عنه ابن سعد في الطبقات بسنده عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن الأعمش عن عبيد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : « اشتكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الخميس فجعل ـ ابن عبّاس ـ يبكي ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « ايتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً ؟ » قال : فقال بعض من كان عنده : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ليهجر ، فقال : فقيل له ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : « أو بعد ماذا ؟! » ، قال : فلم يدع به » (30).
أقول : أخرج هذه الصورة الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن عمر بن حفص السدوسي عن عاصم بن عليّ عن قيس بن الربيع عن الأعمش إلى آخر السند كما مرّ عن ابن سعد ، ومن دون تفاوت. لكن في المتن إثم واختلاف كبير إذ قال : « لـمّا كان يوم الخميس ، وما يوم الخميس ؟ ثمّ بكى فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ايتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فقالوا : يا رسول الله ألا نأتيك بعد ؟ قال : « بعد ما » ... اهـ » (31).
أقول : فلاحظ حذف جملة : « فقال بعض من كان عنده ان نبيّ الله ليهجر » ، فمن ابتلعها من رواة السوء حين غصّ بذكرها ! ودع عنك من تفاوت دون ذلك.
الصورة التاسعة
ما رواه سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
ويكاد ينعدم وضوح الرؤية في هذه الصورة ، إذ تنبعث منها عدّة صور متشابهة مضموناً ، متفاوتة سنداً ومتناً ، وما ذلك إلّا لارتعاش أيادي المصورين ودمدمة المتمتمين ـ وهم المحدّثون والرواة طبعاً ـ.
فقد روى الحديث عن ابن عيينة خمسة عشر علماً من أعلام المحدّثين ـ فيما أحصيت ـ وربّما كانوا أكثر ، ولكن لم نجد رواياتهم كلّها متفقة تماماً ، وحبّذا لو كان الخلاف يسيراً لهان الأمر ، ولكن بين مرويّاتهم من التفاوت ما يبعث على الشكّ والريبة.
والآن لنمر عابرين على أسمائهم لنقارن بين مروياتهم ، ولندرك كم جنى التالون على ما رواه الأوّلون ، وهم :
1 ـ يحيى بن آدم المتوفّى في سنة 203 هـ.
2 ـ عبد الرزاق بن همام المتوفّى سنة 211 هـ.
3 ـ قبيصة بن عقبة المتوفّى سنة 215 هـ.
4 ـ عبد الله بن الزبير الحَميدي المتوفّى سنة 219 هـ.
5 ـ الحسن بن بشر المتوفّى سنة 221 هـ (32).
6 ـ محمّد بن سلام المتوفّى سنة 225 هـ.
7 ـ سعيد بن منصور المتوفّى سنة 227 هـ.
8 ـ محمّد بن سعد المتوفّى سنة 230 هـ.
9 ـ عمرو الناقد المتوفّى سنة 232 هـ.
10 ـ عليّ بن عبد الله المديني المتوفّى سنة 234 هـ.
11 ـ قتيبة بن سعيد المتوفّى سنة 240 هـ.
12 ـ أحمد بن حنبل المتوفّى سنة 241 هـ.
13 ـ أبو بكر بن أبي شيبة المتوفّى سنة 235 هـ.
14 ـ الحسن بن محمّد بن الصباح الزعفراني سنة 259 أو سنة 260 هـ.
15 ـ أحمد بن حمّاد الدولابي المتوفّى سنة 269 هـ.
وإلى القارئ استعراض رواياتهم :
أمّا رواية يحيى بن آدم ـ أوّل القائمة ـ فهي تتّفق مع رواية أحمد بن حماد الدولابي ـ الخامس عشر من القائمة ـ كما أخرجها الطبري ، وإليك لفظه :
« حدّثنا أبو كريب قال حدّثنا يحيى بن آدم ... قال ـ ابن عبّاس ـ : يوم الخميس » قال الطبري ـ ثمّ ذكر نحو حديث أحمد بن حماد الدولابي ، والحديث المشار إليه كان قد ذكره قبل هذا ولفظه ـ : « قال ـ ابن عبّاس ـ يوم الخميس وما يوم الخميس ؟! قال : أشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « إيتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ أن يتنازع ، فقالوا : ما شأنه ؟ أهجر أستفهموه ؟ فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : « دعوني فما أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه » ، وأوصى بثلاث قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة عمداً » ، أو قال فنسيتها. قال الطبري : في رواية يحيى بن آدم غير أنّه قال : ولا ينبغي عند نبيّ أن يُنازع ... اهـ » (33).
فهذه رواية الطبري كفتنا مؤنة البحث عن مقارنة حديثين لراويين عن سفيان وهما يحيى بن آدم وأحمد بن حماد ، وهما أوّل القائمة وآخرها.
وأمّا رواية عبد الرزاق ـ الثاني من القائمة ـ فقد أخرجها في كتابه المصنّف عن ابن عيينة بلا واسطة بينهما وهو لا يختلف في حديثه كثيراً عما أخرجه البخاري عن شيخه قبيصة ، إلّا فيما جاء في آخره قال : « فأمّا أن يكون سعيد سكت عن الثالثة عمداً ، وأمّا أن يكون قالها فنسيها » (34). وهذا مرّ علينا نحوه في حديث البخاري عن شيخه محمّد بن سلام.
وأمّا رواية قبيصة ـ وهو الثالث من القائمة ـ فقد رواها عنه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، في باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم (35).
قال : حدّثنا قبيصة حدّثنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثمّ بكى حتّى خضب دمعهُ الحصباء فقال : أشتد برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه يوم الخميس فقال :
« أئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : « دعوني فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » ، وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، ونسيت الثالثة » (36).
ثمّ حكى البخاري تحديد جزيرة العرب ، وليس ذلك جزءاً من الحديث !
واعلم بأنّ البخاري لم تقتصر روايته لحديث سفيان على شيخه قبيصة عن سفيان ، بل رواه أيضاً عن شيخه الآخر محمّد بن سلام ـ وهو السادس في القائمة ـ في كتاب الجزية في باب اخراج اليهود من جزيرة العرب ، ولدى المقارنة بين الروايتين نجد تفاوتاً في اللفظ وزيادة في رواية محمّد بن سلام لم ترد في رواية قبيصة.
وإليك اللفظ برواية محمّد بن سلام قال ـ بعد ذكر السند إلى سعيد بن جبير ـ : « سمع ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى ، قلت : يا ابن عبّاس ما يوم الخميس ؟ قال : أشتد برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : ما له أهَجَر ، أستفهموه ، فقال : « ذروني فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » ، فأمرهم بثلاث : قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، والثالثة خير ، إمّا أن سكت عنها ، وأمّا أن قالها فنسيتها » (37).
قال سفيان : هذا من قول سليمان.
وثمة رواية ثالثة للبخاري لحديث سفيان عن شيخه قتيبة ـ وهو الحادي عشر في القائمة ـ ذكرها في كتاب المغازي في باب مرض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ووفاته ، وهي تتفاوت مع ما مرّ من روايتي قبيصة ومحمّد بن سلام تفاوتاً جزئياً ، وفيها : « فقالوا : ما شأنه أهجر أستفهموه فذهبوا يردون عليه » (38).
أقول : ومع ذلك فيبقى العجب من البخاري ، إذ هو يروي الحديث عن سفيان برواية ثلاثة من شيوخه وهم سمعوه من شيخهم سفيان ، ومع ذلك لم تتّفق رواياتهم على نحو الدقّة ، بل أنّ في بعضها زيادة على الأخرى كما مرّ في رواية محمّد بن سلام فراجع.
وفوق ذلك أنّ البخاري لم يعقـّب على الإختلاف بشيء ممّا يوهم أنّ ذلك من الرواة ، مع انّ المتتبّع لأحاديث صحيح البخاري يجد كثيراً من نحو هذا ، فمثلاً يحسن بالباحث مراجعة فتح الباري في شرح أوّل حديث للبخاري ليقف على بلبلة العلماء في أوّل حديث في صحيح البخاري وهو « إنّما الأعمال بالنيّات » وما فيه من خرم حتّى قال ابن العربي : « لا عذر للبخاري في إسقاطه ، لأنّ الحميدي شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام ... وقال الداودي الشارح : الإسقاط فيه من البخاري ، فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدلّ على ذلك » (39).
وقال ابن حجر : « ولا يوجد فيه ـ في الصحيح ـ حديث واحد مذكور بتمامه سنداً ومتناً في موضعين أو أكثر إلّا نادراً » ، فقد عنى بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعاً. وقال : « فلا يوجد في كتابه حديث على صورة واحدة في موضعين فصاعداً » (40).
فبعد شهادة هؤلاء لا يسعنا إدانة وسائط النقل بين البخاري وبين ابن عيينة ، بل التبعة يتحمّلها البخاري إذ لم يؤد ما حُمّل من الحديث كما هو.
ثمّ أعلم أنّ الحديث برواية قتيبة رواه عنه أيضاً مسلم في صحيحه في كتاب الوصيّة في باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه فقال : « عن سعيد بن منصور وقتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ثمّ قال : واللفظ لسعيد. وفي قوله هذا إيماء إلى أنّ في رواياتهم اختلاف فاختار رواية سعيد ، وما ذكره يتّفق مع ما مرّ عند البخاري عن محمّد بن سلام ، ثمّ رواه عن أبي إسحاق إبراهيم عن الحسن بن بشر عن ابن عيينة » (41).
وأمّا رواية عبد الله بن الزبير الحَميدي ـ الرابع من القائمة ـ فقد أخرجها في مسنده (42) عن ابن عيينة بلا واسطة ، ولفظه مقارب لما مرّ عن عبد الرزاق.
وأمّا رواية الحسن بن بشر ـ الخامس في القائمة ـ فقد أخرجها مسلم في صحيحه (43) ، وهي نحو ما مرّ من رواية قتيبة. وكذلك رواية محمّد بن سلام وهو السادس في القائمة.
وأمّا رواية سعيد بن منصور ـ السابع من القائمة ـ فقد أخرجها في سننه ، وقد مرّ عن مسلم روايته عنه في صحيحه ، كما أخرجها عنه عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في سير الصحابة عن أبي إسحاق عنه (44) ، وأخرجها عنه أيضاً أبو داود في سننه مع شرحه عون المعبود في كتاب الخراج والفيء والإمارة في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. إلّا أنّه طوى أوّل الحديث جملة وتفصيلاً فقال :
« حدّثنا سعيد بن منصور بن سفيان بن عينية عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصى بثلاثة فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال ابن عبّاس : وسكت عن الثالثة أو قال : فأنسيتها ».
« وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان : لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها » (45).
أقول : ما علّمت عليه بين قوسين وضع عليه رمز نسخة ، يعني لم يرد في جميع نسخ سنن أبي داود.
ونعود إلى ما رواه أبو داود عن سعيد بن منصور ، لماذا قطع من الحديث رأسه فلم يذكر أوّله ، بل لم يذكر منه إلّا الوصيّة مع انّ حديث سعيد بن منصور أخرجه مسلم في صحيحه والخوارزمي في سير الصحابة ولفظهما متقارب ، وقد مرّ برواية مسلم في هذه الصورة عند ذكر قتيبة شيخ البخاري ، فراجع وقارن لتعرف مدى أمانة أبي داود ولعلّه هو الآخر يفتري على سعيد بن منصور بأنّه لم يذكر أوّل الحديث ، أو ذكره فنسيه هو الآخر ، كما في الوصيّة الثالثة ـ وسيأتي مزيد بيان عنها ـ فقال عنها سليمان : لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها. لكن أبا داود أفترى على ابن عبّاس فنسب إليه أنّه قال : « وسكت عن الثالثة ، أو قال : فأنسيتها ».
وأمّا رواية محمّد بن سعد ـ الثامن في القائمة ـ فقد أخرجها في كتابه ، ولفظه كما مرّ إلّا في قوله : « أئتوني بدواة وصحيفة » ، وفي آخر الحديث : « أو سكت عنها عمداً » (46).
وأمّا رواية عليّ المديني ـ العاشر في القائمة ـ فقد أخرجها البيهقي (47) عن عليّ بن أحمد بن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفار عن إسماعيل بن إسحاق القاضي عنه عن سفيان ، وفي روايته زيادة لم يشاركه فيها أحد ممّن روى عن سفيان سنأتي على ذكرها عند نقل ما قاله البيهقي ضمن علماء التبرير.
وأمّا رواية أحمد بن حنبل ـ الثاني عشر في القائمة ـ فقد أخرجها في مسنده (48) عن ابن عيينة بلا واسطة ويبدو أنّه سمع الحديث من سفيان بن عيينة أكثر من مرّة لقوله : « قال مرة كذا ». فحدث تفاوت لفظي لتكرّر سماعه ، وهذا يسوّغ لنا تحميل سفيان عبء الاختلاف إلّا فيما لا يسع تحميله ، نحو صنيع أبي داود الّذي أشرنا إليه.
وأمّا رواية أبي بكر بن أبي شيبة ـ وهو الثالث عشر في القائمة ـ فقد أخرجها عنها مسلم (49) نحو روايته عن سعيد بن منصور.
وأمّا رواية الحسن بن محمّد بن الصباح الزعفراني ـ الرابع عشر من القائمة ـ فقد أخرجها البيهقي في سننه وهذا لفظه : « حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن يوسف الأصبهاني املاء ، انبأ أبو سعيد أحمد بن محمّد بن زياد البصري بمكّة ثنا الحسن بن محمّد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة ... سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : اشتدّ وجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقال : « ذروني فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » ، وأمرهم بثلاث : فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، والثالثة نسيتها » (50) ثمّ قال البيهقي عقب ذلك : رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وغيره عن سفيان ، ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وقتيبة وغيرهما عن سفيان.
وأمّا رواية أحمد بن حماد الدولابي ـ الخامس عشر في القائمة ـ فقد أخرجها الطبري في تاريخه (51) وقد مرّت الإشارة إليها في رواية يحيى بن آدم ـ أوّل القائمة ـ.
أقول : وعلى القارئ أن يقارن بين ما رواه وبين روايات من أشار إليهم البيهقي وقد مرّت ليرى مدى التفاوت من حذف وتغيير ، وأربأ بنفسي معه عن سوء التعبير والتقدير.
والآن ونحن قد طالت مسيرتنا مع الصورة التاسعة الّتي رواها خمسة عشر من أعلام الحفاظ وأئمّة الحديث كلّهم عن سفيان بن عيينة ، فقد رأينا الإختلاف بين رواياتهم ، ممّا يجعلنا نشك في دقّة سلامتها اللفظيّة وإذا تجوّزنا لهم الحمل على الصحّة فنقول : إنّهم تجوزوا النقل بالمعنى ، ولكن ليس هذا بجائز دائماً ، خصوصاً ما دام يغيّر من بُنية الحديث المعنويّة.
ومهما كان الاعتذار عنهم ، فكيف الاعتذار عن حديث راو شارك سفيان ابن عيينة في سماعه الحديث من سليمان الأحول ، وهو شبل بن عباد ، فقد روى هذا الشبل عن الأحول الحديث ، وأخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن عبدان عن هارون عن أبيه زيد بن أبي الزرقاء عن شبل عن سليمان الأحول عن سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس قال : « يوم الخميس وما يوم الخميس ، يوم اشتدّ فيه وجع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وذكر الحديث » ، هكذا ذكره الطبراني (52).
أقول : وإذ لم يسبق من الطبراني أن ذكر قبله حديثاً مشابهاً ، فكيف جاز له أن يقول : وذكر الحديث ، أيّ حديث يشير إليه كما تقتضيه الدلالة العهدية. فمن ذا يا ترى هو الّذي بتر الحديث وأبلس من ذكره.
هل هو شبل ؟ أم هم بقيّة الرواة ؟ أم هو الطبراني ؟ وهو الأقرب لما سيأتي عنه من شاهد آخر يدلّ على ذلك.
ثمّ أخيراً ما بال محقّق معجم الطبراني مرّ على الحديث عابراً ، فلم يعلّق عليه بشيء ، لا تحقيقاً ولا تخريجاً كما هي عادته في سائر أحاديث الكتاب ؟
الصورة العاشرة
ما رواه مالك بن مغول عن طلحة بن مصرّف عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس وقد أخرج حديثه ابن سعد في الطبقات بسنده عن حجاج بن نصير عن مالك بن مغول إلى آخر السند عن ابن عبّاس قال : « كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ قال ـ سعيد ـ وكأنّي أنظر إلى دموع ابن عبّاس على خدّه كأنّها نظام اللؤلؤ ، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » قال : فقالوا : إنّما يهجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » (53).
وأخرج هذه الصورة أيضاً أحمد في مسنده (54) عن وكيع عن مالك بن مغول بتفاوت يسير.
وأخرجها الطبري في تاريخه (55) عن أبي كريب وصالح بن سمال عن وكيع عن مالك بن مغول بتفاوت يسير.
وأخرجها مسلم في صحيحه (56) عن اسحاق بن إبراهيم عن وكيع عن مالك ابن مغول بتفاوت يسير.
وأخرجها أبو بكر الخلّال في كتاب السنّة (57).
وأخرجها أبو نعيم في حلية الأولياء عن الطبراني عن أحمد بن عليّ البربهاري (58) عن محمّد بن سابق عن مالك بن مغول إلى آخر السند عن ابن عباس ولفظه : قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه الّذي توفي فيه : « إيتوني بكتف ودواة لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ». صحيح ثابت من حديث ابن عبّاس ... ا هـ » (59).
فانظر إلى ما رواه أبو نعيم بسنده عن مالك بن مغول وقارن ما مرّ من حديثه في المصادر السابقة لنرى كم هو الحذف الّذي طرأ على الحديث ، أليس هو جملة : « فقالوا : إنّما يهجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » كما في طبقات ابن سعد ، أو « رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يهجر » كما في مسند أحمد ، أو « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يهجر » كما في صحيح مسلم وتاريخ الطبري.
وكان هذا هو المقصود من قولنا بتفاوت في مرويّات أولئك الثلاثة : أحمد ومسلم والطبري فهل لنا الآن أن نسأل أبا نعيم عن قوله في تعقيبه : صحيح ثابت من حديث ابن عبّاس.
فإذا كان صحيحاً ثابتاً فلماذا لم يذكره بتمامه ؟ وإذا لم يكن صحيحاً وثابتاً لديه فلماذا ذكره في كتابه ؟
ولعلّ الرجل إنّما جاءته الآفة من شيخه سليمان بن أحمد ـ وهو الطبراني ـ الّذي سبق أن عرفنا فيه تلك الآفة كما مرّت الاشارة في نهاية الصورة التاسعة ، فرواه أبو نعيم عن شيخه الطبراني كما سمعه مبتوراً. ولعلّ في تعقيبه إشارة تنبيه إلى ما في رواية شيخه من خلل.
ثمّ إنّ هذا الحديث أخرجه النويري في نهاية الأرب (60) بلفظ ابن سعد فراجع. كما رواه البلاذري في جمل أنساب الأشراف ، قال : « حدّثني أحمد بن إبراهيم ثنا أبو عاصم النبيل ثنا مالك بن مغول عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنّه قال يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ أشتدّ فيه وجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبكى ابن عبّاس طويلاً ثمّ قال : فلمّا أشتدّ وجعه قال : « أئتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّون معه بعدي أبداً » ، فقالوا : أتراه يهجر وتكلموا ولغطوا ، فغمّ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأضجره وقال : « اليكم عنّي ولم يكتب شيئاً » » (61).
الصورة الحادية عشرة
ما رواه الأعمش عن عبيد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس وقد أخرجها ابن سعد في طبقاته بسنده عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن الأعمش إلى آخر السند عن ابن عبّاس قال : « اشتكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الخميس ، فجعل ـ ابن عبّاس ـ يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس أشتد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « أئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، قال فقال بعض من كان عنده : أنّ نبيّ الله ليهجر ، قال : فقيل له : ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : « أو بعد ماذا » ، قال : فلم يدع به » (62).
إلى هنا تنتهي صور الحديث الّتي تنتهي أسانيدها إلى سعيد بن جبير ، وهي خمس صور ، وقد رأينا بينها من التفاوت ما رأينا. فهل يعقل أن يكون سعيد بن جبير هو مصدر ذلك كلّه ؟ بعد ما قد مرّ بنا من تعمّد التعتيم من أمثال الطبراني والبخاري وغيرهما.
الصورة الثانية عشرة
ما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس.
وقد روى الحديث عن الزهري ثلاثة وهم : يونس ، وأسامة ومعمر.
1 ـ أمّا رواية يونس فقد رواها عنه جرير وعنه أبنه وهب ، وعنه أحمد بن حنبل وحديثه في المسند وهذا لفظه بعد ذكر سنده عن ابن عبّاس قال : « لمّا حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوفاة قال : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال عمر : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله قال : فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أو قال : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف وغـُمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « قوموا عنّي » ، فكان ابن عبّاس يقول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ... ا هـ » (63).
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن يونس إلى آخر السند ولفظه قال : « لمّا اشتد بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه قال : « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده » ، قال عمر : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط قال : « قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع » ، فخرج ابن عبّاس يقول : أنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين كتابه ... ا ه » (64).
فقارن بين ما أخرجه أحمد في مسنده من رواية يونس ، وبين ما أخرجه البخاري في صحيحه من رواية يونس أيضاً لتدرك التفاوت بين الروايتين في الكتابين.
2 ـ وأمّا رواية أسامة ـ بن زيد الليثي ـ عن الزهري فقد رواها الواقدي عنه ، وأخرجها عنه ابن سعد في الطبقات قال : « لمّا حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، فقال عمر : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلمّا كثر اللغط والاختلاف ، وغموا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « قوموا عنّي » » (65).
فقال عبيد الله بن عبد الله : فكان ابن عبّاس يقول : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
3 ـ وأمّا رواية معمر عن الزهري فقد رواها عنه عبد الرزاق في كتابه المصنف (66) ، بنحو ما مرّ من حديث يونس برواية أحمد ، وحديث أسامة برواية ابن سعد ، إلّا أنّ المطبوع من كتاب المصنف وردت جملة : « هل أكتب لكم كتاباً » ، بينما مرّت في روايتي يونس وأسامة : « هلمّ أكتب لكم كتاباً » ، فهذا التفاوت سواء كان من غلط النسخة أو من الرواة ، فهو غير مغتفر ، لأنّه مغيّر للمعنى كثيراً ، فبعد أن كانت جملة « هلمّ » من أدوات النداء والدعوة وتحمل على الأمر ، تغيّرت إلى « هل » وهي أداة استفهام ، وعليها لا ضير ولا وزر على من امتنع وأبى من الصحابة لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم استفهم منهم ، فأبى بعضهم حسب رأيه فلا مؤاخذة عليه إذن.
والّذي يلفت النظر أنّ رواية عبد الرزاق هذه رواها عنه أحمد في مسنده (67) من دون حرف الاستفهام « هل » فصارت تقرأ « أكتب لكم كتاباً » وهي تقرأ إمّا على نحو الجملة الخبريّة وليس لها معنى في المقام ، فلابدّ إذن تقرأ على نحو الاستفهام وهذا هو المطلوب لستر العيوب.
وثمة آخرون غير أحمد رووا ذلك عن عبد الرزاق كالبخاري ومسلم وابن حبّان في صحيحه (68) وابن أبي الحديد وابن كثير ، وربّما غيرهم.
وأخيراً فقد حذف في المصنّف قول ابن عبّاس : « وغـُمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » كما مرّ في حديث يونس فراجع.
وهذه الرواية عن طريق عبد الرزاق عن معمر رواها كلّ من البخاري وابن حبّان ومسلم في صحاحهم وأحمد في مسنده وابن أبي الحديد في شرح النهج وابن كثير وربّما غيرهم ، ولدى المقارنة بين المصادر المشار إليها نجد التفاوت كبيراً في اللفظ والمعنى ، وأكثرها تعتيماً على الحقائق ما كان من البخاري الّذي روى ذلك (69) بسنده عن عليّ بن عبد الله عن عبد الرزاق فحذف اسم عمر من المواضع الثلاثة الّتي ورد ذكره فيها ، ففي الموضع الأوّل قال : « وفي البيت رجال » من دون « فيهم عمر بن الخطاب » ، وفي الموضع الثاني : « فقال بعضهم قد غلبه الوجع » بدل « فقال عمر إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد غلبه الوجع » ، وفي الموضع الثالث : « ومنهم من يقول غير ذلك » بدل « ومنهم يقول ما قال عمر ».
ثمّ إنّه روى الحديث ثانياً بطريقين : أحدهما عن إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر (70) ، وثانيهما عن عبد الله بن محمّد عن عبد الرزاق عن معمر ، وفي هذا المقام لم يحذف اسم عمر ، لكنّه لم يسلم من الاختلاف في النقل بل فيه تفاوت في اللفظ كثير.
وقد روى ابن كثير في تاريخه (71) هذا الحديث فاختار رواية البخاري الّتي حذف منها اسم عمر في المواضع الثلاثة فذكرها ، وأشار عابراً إلى بقية روايات البخاري ، ولعلّه إنّما اختار ذلك تعتيماً على اسم عمر ، بينما ورد في الباقيات ، ولنا في الباقيات الصالحات خير عملاً وأبقى.
أمّا رواية مسلم في صحيحه (72) : فقد رواها عن عبد بن حميد ومحمّد بن رافع عن عبد الرزاق ، فهي أقرب إلى ما مرّ عن عبد الرزاق.
وأمّا رواية ابن كثير وابن أبي الحديد فقد اعتمدا رواية الشيخين البخاري ومسلم ، وقد مرّت الإشارة إلى اختيار ابن كثير قريباً ، ورواية ابن أبي الحديد (73) فراجع.
هذه بعض نقاط التفاوت بين الروايات في المصادر الأصليّة والفرعيّة ، فمن أين جاء الاختلاف ؟ نعم إنّه الستر على رموز الخلاف. ومن راجع شروح الصحيحين يجد الغرائب والعجائب في التحوير والتطوير وفي بعضها التزوير ، ممّا لا يترك مجالاً للتشكيك في أنّ كلّ شرح من شروح الصحيح ـ أيّ صحيح كان ـ فيه ثعلبة يصيح : لكلّ منّا وجهة هو مولّيها ، وعلى أساس الشيوخ يعلّيها. فلنتركهم الآن وتركاضهم ، ولا تسلني إجهاضهم.
الصورة الثالثة عشرة
وهي ما رواه الحسن بن أبي الحسن البصري عن ابن عبّاس وقد مرّ ذكرها ـ راجع الصورة الثانية ـ حيث رواها الحسن البصري عن أمير المؤمنين عليه السلام فقال : « سمعت عليّ بن أبي طالب ثمّ سمعته بعينه من عبد الله بن عبّاس بالبصرة ، وهو عامل عليها ، فكأنّما ينطقان بفم واحد ، وكأنّما يقرآنه من نسخة واحدة. والّذي عقلته قول ابن عبّاس ، والمعنى واحد غير أنّ حديث ابن عبّاس أحفظه » ، قال : ثمّ ذكر الحديث كما مرّ.
الصورة الرابعة عشرة
وهي ما رواه طاووس عن ابن عبّاس ، ورواها عنه ليث ، وعن ليث ثلاثة وهم : شيبان وأبو حمزة وهلال بن مقلاص ، ولكلّ منه رواية هي صورة بحدّ ذاتها. وإليك ما رواه شيبان :
أخرج حديثه أحمد في مسنده عن حسن عن شيبان عن ليث عن طاووس عن ابن عبّاس قال : « لمّا حُضِـر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « أئتوني بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لا يختلف منكم رجلان بعدي » ، قال : فأقبل القوم في لغطهم ، فقالت المرأة : ويحكم عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ... ا ه » (74).
والفجوات في هذه الصورة بيّنة ، ولا تحتاج في إثباتها إلى بيّنة ، فبعد طيّ كثير من الكلام في الكتمان ، نقرأ لأوّل مرّة قول المرأة ويحكم عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فيا ترى مَن هي هذه الّتي أنكرت على القوم لغطهم ؟ ويكفينا من هذه الصورة معرفة عظم الرزيّة ـ كما يقول ابن عبّاس ـ حتّى تدخّل العنصر النسوي في المعركة الكلاميّة. وسيأتي ما يوضح المستبهم فيها.
الصورة الخامسة عشرة
ما رواه أبو حمزة عن ليث عن طاووس ، أخرج حديثه الطبراني في معجمه الكبير بسنده فقال : « حدّثنا محمّد بن يحيى بن مالك الضبي الأصبهاني ، ثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة عن ليث عن طاووس عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بكتف فقال : « أئتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تختلفون بعدي أبداً » ، فأخذ من عنده من الناس في لغط ، فقالت امرأة ممّن حضر : ويحكم عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليكم ، فقال بعض القوم : اسكتي فإنّه لا عقل لكِ ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنتم لا أحلام لكم » ... ا هـ » (75).
أقول : وأخرج هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب عليه بقوله : « قلت : في الصحيح طرف من أوّله ، رواه الطبراني ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلّس وبقية رجاله ثقات » (76).
الصورة السادسة عشرة
ما رواه هلال بن مقلاص عن ليث عن طاووس أخرج حديثه الطبراني في معجمه الكبير بسنده فقال : « حدّثنا الحسين بن اسحاق التستري ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن زكريّا بن إبراهيم بن سويد النخعي ، ثنا هلال بن مقلاص عن ليث عن طاووس عن ابن عبّاس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أئتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا يختلف فيه رجلان » ، قال : فأبطأوا بالكتف والدواة ، فقبضه الله » (77).
الصورة السابعة عشرة
ما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبّاس ، وأخرج حديثه ابن سعد في الطبقات بسنده فقال : « أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبّاس : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في مرضه الّذي مات فيه : « أئتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ». فقال عمر بن الخطاب : من لفلانة وفلانة ـ مدائن الروم ـ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس بميّت حتّى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ، فقالت زينب زوج صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا تسمعون النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يعهد إليكم فلغطوا ، فقال : « قوموا » ، فلمّا قاموا قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مكانه ... ا هـ » (78).
في هذه الصورة جديد من الكشف لم يسبق إليه تشويه الرواة ، وذلك هو مقالة عمر وهي نحو الّتي قالها بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأرعد وتوعّد منتظراً مجيء أبي بكر من السنح. كما فيها جديد من الكشف هو تعيين اسم المرأة الّتي أنكرت على القوم اختلافهم ولغطهم ، فلم تعيّنها الصور السابقة الّتي وردت الإشارة إليها ، بينما عرفنا الآن اسمها من هذه الصورة وأنّها زينب زوج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي إحدى أمّهات المؤمنين.
الصورة الثامنة عشرة
ما رواه عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبّاس ، وأخرج حديثه أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في كتابه سير الصحابة والزهاد ، عند استعراضه لموارد خلاف الصحابة فقال : « والخلف الثاني في بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما أخبر به محمّد بن أبي عمر قال حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال سمعت عبد الله بن عباس يقول : يوم الاثنين وما يوم الاثنين وهملت عيناه ، فقيل له يابن عبّاس وما يوم الاثنين ؟ قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غمرات الموت فقال : « أئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي أبداً » ، فتنازعوا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يجز عنده التنازع ، وقال رجل من القوم : إن الرجل ليهجر ، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمر بإخراجه وإخراج صاحبه ، ثمّ أتوه بالصحيفة والدواة ، فقال : « بعدما قال قائلكم ما قال ، ثمّ قال : ما أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » ... ا هـ » (79).
أقول : وفي هذه الصورة أيضاً كشف جديد أتانا من عكرمة ـ هو تألم ابن عبّاس من يوم الاثنين وانّه اليوم الّذي دعا فيه صلّى الله عليه وآله وسلّم بالدواة والصحيفة ، بينما في كثير ما مرّ من الصور وما سيأتي ذكر فيه يوم الخميس ، أوليس ترى أنّ دعوة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بالدواة والصحيفة كانت مرّتين ؟ في يوم الخميس ويوم الاثنين ؟ وفي كلا اليومين خالف عليه عمر فيكون خلافه أيضاً مرّتين ؟ وهذا ليس بممتنع عقلاً وقد صح نقلاً كما دلّت عليه بعض الأحاديث السابقة واللاحقة ـ وسيأتي مزيد بيان لذلك.
الصورة التاسعة عشرة :
ما رواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاس ، وأخرج حديثه أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في سير الصحابة والزهاد بسنده فقال : « حدّثنا عاصم بن عامر عن الحسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه الّذي قـُبض فيه : « أئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال المعذول : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يهجر كما يهجر المريض ، فغضب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمّ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنتم لا أحلام لكم » ، قال : إنّما قلت من الورَم ، قال : « أنّكم قوم تجهلون بهذا أخبرني أخي جبرئيل عن ربّي جلّ جلاله ، فأخرِجوه » فأخرجناه والله لقد مضى في الحال إلى أبي بكر فأخرجه إلى السقيفة وجمع فيها من جمع ، وبايع على ما بايع » (80).
وفي هذه الصورة أيضاً كشف جديد هو اعتذار المعذول ـ كما سمته الرواية وهو من العَذَل بمعنى اللوم والتأنيب ـ بأنّه إنّما قال الّذي قاله من الوَرَم ؟ ولا ندري أيّ وَرَم ذلك ، هل كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم متورّماً في بدنه ؟ وهذا لم ينقله أحد من الرواة ، وإذا كان فهل ثمة ملازمة بين الورم وبين ما قاله المعذول ؟ ولعلّ الوَرَم الّذي يعنيه فدفعه إلى القول هو ما كان في نفسه هو من غضب ، من قولهم : فلان ورم أنفه إذا غضب وحنق.
كما أنّ هذه الصورة تؤيّد ما قبلها من أنّ الحديث والحادثة كان في يوم وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسيأتي ما يؤيّد ذلك أيضاً.
الصورة العشرون :
ما رواه عبد الله بن محمّد عن عكرمة عن ابن عبّاس ، وأخرج حديثه أبو محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي في سير الصحابة والزهاد بسنده فقال : « حدّثنا محمّد بن عليّ ، قال حدّثني أبو اسحاق بن يزيد عن فضل بن يسار عن عبد الله بن محمّد قال : سمعت عكرمة يقول عن ابن عبّاس قال : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « إئتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي » ، فمنعه رجل ، فقلت لعكرمة من الرجل ؟ فقال : أنّكم لتعرفونه مثلي ، هو والله المعذول » (81).
وفي هذه الرواية لم يشأ عكرمة أن يحرم القراء لحديثه من فائدة ، كما هو ديدنه في أحاديثه في الصور الثلاث السابقة ، أمّا في هذه الصورة فقد أفادنا أنّه كان ممّن يرى التقيّة وقد استعملها فعلاً في جواب سائله عن الرجل الّذي منع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن موافاته بالكتف والدواة ، فقال : إنّكم لتعرفونه مثلي ، هو والله المعذول. ويعني به عمر فإنّه صاحب المقولة النابية.
الهوامش
1. نلفت نظر القارئ إلى أن في الفقرات الثلاث اختلاف في النقل ، كما سيجده واضحاً فيما يأتي من ذكر صور الحديث فليلاحظ.
2. النجم / 3 ـ 4.
3. الحشر / 7.
4. النجم / 3 ـ 4.
5. الأنفال / 24.
6. الأحزاب / 36.
7. المائدة / 67.
8. الأنفال / 13.
9. الأحزاب / 53.
10. الكهف / 5.
11. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36.
12. مسند أحمد 1 / 90.
13. الأدب المفرد / 9.
. أخرجه المتّقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 3 / 114.
15. قال كاتب جلبي في كشف الظنون 2 / 1013 ط المعارف التركية سير الصحابة والزهاد والعلماء العبّاد ، لأبي محمّد عبد السلام بن محمّد الخوارزمي الأندرسقاني المتوفى سنة ... أخذه من مائة مجلّد ، ووردت ترجمته في هدية العارفين 1 / 569. « أقول » وطريقنا إليه « غاية المرام في حجّة الخصام عن طريق الخاص والعام » للسيد هاشم البحراني طبعة حجريّة سنة 1272 هـ والحديث المشار إليه أعلاه في ص 598.
16. طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٧.
17. كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ٢ / ١٧٣ ، و ٣ / ١١٤.
18. السنن الكبرى 3 / 433 ط العلميّة ، ومجمع الزوائد 9 / 34.
19. طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٦.
20. نهاية الإرب ١٨ / ٣٧٥.
21. سنن البيهقي ٣ / ٤٣٥ ط بيروت سنة ١٤١١.
22. طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٧.
23. مجمع الزوائد ٤ / ٢١٤.
24. نفس المصدر ٩ / ٣٣.
25. مسند أحمد ١ / ٣٢٤.
26. الثقات ٤ / ٢١٢ ط دار الكتب العلمية.
27. أنساب الأشراف ٢ / ٢٣٦.
28. شرح النهج لابن أبي الحديد 6 / 51 ط دار إحياء الكتب العربيّة ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم.
29. أنظر غاية المرام / 598 ط حجرية سنة 1272.
30. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36.
31. المعجم الكبير 11 / 352 ط الثانية بالموصل.
32. كما في صحيح مسلم بشرح النووي وط صبيح ، دون ط بولاق فليلاحظ بدقّة.
33. تاريخ الطبري 3 / 193 ط الحسينيّة بمصر.
34. المصنف 6 / 57 و 10 / 361 ط المكتب الإسلامي.
35. عنوان الباب لا يدلّ عليه حديث الباب الّذي لم يذكر البخاري فيه غيره ، وقد أربك شرآح صحيحه في توجيه ذلك وأكثرهم جهداً ابن حجر في فتح الباري 6 / 510 ط البابي الحلبي ، فراجع.
36. صحيح البخاري 4 / 69 ط بولاق.
37. نفس المصدر 4 / 99.
38. نفس المصدر 6 / 9.
39. فتح الباري 1 / 17 ـ 18.
40. نفس المصدر 1 / 91.
41. صحيح مسلم 5 / 75 ط صبيح بمصر.
42. مسند الحميدي 1 / 241 ط بيروت.
43. صحيح مسلم 5 / 75 ط محمّد عليّ صبيح وط شرح النووي أيضاً « وهي ممّا سقط من ط بولاق ».
44. أُنظر غاية المرام / 598 ط حجريّة.
45. سنن أبي داود 3 / 128 ط الهند.
46. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36 ط ليدن عن سفيان بلا واسطة.
47. دلائل النبوّة 7 / 181.
48. مسند أحمد 1 / 222.
49. صحيح مسلم 5 / 75.
50. السنن الكبرى 9 / 207.
51. تاريخ الطبري 3 / 193.
52. المعجم الكبير 12 / 56 ط الثانية.
53. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 37 ط ليدن.
54. مسند أحمد 1 / 355.
55. تاريخ الطبري 3 / 193 ط الحسينية.
56. صحيح مسلم 5 / 75.
57. كتاب السنّة 1 / 271 ط دار الراية الرياض سنة 1410 هـ.
58. كذا في المطبوع من الحلية 5 / 25 ، ولكن ورد في المعجم الصغير للطبراني 1 / 33 : « البربهار » ولعله الصواب.
59. حلية الأولياء 3 / 193.
60. نهاية الأرب 18 / 374.
61. أنساب الأشراف 2 / 236.
62. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36.
63. مسند أحمد 1 / 324 ط مصر الاُولى.
64. صحيح البخاري 1 / 34.
65. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 37.
66. المصنف 5 / 438.
67. مسند أحمد 1 / 336.
68. صحيح ابن حبّان 14 / 562.
69. اُنظر صحيح البخاري 6 / 9.
70. نفس المصدر 7 / 120 ، وكذا في 9 / 111.
71. البداية والنهاية 5 / 227.
72. صحيح مسلم 5 / 76 ط صبيح.
73. شرح النهج لابن أبي الحديد 6 / 51 ط محققة.
74. مسند أحمد ١ / ٢٩٣.
75. المعجم الكبير 11 / 30.
76. مجمع الزوائد 4 / 215.
77. المعجم الكبير 11 / 30.
78. طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 38.
79. أنظر غاية المرام / 597 ط حجرية سنة 1272.
80. نفس المصدر / 598.
81. نفس المصدر / 598.
مقتبس من كتاب : [ موسوعة عبد الله بن عبّاس ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 241 ـ 286
التعلیقات