جدّ أمير المؤمنين عليه السلام وأبوه
اسلام الموسوي
منذ 10 سنواتجدُّه وأبوه
جدّه عبدالمطَّلب ، الملقَّب بشيبة الحمد ؛ لشيبة كانت في رأسه (1) ، وقيل : « اسمه شيبة » (2) ، وكنيته : أبو البطحاء ، لأنَّهم استسقوا به سقياً فكنَّوه به (3) .. وقد بلغ من الشرف في قومه ما لم يبلغه أحد من قبل.
وكان عبدالمطَّلب جدُّ رسول الله يكفله ، وعبدالمطَّلب يومئذٍ سيِّد قريش غير مدافَع ، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعطِ أحداً ، وسقاه زمزم وذا الهُدُم ، وحكَّمته قريش في أموالها ، وأطعم في الُمحل حتّىٰ أطعم الطير والوحوش في الجبال.
قال أبو طالب :
ونُطعمُ حتىٰ تأكُلَ الطيرُ فضلَنا |
إذا جَعَلَتْ أيدي المُفيضينَ تَرْعَدُ |
وكان علىٰ ملَّة إبراهيم الخليل ؛ فرفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّوجلَّ ، وسنَّ سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السُنَّة من رسول الله بها وهي : الوفاء بالنذور ، ومائة من الإبل في الديّة ، وألَّا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتىٰ البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل الموؤدة ، والمباهلة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، والحدُّ عليه ، والقرعة ، وألَّا يطوف أحدٌ بالبيت عرياناً ، وإضافة الضيف ، وألَّا ينفقوا إذا حجَّوا إلَّا من طيِّب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحُرم ، ونفي ذوات الرايات (4).
هكذا كان مجاهراً بدينه ، داعياً إلىٰ الخلق الكريم والمبادئ السامية التي جاءت بها الأديان ، وكان له في هذه الخصال دور لا يشاركه فيه أحد ، حتّىٰ أنَّ قريشاً كانت تسميه إبراهيم الثاني.
وكان يفرش له بفناء الكعبة والناس من حوله يهابونه ، فلا يقرب فراشه أحد ، إلَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد كان يتخطَّىٰ رقاب عمومته ، ويجلس علىٰ فراش جدِّه ، ولما حاولوا منعه قال لهم : دعوا ابني ، إنَّ لابني هذا شأناً ..
وتوفِّي عبدالمطَّلب ولرسول الله ثماني سنين ، وكانت قد أتت علىٰ عبدالمطَّلب مائة وعشرون سنة ، وقيل : مائة وأربعون سنة (5).
وعن أمِّ أيمن قالت : أنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يمشي تحت سريره وهو يبكي ، وقيل : كان لعبدالمطَّلب يوم مات ثمانون سنة (6).
وأعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ودُفن بالحجون ، وقيل : إنَّه حُمل علىٰ أيدي الرجال عدَّة أيَّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب.
وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال : « إنَّ الله يبعث جدِّي عبدالمطَّلب أُمَّة واحدة في هيئة الأنبياء وزيِّ الملوك » (7).
وورث أبو طالب ـ والد عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام ـ زعامة أبيه عبدالمطَّلب ، وكفالته رسول الله ، فكان خير كافل ومعين ، وقد كان كأبيه سيِّداً شريفاً مهيباً.
قال عليُّ بن أبي طالب : « أبي ساد فقيراً ، وما ساد فقيرٌ قبله » (8) ، وخرج برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ بُصرىٰ من أرض الشام وهو ابن تسع سنين ، وقال : « والله لا أكِلك إلىٰ غيري » (9).
وتولَّىٰ العناية برسول الله والقيام بشؤونه من سنة ثمان من مولده الشريف ، وحتّىٰ العاشرة من النبوَّة ، وذلك اثنان وأربعون سنة ، وظل يدافع عن النبي ورسالته حتّىٰ آخر نفس من حياته ، وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلَّى موقفه هذا في كثير من أشعاره ، منها قوله :
ليعلم خيار الناس أنَّ محمداً |
نبيٌّ كموسىٰ والمسيح ابن مريم |
وقوله :
ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمداً |
رسولاً كموسىٰ خطَّ في أوَّل الكتبِ |
وقوله في لاميَّته الشهيرة :
لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ |
لدينا ولا يُعنَىٰ بقولِ الأباطلِ |
|
فأصبح فينا أحمد في اُرومةٍ |
تُقصِّر عنه سَورَة المتطاوِلِ |
|
حَدِبْتُ بنفسي دونه وحميتُه |
ودافعت عنه بالذُّرا والكلاكلِ |
|
فأيَّده ربُّ العباد بنصره |
وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ (10) |
وتوفِّي أبو طالب بعد وفاة خديجة بثلاثة أيَّام ـ أيّ قبل هجرة الرسول من مكَّة إلىٰ المدينة بثلاث سنين ـ في شوال أو في ذي القعدة ، وله ستّ وثمانون سنة ، وقيل بل تسعون (11) ، وسمَّىٰ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا العام بعام الحزن ، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتّىٰ مات أبو طالب » (12).
وقال السدي : مات أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة ، ودُفن بالحجون عند عبدالمطَّلب.
ولمَّا قيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنَّ أبا طالب قد مات ، عظُم ذلك في قلبه ، واشتدَّ له جزعه ، ثُمَّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرَّات ، وجبينه الأيسر ثلاث مرَّات ، ثُمَّ قال : « يا عمّ ربّيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عنِّي خيراً » ومشىٰ بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : « وصلتك رحم وجُزيتَ خيراً » ، وقال : « اجتمعت علىٰ هذه الأُمَّة في هذه الأيَّام مصيبتان لا أدري بأيِّهما أنا أشدُّ جزعاً » يعني : مصيبة خديجة وأبي طالب رضي الله عنهما (13).
وسُئل الإمام السجَّاد عليه السلام عن إيمان أبي طالب ، فقال : « واعجباً ، إنَّ الله نهىٰ رسوله أن يقرَّ مسلمة علىٰ نكاح كافر ؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلىٰ الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتَّىٰ مات » (14).
وهو من أوضح البراهين علىٰ إيمان أبي طالب رضي الله عنه.
الهوامش
1. تذكرة الخواص : ١٤.
2. البداية والنهاية ٧ : ٢٢٣.
3. انظر تفاصيل ذكره في تذكرة الخواص : ١٤.
4. تاريخ اليعقوبي / أحمد بن أبي يعقوب ٢ : ١٠ ـ ١١ دار صادر.
5. انظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣.
6. انظر تذكرة الخواص : ١٨.
7 ـ 8. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.
9. أنظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.
10. أنظر : السيرة النبوية / ابن هشام ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٥، دار الفكر ، ١٤١٥ هـ.
11. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥.
12. البداية والنهاية ٣ : ١٣.
13. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥.
14. الصحيح من سيرة النبيِّ الأعظم ٣ : ٢٣٨.
مقتبس من كتاب : [ الإمام علي ( عليه السلام ) سيرة وتأريخ ] / الصفحة : 10 ـ 14
التعلیقات