ما هو أثر الشفاعة إسقاط العقاب أو زياده الثواب؟
الشفاعة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 348 ـ 350
(348)
الأمر السادس : ما هو أثر الشفاعة : إسقاط العقاب أو زياده الثواب؟
لم تكن مسألة الشفاعة فكرة جديدة ابتكرها الإسلام وانفرد بها ، بل كانت
فكرة رائجة بين أمم العالم من قبل ، و خاصة بين الوثنيين واليهود.
نعم ، هذّبها الإسلام من الخرافات ، وقررها على أصول توافق أُصول
العدل والعقل ، وصحّحها تحت شرائط في الشافع والمشفوع له ، تجر العصاة إلى
الطهارة من الذنوب ، ولا توجب فيهم جرأة وجسارة . وغير خفي على من وقف
على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة ، وأنّ الشفاعة بينهم كانت رجاء في حط
الذنوب وغفران الآثام ، ولأجل ذلك كانوا يقترفون الكبائر ، تعويلاً على ذلك
الرجاء . وجاء القرآن يرد تلك العقيدة الباعثة إلى الجرأة ، فقال : إنّه لا يشفع
إنسان إلا بإذنه تعالى ، وفي حق مَن ارتضاه سبحانه ، فليس لكم أن تقترفوا الذنوب
تعويلاً على شفاعة الشفيع ؛ لأنّ الأمرليس في أيديهم بل في ملكه سبحانه
و قدرته.
________________________________________
(349)
وعلى ضوء هذا ، إنّ الشفاعة عند الأمم ، مرفوضها ومقبولها ، يراد منها
حط الذنوب ، ورفع العقاب ، وهي كذلك في الإسلام ، بلا فرق ، كما يوضحه
قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي » (1).
و في المقابل ذهبت المعتزلة إلى تخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة ، دون
العصاة ، وأن اثرها ينحصر في رفع الدرجة وزيادة الثواب . وما هذا التأويل في
آيات الشفاعة إلا لأجل موقف مسبق لهم في مرتكب الكبيرة ، حيث حكموا
بخلوه في النار إذا مات بلا توبة ، فلما رأوا أنّ القول بالشفاعة التّي أثرها هو
إسقاط العقاب ، ينافي ذلك المبنى ، أوّلوا آيات الله ، فقالوا إنّ أثر الشفاعة إنّما هو
زيادة الثواب ، ورفع الدرجة . وهذا المقام أحد المقامات التّي يؤخذ المعتزلة فيها
بالعتاب ، حيث قدّموا النهج على النقل الصريح ، وخالفوا في ذلك جميع
المسلمين.
قال القاضي عبد الجبار ، منكراً شمول الشفاعة للعصاة: « إنّ شفاعة
الفساق الذين ماتوا على الفسوق ، ولم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير ،
وترصد للآخر حتى يقتله ، فكما أنّ ذلك يقبح ، فكذلك ها هنا (2).
وما ذكره القاضي غفلة منه عن شروط الشفاعة ؛ فانّ بعض الذنوب
الكبيرة تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه ، كما تقطع الاواصر الروحية مع النبي
الأكرم ، فأمثال هؤلاء العصاة لا تشملهم الشفاعة ، وقد تقدم ذكر النصوص
الدالة على حرمان طوائف منها.
والعجب أنّ القاضي استدل على أنّ الفاسق لا يخرج من النار بشفاعة
النبي بقوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } (3). وقوله
تعالى: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} (4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سنن أبي داود : ج 2، ص 537، و صحيح الترمذي : ج 4، ص 45، صحيح ابن ماجه :
ج 2، ص 1441. مسند أحمد : ج 3، ص 213.
(2) - شرح الأُصول الخمسة : ص 688 .
(3) - سورة البقره : الآية 48 .
(4) - سورة غافر : الآية 18 .
________________________________________
(350)
فيلاحظ عليه : إنّ الآيتين راجعتان إلى الكفار ، فالآية الأُولى ناظرة إلى
نفي الشفاعة التّي كان اليهود يتبنونها ، كما هو صريح سياقها ، والآية الثانية ناظرة
إلى نفي الشفاعة الّتي كان المشركون يرجونها من معبوداتهم يقول سبحانه:
{ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ
حَمِيمٍ } (1).
وقال سبحانه ـ حاكياً قول المجرمين في سقر ـ : { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ
الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الشعراء : الآيات 96 - 101 .
(2) - سورة المدثر : الآيات 46 - 48 .
التعلیقات