معنى التقيّة لغة وإصطلاحاً
ثامر هاشم حبيب العميدي
منذ 15 سنةمعنى التقيّة لغة وإصطلاحاً
التقيّة في اللغة :
عرّفوا التقيّة لغةً بأنّها : الحذر والحيطة من الضرر ، والإسم : التقوى ، وأصلها : إوتَقى ، يُوتَقي ، فقُلبت الواو إلى ياء للكسرة قبلها ، ثمّ اُبدلت إلى تاء واُدغمت ، فقيل : اتّقى ، يتَّقي (1).
وعن ابن الأعرابي : التقاة ، والتقيّة ، والتقوى ، والاتقاء كلّه واحد ، ولهذا جاء في بعض القراءات القرآنيّة : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (2) ، في موضع « تقاة ».
وفي الحديث الشريف : « تبَقَّه وتوَقَّه » ! ومعناه : استبقِ نفسك ولا تعرّضها للهلاك والتلف ، وتحرّر من الآفات واتّقها (3).
وفي الحديث أيضاً : « قلت : وهل للسيف من تقيّة ؟ قال : نعم ، تقيّة على إقذاء ، وهدنة على دخن».
ومعناه : إنّهم يتّقون بعضهم بعضاً ، ويُظهرون الصلح والاتّفاق ، وباطنهم بخلاف ذلك (4).
التقيّة في الإصطلاح :
لا يختلف تعريف التقيّة عند أهل السُّنّة عن تعريفها عند الشيعة الإماميّة لا في قليل ولا في كثير إلّا من حيث فنّية التعبير وصياغة الألفاظ في تصوير المعنى الإصطلاحي للتقيّة ، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على اتّفاقهم من حيث المبدأ على أنّ التقيّة ليست كذباً ، ولا نفاقاً ، ولا خداعاً للآخرين.
فقد عرّفها السرخسي الحنفي ـ ت / ٤٩٠ هـ ـ بقوله : « والتقيّة : أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره ، وإن كان يضمر خلافه » (5).
وعرّفها ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ ت / ٨٥٢ هـ ـ بقوله : «التقيّة : الحذر من إظهار ما في النفس ـ من معتقد وغيره ـ للغير » (6).
وقال الآلوسي الحنبلي الوهّابي ـ ت / ١٢٧٠ هـ ـ في تفسير قوله تعالى : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (7) : « وعرّفوها ـ أي : التقيّة ـ بمحافظة النفس أو العرض ، أو المال من شرّ الأعداء ».
ثمّ بيّن المراد من العدوّ فقال :
« والعدوّ قسمان :
الأوّل : من كانت عداوته مبنيّة على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.
والثاني : من كانت عداوته مبنيّة على أغراض دنيويّة ، كالمال ، والمتاع ، والملك ، والإمارة » (8).
وهذا التعريف وإن كان صريحاً بجواز التقيّة بين المسلمين أنفسهم ، وعدم حصرها بتقيّة المسلم من الكافر ، إلّا أن ما يؤخذ عليه بأنّه غير جامع لأفراد التقيّة إذ أخرج منها التقيّة من سيّئ الخلق الذي يتّقي الناس لسانه بمداراته ، كما نصّ عليه البخاري وغيره من المحدّثين والمفسّرين ـ كما سيأتي بيانه ـ ولا شكّ أنّ سيّئ الخلق ليس من العدوّ بقسميه.
وعرّفها السيّد محمّد رشيد رضا ـ ت / ١٣٥٤ هـ ـ بأنّها : « ما يقال أو يُفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضرر » (9).
وهذا التعريف من أجود تعاريف التقيّة اصطلاحاً ، وهو جامع مانع ، ومنطبق تماماً مع تعريف الشيعة الإماميّة للتقيّة ، وإن كانت التعاريف السابقة لا تختلف عن تعريف الشيعة كثيراً.
قال الشيخ الأنصاري من الشيعة ـ ت / ١٢٨٢ هـ ـ : « التقيّة : اسم لاتّقى يتّقي ، والتاء بدل عن الواو كما في النهمة والتخمة.
والمراد هنا : التحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحقّ » (10).
وعرّفها الشيخ المراغي المصري ـ ت / ١٣٦٤ هـ ـ بقوله : « التقيّة ، بأن يقول الإنسان ، أو يفعل ما يخالف الحقّ ، لأجل التوقّي من ضرر الأعداء ، يعود إلى النفس ، أو العِرض ، أو المال » (11).
ثم اُدخل في التقيّة ما لم يدخله في تعريفها كمداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم والتبسّم في وجوههم ، وغير ذلك ممّا سيأتي في هذا البحث.
وعرّفها موسى جار الله التركماني ـ ت / ١٣٦٩ هـ ـ فقال : « والتقيّة : هي وقاية النفس عن اللائمة والعقوبة ، وهي بهذا المعنى من الدين ، جائزة في كلّ شيء » (12).
الهوامش
1. تاج العروس / الزبيدي ١٠ : ٣٩٦ ـ « وقي ».
2. آل عمران ٣ : ٢٨.
3. النهاية في غريب الحديث / ابن الأثير ٥ : ٢١٧.
4. لسان العرب / ابن منظور ١٥ : ٤٠١.
5. المبسوط / السرخسي ٢٤ : ٤٥.
6. فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني ١٢ : ١٣٦.
7. آل عمران ٣ : ٢٨.
8. روح المعاني / الآلوسي ٣ : ١٢١.
9. تفسير المنار / السيد محمّد رشيد رضا ٣ : ٢٨٠.
10. التقيّة / الشيخ مرتضى الأنصاري : ٣٧.
11. تفسير المراغي : ٣ : ١٣٧.
12. الوشيعة / موسى جار الله : ٧٢.
مقتبس من كتاب : [ واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية ] / الصفحة : 21 ـ 23
التعلیقات