التكليف بما لا يُطاق محال
التحسين والتقبيح العقليين
منذ 15 سنة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج1 ، ص 301 ـ 309
(301)
ثمرات التحسين و التقبيح العقليين
(5)
التكليف بما لا يُطاق محال
إِنَّ الوجدان السليم ، و العقل البديهي يحكم بامتناع التكليف بما لا
يطاق ، أمّا إذا كان الآمر إِنساناً ، فهو بعد وقوفه على عجز المأمور لا تنقدح
الإِرادة الجدّية في لوح نفسه و ضمير روحه ؛ و لأجل ذلك يكون مرجع
التكليف بما لا يُطاق إلى كون نفس التكليف محالاً.
و أَمّا إِذا كان الآمر هو الله سبحانه ، فالأمر فيه واضح من وجهين.
الأوّل: التكليف بما لا يطاق أمر قبيح عقلاً ، فيستحيل عليه سبحانه
من حيث الحكمة أن يكلّف العبد بما لا قدرة له عليه ، ولا طاقة له به . كأن
يكلّف الزَّمِن بالطيران إلى السماء ، أو إدخال الجمل في خَرْم الابرة ، من
غير فرق بين كون نفس التكليف بالذات ممكناً ، ولكن كان خارجاً عن إطار
قدرة المخاطب ، كالطيران إلى السماء ، أو كان نفس التكليف بما هو هو محالاً
من غير فرق بين إنسان و إنسان . كدخول الجسم الكبير في الجسم الصغير
من دون أنْ يَتَوَسّع الصغير أو يَتَصَغّر الكبير.
الثاني: الآيات الصريحة في أنَّه سُبحانه لا يكلف الإِنسان إلاّ وسعه ،
________________________________________
(302)
و قدر طاقته ، قال سبحانه: { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }(1). و قال
تعالى: { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ }(2).
و قال عزّ من قائل: { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }(3). والظلم هو الإِضرار
بغير المستحِق ، و أي إضرار أعظم من هذا ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
هذا ملخص القول في هذا الأصل ، و قد بسط فيه الكلام الأصوليون
و غيرهم في كتبهم الخاصة بفنهم.
و مع هذه البراهين المشرقة نرى أنَّ الأشاعرة سلكوا غير هذا المسلك ،
و جوّزوا التكليف بما لا يطاق ، و بذلك أظهروا العقيدة الإِسلامية ، عقيدة
مخالفة للوجدان و العقل السليم و الفطرة ، و من المأسوف عليه أنَّ
المستشرقين أخذوا عقائد الإسلام عن المتكلمين الأشعريين ، فإذا بهم
يصفونها بكونها على خلاف العقل والفطرة ؛ لأنّهم يجوزون التكليف بما لا
يطاق.
و المهم هو تحليل ما استدلوا به من الآيات (4).
أدلة الأشاعرة على التكليف بما لا يطاق
إِنَّ الأشاعرة - بدلاً من الرجوع إلى العقل في هذا المجال - استدلوا
بآيات تخيلوا دلالتها على ما يرتأونه مع أنّها بمنأى عمّا يتبنونه في المقام .
و إليك تلك الآيات مع بيان استدلالهم و تحليله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة: الآية 286.
(2) سورة فصلت: الآية 46.
(3) سورة الكهف: الآية 49.
(4) لا حظ اللُّمع : ص 99 و 113 و 114، للوقوف على ما استدل به الشيخ أبو الحسن
الأشعري على ما يتبنّاه في هذا المقام.
________________________________________
(303)
الآية الأولى - قوله تعالى: { أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ }(1).
وجه الاستدلال: إنّهم قد أُمروا أَنْ يسمعوا الحق ، و كُلّفوا به مع أَنّهم :
{ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } : فدّل ذلك على جواز
التكليف بما لا يطاق ، و دلّ على أنّ من لم يقبل الحق ، ولم يسمعه على طريق
القبول لم يكن مستطيعاً.
يلاحظ عليه: إِنَّ الإِستدلال ضعيف جداً . يظهر ضعفه بتفسير جمل
الآية واحدة بعد الأُخرى.
أ - قوله تعالى: { أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ } : بمعنى
أنَّهم لم يكونوا معجزين لله تعالى في حياتهم الأرضية ، و إنْ خرجوا عن زي
العبودية ؛ فإن قدرتهم لم تغلب قدرة الله.
ب - قوله: { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ } : أي إِنّهم و إنْ
اتخذوا أصنامهم أولياء ، ولكنها ليست أولياءً حقيقة ، وليس لهم أولياء من
دون الله.
جـ - قوله: { يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ } : أي يعاقبون عقاباً مضاعفاً
جزاء بما أتوا به من الغي والظلم ، و الأعمال السيئة.
د - قوله: { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } : هذه
الجملة في مقام التعليل ، يريد أنَّهم لم يكفروا ولم يعصوا أمر الله لأَجل غلبة
إِرادتهم إرادة الله ، و لا لأنّ لهم أولياءً من دون الله بل لأَنّهم ما كانوا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة هود: الآية 20.
________________________________________
(304)
يستطيعون أنْ يسمعوا أو يبصرو آياته حتى يؤمنوا بها ، ولكن عدم استطاعتهم
ليس بمعنى عدم وجودها فيهم من بداية الأَمر بل ؛ لأنّهم حَرَموا أنفسهم من
هذه النعم بالذنوب ، فصارت الذنوب وسيلة لكونهم ذوي قلوب لا يفقهون
بها ، و ذوي أعين لا يُبصرون بها ، و ذوي آذان لا يسمعون بها ، فصاروا
كالأنعام بل هم أضل.
قال سبحانه: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ
بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }(1).
وباختصار: فرق بين عدم الإِستطاعة فيهم من بداية التكليف ، و عدم
قدرتهم على الإِيمان و استماع الآيات و إِبصارها ، و عدم الإِستطاعة لتماديهم
في الظلم و الغيّ ، و إِحاطة ظلمة الذنوب على قلوبهم و أعينهم و أبصارهم
و أسماعهم ، فالآية نزلت في المجال الثاني و البحث في الأَوّل ، و قد تواترت
النصوص من الآيات و الأَحاديث على أنَّ العصيان و الطغيان يجعل القلوب
عمياء ، و الأَسماع صمّاء . قال سبحانه: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ }(2).
و قال سبحانه حاكياً عن المجرمين: { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا ِلأَصْحَابِ السَّعِيرِ }(3).
فالكلمة المعروفة بين المتكلمين و الحكماء من أنّ الإِمتناع بالأِختيار لا
ينافي الإِختيار مُقْتَسَبَة من هذه الآيات ، و صريح الفطرة.
الآية الثانية - قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الاعراف: الآية 179.
(2) سورة الصف: الآية 5.
(3) سورة المُلْك: الآيتان 10 - 11.
________________________________________
(305)
الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ
لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم }(1).
وجه الإِستدلال: إِنَّه سبحانه كلّفهم بالإِنباء بالأسماء مع أنَّهم لم
يكونوا عالمين بها.
يلاحظ عليه: إِنَّ الأمر في قوله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء } للتعجيز ، لا
للتكليف و البعث نحو الإِنباء حقيقة نظير قوله سبحانه: { وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنتُمْ صَادِقِينَ }(2).
توضيحه : إِنَّ لصيغة الأمر معنى واحداً ، و هو إنشاء البعث نحو
الشيء ، لكنّ الغايات تختلف حسب اختلاف المقامات ، فتارة تكون الغاية
من الإِنشاء هي بعث المكلف نحو الفعل جداً ، و هذا هو الأمر الحقيقي الذي
يثاب فاعله و يعاقب تاركه ، و يشترط فيه قدرة المكلف و استطاعته . و أخرى
تكون الغاية أموراً غيره ، فلا يطلق عليه « التكليف الجِدّيِ » ، كالتعجيز
في الآية السابقة ، و التسخير في الآية التالية: { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }(3).
إلى غير ذلك من الغايات التي تدفع المتكلم إلى التعبير عن مقاصده بصيغة
الإمر ، و ذلك واضح لمن تتبع كلام العقلاء.
الآية الثالثة - قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة: الآيتان 31 و 32.
(2) سورة البقرة: الآية 23.
(3) سورة البقرة: الآية 65.
(4) سورة القلم: الآيتان 42 - 43.
________________________________________
(306)
وجه الاستدلال: إنَّه إِذا جاز تكليفهم في الآخرة بما لا يستطيعون جاز
ذلك في الدنيا.
يلاحظ عليه: إِنَّ الدعوة إلى السجود في ذلك الظرف ليست عن جد
و إِرادة حقيقية . بل الغاية من إنشاء البعث إيجاد الحسرة في المشركين
التاركين للسجود حال استطاعتهم في الدنيا . و الآية بصدد بيان أنَّهم في
أوقات السلامة رفضوا الإِطاعة والإمثال ، وبعدما كشف الغطاء عن أعينهم
ورأوا العذاب همّوا بالطاعة والسجود ، ولكن أنّى لهم ذلك في الآخرة ، و اليك
تفسير جُمل الآية واحدة بعد الأخرى:
أ - قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ }: كناية عن اشتداد الأمر تفاقمه ؛ لأنّ
الإِنسان إذ أراد عبور الماء المتلاطم يكشف عن ساقيه ، ثمّ يخوض غماره ،
فاستعير لبيان شدة الأمر ، و إِنْ لم يكن هناك ماء ولا ساق و لا كشف ، كما يقال
للأقطع الشحيح: « يده مغلولة » ، و إن لم يكن هناك يد و لا غلّ.
ب - قوله { يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ }: لا طلباً و لا تكليفاً عن جد ،
بل لزيادة الحسرة على تركهم السجود في الدنيا مع سلامتهم ، كما يقول
المعلم الممتحن لتلميذه الذي يعلم أنَّه سيرسب في الإِمتحان ، أُدرس و طالع
واسهر الليالي ، لإيجاد الحسرة في قلبه ، مع أنَّه ليس هناك مجال لواحد من
هذه الأمور.
ج - قوله: { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }: إِما لسلب السلامة عنهم إثْرَ
أَعمالهم الإجرامية في الدنيا ، أو لاستقرار ملكة الإِستكبار في سرائرهم ـ
{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } - أو لتعلق مشيئته سبحانه بانحصار العمل في الدنيا ،
وانحصار الآخرة بالنتاج و الجزاء. قال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : « ألا
وَ إِنَّ اليَوْمَ المِضْمَارَ ، و غداً السِّباقَ ، و السَّبَقَةُ الجَنَّةُ ، والغايةُ النارُ ، أفلا
تائبٌ من خطيئَتِهِ قبل مَنِيَّتهِ ، ألا عاملٌ لِنَفْسِهِ قَبْل يوم بُؤْسِهِ ، ألا و إنَّكُم في
________________________________________
(307)
أيام عمل من ورائِهِ أَجَلٌ » (1) . ولعل الوجه الأوّل من هذه الوجوه الثلاثة
أقرب إلى مفاد الآية ، لما في آخرها من قوله: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } ، الظاهر في عدم سلامتهم في غير ذاك الظرف.
د - قوله: { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ }:أي تكون أَبصارهم
خاشعة ، و تغشاهم في ذلك اليوم ذلة.
هـ - قوله: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }: إنّهم
لما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا عنه مع صحتهم و صحة أبدانهم ،
يدعون إلى السجود في الأخرة ، و لا يستطيعون ، والغاية من الدعوة ازدياد
حسرتهم و ندامتهم على ما فرّطوا في الدنيا و هم سالمون أَصحاء.
و مجموع جُمل الآية تُعرِبُ بوضوح عن أنَّ الدعوة إلى السجود في ذلك
الظرف لا تكون عن جد بل لغايات أُخر لا يشترط فيها القدرة.
الآية الرابعة - قوله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ
حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}(2).
وجه الإِستدلال: إِنَّه سبحانه أمر بالعدل في قوله: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }(3). و مع ذلك أخبر عن عدم الإستطاعة على العدل.
يلاحظ عليه: إنّه سبحانه أمر بالعدالة من يتزوج أكثر من واحدة كما مرّ
في هذه الآية ، و في الوقت نفسه أَخبر في الآية المستدل بها عن عدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة : الخطبة 28.
(1) سورة النساء: الآية 129.
(1) سورة النساء: الآية 3.
________________________________________
(308)
استطاعة المتزوجين أكثر من واحدة على العدل ، و في الوقت نفسه أيضاً نهى
عن التعلق التام بالمحبوبة منهن ، و الإعراض عن الأخريات رأساً حتى لا تَصِرْنَ
كالمعلقات ، لا متزوجات و لا مطلقات.
و بالتأمل في جمل الآيتين يظهر أنّ العدالة التي أمر بها غير العدالة التي
أخبر عن عدم استطاعة المتزوج على القيام بها.
فالمستطاع هو الذي يقدر عليه كل متزوج أكثر من واحدة ، و هو
العدالة في المَلْبَس و المَأْكَل و المَسْكَن و غيرها من حقوق الزوجة التي يقوم
الزوج بها بجوارحه التي تحت اختياره ، لا بجوانحه و بواطنه التي لا سلطان
له عليها.
و أمّا غير المستطاع منها فهو المساواة في إقبال النفس و البشاشة والأُنس ،
و هو ممّا لا يملكه المرء ، و لا يحيط به اختياره و لا سلطان له عليه.
إلى هنا تبين أنَّ التكليف بما لا يطاق سواء أكان ممكناً بالذات أو غير
ممكن ، ممّا يأباه العقل و تُنكره الفطرة ، و لا يُقِرُّ به العقلاء في حياتهم
الاجتماعية ، كما تُنْكره الآيات الصريحة.
و أمّا ما استدل به الشيخ الأشعريّ فلا دلالة فيه ، والحافز له على سوق
هذه الآيات على ما يتبناه هو رأيه المسبق ؛ و ذلك أَنَّهُ لما اختار عدم تأثير قدرة
العبد في فعله ، و أَنّه بعامة أجزائه و خصوصياته لله سبحانه ، و ليس للعبد دور إلاّ
كونه ظرفاً للفعل ، و كون الخلق من الله سبحانه مقارناً لإِرادة العبد ، رتب
على ذلك أَمرين:
الأوّل - جواز التكليف بما لا يطاق.
________________________________________
(309)
الثاني - كون الإِستطاعة مقارنة للفعل.
أمّا الأوّل ، فلأَنّه إذا لم يكن لقدرة العبد دور في نفس الفعل ، فلا
يفرق بين كون التكليف مقدوراً عليه أو غير مقدور ، و قد عرفت بطلانه.
و أمّا الثاني ، فإِنّما ذهب إليه تَوَهّماً منه أنَّ وجود القدرة و الإِستطاعة قبل
الفعل ربما لا يجتمع مع القول بكون الخلق و الإِيجاد منه سبحانه ، فقال
بعدم تقدم الإِستطاعة و لزوم مقارنتها مع وجود الفعل ، و هذا هو ما عقدنا له
عنواناً مستقلاً في البحث التالي.
إِنَّ المشكلة المهمة في كلام الأَشاعرة و أهل الحديث و الحنابلة هي
رفضهم العقل و إعدامه في المجالات التي يختص بالقضاء فيها ، و من أَعدم
العقل و صلبه ، فلا يترقب منه غير هكذا آراء.
***
التعلیقات