الشيعة في اليمن
البلدان الشيعية وأماكن تواجدهم
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية : للشيخ جعفر السبحاني ص 81 ـ 83
(81)
الشيعة في اليمن :
دخل التشيّع في اليمن بعد أن أسلموا على يد عليّ _ عليه السلام _ ، حيث يحدّثنا التاريخ : أنّ رسول الله
_ صلى الله عليه وآله وسلم _ بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ، فأقام هناك ستّة أشهر فلم يجيبوه
إلى شيء . فبعث النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ وأمره أن يُرجع خالد بن
الوليد ومن معه .
قال البراء : فلمّـا انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر ، فجمعوا له فصلّى بنا عليّ الفجر ، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً
واحداً ، ثمّ تقدّم بين أيدينا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _
فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد ، وكتب بذلك إلى رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ، فلمّا قرأ كتابه خرّ ،
ساجداً ثمّ جلس فقال :
________________________________________
(82)
« السلام على همدان ، السلام على همدان» ثمّ تتابع أهل اليمن على الإسلام(1) .
فكان تمسّكهم بعرى الإسلام على يد عليّ _ عليه السلام _ ، وصار هذا أكبر العوامل لصيرورتهم علويين
مذهباً ونزعة . وفي ظلّ هذه النزعة ضحّوا بأنفسهم ونفيسهم بين يدي عليّ _ عليه السلام _ في حروبه .
أضف إليه أنّهم سمعوا من المصطفى _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فضائل إمامهم ومناقبه غير مرّة ، وهذا
ممّا زادهم شوقاً وملأ قلوبهم حبّاً وولاءً له ، فقد روى المحدثون : أنّ اليمانّيين طلبوا من النبيّ _ صلى الله عليه
وآله وسلم _ أن يبعث إليهم رجلا يفقّههم في الدين ويعلّمهم السنن ويحكم بينهم بكتاب الله ، فبعث النبيّ _ صلى الله
عليه وآله وسلم _ علياً وضرب على صدره وقال : « اللّهمّ اهد قلبه ، وثبّت لسانه» . قال الإمام عليّ _ عليه السلام _ :
« فما شككت في قضاء بين اثنين حتّى الساعة» (2) .
بقي الإمام عليّ _ عليه السلام _ بينهم مدّة يفقّههم في الدين ، ويقضي بكتاب الله ، ويحلّ المشاكل القضائية ،
بما تنبهر به العقول .
ومن هنا تتوضّح الصورة عن حقد الأُمويين على أهل اليمن وقسوتهم في تعاملهم معهم ، كما فعل ذلك
بسر بن أُرطاة عند حملته على اليمن ، حيث لم يترك محرّماً إلاّ استحلّه ، ولا جريمة إلاّ فعلها فلحقته اللعنة
في الدارين .
نعم إنّ شيعة أهل اليمن كانوا من خلّص شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ ، فلا غرو
ولا غرابة أن يذكرهم في شعره بقوله :
فلو كنت بوّاباً على باب جنّة * لقلت لهمدان ادخلي بسلام
وممّا يدل على فرط حبّهم وولائهم لعليّ _ عليه السلام _ ما قاله سيّدهم سعيد بن قيس
____________
(1) ابن الأثير ، الكامل: 2 : 300 في حوادث السنة العاشرة ،ط دار صادر .
(2) كنز العمال: 6 : 158 و 392 باب فضائل عليّ .
________________________________________
(83)
الهمداني ـ رضوان الله عليه ـ في وقعة الجمل :
قل للوصيّ أقبلت قَحطانُها * فادع بها تكفيكها هَمدَانُها
همُ بنوها وهُم أُخوانها(1)
نعم رحل يحيى بن الحسين الرسّي العلوي من العراق إلى اليمن في القرن الثالث ودعا إلى المذهب
الزيدي في ظلّ ولاء أهل البيت وأخذ بمجامع القلوب وانتشرت دعوته فانتموا إلى زيد ، فالشيعة إلى اليوم في
اليمن زيديّو المذهب يهتفون في الأذان بـ «حيّ على خير العمل» .
ويوجد هناك شيعة إماميّة قليلون .
كانت الحكومة منذ دعوة الرسّي العلوي بيد الزيدية ، وكان آخر حاكم مقتدر زيدي يحكم البلاد هو حميد
الدين يحيى المتوكّل على الله ، ولما اغتيل هو وولداه الحسن والمحسن ، وحفيده الحسين بن الحسن بيد بعض
وزرائه عام (1367هـ ) في ظلّ مؤامرة أجنبية ، قام مكانه ولده الإمام بدر الدين ، ولم يكن له نصيب من
الحكم إلاّ مدّة قليلة حتّى أُزيل عن الحكم عن طريق انقلاب عسكري ، وبذلك انتهى الحكم الزيدي في اليمن ،
ولكنّ اليمنيّين بقوا على انتمائهم إلى التشيّع .
____________
(1) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة : 1 : 144 ـ 145 .
التعلیقات