قدماء الشيعة وعلم الحديث
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 35 ـ 39
( 29 )
8 ـ قدماء الشيعة وعلم الحديث
إنّ السنّة هي المصدر الثاني للثقافة الاِسلامية بجميع مجالاتها، ولم يكن شيء أوجب بعد كتابة القرآن وتدوينه وصيانته من نقص أو زيادة، من كتابة حديث الرسول _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ وتدوينه وصيانته من الدسّ والدجل، وقد أمر به الرسول الاَكرم _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ غير مرّة، فقد روى الاِمام أحمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّه قال للنبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _: يا رسول الله أكتب كلّ ما أسمع منك؟ قال: « نعم». قلت: في الرضا والسخط؟ قال _ صلى الله عليه وآعله وسلم _: «نعم، فإنّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلاّ حقّاً»(1).
إنّ الله سبحانه أمر بكتابة الدَّين حفظاً له، واحتياطاً عليه، وإشفاقاً من دخول الريب فيه، فالعلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدَّين أحرى بأن يكتب ويحفظ من دخول الريب والشكّ فيه(2).
فإذا كان النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ لا ينطق عن الهوى وإنّما ينطق عن الوحي الذي يوحى إليه(3) ـ فيجب حفظ أقواله وأفعاله أُسوة بكتاب الله المجيد، حتّى لا يبقى المسلم في حيرة من أمره، ويستغني عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية.
وبالرغم من وضوح الاَمر و أهميته القصوى إلاّ أنّ الخلافة الاِسلامية باجتهاداتها حالت دون ذلك، بل وحاسبت عليه حتّى أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قال لاَبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: « ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد؟» (4).
ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية،
____________
(1) مسند أحمد 2: 207.
(2) الخطيب البغدادي، تقييد العلم: 70.
(3) اقتباس من قوله سبحانه: صما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى * وما ينطقُ عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحىش، النجم: 2ـ4.
(4) كنز العمال 10: 293 | 29479. وفيه: ما هذه الاَحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله في الآفاق.
________________________________________
( 30 )
فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية، وعدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها.
إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول الله _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ وكتابته وتدوينه، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والاَحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الذي استسلم في عام تسعة من الهجرة أن يقصّ(1).
ولما تسنّم عمر بن عبد العزيز منصب الخلافة، أدرك ضرورة تدوين الحديث، فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة، أن يقوم بتدوين الحديث قائلاً: إنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّاً(2).
ومع ذلك فلم يقدر ابن حزم على القيام بما أمر به الخليفة؛ لاَنّ رواسب الحظر السابق المؤكّد من قبل الخلفاء حالت دون أُمنيته، إلى أن زالت دولة الاَُمويين وجاءت دولة العبّاسيين، فقام المسلمون بتدوين الحديث في عصر أبي جعفر المنصور سنة (143هـ)، وأنت تعلم أخي القارىَ الكريم أنّ الخسارة التي لحقت بالتراث الاِسلامي من منع تدوين السنّة لا تجبر بتدوينه بعد مضي قرن ونيّف، وبعد موت الصحابة وكثير من التابعين الذين رأوا النور المحمدي وسمعوا منه الحديث، ولم يحدّثوا بما سمّعوه إلاّ سرّاً ومن ظهر القلب إلى مثله.
أضف إلى ذلك أنّ الاَحبار والرهبان والمأجورين للبلاط الاَُموي نشروا كلّ كذب وافتراء بين المسلمين.
اهتمام الشيعة بتدوين الحديث:
قام الاِمام أمير المؤمنين علي _ عليه السلام _ بتأليف عدّة كتب في زمان النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _، فقد أملى
____________
(1) كنز العمال 10: 281.
(2) صحيح البخاري 1: 27.
________________________________________
( 31 )
رسول الله كثيراً من الاَحكام عليه وكتبها الاِمام واشتهر بكتاب علي، وقد روى عنه البخاري في صحيحه في باب «كتابة الحديث» (1) وباب « أثم من تبرّأ من مواليه» (2) وتبعه 7 ثلّة من الصحابة الذين كانوا شيعة له، وإليك أسماء من اهتمّ بتدوين الآثار وما له صلة بالدين، وإن لم يكن حديث الرسول.
1 ـ قام أبو رافع صحابي الرسول _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ بتدوين كتاب السنن والاَحكام والقضايا(3).
2 ـ وقام الصحـابي الكبير سلمان الفـارسي: (ت 34هـ) بتأليف كتاب حديث الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد وفاة الرسول _ صلى الله عليه وآعله وسلم _.
قال الشيخ الطوسي: روى سلمان حديث الجاثليق الذي بعثه ملك الروم بعد النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _(4).
3 ـ وألّف الصحابي الورع أبو ذر الغفاري المتوفّى سنة 32هـ كتاب الخطبة التي يشرح فيها الاَُمور بعد رسول الله _ صلى الله عليه وآعله وسلم _(5).
هذا ما يرجع إلى الصحابة من الشيعة، وأمّا الشيعة من غير الصحابة ـ أعني: التابعين وتابعي التابعين منهم ـ فقد قام عدد منهم بتدوين السنّة إلى عصر الغيبة الكبرى، وقد تكفّلت بذكرهم و ذكر تآليفهم معاجم الرجال قديماً وحديثاً، وإليك عرضاً موجزاً من محدّثي الشيعة ومؤلّفيهم في القرن الاَوّل وبداية القرن الثاني.
____________
(1) صحيح البخاري 1: 27 كتاب العلم.
(2)المصدر نفسه 8: 154، كتاب الفرائض، الباب 20.
(3) النجاشي، الرجال 1: 64 | 1.
(4) الطوسي الفهرست: 8.
(5) المصدر نفسه: 54.
________________________________________
( 32 )
طبقات محدّثي الشيعة
الطبقة الاَُولى:
1 ـ الاَصبغ بن نباتة المجاشعي، كان من خاصّة أمير المؤمنين _ عليه السلام _ روى عنه _ عليه السلام _ عهد الاَشتر، ووصيته إلى ابنه محمّد(1).
2 ـ عبيد الله بن أبي رافع المدني، مولى النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _، كان كاتب أمير المؤمنين _ عليه السلام _ له كتاب قضايا أمير المؤمنين _ عليه السلام _ وتسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفّين والنهروان(2).
3 ـ ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة النعم عن أمير المؤمنين _ عليه السلام _(3).
4 ـ سليم بن قيس الهلالي، أبو صادق، له كتاب مطبوع باسم: سليم بن قيس.
5 ـ عليّ بن أبي رافع، قال النجاشي عنه: تابعيّ من خيار الشيعة، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين _ عليه السلام _، وكان كاتباً له، وحفظ كثيراً، وجمع كتاباً في فنون من الفقه: الوضوء، والصلاة، وسائر الاَبواب(4).
6 ـ عبيد الله بن الحرّ الجعفي، الفارس، الفاتك، الشاعر، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين _ عليه السلام _(5).
7 ـ زيد بن وهب الجهني، له كتاب خطب أمير المؤمنين _ عليه السلام _ على المنابر في الجمع والاَعياد وغيرها(6).
____________
(1) النجاشي الرجال 1: 70 | 4.
(2) الطوسي، الفهرست: 107.
(3) النجاشي، الرجال 1: 67 | 2.
(4) النجاشي، الرجال 1: 65 | 1.
(5) المصدر نفسه 1: 71 | 5.
(6) الطوسي، الفهرست: 72.
________________________________________
( 33 )
الطبقة الثانية:
1 ـ الاِمام السجّاد زين العابدين علي بن الحسين _ عليهما السلام _، له الصحيفة الكاملة، المشتهرة بزبور آل محمّد:.
2 ـ جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله، (ت 128هـ)، له كتب(1).
3 ـ لوط بن يحيى بن سعيد، شيخ أصحاب الاَخبار بالكوفة، له كتب كثيرة، أوردها الشيخ في رجاله وعدّه في أصحاب الحسن والصادق _ عليهما السلام _(2).
4 ـ جارود بن منذر، الثقة، أورده الشيخ في أصحاب الحسن والباقر والصادق:، له كتب(3).
الطبقة الثالثة:
وهم من أصحاب السجّاد والباقر _ عليهما السلام _:
1 ـ برد الاِسكاف، من أصحاب السجاد والصادقين:، له كتاب(4).
2 ـ ثابت بن دينار، أبو حمزة الثمالي الاَزدى، الثقة، (ت 150هـ)، روى عنهم:، له كتاب، وله النوادر والزهد، وله تفسير القرآن(5).
3ـ ثابت بن هرمز الفارسي، أبو المقدّم العجلي، مولاهم الكوفي، روى نسخة عن عليّ بن الحسين:(6).
____________
(1) النجاشي، الرجال 1: 313 | 330.
(2) الطوسي، الرجال: 279 من أصحاب الصادق _ عليه السلام _ ولاحظ تعليقة المحقّق.
(3) المصدر نفسه: 112 في أصحاب الباقر _ عليه السلام _.
(4) النجاشي، الرجال 1: 284 | 289.
(5) المصدر نفسه 1:289 |294.
(6) المصدر نفسه 1: 292 | 296.
________________________________________
( 34)
4 ـ بسّام بن عبد الله الصيرفي ، مولي بني أسد ، أبو عبد الله ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله _ عليهما السلام _ ، له كتاب(1) .
5 ـ محمّد بن قيس البجلي ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين _ عليهما السلام _(2) .
6 ـ حجر بن زائدة الحضرمي ، روى عن الباقر والصادق _ عليهما السلام _ ، له كتاب(3).
7 ـ زكريا بن عبد الله الفياض ، له كتاب(4).
8 ـ ثوير بن أبي فاختة «أبو جهم الكوفي» ، واسم أبي فاختة : سعيد بن علاقة(5).
9 ـ الحسين بن ثور بن أبي فاختة ، سعيد بن حمران ، له كتاب نوادر(6) .
10 ـ عبد المؤمن بن القاسم بن قيس الأنصاري ، (ت 147هـ ) ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد والصادقين _ عليهما السلام _ ، له كتاب(7) .
ولقد خصّص أبو عمرو الكشي باباً للمحدّثين المتقدّمين من الشيعة وجعله في صدر رجاله ، وتبعه النجاشي في رجاله فخصّ الطبقة الأُولى بباب ، ثمّ أورد أسماء الرواة على حسب الحروف الهجائية .
ولقد أجاد الشيخ الطوسي في التعرّف على طبقات الشيعة بعد رسول الله إلى عصره ، فذكر الأئمّة الاثني عشر ، وذكر أصحاب كلّ إمام وفق الترتيب الزمني ، ثمّ
____________
(1) المصدر نفسه 1 : 282 / 286 .
(2) الطوسي ، الفهرست : 131 .
(3) النجاشي ، الرجال 1 : 347 / 382.
(4) النجاشي ، الرجال 1 : 391 / 452 .
(5) المصدر نفسه ، 295 / 301 .
(6) المصدر نفسه ، 166 / 124 .
(7) المصدر نفسه ، 2 : 168 / 653 .
________________________________________
( 35 )
ذكر باباً آخر باسم من لم يرهم ولكن روى عنهم بالواسطة .
وأحسن كتاب أُلّف في هذا المجال هو ما ألّفه أُستاذنا الجليل السيد النحرير المحقّق البروجردي ـ رحمه الله ـ الذي أخرج رجال الشيعة في (34) طبقة ، من عصر الصحابة إلى زمانه (1292 ـ 1380هـ ) فهذا الكتـاب يكشف عن سبق الشيعة في نظم الحديث وتدوينه ، وأنّهم لم يقيموا لمنع الخلفاء وزناً ولا قيمة . وبذلك حفظوا نصوص النبيّ الأكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _وأهل بيته وقدموها إلى المجتمع الإسلامي ، فعلى جميع علماء المسلمين أن يتمسّكوا بهذا الحبل الذي هو أحد الثقلين .
هذا عرض موجز لمحدّثي الشيعة من عصر الإمام أمير المؤمنين علي _ عليه السلام _ إلى عصر السجّاد والباقر _ عليهما السلام _ وأمّا الطبقات الأُخرى فيأتي الكلام في فصل قدماء الشيعة والفقه; لأنّهم تجاوزوا التحديث إلى درجة الاجتهاد .
التعلیقات