قدماء الشيعة والفقه الإسلامي
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 35 ـ 39
( 35 )
9 قدماء الشيعة والفقه الإسلامي
إنّ الفقه الشيعي هو الشجرة الطيّبة الراسخة الجذور ، المتّصلة الأُسس بالنبّوة ، والتي امتازت بالسعة ، والشمولية ، والعمق ، والدقّة ، والقدرة على مسايرة العصور المختلفة ، والمستجدّات المتلاحقة من دون أن تتخطّى الحدود المرسومة في الكتاب والسنّة .
إنّ الفقه الإمامي يعتمد في الدرجة الأُولى على القرآن الكريم ، ثمّ على السنّة المحمّدية المنقولة عن النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عن طريق العترة الطاهرة _ عليهما السلام _ أو الثقات من أصحابهم والتابعين لهم بإحسان .
وكما يعتمد الفقه الشيعي على الكتاب والسنّة ، فإنّه كذلك يتّخذ من العقل مصدراً في المجال الذي له الحقّ في إبداء الرأي ، كأبواب الملازمات العقلية ، أو قبح
________________________________________
( 36 )
التكليف بلا بيان ، أو لزوم البراءة اليقينية عند الاشتغال اليقيني .
ولا يكتفي بذلك ، بل يستفيد من الإجماع الكاشف عن وجود النص في المسألة أو موافقة الإمام المعصوم مع المجمعين في عصر الحضور .
إنّ الشيعة الإمامية قدّمت في ظلّ هذه الأُسس الأربعة فقهاً يتناسب مع المستجدّات ، جامعاً لما تحتاج إليه الأُمّة ، ولم يقفل باب الاجتهاد ، منذ رحلة النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلى يومنا هذا ، بل فتح بابه طيلة القرون ، فأنتج عبر العصور فقهاء عظاماً ، وموسوعات كبيرة ، لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلا ، وإليك عرضاً موجزاً لمشاهير فقهائهم مع الإيعاز إلى بعض كتبهم في القرن الثاني والثالث .
فقهاء الشيعة في القرن الثاني :
تخرّجت من مدرسة أهل البيت وعلى أيدي أئمة الهدى _ عليهم السلام _ عدّة من الفقهاء العظام لا يستهان بعددهم ، فبلغوا الذروة في الاجتهاد ، كزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وكلّهم من أفاضل خرّيجي مدرسة أبي جعفر الباقر وولده الصادق _ عليهما السلام _ فأجمعت الطائفة على تصديق هؤلاء ، وانقادت لهم في الفقه والفقاهة .
ويليهم في الفضل لفيف آخر ، هم أحداث خرّيجي مدرسة أبي عبد الله الصادق _ عليه السلام _ ، أمثال : جميل بن دراج ، و عبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان .
وهناك ثلّة أُخرى يعدّون من تلاميذ مدرسة الإمام موسى الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا _ عليهما السلام _ منهم : يونس بن عبد الرحمن ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن عليّ بن فضال ، وفضالة بن
________________________________________
( 37 )
أيّوب(1) .
وأكثر هؤلاء من فقهاء القرن الثاني وأوائل القرن الثالث .
هؤلاء أعلام الشيعة في الفقه والحديث في القرن الثاني ، وكلّهم خرّيجو مدرسة أهل البيت _ عليهم السلام _ ولقد خلّفوا آثاراً علمية باسم الأصل ، والكتاب ، والنوادر ، والجامع ،والمسائل ، وعناوين أُخرى .
أصحاب الجوامع الفقهية في القرن الثالث :
لقد تخرّج من مدرسة أهل البيت _ عليهم السلام _ جملة كبيرة من أعاظم الفقهاء; أوقفوا علمهم في خدمة هذا الدين الحنيف; فشمّروا عن سواعدهم ، وسخّروا أنفسهم قدر ما مكَّنهم الله تعالى عليه ، فخلَّفوا جوامع فقهيّة مهمّة كانت ولا زالت خير زاد للمسلمين ، ومن هؤلاء الأعلام :
1 ـ يونس بن عبد الرحمن ، الّذي وصفه ابن النديم في فهرسته بعلاّمة زمانه ، له جوامع الآثار ، والجامع الكبير ، وكتاب الشرائع .
2 ـ صفوان بن يحيى البجلي ، الذي كان أوثق أهل زمانه ، صنّف ثلاثين كتاباً .
3 و 4 ـ الحسن والحسين ابنا سعيد بن حمّاد الأهوازي ، صنّفا ثلاثين كتاباً .
5 ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، (ت274هـ ) ، صاحب كتاب المحاسن وغيره.
6 ـ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي ، (ت 293هـ ) ، صاحب نوادر الحكمة وكتاب الجامع المعروف .
7 ـ أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، (ت 221هـ ) ، صاحب الجامع المعروف .
____________
(1) أبو عمرو الكشي ، الرجال : 206 ،322 ،466، وراجع رجال النجاشي في ترجمتهم وذكر آثارهم ومنزلتهم في الفقه .
________________________________________
( 38 )
فقهاء الشيعة في القرن الرابع :
هؤلاء هم فقهاء الشيعة في القرن الثالث وتليهم عدّة أُخرى في القرن الرابع نذكر أسماءهم على وجه الإجمال :
1 ـ الحسن بن علي بن أبي عقيل ، شيخ الشيعة وفقيهها ، صاحب كتاب المتمسّك بحبل آل الرسول ، المعاصر للكليني .
2 ـ عليّ بن الحسين بن بابويه ، (ت 329هـ ) ، صاحب كتاب الشرائع .
3 ـ محمّد بن الحسن بن الوليد القمي ، شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم ، مات سنة 343هـ ، ولقد بلغ في الوثاقة والدقة على حد يسكن إليه الشيخ الصدوق في تصحيحاته وتضعيفاته .
4 ـ جعفر بن محمّد بن قولويه، أُستاذ الشيخ الصدوق ، و مؤلّف كامل الزيارات، يقول النجاشي عنه : إنّه من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث .
5 ـ محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق (306 ـ 381هـ ) مؤلّف من لا يحضره الفقيه والمقنع والهداية .
6 ـ محمّد بن أحمد بن الجنيد المعروف بالإسكافي ، (ت 385هـ ) .
قال عنه النجاشي : وجه في أصحابنا ، ثقة جليل القدر ، صنّف فأكثر ، ثمّ ذكر فهرس كتبه ، ومنها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ، وكتاب الأحمدي للفقه المحمّدي .
مشاهير الفقهاء في القرن الخامس :
وفي القرن الخامس نبغ فقهاء كبار ، ازدان الفقه الشيعي بل الإسلامي بأسمائهم وآرائهم ، ومنهم : الشيخ المفيد (336ـ413هـ ) والسيّد المرتضى (355 ـ 436هـ ) والشيـخ الكراجكي (ت 449هـ ) والشيخ الطوسي (385 ـ 460هـ ) وسلار الديلمي مؤلّف المراسم (ت463هـ ) ، وابن البرّاج (401 ـ 489هـ ) مؤلّف المهذّب ،
________________________________________
( 39 )
وغيرهم من الذين ملأت أسماؤهم كتب التراجم والرجال .
ومن أراد الوقوف على حياتهم وكتبهم فعليه الرجوع إلى الموسوعات الرجالية ، وأخص بالذكر كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة .
هذا عرض موجز لمشاركة الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية على المستوى الفقهي . ويشهد الله أنّ علماء الشيعة قاموا بهذه الجهود في ظروف قاسية ورهيبة ، وكانت الحكومات الظالمة ومرتزقتها لا ينفكّون عن مطاردتهم وإيداعهم في السجون وعرضهم على السيف ، ومع ذلك نرى هذا الإنتاج العلمي الهائل في مجال الفقه . والذي لو تأمل فيه علماء المسلمين بفرقهم المختلفة ، وتجنّبوا أهواء التعصب ، لأقرُّوا بلا ريب بما فيه من سعة الفكر ، وعمق النظر ، وغزارة الانتاج .
هذا هو الشيخ الطوسي الذي ألّف المبسوط في الفقه المقارن (في 8 أجزاء) في زمن كانت الفتن الطائفية على أوجها ، والشيعة هم الضحية في هذه المخاضات العسرة ، والتي امتدت ألسنتها نحو الشيخ الطوسي نفسه ، فأُحرقت داره ، ومكتبته
في كرخ بغداد ، فالتجأ سرّاً إلى النجف الأشرف ، تاركاً بلده الذي عاش فيه قرابة نصف قرن ، وأين هؤلاء من الفقهاء الذين تنعّموا بالهدوء والاستقرار ، واستقبلتهم السلطات الحاكمة بصدر رحب ، وأُجيزوا مقابل أبيات معدودة من الشعر الرخيص ، أو كتيب أو رسالة صغيرة بالهبات والعطايا .
التعلیقات