قدماء الشيعة والعلوم الكونية
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 70 ـ 73
(70)
14 ـ قدماء الشيعة والعلوم الكونية
لم يكن اتّجاه الشيعة مختصّاً بالعلوم العقلية كالكلام والفلسفة والمنطق فحسب ، بل امتدّ نشاطهم وحركتهم الفكرية إلى العلوم الرياضية ، والكونية ، فتجد هذا النشاط بارزاً في مؤلّفاتهم طيلة القرون الماضية ، ونحن نأتي هنا بذكر موجز عن مشاهير علمائهم ومؤلّفاتهم في القرون الأُولى تاركين غيرهم للمعاجم :
1 ـ هشام بن الحكم (ت 199هـ ) ، له آراء في الأعراض كاللون والطعم والرائحة ، وقد أخذ منه إبراهيم بن سيّار النظّام ، وحاصل هذا الرأي أنّ الرائحة جزئيات متبخّرة من الأجسام تتأثّر بها الغدد الأنفية ، وأنّ الأطعمة جزئيات صغيرة تتأثّر بها الحليمات اللسانية(1) .
2 ـ إنّ بيت آل نوبخت بيت شيعي عريق ، فقد قاموا بترجمة الكثير من كتب العلوم والمعرفة من اللغة الفارسية إلى العربية ، كما برع منهم من له باع طويل في كثير من العلوم ، ومنها العلوم الكونية .
قال ابن النديم : آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده .
وقال الأفندي في رياض العلماء : بنو نوبخت طائفة معروفة من متكلّمي الإمامية منهم :
أ ـ أبو الفضـل بن نوبخت ، قال ابن النـديم : كان في خـزانة الحكمة لهارون الرشيد ، وقال ابن القفطي في تاريخ الحكماء : إنّه مذكور مشهور من أئمّة المتكلّمين وذُكر في كتب المتكلّمين . وكان في زمن هارون الرشيد وولاّه القيام بخزانة كتب الحكمة ، وهو من متكلّمي أواخر القرن الثاني .
ب ـ ولده إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت ، من متكلّمي القـرن الثالث .
____________
(1) عبد الله نعمة ، فلاسفة الشيعة : 56 .
________________________________________
(71)
ج ـ يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت ، متقدّم في الحكمة والكلام والنجوم(1) .
3 ـ أبو عليّ أحمد بن محمّد بن يعقوب بن مسكويه ، من أعيان الشيعة وأعلام فلاسفتهم ، صنّف في علوم الأوائل ، وله تعليقات في المنطق ، ومقالات جليلة في أقسام الحكمة والرياضة(2) .
4 ـ جابر بن حيّان ، ويعدّ من أشهر علماء الشيعة وأقدمهم الذين برزوا في علم الكيمياء ، وهو أوّل من أشار إلى طبقات العين قبل «يوحنا بن ما سويه» (ت 243هـ ) وقبل حنين بن إسحاق (ت 264هـ ) وأوّل من أثبت إمكان تحويل المعدن الخسّيس إلى الذهب والفضة ، فلم تقف عبقريته في الكيمياء عند هذا الحدّ ، بل دفعته إلى ابتكار شيء جديد في الكيمياء فأدخل فيها ما سمّـاه بعلم الميزان ، والمقصود منه معادلة ما في الأجسام والطبائع ، وجعل لكلّ جسم من الأجسام ، موازين خاصّة(3) وقد أُلّفت حول جابر وعبقريته كتب كثيرة ، فمن أراد فليرجع إليها ، وقد اتّفق الكلّ على أنّه تلميذ الإمام الصادق _ عليه السلام _ .
5 ـ الشريف أبو القاسم عليّ بن القاسم القصري ، وهو من علماء القرن الرابع ، ذكره ابن طاووس في فرج المهموم في عداد منجّمي الشيعة(4) .
وهذه نماذج من علماء الشيعة في الطبيعيات والفلكيات ، وأمّا المتأخّرون ، فحدّث عنهم ولا حرج ، وقد أتى بقسم كبير منهم الشيخ عبد الله نعمة في كتابه « فلاسفة الشيعة» فمن أراد فليرجع إليه ، غير أنّا نذكر هنا المحقّق الطوسي الذي له حقّ على الأُمّة جمعاء ، والذي تقول في حقّه المستشرقة الألمانية :
____________
(1) العاملي ، أعيان الشيعة 1 : 135 .
(2) محمّد باقر الخوانساري ، روضات الجنات 1 : 254 .
(3) فلاسفة الشيعة 1 : 57 .
(4) فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم : 128 ، ط النجف 1368هـ .
________________________________________
(72)
« وحصل نصير الدين الطوسي على مرصده ، فكان معهداً للأبحاث لا مثيل له ، وزوّده بالآلات الفلكية التي زادت في شهرة المعهد ، ورفعت مكانته . . . ويحكى أنّ زائراً قصد ابن الفلكي نصير الدين في مرصده في مراغة ، فلمّـا رأى الآلات الفلكية المتنوّعة ذُهل ، وقد ازداد دهشة حين رأى «المحلقة» ذات الخمس حلقات والدوائر من النحاس : أولاها : تمثل خطّ الطول الذي كان مركّزاً في الأسفل ، وثانيتها : خطّ الاستواء ، وثالثتها : الخطّ الاهليلجي ، ورابعتها : دائرة خطّ الأرض ، وخامستها : دائرة الانقلاب الصيفي والشتوي ، وشاهد أيضاً دائرة السمت التي يمكن للمرء بواسطتها أن يحدّد سمت النجوم ، أي الزاوية الناتجة على خطّ أُفقي ثابت وخطّ أُفقي آخر صادر عن كوكب في السماء .
وتقول أيضاً : إنّ نصير الدين أحضر إلى مكتبة المعهد أربعمائة ألف مجلّد كانت قد سرقت من مكتبات بغداد وسورية وبلاد بابل ، وقد استدعى علماء ذوي شهرة طائرة من إسبانيا ودمشق وتفليس والموصل إلى مدينة مراغة لكي يعملوا على وضع الازياج بأسرع وقت ممكن» (1) .
ويناسب في المقام ذكر إجمالي عمّـا قدّموا من الخدمة في مجال الجغرافية وعلم البلدان فنقول :
الجغرافية وتقويم البلدان
نذكر في المقام رحّالتين طافا البلاد الإسلامية وكتبا ما يرجع إلى جغرافية البلدان ، وقد صار كتاباهما أساساً للآخرين :
1 ـ أحمد بن أبي يعقوب بن واضح ، المعروف باليعقوبي ، المتوفّى في أواخر
____________
(1) السيدة زيغريد هونكه ، شمس العرب تسطع على الغرب : 133 والصحيح أن يسمّى : شمس الإسلام .
________________________________________
(73)
القرن الثالث ، فهو أوّل جغرافي بين العرب ، وصف الممالك معتمداً على ملاحظاته الخاصّة ، ومتوخّياً قصد ما أراد من وصف البلد وخصائصها ، وهو يقول عن نفسه : إنّه عنى في عنفوان شبابه وحدّة ذهنه بعلم أخبار البلدان ومسافة ما بين كل بلد وبلد ، لأنّه سافر حديث السنّ ، واتّصلت أسفاره ، ودام تغرّبه ، وقد طاف في بلاد المملكة الإسلامية كلّها ، فنزل أرمينيّة ، وورد خراسان ، وأقام بمصر والمغرب ، بل سافر إلى الهند وكان متى لقى رجلا سأله عن وطنه ومصره ، وعن زرعه ما هو؟ وساكنيه من هم؟ عرب أو عجم؟ وعن شرب أهله ولباسهم ودياناتهم ومقالاتهم ، من غير أن يلحقه من ذلك ملال ولا فتور ، وقد وصف المملكة الإسلامية مبتدئاً ببغداد وصفاً منظّماً مع إصابة جديرة بالثقة والإعجاب(1).
2 ـ أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعودي (ت 346هـ ) فقد ألّف في ذلك المضمار كتابه « مروج الذهب ومعادن الجوهر » وكتابه الآخر « التاريخ في أخبار الأُمم من العرب والعجم» وكتابه الثالث « التنبيه والأشراف» فقد اشتمل وراء التاريخ على الجغرافية وتقويم البلدان ، وقد جرّه حُبّه للاستطلاع إلى السفر إلى بلاد بعيدة ، فكتب ما رآه وشاهده .
____________
(1) آدم متز ، الحضارة الإسلامية 2 : 34 وكتاب اليعقوبي في الجغرافية هو كتاب «البلدان» المنتشر .
التعلیقات