قدماء الشيعة وطرائف الشعر
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 18 ـ 23
( 18 )
6 ـ قدماء الشيعة وطرائف الشعر
لا نريد من الشعر في المقام الاَلفاظ المسبوكة، والكلمات المنضَّدة على أحد الاَوزان الشعرية، وانّما نريد منه ما يحتوي على المضامين العالية في الحياة، وما يبثّ روح الجهاد في الاِنسان، أو الذي يشتمل على حجاج في الدين أو تبليغ للحقّ. وعلى مثل هذا الشعر بنيت الحضارة الاِنسانية، وهو مقياس ثقافة الاَُمّة ورقيّها، وله خلود عبر القرون لا تطمسه الدهور والاَيّام.
فما نقرأه في الذكر الحكيم من التنديد بالشعراء من قوله تعالى: {والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } (1) ، إنّما يراد بذلك الشعراء المأجورون الذين يتاجرون بالشعر فيقلبون الحقائق، ويصنعون من الظالم مظلوماً، ومن المظلوم ظالماً، ولاَجل ذلك قال سبحانه: {أَلمْ تَرَ أَنَّـهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَـهيمُونَ * وأَنَّـهُمْ يَقُولُونَ ما لا
____________
(1) الشعراء: 224.
________________________________________
( 19 )
يَفْعَلُونَ}(1) .
ومن هنا فإنّا نعني بحديثنا هنا أُولئك الشعراء الذين أوقفوا أشعارهم في خدمة كلمة الحق وإعلاء شأن الدين الحنيف. ولقد ظهرت في سماء الشعر وفي القرون الاَُولى للعهد الاِسلامي من بين رجالات الشيعة طائفة من الشعراء حظوا برعاية أهل البيت: وتقديرهم.
وإليك أسماء بعض من شعراء الشيعة مع ذكر أبيات من شعرهم الخالد:
1 ـ قيس بن سعد بن عبادة:
سيّد الخزرج، و الصحابي الجليل، كان زعيماً مطاعاً، كريماً ممدوحاً، وكان من شيعة عليّ _ عليه السلام _ ومن أشدّ المتحمّسين له، بعثه أميراً على مصر سنة (36هـ)، وهو وأبوه وأهل بيته من الذين لم يبايعوا أبا بكر وقالوا: لا نبايع إلاّ عليّاً(2) .
ومن أشعاره التي أنشدها بين يدي أمير المؤمنين _ عليه السلام _ في صفّين:
قلتُ لما بغى العدوّ علينا * حسبنا ربّنا ونعم الوكيلُ
حسبنا الذي فتح البصـ * ـرة بالاَمس والحديث الطويلُ
وعليٌّ إمامنا وإمامٌ * لسوانا أتى به التنزيلُ
يوم قال النبيّ من كنت مو * لاه فهذا مولاه خطبٌ جليلُ
إنّما قاله النبيّ على الاَُمّـ * ـة حتمٌ ما فيه قالٌ وقيلُ(3)
____________
(1) الشعراء: 225 ـ 226.
(2) الطبري، التاريخ 3: 462.
(3) المفيد، الفصول المختارة: 87؛ الكراجكي، كنز الفوائد: 234؛ سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص:20.
________________________________________
( 20 )
2 ـ الكميت بن زيد (60 ـ 126هـ):
شاعر مقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيّامها، و من شعراء مضر. كان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم، مشهوراً بذلك، وقد حظي بتقدير أئمّة أهل البيت لاِجهاره بالحق، ولجهاده في سبيله، وهاشمياته المقدّرة بـ 578 بيتاً خلّدت ذكراه في التاريخ وهي مشتملة على ميمية وبائية ورائية وغيرها.
وإليك أبياتاً من عينيّته:
ويوم الدوح دوح غدير خمٍّ * أبان له الولاية لو أُطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطراً مبيعا
إلى أن قال:
أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا * وأقومهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقّه وبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا
فقل لبني أُميّة حيث حلّوا * وإن خفت المهنّد والقطيعا
ولقد طبع ديوان الكميت غير مرّة، وشرحه الاَُستاذ محمد شاكر الخيّاط والاَُستاذ الرافعي(1) .
3 ـ السيد الحميري (ت 173هـ):
أبو هاشم إسماعيل بن محمّد الملقّب بالسيّد، الشاعر المعروف، ومن المكثرين المجيدين، ومن الثلاثة الذين عدّوا أكثر الناس شعراً في الجاهلية والاِسلام وهم: «السيّد» و «بشار» و «أبو العتاهية»، وكان السيّد الحميري متفانياً في حبّ العترة الطاهرة فلم يكن يرى لمناوئيهم حرمة وقدراً، وكان يشدّد النكير عليهم في كلّ
____________
(1) اقرأ حياة الكميت في الغدير 2: 180ـ212.
________________________________________
( 21 )
موقف ويهجوهم بألسنة حداد في كلّ حول وطول.
ومن قصائده المعروفة عينيّته، وقد شرحها عدة من الاَُدباء ومستهلّها:
لاَُمّ عمرو باللوى مربَع * طامسة أعلامها بلقعُ
تروع عنها الطير وحشيّة * والوحشُ من خيفته تفزعُ(1).
4 ـ دعبل الخزاعي (المتوفّى 246هـ):
أبو عليّ دعبل بن عليّ الخزاعي، من بيت علم وفضل وأدب، يرجع نسبه إلى بديل بن ورقاء الخزاعي الذي دعا له النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _.
قال النجاشي: أبو علي الشاعر المشهور في أصحابنا، صنّف كتاب طبقات الشعراء، ومن أراد التوغّل في حياته وسيرته فليقرأ النواحي الاَربعة من حياته:
1 ـ تهالكه في ولائه لاَهل البيت:.
2 ـ نبوغه في الشعر والاَدب والتاريخ وتآليفه.
3 ـ روايته للحديث والرواة عنه ومن يروي عنهم.
4 ـ سيرته مع الخلفاء ثمّ ملحه ونوادره ثمّ ولادته ووفاته(2) .
وإليك مطلع تائيّته المعروفة:
تجاوبن بالاَرنان والزفراتِ * نوائح عجم اللفظ والنطقات
5 ـ الاَمير أبو فراس الحمداني (320 ـ 357هـ):
أبو فراس الحارث بن أبي العلاء، قال عنه الثعالبي: كان فرد دهره، وشمس
____________
(1) إقرأ ترجمة السيّد في الغدير 2: 213 ـ 289.
(2) لاحظ حياته في الغدير 2: 369ـ386. وقد تقدّم الكلام في تائيته في الفصل الاَوّل والثاني من هذا الكتاب فراجع.
________________________________________
( 22 )
عصره، أدباً وفضلاً وكرماً ونبلاً ومجداً وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة(1) .
وتبعه في إطرائه والثناء عليه ابن عساكر.
من قصائده المعروفة ميميّته التي مستهلّها:
الحقّ مهتضم والدين مخترم * وفيء آل رسول الله مقتسمُ
والناس عندك لا ناس فيحفظهم * سوم الرعاة ولا شاءٌ ولا نعمُ
إلى أن قال:
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة أما لله منتقم
بنو عليّ رعايا في ديارهم * والاَمر تملكه النسوان والخدمُ
إلى أن قال:
أبلغ لديك بني العباس مالكةً * لا يدّعوا ملكها ملاّكها العجمُ
أيّ المفاخر أمست في منازلكم * وغيركم آمر فيها ومحتكمُ
أنّى يزيدكم في مفخر علَمٌ * وفي الخلاف عليكم يخفق العلمُ
يا باعة الخمر كُفّوا عن مفاخركم * لمعشرٍ بَيْعهم يوم الهياج دمُ(2)
____________
(1) يتيمة الدهر: 270.
(2) الغدير 3: 399 ـ401.
________________________________________
( 23 )
ويطيب لي في هذا المقام أن أُشير إلى أسماء بعض من أنجبتهم مدرسة أهل البيت: في حلبة الشعر والاَدب في القرن الرابع والخامس، من أُناس معدودين في القمّة، يمكن للقارىَ الكريم أن يجد الشيء الكثير عن حياتهم في دواوينهم، أو في كتب الاَدب المختلفة:
1 ـ ابن الحجّاج البغدادي (المتوفّى 321هـ) صاحب القصيدة المعروفة:
يا صاحب القبّة البيضاء في النجف * من زار قبرك واستشفى لديك شُفي
2 ـ الشريف الرضي (359 ـ 406هـ) الغني عن كل تعريف وبيان.
3 ـ الشريف المرتضى (355 ـ 436هـ) وهو كأخيــه أشـهر من أن يعرّف.
4 ـ مهيار الديلمي (المتوفّى 448هـ) الذي يُعد في الـرعيل الاَوّل من شعراء القرن الرابع وله غديريات كثيرة منها:
هل بعد مفترق الاَظغان مجتمع * أم هل زمان بهم قد فات يرتجع
هذا عرض موجز لبعض الشعراء البارزين من الشيعة، وفيه كفاية لمن أراد الاِجمال، و أمّا من أراد التوسّع فليرجع إلى الكتب التالية:
1 ـ الاَدب في ظلّ التشيّع: للشيخ عبد الله نعمة.
2 ـ تأسيس الشيعة: للسيّد حسن الصدر، الفصل السادس.
3 ـ الغدير: للعلاّمة الاَميني بأجزائه الاَحد عشر.
التعلیقات