قدماء الشيعة والعلوم العقلية
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
2013 Apr 2المصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص ٤٩ ـ ٦٩
(٤٩)
١٣ ـ قدماء الشيعة والعلوم العقلية
جاء الإسلام ليحرّر عقل الإنسان وتفكيره من الأغلال المتراكمة الموروثة التي توارثها قهراً من الأجيال الماضية ، فهو يخاطب العقل ويدعوه إلى التأمّل والتفكير ، ويخاطب القلب والضمير بما حوله من الأدلّة الناطقة ، ويكفي في توضيح ذلك أنّ الذكر الحكيم استعمل مادة « العقل» بمختلف صورها (٤٧) مرّة ، و« التفكّر» (١٨) مرّة ، و « اللب» (١٦) مرّة و « التدبّر» (٤) مرات و « النُهى » مرتين . فبذلك نهى عن التقليد وحثّ على التعقّل ببيانات مختلفة .
فتارة يدعو الإنسان إلى التأمّل فيما حوله من الكائنات لما فيها من دلائل
ناطقة على وجوده سبحانه وصفاته . قال سبحانه : {أأنْتُمْ أشَدُ خَلْقَاً أمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وأغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها * أخْرَجَ مِنْها ماءَها ومَرْعاها * وَالجِبالَ أرْساها * متاعاً لَكُمْ ولأنْعامِكُمْ} (١).
وأُخرى يدعوه إلى التفكير والاستدلال المنطقي ، فقال سبحانه : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ
____________
(١) النازعات : ٢٧ ـ ٣٣ .
________________________________________
(٥٠)
غَيْـرِ شَيء أمْ هُمُ الخالِقُونَ * أمْ خَلَقُوا السَّمواتِ والأرْضَ بَلْ لا يوقِنُونَ} (١) فعالج المشاكل العلمية والفلسفية تارة بالدعوة إلى النظر في الكون نـظرة ثاقبة فاحصة ، وأُخرى بالحثّ على التفكير في المعارف بأُسلوب منطقي وبرهاني ، وبذلك أيقظ عقول المسلمين وحثّهم على التأمّل والتدبّر في العلوم المختلفة ، دون التقليد الأعمى والتتبّع غير المتبصّر ، وجعل لأُولئك المكانة المتميّزة .
غير أنّ المسلمين سوى قليل منهم تنكّبوا عن هذا الطريق ، خصوصاً فيما يرجع إلى المعارف العليا ، فصاروا بين مشبّه ومعطّل ، فالبسطاء منهم بنوا عقائدهم بالجمود على المفردات الواردة في الكتاب والسنّة ، وبذلك استغنوا عن أيّ تعقّل وتفكّر ، إلى أن بلغت جرأتهم إلى حدّ قال بعضهم في الخالق : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّـا وراء ذلك (٢)!!! فهؤلاء هم المجسّمة والمشبّهة ، وأمّا غيرهم فاختاروا تعطيل العقول عن التفكّر في الله سبحانه ، فقالوا : أُعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبّية ، فمن شَغَل ما أُعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ، ولم يدرك الربوبية(٣).
فالأكثرية الساحقة في القرون الأُولى كانوا بين مشبّه ومعطّل ، غير أنّه سبحانه شملت عنايته أُمّة من المسلمين رفضوا التشبيه والتعطيل ، وسلكوا طريقاً ثالثاً وقالوا بأنّه يمكن للإنسان التعرّف على ما وراء الطبيعة بما فيها من الجمال والكمال عن طريقين :
١ـ النظرة الفاحصة إلى عالم الوجود وجمال الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم .
____________
(١) الطور : ٣٥ـ٣٦ .
(٢) الشهرستاني ، الملل والنحل ١ : ١٠٥ ط دار المعرفة ، لبنان .
(٣) علاقة الاثبات والتفويض نقلا عن الحجّة في بيان المحجة : ٣٣ .
________________________________________
(٥١)
٢ ـ ترتيب المقاييس المنطقية للوصول إلى الحقائق العليا ، وهذا أيضاً هو الخطّ الذي رسمه القرآن الكريم ، وسار على هذا الخطّ الأئمّة _ عليهم السلام _ من أوّلهم إلى آخرهم . ترى ذلك في كلام الإمام علي _ عليه السلام _ بوضوح ، في أحاديثه وخطبه ورسائله ، ولا يسعنا هنا أن نستعرض ولو بعضاً ممّا له _ عليه السلام _ في هذا المجال ، إلاّ أنّا نكتفي بحديث واحد .
سأله سائل : هل يقدر ربّك أن يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن يُصغّر الدنيا أو يُكبّـر البيضة؟ فقال :«إنّ الله تبارك وتعالى لا يُنسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون»(١) .
إنّ خطب الإمام علي _ عليه السلام _ ورسائله وقصار حكمه كانت هي الحجر الأساس لكلام الشيعة وآرائهم في العقائد والمعارف ، ولم يتوقّف نشاط الشيعة في ذلك المجال ، بل ونتيجة لتوالي الأئمة _ عليهم السلام _ إمام بعد إمام ، كان يعني ذلك استمرار عين المنهج السابق الذي ربّى عليه الإمام عليّ _ عليه السلام _ شيعته ، فواصل الأئمّة من بعده ـ عليهم وعليه السلام ـ في حياتهم تربية شيعتهم ، فشحذوا عقولهم بالدعوة
إلى التدبّر والتفكّر في المعارف ، حتّى تربّى في مدرستهم عمالقة الفكر من عصر سيّد الساجدين إلى عصر الإمام العسكري ، تجد أسماءهم وتآليفهم وأفكارهم في المعاجم وكتب الرجال ، وقد نبغ في عصر أئمّة أهل البيت مفكّرون بارزون أدّوا لعموم المسلمين خدمات لا تنكر ، وأشرعوا أبواب المعرفة للباحثين والمفكّرين الذين تلوهم ، ومن هؤلاء :
متكلّمو الشيعة في القرن الثاني :
١ ـ زرارة بن أعين : مولى بني عبد الله بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن
____________
(١) الصدوق ، التوحيد : ١٣٠ باب « القدرة» برقم ٩ .
________________________________________
(٥٢)
مرّة بن ذهل بن شيبان ، أبو الحسن : شيخ أصحابنا في زمانه ، ومتقدّمهم ، وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلّماً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه .
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه : رأيت له كتاباً في الاستطاعة والجبر(١).
وقال ابن النديم : وزرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفة بالكلام والتشيّع (٢) . وهو من الشخصيات البارزة للشيعة التي أجمعت الطائفة على تصديقهم ، وهو غنيّ عن التعريف والتوصيف .
٢ ـ محمّد بن عليّ بن النعمان بن أبي طريفة البجلي : مولى الأحول « أبو جعفر» كوفي ، صيرفي يلقب بـ «مؤمن الطاق» و «صاحب الطاق» ، ويلقّبه المخالفون بـ « شيطان الطاق» . . . وكان دكّانه في طاق المحامل في الكوفة ، فيرجع إليه في النقد فيردّ ردّاً فيخرج كما يقول ، فيقال « شيطان الطاق» .
أمّامنزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر، وقد نسبت إليه أشياء لم تثبت عندنا.
وله كتاب « افعل لا تفعل» وهو كتاب حسن كبير ، وقد أدخل فيه بعض المتأخّرين أحاديث تدلّ على فسادها ، ويذكر تباين أقاويل الصحابة .
وله كتاب « الاحتجاج في إمامة أمير المؤمنين _ عليه السلام _ » وكتاب كلامه على الخوارج ، وكتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة . . . (٣) .
وقال ابن النديم : وكان متكلّماً حاذقاً ، وله من الكتب كتاب الإمامة ، كتاب
____________
(١) النجاشي ، الرجال ١ : ٣٩٧ / ٤٨١ ; الطوسي ، الفهرست / ٣١٤ ; الكشّي ، الرجال / ٦٢ ; الذهبي ، ميزان الاعتدال ج٢ / ٢٨٥٣ .
(٢) ابن النديم ، الفهرست : ٣٢٣ .
(٣) النجاشي ، الرجال ٢ : ٢٠٣ / ٨٨٧ ; الطوسي ، الرجال أصحاب الكاظم / ١٨; والفهرست للطوسي / ٥٩٤ ; الكشي ، الرجال / ٧٧ .
________________________________________
(٥٣)
المعرفة ، كتاب الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول ، كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة(١) .
٣ ـ هشام بن الحكم : قال ابن النديم : هو من متكلّمي الشيعة الإمامية وبطانتهم ، وممّن دعا له الصادق _ عليه السلام _ ، فقال : «أقول لك ما قال رسول الله لحسّان : لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» .
وهو الذي فتق الكلام في الإمامة ، وهذّب المذهب ، وسهّل طريق الحجاج فيه ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب(٢).
ويقول الشهرستاني : وهذا هشام بن الحكم ، صاحب غور في الأُصول ، لا ينبغي أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة; فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم الغلاة . . . (٣) .
وقال النجاشي : هشام بن الحكم ، أبو محمّد مولى كندة ، وكان ينزل بني شيبان بالكوفة ، انتقل إلى بغداد سنة (١٩٩هـ ) ، ويقال : إنّه مات في هذه السنة ، له كتاب يرويه جماعة . ثم ذكر أسماء كتبه فبلغت ثلاثين كتاباً(٤) .
وأمّا أحمد أمين فيقول عنه : أكبر شخصية شيعية في الكلام ، وكان جداً قويّ
____________
(١) ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٤ وأيضاً ٢٥٨ .
(٢) المصدر نفسه : ٢٥٧ .
(٣) الشهرستاني ، الملل والنحل ١ : ١٨٥ .
(٤) النجاشي ، الرجال ٢ : ٣٩٧ / ١١٦٥ . وذكر أسماء كتبه على النحو التالي :
علل التحريم ، الفرائض ، الإمامة ، الدلالة على حدث الأجسام ، الردّ على الزنادقة ، الرد على أصحاب الاثنين ، التوحيد ، الرد على هشام الجواليقي ، الردّ على أصحاب الطبائع ، الشيخ و الغلام في التوحيد ، التدبير في الإمامة ، الميزان ، إمامة المفضول ، الوصيّة والردّ على منكريها ، الميدان ، اختلاف الناس في الإمامة ، الجبر والقدر ، كتاب الحكمين ، الرد على المعتزلة وطلحة والزبير ، القدر ، الألفاظ ، الاستطاعة ، المعرفة ، الثمانية أبواب ، على شيطان الطاق ، الأخبار ، الردّ على المعتزلة ، الردّ على ارسطاطاليس في التوحيد ، المجالس في التوحيد ، المجالس في الإمامة .
________________________________________
(٥٤)
الحجّة ، ناظر المعتزلة وناظروه ، ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقّة تدل على حضور بديهيته وقوّة حججه .
إنّ الرجل كان في بداية أمره من تلاميذ أبي الشاكر الديصاني ، صاحب النزعة الإلحادية في الإسلام ، ثمّ تبع الجهم بن صفوان الجبري المتطرّف المقتول بترمذ عام (١٢٨هـ ) ، ثمّ لحق بالإمام الصادق _ عليه السلام _ ودان بمذهب الإمامية ، وما تنقل منه من الآراء التي لا توافق أُصول الإمامية ، فإنّما هي راجعة إلى العصرين اللّذين كان فيهما على النزعة الإلحادية أو الجهمية ، وأمّا بعد ما لحق بالإمام الصادق _ عليه السلام _ فقد انطبعت عقليته بمعارف أهل البيت إلى حدّ كبير ، حتّى صار أحد المناضلين عن عقائد الشيعة الإمامية(١) .
٤ ـ قيس الماصر : أحد أعلام المتكلّمين ، تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين _ عليهما السلام _ .
روى الكليني : أنّه أتى شاميّ إلى أبي عبد الله الصادق _ عليه السلام _ ليناظر أصحابه ، فقال _ عليه السلام _ ليونس بن يعقوب : أُنظر من ترى بالباب من المتكلّمين . . . إلى أن قال يونس : فأدخلت زرارة بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الأحول وكان
يحسن الكلام ، وأدخلت هشام بن الحكم وهو يحسن الكلام ، وأدخلت قيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً وقد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين _ عليهما السلام _(٢) .
٥ ـ عيسى بن روضة حاجب المنصور : قال عنه النجاشي : كان متكلّماً ، جيد الكلام ، وله كتاب في الإمامة . وقرأت في بعض الكتب : أنّ المنصور لمّا كان
____________
(١) إنّ للعلاّمة الحجّة الشيخ عبد الله نعمة كتاباً في حياة هشام بن الحكم ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ، وأغنانا عن كلّ بحث وتنقيب .
(٢) الكليني ، الكافي ١ : ١٧١ .
________________________________________
(٥٥)
بالحيرة ، تسمّع على عيسى بن روضة ، وكان مولاه ، وهو يتكلّم في الإمامة فأُعجب به واستجاد كلامه(١).
٦ ـ الضحّاك ، أبو مالك الحضرمي : كوفي ، عربي ، أدرك أبا عبد الله _ عليه السلام _وقال قوم من أصحابنا : روى عنه ، وقال آخرون : لم يرو عنه ، روى عن أبي الحسن ، وكان متكلّماً ثقة ثقة في الحديث ، وله كتاب في التوحيد رواه عنه عليّ بن الحسن الطاطري (٢) فالرجل من متكلّمي القرن الثاني .
وقال ابن النديم : من متكلّمي الشيعة ، وله مع أبي عليّ الجبّائي مجلس في الإمامة وتثبيتها بحضرة أبي محمّد القاسم بن محمّد الكوفي ، وله من الكتب : كتاب الإمامة ، نقض الإمامة على أبي عليّ ولم يتمّه(٣) .
٧ـ عليّ بن الحسن بن محمّد الطائي : المعروف بـ «الطاطري» كان فقيهاً ثقة في حديثه ، له كتب منها : التوحيد ، الإمامة ، الفطرة ، المعرفة ، الولاية (٤) وغيرها .
وعدّه ابن النديم من متكلّمي الإمامية وقال : ومن القدماء الطاطري ، وكان شيعياً ، وله من الكتب كتاب الإمامة حسن(٥).
٨ـ الحسن بن عليّ بن يقطين بن موسى ، مولى بني هاشم ، وقيل مولى بني أسد ، كان فقيهاً متكلّماً ، روى عن أبي الحسن والرضا _ عليهما السلام _ ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى _ عليه السلام _(٦) وبما أنّ أبا الحسن الأوّل توفّي عام (١٨٣هـ ) ، والثاني توفّي عام (٢٠٣هـ ) ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني وأوائل الثالث .
____________
(١) النجاشي ، الرجال ٢ : ١٤٥ / ٧٩٤ .
(٢)المصدر نفسه ١ : ٤٥١ / ٥٤٤ .
(٣)ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٦ .
(٤)النجاشي ، الرجال ٢ : ٧٧ / ٦٦٥ .
(٥)ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٦ .
(٦)النجاشي ، الرجال ١ : ١٤٨/٩ .
________________________________________
(٥٦)
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الرضا _ عليه السلام _(١) .
٩ ـ حديد بن حكيم : أبو علي الأزدي المدائني ، ثقة ، وجه ، متكلّم ، روى عن أبي عبدالله ، وأبي الحسن _ عليهما السلام _ و له كتاب يرويه محمّد بن خالد(٢) .
١٠ ـ فضّال بن الحسن بن فضّال : وهو من متكلّمي عصر الصادق _ عليه السلام _وذكره الطبرسي في احتجاجه ومناظرته مع أبي حنيفة ، فلاحظ(٣).
إنّ ما ذكرناه من أساتذة الكلام كانوا نماذج مصغّرة من تلامذة أهل البيت _ عليهم السلام _ وخرّيجي مدرستهم ، وقد اكتفينا بذكر هذه الطائفة تجنّباً عن الإطالة والإسهاب ، ومن ابتغى الاستزادة فعليه بالمراجع التاريخية وكتب الكلام المختلفة التي حفلت بأسماء الأعلام الباقين ، أمثال حمران بن أعين الشيباني ، وهشام بن سالم الجواليقي ، والسيد الحميري ، والكميت الأسدي(٤) .
متكلّمو الشيعة في القرن الثالث :
١ ـ الفضل بن شاذان بن خليل أبو محمّد الأزدي النيشابوري : كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني وقيل الرضا _ عليهما السلام _ وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء ، والمتكلّمين ، وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه ، وذكر الكنجي أنّه صنّف مائة وثمانين كتاباً .
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري . وقد توفّي عام (٢٦٠هـ ) فهو من متكلّمي القرن الثالث . وقد ذكر النجاشي فهرس كتبه فراجع
____________
(١) الشيخ الطوسي ، الرجال / ٧ .
(٢) النجاشي ، الرجال ١ : ٣٧٧ / ٣٨٣ ، وذكره الخطيب في تاريخه ج ٨ / ٤٣٧٧ .
(٣) التستري ، قاموس الرجال ٤ : ٣١٣ .
(٤) لاحظ أعيان الشيعة ١ : ١٣٤ـ١٣٥ .
________________________________________
(٥٧)
للاستزادة(١).
١ ـ حكم بن هشام بن حكم : أبو محمّد ، مولى كندة ، سكن البصرة ، وكان مشهوراً بالكلام ، كلّم الناس ، وحكي عنه مجالس كثيرة ، ذكر بعض أصحابنا أنّه رأى له كتاباً في الإمامة (٢) وقد توفّـي والده عام (٢٠٠هـ أو ١٩٩هـ ) فهو من متكلّمي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث .
٣ ـ داود بن أسد بن أعفر : أبو الأحوص البصري ـ رحمه الله ـ شيخ جليل ، فقيه متكلّم من أصحاب الحديث ، ثقة ثقة ، وأبوه من شيوخ أصحاب الحديث الثقات ، له كتب منها : كتاب في الإمامة على سائر من خالفه من الأُمم ، والآخر مجرّد الدلائل والبراهين(٣).
وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست في باب الكنى وقال : إنّه من جملة متكلّمي الإمامية ، لقيه الحسن بن موسى النوبختي وأخذ عنه ، واجتمع معه في الحائر على ساكنه السلام ، وكان ورد للزيارة(٤) ، فبما أنّه من مشايخ
____________
(١) النجاشي ، الرجال ٢ : ١٦٨ / ٨٣٨ ، والطوسي ، الرجال / ١و٢ في أصحاب الهادي والعسكري ، والكشّي ، الرجال / ٤١٦ . وذكر النجاشي أسماء كتبه على النحو التالي :
النقض على الاسكافي في تقوية الجسم ، الوعيد ، الردّ على أهل التعطيل ، الاستطاعة ، مسائل في العلم ، الأعراض والجواهر ، العلل ، الإيمان ، الردّ على الثنوية ، إثبات الرجعة ، الردّ على الغالية المحمّدية ، تبيان أصل الضلالة ، الردّ على محمّد بن كرّام ، التوحيد في كتب الله ، الرد على أحمد بن الحسين ، الردّ على الأصمّ ، في الوعد والوعيد آخر ، الردّ على بيان إيمان ابن رباب (الخارجي) ، الردّ على الفلاسفة ، محنة الإسلام ، الأربع مسائل في الإمامة ، الردّ على المنّانية ، الرد على المرجئة ، الردّ على القرامطة ، الردّ على البائسة ، اللطيف ، القائم _ عليه السلام _ ، كتاب الإمامة الكبير ، حذو النعل بالنعل ، فضل أميرالمؤمنين _ عليه السلام _ ، معرفة الهدى والضلالة ، التعري والحاصل ، الخصال في الإمامة ، المعيار والموازنة ، الردّ على الحشوية ، الردّ على الحسن البصري في التفضيل ، النسبة بين الجبرية والبترية .
(٢) النجاشي ، الرجال ١ : ٣٢٨ / ٣٤٩ .
(٣) النجاشي ، الرجال ١ : ٣٦٤ / ٤١٢ .
(٤) الطوسي ، الفهرست : ٢٢١ / ٨٧٥ .
________________________________________
(٥٨)
الحسن بن موسى النوبختي المعـاصر للجبّائي (ت ٣٠٣هـ ) فهو من متكلّمي القرن
الثالث .
٤ ـ محمّد بن عبد الله بن مملك الاصبهاني : أصله من جرجان ، وسكن إصبهان ، جليل في أصحابنا ، عظيم القدر والمنزلة له كتب منها كتاب الجامع في سائر أبواب الكلام كبير ، كتاب المسائل والجوابات في الإمامة ، كتاب مواليد الأئمة _ عليهم السلام _ ، كتاب مجالسه مع أبي على الجبّائي (٢٣٥ـ٣٠٣هـ) (١) .
٥ ـ ثبيت بن محمّد ، أبو محمّد العسكري : صاحب أبي عيسى الوراق (محمّد بن هارون) متكلّم حاذق ، من أصحابنا العسكريين ، وكان أيضاً له اطّلاع بالحديث والرواية ، والفقه ، له كتب في الحديث والإمامة وغيرها(٢) .
٦ ـ إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن هلال المخزومي : أبو محمّد ، أحد أصحابنا ، ثقة فيما يرويه له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة ، كتاب الإمامة(٣) .
٧ ـ محمّد بن هارون ، أبو عيسى الوراق : له كتاب الإمامة ، وكتاب السقيفة .
قال ابن حجر : له تصانيف على مذهب المعتزلة ، وقال المسعودي له مصنّفات حسان في الإمامة وغيرها ، وكانت وفاته سنة (٢٤٧هـ ) (٤) .
٨ ـ إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني : مولى آل طلحة بن عبيد الله ، أبوإسحاق ، وكان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر(٥).
____________
(١)النجاشي ، الرجال ٢ : ٢٩٧ / ١٠٣٤ .
(٢) المصدر نفسه ١ :٢٩٣ / ٢٩٨ ، وثبيت على وزن زبير .
(٣) المصدر نفسه ١ : ١٢٠ / ٦٦ .
(٤) النجاشي الرجال ٢ : ٢٨٠ / ١٠١٧ ; ابن حجر : لسان الميزان ج٥ / ١٣٦٠ ، المحقّق الداماد ، الرواشح السماوية : ٥٥ ومر ذكره في ترجمة ثبيت ، وما في كلام ابن حجر من عدّه من المعتزلة ، ناشئ عن الخلط بين المعتزلة والإمامية .
(٥) المصدر نفسه ١ : ٨٧ / ١٣ .
________________________________________
(٥٩)
٩ـ الشكّال : قال ابن النديم : صاحب هشام بن الحكم وخالفه في أشياء إلاّ في أصل الإمامة ، وله من الكتب : كتاب المعرفة ، كتاب في الاستطاعة ، كتاب الإمامة ، كتاب على من أبى وجوب الإمامة بالنصّ(١) .
١٠ ـ الحسين بن اشكيب : ثقة مقدّم ، ذكره أبو عمرو في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن العسكري _ عليه السلام _ ووصفه بأنّه عالم متكلّم مؤلّف للكتب له من الكتب : كتاب الردّ على من زعم أنّ النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان على دين قومه ، والردّ على الزيدية(٢) .
١١ـ عبد الرحمن بن أحمد بن جبرويه ، أبو محمّد العسكري : متكلّم من أصحابنا ، حسن التصنيف ، جيّد الكلام . من كتبه : كتاب الكامل في الإمامة ، كتاب حسن(٣) .
١٢ ـ عليّ بن منصور ، أبو الحسن ، كوفي سكن بغداد ، متكلّم من أصحاب هشام ، له كتب ، منها كتاب التدبير في التوحيد والإمامة(٤) .
١٣ ـ عليّ بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار : أبو الحسن مولى بني أسد ، كوفي ، سكن البصرة ، وكان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا ، كلّم أبا الهذيل (١٣٥ ـ ٢٣٥هـ ) والنظّام (١٦٠ ـ ٢٣١هـ ) له مجالس وكتب منها كتاب الإمامة ، كتاب مجالس هشام بن الحكم وكتاب المتعة(٥).
وقال ابن النديم : أوّل من تكلّم في مذهب الإمامة عليّ بن إسماعيل بن ميثم التمّار ، وميثم (جدّه) من أجلّة أصحاب عليّ ـ رضي الله عنه ـ ولعليّ من الكتب
كتاب الإمامة و كتاب الاستحقاق(٦).
____________
(١) ابن النديم الفهرست : ٢٦٤ .
(٢) النجاشي الرجال ١ : ١٤٦ / ٨٧ .
(٣) النجاشى ، الرجال ٢ : ٤٧ / ٦٢٣ .
(٤)المصدر نفسه ٢ : ٧١ / ٦٥٦ .
(٥) النجاشي ، الرجال ٢ : ٧٢ / ٦٥٩ .
(٦)ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٣ .
________________________________________
(٦٠)
متكلّمو الشيعة في القرن الرابع :
١ ـ الحسن بن علي بن أبي عقيل : أبو محمّد العماني ، الحذّاء ، فقيه متكلّم ثقة ، له كتب في الفقه والكلام ، منها كتاب « المتمسّك بحبل الرسول » (١).
٢ـ إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت : كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم ، له جلالة في الدنيا والدين ، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب ، صنّف كتباً كثيرة ، منها : كتاب الاستيفاء في الإمامة ، التنبيه في الإمامة .
وقال ابن النديم : أبو سهل ، إسماعيل بن عليّ بن نوبخت ، من كبار الشيعة ، وكان أبو الحسن الناشئ يقول : إنّه أُستاذه ، وكان فاضلا ، عالماً ، متكلّماً ، وله مجالس بحضرة جماعة من المتكلّمين . . . وذكر فهرس كتبه (٢).
٣ ـ الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه : (أخو الصدوق( القمي أبو عبد الله ، ثقة ، روى عن أبيه إجازة ، وله كتب منها : كتاب التوحيد ونفي التشبيه ، وقد توفّي أخوه عام (٣٨١هـ ) فهم من أعيان القرن الرابع ، وهو وأخوه ولدا بدعوة صاحب الأمر _ عليه السلام _ ، ترجمه ابن حجر في لسان الميزان (٣) .
٤ ـ محمّد بن بشر الحمدوني « أبو الحسين السوسنجردي» : متكلّم جيد الكلام ، صحيح الاعتقاد ، كان يقول بالوعيد ، له كتب ، منها : كتاب المقنع في الإمامة ، كتاب المنقذ في الإمامة(٤).
____________
(١) النجاشي ، الرجال ١ : ١٥٣ / ٩٩ .
(٢) ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٥ .
(٣) النجاشي ، الرجال ١ : ١٨٩ / ١٦١ ; ابن حجر ، لسان الميزان ٢ : ٣٠٦ /١٢٦٠ .
(٤) المصدر نفسه ٢ : ٢٩٨ / ١٠٣٧ .
________________________________________
(٦١)
وقال ابن النديم : السوسنجردي من غلمان أبي سهل النوبختي ويكنّى أباالحسن ، ويعرف بالحمدوني منسوباً إلى آل حمدون ، وله من الكتب كتاب الإنقاذ في الإمامة(١).
وقال ابن حجر : كان زاهداً ورعاً متكلّماً ، على مذهب الإمامية ، وله مصنّفات في نصرة مذهبه (٢) .
٥ ـ يحيى أبو محمّد العلوي من بني زبارة : علوي ، سيّد ، متكلّم ، فقيه ، من أهل نيشابور . قال الشيخ الطوسي : جليل القدر ، عظيم الرئاسة ، متكلّم ، حاذق ، زاهد ، ورع ، لقيت جماعة ممّن لقوه وقرأوا عليه ، له كتاب إبطال القياس ، وكتاب في التوحيد(٣) .
٦ ـ محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ، أبو جعفر : متكلّم ، عظيم القدر حسن العقيدة ، قويّ في الكلام ، له كتب في الكلام ، وقد سمع الحديث ، وأخذ عنه ابن بطّة وذكره في فهرسته الذي يذكر فيه من سمع منه فقال : وسمعت من محمّد بن عبد الرحمن بن قبة .
وقال ابن النديم : أبو جعفر بن محمّد بن قبة من متكلّمي الشيعة وحذّاقهم ، وله من الكتب : كتاب الإنصاف في الإمامة ، كتاب الإمامة(٤) .
وقال العلاّمة الحلّي عنه : « وكان حاذقاً شيخ الإمامية في عصره » (٥) .
٧ ـ عليّ بن وصيف ، أبو الحسن الناشئ : (٢٧١ـ٣٦٥هـ ) ذكـره النجاشي
____________
(١) ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٦ .
(٢) ابن حجر ، لسان الميزان ٥ : ٩٣ / ٣٠٤ .
(٣)النجاشي ، الرجال ٢ : ٤١٣ / ١١٩٢ ، وقد جاءت ترجمته أيضاً / ١١٩٥ ، الشيخ الطوسي ، الفهرست/٨٠٣ .
(٤) ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٢ .
(٥) العلاّمة ، الخلاصة ـ القسم الأوّل ـ : ١٤٣ .
________________________________________
(٦٢)
وقال : الشاعر المتكلّم ، ذكر شيخنا ـ رضي الله عنه ـ أنّ له كتاباً في الإمامة(١) .
وقال الطوسي: كان شاعراً مجوّداً في أهل البيت _ عليهم السلام _ ومتكلّماًبارعاًوله كتب(٢).
وقال ابن خلّكان : من الشعراء المحبّين ، وله في أهل البيت قصائد كثيرة ، وكان متكلّماً بارعاً ، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن نوبخت المتكلّم ، وكان من كبار الشيعة ، وله تصانيف كثيرة ، وقال ابن كثير : إنّه كان متكلّماً ، بارعاً من كبار الشيعة ، فهو من متكلّمي القرن الرابع(٣).
١٠ ـ الحسن بن موسى ، أبو محمد النوبختي : شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها ، له على الأوائل كتب كثيرة ، منها :
١ ـ كتاب الآ راء والديانات ، يقول النجاشي : كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله (المفيد) ـ رحمه الله ـ .
٢ ـ كتاب فرق الشيعة .
٣ ـ كتاب الردّ على فرق الشيعة ما خلا الإمامية .
٤ ـ كتاب الجامع في الإمامة(٤).
والرجل من أكابر متكلّمي الشيعة ، عاصر الجبّائي (ت ٣٠٣هـ ) ، والبلخي
( ت ٣١٩هـ ) ، وأبا جعفر بن قبة المتوفّى قبل البلخي ، فهو من أعيان متكلّمي الشيعة في أواخر القرن الثالث ، وأوائل القرن الرابع .
____________
(١)النجاشي ، الرجال ٢ : ١٠٥ / ٧٠٧ .
(٢)الطوسي ، الفهرست :٢٣٣ ط ليدن .
(٣)المامقاني ، تنقيح المقال ٢ : ٣١٣ / ٨٥٤٩ .
(٤)النجاشي ، الرجال ١ : ١٧٩ / ١٤٦ ; ترجمه ابن حجر في لسان الميزان ٢ : ٢٥٨ / ١٠٧٥ ، وترجمه هبة الدين الشهرستاني في مقدّمة فرق الشيعة .
________________________________________
(٦٣)
وقال عنه ابن النديم : أبو محمّد الحسن بن موسى بن أُخت أبي سهل بن نوبخت ، متكلّم فيلسوف كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة ، مثل أبي عثمان الدمشقي ، وإسحاق وثابت وغيرهم ، وكانت المعتزلة تدّعيه ، والشيعة تدّعيه ولكنّه إلى حيّز الشيعة ما هو (كذا) لأنّ آل نوبخت معروفون بولاية عليّ وولده _ عليهم السلام _ في الظاهر ، فلذلك ذكرناه في هذا الموضع . . . وله مصنّفات ومؤلّفات في الكلام والفلسفة وغيرها . ثمّ ذكر فهرس كتبه ولم يذكر إلاّ القليل من الكثير(١).
أقول : إنّ بيت نوبخت من أرفع البيوتات الشيعية نبغ منه فلاسفة كبار ، متكلّمون عظام ، لا يسعنا هنا الحديث عنهم ، فمن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المؤلّفة حول هذا البيت .
هؤلاء هم بعض أعلام الشيعة و متكلّموهم في القرون الأربعة من الذين ذادوا عن حياض الإسلام والتشيّع ببيانهم وبنانهم ، أتينا بأسمائهم في هذا المقام كنموذج عن رجالات الشيعة الأفذاذ الذين ساهموا مع إخوانهم من المفكّرين المسلمين في بناء صرح الحضارة الإسلامية الخالد ، ونختم بحثنا هذا بذكر أكبر فطاحلة الكلام ورجاله الأفذاذ ، رجل قلّ أن يسمع الدهر بمثله ، ونقصد به شيخ الأُمّة وأُستاذ المتكلّمين شيخنا المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣هـ ) الذي نطق بفضله وعلمه وورعه وتقاه لسان كل موافق ومخالف ، وإليك نموذجاً ممّا ذكره أصحاب التذكرة وعلماء الرجال في كتبهم على وجه الإيجاز ، ونركّز على كلمات أهل السنّة و مع ذكر القليل من كلمات الشيعة في حقّه .
١ ـ قال عنه معاصره ابن النديم (ت ٣٨٨هـ ) في الفهرست :
ابن المعلم أبو عبد الله ، في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدّم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطرة ، شاهدته
____________
(١) ابن النديم ، الفهرست : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ الفن الثاني من المقالة الخامسة .
________________________________________
(٦٤)
فرأيته بارعاً . . . (١).
٢ ـ وقال عبد الرحمن بن الجوزي (ت ٥٩٧هـ ) :
شيخ الإمامية وعالمها ، صنّف على مذهبه ، ومن أصحابه المرتضى ، كان لابن المعلم مجلس نظر بداره ـ بدرب رياح ـ يحضره كافّة العلماء ، له منزلة عند أُمراء الأطراف ، لميلهم إلى مذهبه(٢).
٣ ـ وقال أبو السعادات عبد الله بن أسعد اليافعي (ت ٧٦٨هـ ) :
وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة توفّي عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخهم المعروف بالمفيد ، وابن المعلّم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية . قال ابن أبي طي : وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، وقال غيره : كان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد ، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر ، عاش ستّاً وسبعين سنة ، وله أكثر من مائتي مصنّف ، وكانت جنازته مشهورة وشيّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة(٣).
٤ـ ووصفه أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت ٧٧٤هـ ) بقوله :
شيخ الإمامية الروافض ، والمصنّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء وسائر الطوائف(٤).
٥ـ وقال الذهبي (ت ٧٤٨هـ ) :
عالم الشيعة وإمام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طي في تاريخه ـ تاريخ الإمامية : ـ هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام
____________
(١) ابن النديم ، الفهرست ٢٦٦ في فصل أخبار متكلّمي الشيعة .
(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ١٥ : ١٥٧ .
(٣) اليافعي ، مرآة الجنان ٣ : ٢٨ ط الهند .
(٤) ابن كثير ، البداية والنهاية ١١ : ١٥ .
________________________________________
(٦٥)
والفقه والجدل ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية(١).
٦ ـ قال ابن حجر (ت ٨٥٢هـ ) بعد نقل ما ذكره الذهبي :
وكان كثير التعقيب والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة ، وبرع في المقالة الإمامية حتّى يقال : له على كلّ إمامي منّة ، وكان أبوه معلماً بواسط ، وما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن(٢).
٧ـ وقال عنه ابن العماد الحنبلي (ت ١٠٨٩هـ ) :
ابن المعلم ، عالم الشيعة ، إمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية : هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام ، والفقه ، والجدل ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية(٣).
هذا جانب ممّا ترجم له أهل السنّة ، وأمّا الشيعة فنقتصر على كلام تلميذيه الطوسي والنجاشي توخّياً للاختصار :
١ ـ يقول الشيخ الطوسي (٣٨٥ـ٤٦٠هـ ) في الفهرست :
المفيد يكنّى أباعبدالله ، المعروف بابن المعلم ، من جملة متكلّمي الإمامية ، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته ، وكان مقدّماً في العلم ، وصناعة الكلام ، وكان
فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنّف كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف ، ولد سنة (٣٣٨هـ ) ، وتوفّي
____________
(١) الذهبي ، العِبَر ٢ : ٢٢٥ .
(٢) ابن حجر ، لسان الميزان ٥ : ٣٦٨ / ١١٩٦ .
(٣) ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ٣ : ١٩٩ وفيه مكان الطائفة « الصوفية » وهو لحن .
________________________________________
(٦٦)
لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ( ٤١٣هـ ) ، وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق(١).
١ ـ ويقول تلميذه الآخر ، النجاشي (٣٧٢ـ٤٥٠هـ ) :
شيخنا وأُستاذنا ـ رضي الله عنه ـ فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم . ثمّ ذكر تصانيفه(٢).
وهكذا وبعد أن أوردنا بعضاً من رجالات الطائفة الذين برعوا في علم الكلام حتّى نهاية القرن الرابع ، أودّ أن أُشير إلى بعض أساتذة الفلسفة الذين لمعت أسماؤهم في سماء العالم الإسلامي بعد القرن الرابع الهجري .
مشاهير أئمّة الفلسفة بعد القرن الرابع :
١ ـ الشيخ أبو علي بن سينا : إذا كان الشيخ المفيد أكبر متكلّم للشيعة ظهر في العراق ، فإنّ الشيخ الرئيس ابن سينا (٣٧٠ـ٤٢٨هـ ) أكبر فيلسوف إسلامي شيعي ظهر في المشرق ، وهو من الذين دفعوا عجلة الفكر والعلم إلى الأمام خطوات كثيرة ، وقد ذاع صيته شرقاً وغرباً ، وكتبت عنه دراسات ضافية من المسلمين والمستشرقين ، ونحن في غنى عن إفاضة القول في ترجمة حياته ، وآثاره التي خلّفها ، والتلاميذ الذين تربّوا في مدرسته ، ولكن نشير إلى كتابين من كتبه لما لهما من الشهرة والمكانة :
ألف ـ الشفاء : وهو يشتمل على المنطق والطبيعيات والإلهيات والرياضيات وقد طبع أخيراً في مصر في أجزاء ، وبالإمعان فيما ذكره في مبحث النبوّة يعلم منه مذهبه ، قال : والاستخلاف بالنص أصوب ، فإنّ ذلك لا يؤدّي إلى التشعّب
____________
(١) الشيخ الطوسي ، الفهرست / ٧١٠ .
(٢) النجاشي ، الرجال ٢ : ٣٢٧ / ١٠٦٨ .
________________________________________
(٦٧)
والتشاغب والاختلاف(١).
باء ـ الإشارات : وهو يشتمل على المنطق والطبيعيات والإلهيات ، وهو من أحسن مؤلّفاته ، وفيه آراؤه النهائية ، وقد وقع موقع العناية لمن بعده ، فشرحه الإمام الرازي (٥٤٣ـ٦٠٦هـ ) والمحقّق الطوسي (٥٩٧ـ٦٧٢هـ ) والشرح الثاني كان محور الدراسة في الحوزات العلمية .
٢ ـ نصير الدين الطوسي : سلطان المحقّقيـن وأُستـاذ الحـكماء والمتكلّمين (٥٩٧ـ٦٧٢هـ ) وهو أشهر من أن يذكر ، شارك في جميع العلوم النظرية فأصبح أُستاذاً محقّقاً مؤسّساً ، أثنى عليه الموافق والمخالف .
٣ ـ الشيخ كمال الدين ، ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني (٦٣٦ ـ ٦٩٩هـ ) الفيلسوف المحقّق ، والحكيم المدقّق ، قدوة المتكلّمين ، تظهر جلالة شأنه و سطوع برهانه من الإمعان في شرحه لنهج البلاغة في أربعة أجزاء ، وله « قواعد المرام في الكلام » وكلاهما مطبوعان .
٤ ـ العلاّمة الحلّي : شيخ الشيعة جمال الدين المعروف بالعلاّمة الحلّي (٦٤٨ ـ ٧٢٦هـ ) له الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد ، وكشف المراد في الكلام ، وكتبه في المنطق والكلام والفلسفة تنوف على العشرين .
٥ ـ قطب الدين الرازي (ت ٧٦٦هـ ) تلميذ العلاّمة الحلّي وأُستاذ الشهيد الأوّل ، له شرح المطالع في المنطق ، والمحاكمات بين العلمين : الرازي ونصير الدين الطوسي .
إلى غير ذلك من العقول الكبيرة التي ظهرت في الحوزات الشيعية ، كالفاضل المقداد (ت ٨٠٨هـ ) مؤلّف نهج المسترشدين في الكلام ، والشيخ بهاء الدين العاملي (٩٥٣ـ١٠٣٠هـ ) ، والسيد محمّد باقر المعروف بالداماد (ت ١٠٤٠هـ ) ، وتلميذه
____________
(١) الشفاء ، قسم الإلهيات ٢ : ٥٦٤ ط إيران .
________________________________________
(٦٨)
المعروف بصدر المتألّهين مؤلّف الأسفار الأربعة (٩٧١ ـ ١٠٥٠هـ ) ، وغيرهم ممّن يتعسّر علينا إحصـاء أسمائهم فضلا عن تحرير تراجمهم .
هذه لمحة عابرة عن مشاركة الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية في مجال
العلوم العقلية ، والتي اقتصرنا فيها على ذكر ما يتّسع به المجال من بعض
المشاهير منهم إلى أواسط القرن الحادي عشر ، حيث إنّ هناك العديد من الأسماء
الكبيرة واللامعة .
هذا وقد قام المتتبّع المتضلّع الشيخ عبد الله نعمة بتأليف كتاب حول فلاسفة الشيعة ومتكلّميهم أسماه «فلاسفة الشيعة» فسدّ بذلك بعض الفراغ جزاه الله خيراً .
ومن الجانب الآخر يجد المرء أنّ هذا العطاء المقدّس في علوم التفكير والبرهنة لم يزل متواصلا لدى الشيعة وحتّى عصرنا الحاضر هذا ، حيث ظهرت العديد من الشخصيات الفذّة والبارزة ، رفدت المكتبة الإسلامية بمؤلّفات غنيّة في الكلام والفلسفة والمنطق ، في الوقت الذي عاش فيه كثير من هؤلاء العلماء والمفكّرين في ظروف قاهرة ومصاعب جمّة ، لعبت فيها السلطات الجائرة دوراً كبيراً في مطاردة وتصفية الكثير منهم ، حتّى صار ذلك سبباً في اختفاء آثارهم وضياعها ، بل وتراكم الأساطير حولها .
وبذلك تقف على ضعف وركاكة ما ذكره المستشرق آدم متز في حقّ كلام الشيعة :
« أمّا من حيث العقيدة والمذهب ، فإنّ الشيعة هم ورثة المعتزلة ، ولابدّ أن يكون قلّة اعتداد المعتزلة بالأخبار المأثورة ممّا لاءم أغراض الشيعة ، ولم يكن للشيعة في القرن الرابع مذهب كلامي خاصّ بهم» (١).
____________
(١) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، تعريب محمّد عبد الهادي أبو ريدة ١ : ١٠٦ ، ط الثالثة .
________________________________________
(٦٩)
إنّ الشيعة عن بكرة أبيهم كانوا مقتفين أثر أئمّتهم ، ولم يكونوا ورثة للمعتزلة ولا لغيرهم ، وإنّما أخذت المعتزلة أُصول مذهبهم عن أئمّة أهل البيت ، كما هو واضح للجميع ، بل والمعروف كثرة المناظرات بين الشيعة والمعتزلة منذ عصر الإمام الصادق _ عليه السلام _ وإلى عصر المفيد وما بعده .
نعم ، ما أضعف ما ذهب إليه هذا المستشرق ، وفي ذلك دلالة واضحة على سطحيّة الآراء التي يذهب إليها الغرباء في الحكم على عقائد المسلمين ، ولسنا نلومه بقدر ما نلوم به إخواننا المسلمين ومفكّريهم الذين يستندون في كثير من مذاهبهم على أقوال هؤلاء وتخرّصاتهم ، حتّى أنّ الشيخ المفيد وضع كتباً في نقد المعتزلة ، كما وضع قبله بعض أئمّة المتكلّمين من الشيعة ردوداً على المعتزلة ، فكيف يكون الشيعة ورثة للمعتزلة؟ نعم إنّ القائل خلط مسألة الاتّفاق في بعض المسائل بالتبعية والاقتفاء ، فالشيعة والمعتزلة تتّفقان في بعض الأُصول ، لا أنّ أحدهما عيال على الآخر .
التعلیقات