الدليل الثاني
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص60
( 60 )
الدليل الثاني:
قد دلّ العقل على أنّ الله تعالى حكيم ، والحكيم لا يتعبّد الخلق الاّ بما
تدل عليه عقولهم ، وقد دلّت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعاً عالماً قادراً
حكيماً ، وأنّه أنعم على عباده نعماً توجب الشكر . فننظر في آيات خلقه
بعقولنا ، ونشكره بآلائه علينا . وإذا عرفناه وشكرنا له ، إستوجبنا ثوابه . وإذا
أنكرناه وكفرنا به ، إستوجبنا عقابه. فما بالنا نّتبع بشراً مثلنا؟!..
والجواب:
إن قسماً من هذا الدليل تكرار للدليل الأوّل . وأمّا ما اُفيد في ذيله من
وقوف الإنسان على حسن الشكر وقبح الكفر ، فهو وإن كان صحيحاً ، غير أنّه
يلاحظ عليه أمران:
الأوّل : إن كثيراً من الناس لا يعرفون كيفية الشكر. فربما يتصورون أن
عبادة المقرَّبين نوع شكر لله سبحانه. فلأجل ذلك ترى عبدة الأصنام والأوثان
يعتقدون أن عبادتهم للمخلوق شيئاً موجباً للتقرّب(1).
الثاني : إنَّ تخصيص برامج الأنبياء بالأمر بالشكر والنهي عن كفران
النعمة ، غفلة عن أهدافهم السامية ، فإنّهم جاؤوا لإسعاد البشر في حياتهم
الفردية والاجتماعية ، ولا تختص رسالتهم بالأوراد والأذكار الجافة ، كتلك الّتي
يرددها أصحاب بعض الديانات أيام السبت والأحد في البيع والكنائس . وإنك
لتقف على عظيم أهداف رسالة النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إذا وقفت على
كلمته المأثورة:
«إني قد جئتكم بخير الدينا والآخرة»(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- قال تعالى حكاية عن المشركين: (وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ
زُلْفَى) سورة الزمر: الآية 3.
2- تاريخ الطبري : ج 2، ص 63 قاله النبي عند دعوة اقاربه إلى الإسلام ، طبعة بيروت.
التعلیقات