مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان بن عفّان
العلامة الأميني
منذ 4 أشهرمناشدة أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان بن عفّان
روى شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين بن حمُّوْيَه ـ المترجم ( ص 123 ) ـ بإسناده في فرائد السمطين (1) في السمط الأوّل في الباب الثامن والخمسين عن التابعيّ الكبير سليم بن قيس الهلالي ، قال :
رأيت عليّاً ـ صلوات الله عليه ـ في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في خلافة عثمان وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والفقه ، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها ، وما قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفضل ، مثل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « الأئمّة من قريش » ، وقوله : « الناس تبعٌ لقريش » ، « وقريش أئمّة العرب ... » إلىٰ أنَّ قال ـ بعد ذكر مفاخرة كلّ حيّ برجال قومه ـ :
وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل فيهم عليُّ بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، والمقداد ، وهاشم بن عتبة ، وابن عمر ، والحسن ، والحسين ، وابن عبّاس ، ومحمد بن أبي بكر ، وعبد الله بن جعفر.
ومن الأنصار أُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وأبو الهيثم ابن التيّهان ، ومحمد بن سلمة ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وزيد بن أرقم ، وعبد الله بن أبي أوفىٰ ، وابو ليلىٰ ومعه ابنه عبد الرحمن قاعدٌ بجنبه ، غلامٌ صبيح الوجه أمرد ، فجاء أبو الحسن البصري ومعه الحسن البصري ، غلامٌ أمرد صبيح الوجه معتدل القامة ، قال : فجعلت أنظر إليه وإلىٰ عبد الرحمن بن أبي ليلىٰ ، فلا أدري أيّهما أجمل ، غير أنَّ الحسن أعظمهما وأطولهما ، فأكثر القوم ، وذلك من بُكرة إلىٰ حين الزوال ، وعثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه ، وعليُّ بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق ولا أحدٌ من أهل بيته ، فأقبل القوم عليه ، فقالوا : يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم ؟
فقال : « ما من الحيّين إلّا وقد ذكر فضلاً ، وقال حقّاً ، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار : بمن أعطاكُمُ الله هذا الفضل بأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم ؟ »
قالوا : بل أعطانا الله ومنَّ به علينا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعشيرته ، لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.
قال : « صدقتم يا معشر قريش والأنصار ، ألستم تعلمون أنَّ الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصّة دون غيرهم ؟ وأنَّ ابن عمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : وإنّي وأهل بيتي كنّا نوراً يسعىٰ بين يدي الله تعالىٰ قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف سنة ، فلمّا خلق الله تعالىٰ آدم عليه السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام ، ثمّ قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام ، ثمّ لم يزل الله عزّ وجلّ ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والأمّهات ، لم يُلقَ واحد منهم علىٰ سِفاحٍ قطُّ ؟ ».
فقال أهل السابقة والقُدْمة (2) وأهل بدر وأهل أُحد : نعم قد سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثمّ قال : « أَنشُدُكم الله : إنَّ الله عزّ وجلّ فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية ، وإنّي لم يسبقني إلى الله عزّ وجلّ وإلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحدٌ من أهل الأمّة ».
قالوا : أللّهمّ نعم.
قال : فأَنشدُكُمُ الله : أتعلمون حيث نزلت ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ ... ) (3) ، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (4) سُئِل عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : أنزلها الله تعالىٰ ذكره في الأنبياء وأوصيائهم ، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله ، وعليّ بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء ؟ » ثمّ قالوا : أللّهمّ نعم.
قال : « فأَنشدُكُم الله : أتعلمون حيث نزلت ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ... ) (5) ، وحيث نزلت ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ... ) (6) ، وحيث نزلت ( ... وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ... ) (7) قال الناس : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامّة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجلّ نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يُعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسِّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجِّهم ، بنصبي للناس بغدير خُمّ ، ثمّ خطب ، وقال :
أيّها الناس إنَّ الله أرسلني برسالةٍ ضاق بها صدري وظننت أنَّ الناس مُكذِّبيّ ، فأوعدني لَأُبلّغُها أو لَيعذّبني. ثمّ أمر ، فنودي بالصلاة جامعة ، ثمّ خطب ، فقال : أيّها الناس أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولىٰ بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول الله. قال : قُم يا عليّ ، فقمت ، فقال : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه.
فقام سلمان ، فقال : يا رسول الله ولاءٌ كماذا ؟ فقال : ولاءٌ كولاي ، من كنتُ أولىٰ به من نفسه فعليٌّ أولىٰ به من نفسه.
فأنزل الله ـ تعالىٰ ذكره ـ : ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) (8) الآية.
فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال : الله أكبر ، تمامُ نبوّتي وتمام دين الله ولاية عليّ بعدي.
فقام أبو بكر وعمر ، فقالا : يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصّة في عليٍّ عليه السلام ؟ قال : بلىٰ فيه وفي أوصيائي إلىٰ يوم القيامة. قالا : يا رسول الله بيِّنهم لنا. قال : عليٌّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي ، وخليفتي في أمّتي ، ووليّ كلّ مؤمن بعدي ، ثمّ ابني الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين ، واحد بعد واحد ، القرآن معهم ، وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتىٰ يردوا عليَّ الحوض ». فقالوا كلّهم : أللّهمّ نعم ، قد سمعنا ذلك ، وشهدنا كما قلت. وقال بعضهم : قد حفظنا جلّ ما قلت ، ولم نحفظ كلّه ! وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.
فقال عليّ عليه السلام : « صدقتم ليس كلّ الناس يستوون في الحفظ ، أَنشُد الله عزّ وجلّ من حفظ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لَمّا قام فأخبر به ».
فقام زيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمّار ، فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول رسول الله ، وهو قائم على المنبر وأنت إلىٰ جنبه ، وهو يقول :
« أيّها الناس إنَّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي ، والذي فرض الله عزّ وجلّ على المؤمنين في كتابه طاعته فقرن بطاعته طاعتي ، وأمركم بولايته ، وإنّي راجعتُ ربّي ؛ خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم ، فأوعدني لَأُبلِّغُها أو لَيُعذِّبُني.
يا أيّها الناس إنَّ الله أمركم في كتابه بالصلاة ، فقد بيّنها لكم ، والزكاة والصوم والحجّ ، فبيّنتها لكم ، وفسّرتُها ، وأمركم بالولاية ، وإنّي أُشهدكم أنَّها لهذا خاصّة ، ـ ووضع يده علىٰ عليِّ بن أبي طالب ـ ثمّ لابنيه بعده ، ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم ، لا يُفارقون القرآن ، ولا يفارقهم القرآن ؛ حتى يَرِدوا عليَّ حوضي.
أيّها الناس قد بيّنتُ لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ووليّكم وهاديكم ، وهو أخي عليّ بن أبي طالب ، وهو فيكم بمنزلتي فيكم ، فقلّدوه دينكم ، وأطيعوه في جميع أُموركم ، فإنّ عنده جميع ما علّمني الله من علمه وحكمته ، فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده ، ولا تُعلّموهم ، ولا تتقدّموهم ، ولا تَخلّفوا عنهم ؛ فإنّهم مع الحقِّ والحقُّ معهم ، لا يُزايلونه ولا يُزايلهم ، ثمّ جلسوا ». الحديث.
هذا لفظ الحمّوئي ، وفي كتاب سليم (9) نفسِهِ اختلافٌ يسير وزيادات. ويأتيك كلامنا حول سليم وكتابه.
الهوامش
1. فرائد السمطين : 1 / 312 ح 250.
2. أي السابقة في الأمر.
3. التوبة : 100.
4. الواقعة : 10 ـ 11.
5. النساء : 59.
6. المائدة : 55.
7. التوبة : 16.
8. المائدة : 3.
9. كتاب سليم بن قيس : 2 / 636 ح 11.
مقتبس من كتاب : الغدير في الكتاب والسنّة والأدب / المجلّد : 1 / الصفحة : 334 ـ 338
التعلیقات