الكَفاءة في القيادة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 217 ـ 218
( 217 )
سمات الأنبياء
(4)
الكَفاءة في القيادة
إنّ القيادة والحكم يقتضيان اعتبار سلسة من الشروط في القائد والحاكم ،
وبدونها تنحرف القيادة عن طريق الحق ، وتنتهي بالأمة إلى أسوء مصير.
وقد كانت قيادة الأنبياء على نوعين:
الأوّل : القيادة المعنوية المحضة ، وهي هداية الأُمّة إلى عبادة الله سبحانه ،
وإبعادهم عن عبادة الأصنام والأوثان ، وإرشادهم إلى وظائفهم أمام الله سبحانه.
وهذا القسم لا يشترط فيه من المؤهّلات أزيد ممّا أسلفنا سوى الإستقامة في طريق
الدعوة والصبر على النائبات ومعاداة المخالفين وأذاهم.
الثاني : القيادة بجميع شؤونها ، وهي هداية الأُمّة في حياتها الفردية
والاجتماعية ، الدنيوية والأخروية ، كما كان الحال في نبوة الكليم وداود وسليمان ،
فلم تقتصر دعوتهم على الجهات المعنوية بل قاموا بتشكيل الممالك والدول ونشر
دعوتهم بالجهاد بالنفس والنفيس ، ويكفي في ذلك مراجعة ما جاء حولهم في
القُرآن الكريم.
قال سبحانه: ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَ قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة البقرة: الآية 251.
________________________________________
( 218 )
ومن المعلوم أن القيادة في هذا الإطار الواسع لا تتسنى إلاّ لمن كان ذا مواهب
كثيرة في الإدارة والتدبير وحسن الولاية ، يقدر معها على القيام بتلك المسؤولية.
ويجمعها ما يسميه السياسيون في مصطلح اليوم بالنضج العقلي والرُشد السياسي ،
وبدونه لن يقوم للحكومة عمود ، ولن يَخْضَرّ لها عود . ولأجل ذلك أثر عن النبي
الأكرم أنّه قال : « لا تَصْلُح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال:
1 ـ ورع يحجزه عن معاصي الله.
2 ـ وحِلْمٌ يملك به غضبه.
3 ـ وَحُسْنُ الولاية على من يلي حتى يكون كالأب الرحيم»(1).
وقال الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ : «أَيُّها الناس إن أحقَّ الناس بهذا الأمر
أقْوَمُهم (وفي رواية أقواهم) وأعلمهم بأمر الله ، فإن شَغَب شاغِبٌ أُستعْتِبَ ،
وإنْ أبى قُوتِل»(2).
ثم إنّ جمعاً من المتكلمين التزموا بوجود سمات أخرى في الأنبياء وراء ما
ذكرنا ، ككونهم أشجع الناس وأعلمهم بالعلوم كافة ، وأزهدهم وأعبدهم ونحو
ذلك.
ولعلّ هذه الأوصاف من سمات من بعث لكافة الناس وهم على المشهور
خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، والنبي الأعظم ـ عليهم السَّلام ـ ،
وعلى التحقيق ، هو نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (3).
إلى هنا تمّ البحث عن النُبوّة العامة الّتي تختص أبحاثها بنبُوّة نبي معين ،
وحان وقت البحث عن النبوة الخاصة ، المختصة مباحثها بنبوة نبي الإسلام ،
محمّد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي، : ج 1، ص 407.
2- نهج البلاغة : الخطبة 172.
3- لاحظ مفاهيم القرآن : ج 3، ص 77 ـ 116.
التعلیقات