آية المتعة.. وقراءة إلى أجل
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج1 ، ص 47 ـ 94
________________________________________ الصفحة 47 ________________________________________
الفصل الأول
آية المتعة.. وقراءة «إلى أجل»
________________________________________ الصفحة 48 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 49 ________________________________________
الطريقة المألوفة:
إن من يراجع طريقة علماء الشيعة يجد أنهم قد دأبوا على اتباع طريقة الإلزام في احتجاجاتهم على الآخرين، أي أنهم يحتجون على الآخرين بما هو مقبول لديهم، ومروي في كتبهم وصحاحهم، ووفق أصول الجرح والتعديل عندهم وما يلتزمون به في مناهج البحث بحسب مذاهبهم.
وأعتقد أن الإفراط في هذا الاتجاه قد يوحي بما هو غير مقصود، ولا موجود حيث يفهم منه إرادة تسجيل النقاط من منطلق التحزب المذهبي مع أن الحقيقة هي أن الهدف ما هو إلا مجرد الإقناع من أقرب السبل وأيسرها، بعد ان اتضح لديهم: أن الآخرين يرفضون الانصياع لمقتضيات الأدلة والبراهين التي تعنى بتصويب المعايير والمنطلقات الفكرية في المجال العقيدي، والخصائص الإيمانية، والتي لو أمكن تقبّل النقد الموضوعي فيها بروح رياضية، وعقل منفتح، وإنصاف، ووعي، ومسؤولية..
________________________________________ الصفحة 50 ________________________________________
لانحلت العقدة في عشرات من المسائل التي هي مثار خلاف ونزاع لا يراد له أن ينتهي.. بل هو يتجدد ويعود باستمرار إلى نقطة الضوء، فتتكرر الدعاوي وتسرد الأدلة من جديد وتتبعها أجوبتها، وتتكرر هذه الحالة مرة بعد أخرى، ولا من جديد في الأدلة، بل الأدلة هي نفسها، وكذلك لا جديد في الدعاوي، ولا في الاتهامات، ولا في المواقف المتخذة على أساس تخيلات ومزاعم غير معقولة ولا مقبولة..
الموضوع حساس لماذا؟!
وها نحن قد عدنا من جديد لبحث موضوع طالما طرح على بساط البحث، وأدلى كل فريق بدلوه، فهل سنأتي بجديد، أم أننا سنسير على نفس النهج، وفي نفس الطريق.
وسوف يجد القارئ لهذا الكتاب الإجابة على هذا السؤال واضحة وضوح الشمس، ونلخصها نحن له بكلمة واحدة وهي أننا شئنا أم أبينا نجد أنفسنا مضطرين للالتزام بهذا النهج الإثباتي والتزام نهج الإلزام في بحثنا هذا، خصوصاً في هذه المسألة التي تتميز بحساسية خاصة من الناحية الفقهية والاجتماعية، وحتى من الناحية الاعتقادية حيث يفترض هذا
________________________________________ الصفحة 51 ________________________________________
الطرف، أو ذاك، أن الإثبات والنفي فيها يمثل إدانة أو اتهاماً لشخصية لها دورها، وموقعها الحساس فيما يرتبط بأخطر قضية واجهها المسلمون في حياتهم السياسية، وهي قضية الخلافة، والإمامة، قال الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية، مثلما سل على الإمامة في كل زمان» (1).
حيث تتوجه أصابع تهام إلى أحد الخلفاء بأنه هو الذي بادر إلى تحريم زواج المتعة، أو إلى المنع منه، وهذا ما يزيد البحث في هذا الأمر تعقيداً أو حساسية بالغة.. رغم أن واقع القضية سواء ثبت ما ينسب إلى الخليفة من تصرف في هذا التشريع أم لم يثبت، لا يجب أن ينظر إليه بهذه الطريقة الحادّة التي تظهر على شكل هيجان قوي في مواجهة كل من يحاول تلمس الأدلة على بقاء هذا التشريع، خشية أن يؤدي ذلك إلى تلك الإدانة التي يخشونها ويحاولون تلافي آثارها.
مع أن الخلفاء بإعتقاد هؤلاء الناس ليس لهم موقع
____________
(1) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 24 ومحاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج 1 ص 167.
________________________________________ الصفحة 52 ________________________________________
عقائدي بالنسبة إليهم لأنهم إنما ينتخبون حسب مذهبهم من قبل الناس، فإذا كان قد صدر منهم ما هو سلبي، فإنهم هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك، ولا يوجب ذلك أية خدشة في الناحية العقائدية لأحد.
والغريب في الأمر: أن إصرار البعض على مواقفهم قد بلغ بهم حدّاً جعلهم يصرون حتى على رفض ما يقدم إليهم من أحاديث صحاح رواها لهم أهل نحلتهم ووفق شروطهم في الرواية وفي القبول.
بين الرد والقبول:
ومهما يكن من أمر، فإننا سنحاول معالجة هذا الموضوع بالطريقة التي ترضي وجداننا، وتتوافق مع المنهج العلمي المتبع والمقبول، وسيرى القارئ الكريم أننا سوف نلتزم الطريقة المقبولة عند الطرف المعارض لإستمرار تشريع هذا الزواج، وأما قبول ذلك أو ردّه فهو مسؤولية الآخرين، ولن نتوقف عند هذا الأمر لا قليلاً ولا كثيراً.. وإن كان يحزننا أن نرى آثار عنادٍ غير مبررّ يظهر في مواقف أي كان من الناس. وها نحن ندخل في صلب البحث الاستدلالي مستعينين
________________________________________ الصفحة 53 ________________________________________
بالله سبحانه، ومتوكلين عليه، وهو ولينا، وهادينا إلى سواء السبيل.
توطئة:
لقد أجمع أهل القبلة كافة على أن الله سبحانه قد شرع نكاح المتعة في دين الإسلام.
ولا يرتاب في هذا أحد من أئمة المذاهب الإسلامية، وكبار فقهائها بل لعل أصل تشريعه يلحق بضروريات الدين، والروايات في ذلك متواترة في كتب المسلمين.
بل لقد أكد كثير من فقهاء وعلماء الأمة: أن آية قرآنية قد نزلت لتؤكد هذا التشريع، وهذا ما سنعالجه في هذا الفصل.
فنقول:
آية المتعة في الكتاب العزيز:
قد نزلت في تشريع هذا الزواج آية قرآنية كريمة اعترف عدد من أئمة التفسير عند السنة، بأن الجمهور قد قالوا: إن زواج المتعة هو المراد منها وهي قوله تعالى:
________________________________________ الصفحة 54 ________________________________________
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، كتاب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم، أن تبتغوا بأموالكم، محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيماً)(1).
فعن ابن عباس، قال: «كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرأون هذه الآية: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج إلخ..»(2).
قال القرطبي وغيره: «قال الجمهور المراد نكاح المتعة، الذي كان في صدر الإسلام»(3).
وهذا اعتراف صريح من بعض كبار علماء التفسير، الذين يذهبون إلى تحريم زواج المتعة، فتصريح بعض آخر بخلافه حرصاً منهم على تأكيد ما يذهبون إليه.. لا يؤثر على أهمية هذا الاعتراف الصريح.
____________
(1) سورة النساء / الآية 24.
(2) فتح القدير ج 1 ص 455 عن الطبراني والبيهقي في سننه.
(3) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، ومع القرآن للباقوري ص 167 وعبارته: [جمهور أهل العلم..] والغدير ج 6 ص 235، وفتح القدير ج 1 ص449.
________________________________________ الصفحة 55 ________________________________________
وسيأتي في فصل الروايات والآثار، أن عمران بن الحصين، يقول: إن هذه الآية نزلت في المتعة، ولم تنزل آية تنسخها، وأنه (صلى الله عليه وآله) مات، ولم ينههم عنها، قال رجل برأيه ما شاء.
وقال عبد الرزاق وغيره: «قال عطاء: فهي التي في سورة النساء: (فما استمتعتم به منهن) كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا إلخ..»(1).
وقرأ ابن عباس، ـ والحديث مروي عنه بأسانيد صحيحة ـ وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، وابن مسعود، والسدي، قرأوا ـ هذه الآية هكذا: (فما استمتعتم به منهن ـ إلى أجل مسمى ـ فآتوهن أجورهن).
وفي نص آخر: وحكي نزول الآية في المتعة أيضاً عن: حبيب بن أبي ثابت،
____________
(1) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 497 والإيضاح لابن شاذان ص 440 وتجد بقية المصادر في الهامش التالي.
________________________________________ الصفحة 56 ________________________________________
ومجاهد، والسدي، والحكم بن عتيبة (1).
____________
(1) راجع في ذلك: وفي قراءة الآية بإضافة كلمة: «إلى أجل» عن واحد أو أكثر ممن تقدمت أسماؤهم المصادر التالية: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص 474، والدر المنثور ج 2 ص 140 عن الطبراني وعبد بن حميد وابن الأنباري وأبي داود وغيرهم، ونفحات اللاهوت ص 99.
وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وأحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي ج 1 ص 389، جامع البيان ج 5 ص 9 و10، وتفسير الرازي ج10 ص51 ط سنة1357 هـ، والإيضاح لابن شاذان ص442، والمصنف للصنعاني ج7 ص498، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وفتح القدير ج 1 ص 449 و 455، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 305، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 147، وتفسير النيسابوري هامش تفسير الطبري ج 5 ص 18، وسنن البيهقي ج 7 ص 206، والكشاف ط بيروت ج 1 ص 498، وبداية المجتهد ج 2 ص 57 و 58، والمنتقى ج 2 هامش ص 521، ولسان العرب ج 8 ص 329.
وراجع أيضاً: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178، والجواهر ج 3 ص 148، والطرائف ص 460 عن تفسير الثعلبي، وكنز العرفان ج 2 ص 151، وعون المعبود ج 6 ص 83.
وراجع: تحريم نكاح المتعة ص 89 و 111، والبيان للخوئي، والمتعة للفكيكي، والتسهيل ج 1 ص 137، ونيل الأوطار ج 6 ص 270 و 275، وفقه السنة ج 2 ص 45 عنه، ودلائل الصدق ج 3 قسم 1، والفصول المهمة..، والنص والاجتهاد..، وفتح القدير للشوكاني، ج 1 ص 414، والبغوي هامش تفسير الخازن ج 1 ص 423.
وراجع: تفسير لباب التأويل للخازن ج 1 ص 343 ومحاسن التأويل للقاسمي ج 5 ص 99 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 179 و 181، والبحر الزخار ج 4 ص 22.
وراجع: المرأة في القرآن والسنة ص 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 53، والبحار ج 89 ص 65 وج 100 من 305 وص 302 و 314 و 315 و 317 والتمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 266.
وراجع: اكذوبة تحريف القرآن ص 22، والمصاحف للسجستاني ص 53، والغدير ج 6 ص 229 و 235 عن بعض من تقدم، وعن تفسير البيضاوي ج 1 ص 259، والبحر المحيط ج 3 ص 318 وتفسير الآلوسي ج 5 ص 5، وتفسير أبي السعود هامش تفسير الرازي ج 3 ص 251، والوسائل ج 21 ط مؤسسة
=>
________________________________________ الصفحة 57 ________________________________________
وقال أبو عمر: عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء: أنه سمع ابن عباس يراها حلالاً حتى الآن.
وأخبرني أنه كان يقرأ: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن).
وقال ابن عباس: في حرف أبي «إلى أجل مسمى»(1) وسنده صحيح.
قال أبو عمر: وقرأها أيضاً هكذا: «إلى أجل مسمى» علي بن الحسين، وابنه أبو جعفر محمد بن علي، وابنه جعفر بن محمد، وسعيد بن جبير، هكذا كانوا يقرأون(2).
____________
<=
آل البيت لإحياء التراث ص 5 و 6 و 9 و 21 و 56 و10، وفي هامشه عن الفقيه ج 2 ص 148 وعن قرب الإسناد ص 21 وعن تفسير القمي ص 136 وعن تفسير العياشي ج 1 ص 233 و 234 وعن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 65 و 82 والكافي ج 5 ص 448 و 449 وتهذيب الأحكام ج 7 ص 250 والاستبصار ج 3 ص 141.
وراجع: مستدرك الوسائل ط دار إحياء التراث ج 14 ص 447 و448 و481 و486 و484 و485 و482 و449 و467 عن كتاب عاصم الحناط من 24 و 31 وكتاب التنزيل والتحريف للسياري ص 18.
(1) التمهيد ج 9 ص 113، والاستذكار ج 16 ص 295، والمصنف ج7 ص498.
(2) التمهيد ج 9 ص 113.
________________________________________ الصفحة 58 ________________________________________
وذكر الحاكم وغيره بسند صحيح: أن ابن عباس، قد أقسم أن هذه الآية لأنزلها الله كذلك(1) ثلاث مرات(2).
وقال الرازي والنيسابوري، بعد نقلهما هذه القراءة عن ابن عباس، وابي بن كعب: «والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعاً من الأمة على صحة هذه القراءة»(3)0 وسيأتي إن شاء الله أن قراءة هؤلاء للآية، بإضافة كلمة: «إلى أجل مسمى» قد جاءت على وجه التفسير والتوضيح، وهو جائز عند علماء القراءات، لا أنها كانت في القرآن، ثم حذفت.
ونقل بسند معتبر أيضاً عن حبيب بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال: هذا على قراءة أبي، فرأيت
____________
(1) مستدرك الحاكم ج 2 ص 305،وتلخيصه للذهبي، بهامش نفس الصفحة، وراجع: البحر المحيط ج 3 ص 218، ونفحات اللاهوت ص 99 وأحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 389، ونكاح المتعة للأهدل ص241 عن جامع البيان ج8 ص177 وعن الحاكم والذهبي وعن المصاحف لابن الأنباري كما في الدر المنثور ج2 ص140.
(2) المرأة في القرآن والسنة ص 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 53.
(3) راجع: التفسير الكبير ج 10 ص 52.
________________________________________ الصفحة 59 ________________________________________
في المصحف: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)(1).
ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ عبد الهادي مسعود، مدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية قال: «على أننا نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة أن أكثر من تسعين بالمائة من المجتهدين من سنة وشيعة أجمعوا على أن المتعة المذكورة في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة»(2).
لا توجد آية تبيح المتعة:
ومع ذلك كله نجد أن البعض يدعي: أن لا أحد غير الشيعة يقول: بأن آية: (فما استمتعتم به منهن) قد نزلت في نكاح المتعة(3).
____________
(1) راجع: الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 140، ونفحات اللاهوت ص 99 عن تفسير الثعلبي، وراجع أيضاً مستدرك الحاكم ج 2 ص 305، وأحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 389 وجامع البيان ج 5 ص 9 والطرائف ص 460، ونكاح المتعة للأهدل ص143 عن جامع البيان ج8 ص176 و177.
(2) المتعة للفكيكي [المقدمة] ص 12.
(3) الوشيعة لموسى جار الله ص 166.
________________________________________ الصفحة 60 ________________________________________
ونقول:
إن ما تقدم من مصادر كثيرة، وكذلك ما سيأتي في الفصل التالي وغيره، يدل على عدم صحة هذا القول.. ويكفي في رده قول الأستاذ عبد الهادي مسعود السالف الذكر.
كلمة: «إلى أجل» لم تتواتر:
وقد أورد الزرقاني على هذه القراءة التفسيرية بإضافة كلمة «إلى أجل» بقوله: «وقراءة ابن مسعود لم تتواتر، والقرآن لا يثبت بالآحاد»(1) فتكون زيادة في كتاب الله، والزائد في كتاب الله ملعون، لأن قوله «إلى أجل» ليس بين الدفتين، ولو كان قرآناً لجازت قراءته بين أظهر الناس وفي المحاريب(2).
وقال الشوكاني: إن هذه القراءة: «ليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآناً، فيكون من قبيل التفسير للآية وذلك ليس بحجة، وأما عند من يشترط التواتر، فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في
____________
(1) شرح الموطأ ج 4 ص 47.
(2) راجع: تحريم نكاح المتعة ص 90 و 91.
________________________________________ الصفحة 61 ________________________________________
الأصول»(1).
وعلى حد تعبير الأهدل: «إن قوله إلى أجل مسمى، ليس بقرآن، وليس بمنزل من الله، ولو كان قرآناً لوجدناه فيه، ولقرىء به في المحاريب. وكفى بالمصحف وإجماع الصحابة على أنه ليس منه»(2).
ونقول:
أولاً:
إن كلمة: «إلى أجل» ليست جزءاً من الآية القرآنية، وإنما هي تفسير للمراد وقد تحدثنا عن موضوع القراءات التي من هذا القبيل، بالتفصيل في موضع آخر(3) وأثبتنا أنها مجرد تفسيرات مزجية تضاف بهذه الطريقة من أجل التوضيح لغير العارف. وإن هذه التفسيرات قد تكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد تكون منزلة من قبل الله عز وجل، قد جاء بها
____________
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 275، وفقه السنة ج 2 ص 45 عنه، وراجع: شرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 179.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص244 عن المقدسي في كتابه تحريم نكاح المتعة ص128.
(3) حقائق هامة حول القرآن ـ للمؤلف.
________________________________________ الصفحة 62 ________________________________________
جبرائيل، كما كان يأتي بالأحاديث القدسية وكلاهما ليس قرآناً.
وقد تقدمت مصادر كثيرة تشير إلى أن هذه أيضاً هي قراءة ابن عباس وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي، وعطاء، بالإضافة إلى ابن مسعود، والإمام علي بن الحسين، وولده الإمام الباقر، والإمام جعفر الصادق عليهم السلام، وحبيب بن أبي ثابت ومجاهد والحكم بن عتيبة.
ثانياً:
بالنسبة لمغالطة الشوكاني، فهي مردودة بأننا نختار أنها ليست قرآناً وأنها تفسير للقرآن، لكنه تفسير مأخوذ من النبي (صلى الله عليه وآله) لأن ذلك من الأمور التوقيفية التي لا تعرف إلا من قبله (صلى الله عليه وآله)، فتكون من السنة الثابتة الواردة بالسند الصحيح لتفسير القرآن، بل ربما يكون هذا التفسير منزلاً من عند الله سبحانه، كالأحاديث القدسية المنزلة من عند الله سبحانه، وليس قرآناً.
فقول الأهدل: «ليس بمنزل من الله» غير مقبول على إطلاقه.. إذ قد يكون منزلاً على سبيل التفسير، وإن لم يكن قرآناً. كما اعترف به السيوطي وابن الجزري(1) واعترف به
____________
(1) راجع: نكاح المتعة ص247 عن الاتقان ج1 ص77.
________________________________________ الصفحة 63 ________________________________________
الأهدل في خصوص قراءة ابن عباس(1) إذن، فنحن متفقون مع هؤلاء على نفي كون هذه الكلمة جزءاً من القرآن، ولكننا لا نوافق على نفي كونها من التفسيرات المنزلة كالأحاديث القدسية أو هي على الأقل من التفسيرات النبوية للآية، فلا يلزم قراءتها في المحاريب، ولا إثباتها في المصاحف.
ثالثاً:
إن من يقول بنسخ التلاوة لا يحق له أن يستدل بالمصحف، وبعدم القراءة بالمحاريب وبغير ذلك، إذ لا يستطيع أن ينفي أن يكون مما نسخت تلاوته، وبقي حكمه..
رابعاً:
بالنسبة لنسخ ظنّي القرآن بظني السنة سيأتي أن القرآن لا ينسخ بالسنة مطلقاً.
كلمة «إلى أجل» تتعلق بالاستمتاع وقالوا: إن كلمة «إلى أجل» جار ومجرور يتعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد فصار معنى الآية: فإن تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماماً، مع أن المدة المعينة في المتعة إنما تتعلق بالعقد لا بالاستمتاع، ولذلك كان تعيين الأجل شرطاً
____________
(1) نكاح المتعة ص247.
________________________________________ الصفحة 64 ________________________________________
لصحة العقد.
وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم من أن وجوب تمام المهر متعلق بمضي تمام مدة النكاح كما اشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجل، ويؤجل الثلثان إلى بقاء النكاح.
فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها، وإلا فلها المطالبة بتمام المهر في الشرع، بعد حصول الوطء مرة واحدة.
ولو كان «إلى أجل مسمى قيداً للعقد لم تصح المتعة عندهم إلى مدة العمر مع أنها صحيحة كذلك بإجماعهم، وهذا عجيب..»(1).
ونقول:
في كلام هذا البعض مواضع كثيرة للنظر، نذكر منها:
أولاً:
إنه لو كان الجار والمجرور متعلقاً بالاستمتاع لا بالعقد لاقتضى أن يكون الاستمتاع في الدائم موقتاً بوقت لا يتعداه. وبعد انتهاء الوقت يبقى العقد ويمنع من الاستمتاع. وهذا ما لم يقل به أحد.. وهو من اللغو غير المعقول ولا المقبول..
كما أن سياق الكلام يقتضي أن يكون المعنى: فما عقدتم
____________
(1) راجع تحريم المتعة للمحمدي ص 117.
________________________________________ الصفحة 65 ________________________________________
من عقد متعة إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن، وهذا هو المطلوب.
ثانياً:
من الذي قال: إن العرف القائم على أن ثلث المهر يعجل، ويؤجل الثلثان إلى بقاء النكاح قد كان في زمن نزول الآية موجوداً، حتى يحتاج إلى نزول الآية لمعالجته؟!
ثالثاً:
ما معنى تأجيل ثلثي المهر إلى بقاء النكاح. فهل بقاء النكاح شيء محدد لكي يؤجل إعطاء ثلثي المهر إليه. إن البقاء حالة قائمة ومستمرة لا نهاية لها حتى تكون تلك النهاية أجلاً لثلثي المهر.
وإذا كان الزواج دائماً فما معنى توهم مضي تمام مدته؟!
رابعاً:
هل هذا القيد «إلى أجل مسمى» أبطل هذا العرف؟ أم أنه أكده حيث أفاد أنه ليس للمرأة المطالبة بمهرها إلا حين يحل الأجل المسمى للمطالبة.. سواء أكان هذا الأجل هو شهر أو سنة أو أقرب الأجلين من الموت أو الطلاق..
خامساً:
من الذي قال: إن المتعة تصح إلى مدة العمر، ومن أين حصل على هذا الإجماع على صحتها.. والذي نعرفه هو أن تحديد المدة بمدة العمر يجعل العقد دائماً لا منقطعاً..
________________________________________ الصفحة 66 ________________________________________
رد حديث ابن عباس في قراءة «إلى أجل»:
وقالوا: إن حديث ابن عباس حول قراءة «إلى أجل مسمى» مروي عن موسى بن عبيدة وهو ضعيف!
كما أن له تتمة تقول: إنه لما نزلت آية حرمت عليكم أمهاتكم ـ إلى قوله: (محصنين غير مسافحين..) تركت المتعة. وكان الإحصان، إذا شاء طلق، وإذا شاء أمسك ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء(1).
ونقول:
أولاً:
بالنسبة لضعف سند هذه الرواية: قد راجعنا ما ذكروه في تضعيفه، فوجدنا أن سبب التضعيف هو عدم استساغتهم نفس الرواية المنقولة عنه، لا لأنهم يتهمونه بالكذب فيما ينقله.. بل يصفه عدد كبير منهم بالصدق والوثاقة(2).
بل إن أحمد بن حنبل إنما يطعن فيه بسبب روايته هذه الرواية المذكورة عن ابن عباس في المتعة(3).
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 121 ـ 123.
(2) راجع: تهذيب التهذيب ج10 ص 357 ـ 360.
(3) راجع: تهذيب التهذيب ج10 ص 360.
________________________________________ الصفحة 67 ________________________________________
وإذا عاد الطعن في روايته إلى أن رواياته قد جاءت على خلاف مذاقهم، فإن ذلك الطعن يصبح ساقطاً، أو يعود أمر الأخذ بالرواية إلى مزاج الآخذ. وقضايا الدين ليست خاضعة لأمزجة الأشخاص.
ثانياً:
بالنسبة لبقية الرواية، فإنه لا يضر فيما نحن فيه.. إذ إن آية حرمت عليكم أمهاتكم قد نزلت مقترنة بقوله: فما استمتعتم به منهن، فما معنى قوله: فلما نزلت (حرمت عليكم أمهاتكم..) إلخ..
ثالثاً:
إن المقصود بالإحصان هو التعفف، لا الإحصان الذي يوجب الرجم لو حصل الزنا.. وسيأتي الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى.
قراءة «إلى أجل».. لا تصح:
وقد حاول البعض أن يقول: كلمة «إلى أجل مسمى» لم تأت في الآية. وكان الأولى أن تذكر فيها لكي لا يكون هناك خلاف.
ونقول:
أولاً:
هناك آيات كثيرة اختلف المسلمون في المراد منها،
________________________________________ الصفحة 68 ________________________________________
وقد كان يمكن حل الإشكال بإضافة كلمة أو كلمتين.. فلماذا لم يُضف الله سبحانه فيها تلك الكلمات.
ثانياً:
إن بيان الرسول للمراد من الآيات يكفي ويشفي، وعلى الناس أن يلتزموا بتوجيهاته (صلى الله عليه وآله)، وبالتفسيرات التي ترد عنه. فإذا وجد من يريد المخالفة، وإثارة الشبهات، فإن الله سبحانه لا يتكفل بأن يضع أجوبة لكل شبهة من أي مكابر ومعاند.. وإلا لزم أن يصبح القرآن أضعاف ما هو عليه..
ثالثاً:
إن في الآية نفسها وكذلك في موقعها من سائر الآيات السابقة واللاحقة قرائن تغني عن ذكر هذه الفقرة.. فيصبح ذكرها فيها في غير محله. وإنما يصح أن ترد على سبيل التفسير لإلفات نظر من لا يلتفت إلى تلك القرائن. وقد ذكرنا في هذا الفصل بعض ما يشير إلى هذه القرائن المشار إليها، فلا نعيد.
أسباب رفض قراءة «إلى أجل»:
قال ابن جرير عن قراءة الآية بإضافة كلمة «إلى أجل» إنها «قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير
________________________________________ الصفحة 69 ________________________________________
جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئاً لم يأت به الخبر القاطع لعذر عمن لا يجوز خلافه»(1).
وقال القيسي: «ولا يجوز لأحد اليوم أن يقرأ بذلك، لأنها قراءة على التفسير مخالفة للمصحف، ولأن القرآن لا يؤخذ بأخبار الآحاد»(2).
وقال المازري: «قراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآناً، ولا خبراً، ولا يلزم العمل بها»(3).
وقال الجصاص: «لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين، فالأجل عندنا غير ثابت في القرآن»(4).
أما الرازي فقال: «.. إن تلك القراءة ـ بتقدير ثبوتها ـ لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، إنما الذي نقوله: إن النسخ طرأ عليه. وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا.
____________
(1) جامع البيان ج5 ص 10.
(2) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر ص 114 عن الإيضاح للقيسي ص 222.
(3) تحريم نكاح المتعة ص 114 عن: العلم بفوائد المسلم ج2 ص 130.
(4) تحريم نكاح المتعة ص 114 عن: أحكام القرآن ج2 ص 148.
________________________________________ الصفحة 70 ________________________________________
ثم إن هذه القراءة الشاذة أي «إلى أجل مسمى» جاء جار ومجرور متعلق بالاستمتاع، لا بنفس العقد، في حين أن المدة المتعينة إنما تكون متعلقة بنفس العقد، ومن هنا أبطلوا متعتهم بأيديهم، وهم لا يشعرون»(1).
ونقول:
إننا نستخلص مما تقدم النقاط التالية:
1 ـ إنها قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
2 ـ لا يجوز إلحاق شيء في كتاب الله إلا بخبر قاطع للعذر عن النبي.
3 ـ إنها قراءة على التفسير.
4 ـ إنها خبر واحد ولا يؤخذ القرآن بخبر الواحد.
5 ـ هي قراءة شاذة لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً.
6 ـ قراءة لا يلزم العمل بها.
7 ـ إنها قراءة لا تدل إلا على مشروعية المتعة. وهو مسلم
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر المحمدي ص 114، 115.
________________________________________ الصفحة 71 ________________________________________
لكننا ندعي النسخ.
والجواب عن ذلك كله نلخصه فيما يلي:
أولاً:
إن هذه القراءة إنما جاءت على سبيل التفسير للآية.. وقد يكون هذا التفسير منزلاً من عند الله سبحانه على حد الأحاديث القدسية التي هي من كلام الله وليست قرآناً. فقراءة الآية بإضافة هذه الكلمة لا يعني أن تكون هذه الكلمة جزءاً من النص القرآني.
ولأجل ذلك نقول: إنه لا حرج في أن تكون قراءة على التفسير، كما ذكره المستشكل بل هذا هو المطلوب.
كما أنه لا يصح قول المستشكل: إنها قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
ولا قوله: لا يجوز إلحاق شيء في كتاب الله إلا بخبر قاطع للعذر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولا قوله: إنها خبر واحد، ولا يؤخذ القرآن بخبر الواحد.
ثانياً:
قولهم إنها قراءة شاذة يثير سؤالاً عن المعيار والضابطة التي تسوغ الحكم على قراءة بالشذوذ أو بعدمه..
فإنها قراءة رواها المسلمون عن ابن مسعود وأبي بن كعب
________________________________________ الصفحة 72 ________________________________________
وابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم.. فلماذا تكون قراءة شاذة. ولماذا لا يصح الاحتجاج بها قرآناً ولا خبراً؟!
ثالثاً:
قولهم إنها قراءة لا يلزم العمل بها يحتاج إلى إثبات.
رابعاً:
قد اعترفوا هم أنفسهم أنها قراءة تدل على مشروعية المتعة. لكنهم يدعون النسخ. فمن يدعي النسخ فعليه إثباته. ولا بد له ولنا من الالتزام بالمشروعية إلى أن يثبتوا رفعها.
قراءة «إلى أجل» رأي صحابي:
وقد زعم البعض: أن هذه القراءة لم ترد على أنها سنة مرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ يعوزها السند، فبقيت على أنها مجرد فهم صحابي عبر عنه بلفظه هو. ورأي الصحابي ليس بحجة، لأنه محض اجتهاد، ولو لزمنا رأي الصحابي لتعدد الرسل.
ونقول:
أولاً:
إن الاستشهاد بهذه القراءة يراد به الإشارة إلى أن
________________________________________ الصفحة 73 ________________________________________
الذين قرأوا هذه القراءة لم يأتوا بها من عند أنفسهم بصورة اقتراحية، وإنما هم قد تلقوها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل يظهر من ابن عباس: أن هذه القراءة لا تختص بابن مسعود، بل عامة صحابة رسول الله يقرؤونها كذلك..
فقد جاء في حديثه قال: كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرؤون هذه الآية: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) الآية.. فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته إلخ(1).
ولم يكن الصحابة ليفتروا على الله سبحانه من عند أنفسهم.. وليست هذه القراءة مجرد اجتهاد من واحد منهم..
وكيف تجرؤوا على أن يدخلوا اجتهاداتهم الشخصية ويشرعوا من عند أنفسهم؟
ثانياً:
إنهم يقولون عن الصحابة إنهم جميعاً ذوو اجتهاد
____________
(1) راجع: السنن الكبرى ج7 ص 205 ـ 206 ونيل الأوطار للشوكاني ج6 ص 136 والناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي، وتحفة الأحوذي ج4 ص 269 وفتح الباري ج9 ص 77 وغير ذلك.
________________________________________ الصفحة 74 ________________________________________
صواب(1) كما أن مالكاً كان إذا جاءه عمل من صحابي وحديث صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجري بينهما أحكام المتعارضين. بل هو يوجب الطعن فيه(2) هذا فضلاً عن كونه يخصص العلم(3) بل إن عمل صحابي بخلاف الحديث يوجب الطعن في ذلك الحديث(4).
ثالثاً:
إنه إذا جاز لابن مسعود وغيره من الصحابة أن يجتهدوا فلم لا تجوزون على عمر بن الخطاب أن يكون قد اجتهد برأيه حين منع من متعتي النساء والحج.. وتتركون رأيه فيهما وتقولون: لو لزمنا رأي الصحابي لتعدد الرسل.
رابعاً:
إنه إذا كان أمثال ابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وغيرهم ممن أشار إليهم ابن عباس، حسبما ألمحنا آنفاً إذا كانوا يرون أن هذه الآية قد نزلت في نكاح المتعة، فكيف
____________
(1) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص 366 وراجع ص 364 و365 وإرشاد الفحول ص 259 وراجع ص 78 ونهاية السؤل ج4 ص 560 وراجع ص 558 وراجع: الأحكام للآمدي ج4 ص 159.
(2) أبو زهرة: مالك ص290 وابن حنبل ص 251 وراجع ص 254 و255 وعن إرشاد الفحول ص214، وراجع: أعلام الموقعين ج1 ص29 وقواعد في علوم الحديث ص 460 و461.
(3) راجع نهاية السؤل، وسلم الوصول [المطبوع بهامشه] ج4 ص 408.
(4) قواعد في علوم الحديث ص 202 وراجع: أصول السرخسي ج2 ص 7.
________________________________________ الصفحة 75 ________________________________________
يُشنعون على من استدل بهذه الآية على مشروعية هذا الزواج. وطالبهم بناسخه القطعي؟! وهل يجوز لهم بعد هذا اعتبار المتعة من الزنا؟!
إحتمال أن يكون الأجل للمهر:
ولو صحت قراءة إلى أجل، فقد ادعى البعض: أن يكون الأجل داخلاً على المهر، وتقدير الآية: [فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل](1).
ونقول:
إن ظاهر الآية أن الأجل قيد للاستمتاع، ولم تشر قبل ذكر الأجل المسمى إلى المهر لا من قريب ولا من بعيد.. فتقديره على النحو الذي ذكره محض اقتراح منه لا شاهد له ولا دليل عليه..
قراءة «إلى أجل» في صورة وطء الشبهة:
وفي محاولاتهم للتخلص والتملص من دلالة الآية الشريفة
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر المحمدي ص 116 و117 ونكاح المتعة للأهدل ص245 عن أحكام القرآن للجصاص ج2 ص179.
________________________________________ الصفحة 76 ________________________________________
قالوا: «لو سلمنا ما ذكروا من الزيادة في القراءة فليس فيها دليل على إباحة نكاح المتعة. وإنما فيها دليل على وجوب المهر على من ارتكب الحرام من ذلك ووطأ فيه.
ونحن نقول:
إن المهر يلزم بالوطء فيه لأجل الشبهة، التي سقط الحد لأجلها عنه.
فهو كما لو وجد امرأة نائمة على فراشه فوطأها معتقداً أنها زوجته، فإنه يجب عليه مهر مثلها لأجل الشبهة، فكذلك ههنا»(1).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إنه تعالى لم يشر إلى حرمة هذا الزواج في هذه الآية لا من قريب ولا من بعيد؛ فمن أين استنبط: أن الحديث إنما هو في صورة ما لو ارتكب الحرام من ذلك [أي من زواج المتعة] ووطأ فيه..
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 117. وراجع نكاح المتعة للأهدل ص246 عن منهاج السنة لابن تيمية ج2 ص156.
________________________________________ الصفحة 77 ________________________________________
ثانياً:
إن هذه الآية واردة في سورة النساء، التي نزلت في أوائل الهجرة، ولا شك في بقاء حلية هذا الزواج إلى زمن خيبر، ثم إلى عام الفتح، بل إلى حجة الوداع، كما ذكر في بعض الروايات فلم يكن زواج المتعة حراماً حين نزول هذه الآية، لكي تتحدث هذه الآية عن أحكام الوطء شبهة فيه..
ثالثاً:
إن هذا القول معناه: أن الآية تتحدث عن زواج المتعة ـ الذي هو محرم بزعمه ـ ولم يزل هؤلاء ينكرون دلالة الآية عليه ويدّعون أن المراد بها خصوص النكاح الدائم، فبأي كلاميهم نأخذ، يا ترى؟!
كلمة «إلى أجل» منسوخة:
ويقولون: إن كلمة «إلى أجل» ليست ثابتة الآن في القراءة المشهورة فإن كانت مما أنزله الله، فعدم ثبوتها في القراءة المشهورة يكشف عن أنها قد أنزلت حين كانت المتعة مباحة، ثم جاء الناسخ فنسخ هذه الكلمة وذلك حين حرمت المتعة(1).
____________
(1) راجع: المصدر السابق ص 116.
________________________________________ الصفحة 78 ________________________________________
ونقول:
أولاً:
إن عدم ثبوتها في القراءة المشهورة لا يدل على نسخها، لأننا نقول إنها من القراءات التفسيرية، التي ليست جزءاً من القرآن، فلا ينالها النسخ.
ثانياً:
إن هناك حرصاً شديداً على استبعاد هذه القراءة من بين القراءات المشهورة وما نجده من تمحلات ومن إصرار على إثارة الشبهات حول هذا الموضوع خير دليل على ما نقول.. فعدم ذكرها في القراءات المشهورة لا يدل على النسخ.
ثالثاً:
إن هناك من ينكر هذا النسخ المدعى فكيف يمكن إثباته بمثل هذه التوجيهات والتأويلات.
وبعبارة أخرى:
إن حلية هذا الزواج ثابتة بلا شك عند كل أحد.. ودعوى أنه قد طرأ عليه النسخ والتحريم أول الكلام. فعلى مدعيها أن يثبتها.. فلا مجال لإرسالها إرسال المسلمات هنا. فإن الدعوى لا يمكن أن تكون هي الدليل.. ومجرد عدم ثبوت كلمة «إلى أجل» في القراءة المشهورة لا يدل على ذلك.. وذلك لما ذكرناه فيما جاء بعنوان: «أولاً.. وثانياً»..
________________________________________ الصفحة 79 ________________________________________
دليل التحريم يعارض قرآءة «إلى أجل»:
وذكروا أيضاً: أننا لو فرضنا أن قراءة «إلى أجل» تدل على الحلية، فإن دليل التحريم لهذا الزواج يعارض هذا الدليل على الحلية. فيلزم تقديم دليل الحرمة منهما لأن الحظر مقدم على الإباحة أصولياً لأن تقديم المحرم قد يؤدي إلى ترك المباح لكن تقديم المبيح قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام(1).
ونقول:
أولاً:
إن هذا الدليل المدعى على حرمة زواج المتعة غير تام لا سنداً ولا دلالة فلا يصلح لمعارضته دليل التحليل الثابت بصورة قطعية. وسيأتي الكلام في اسانيد ودلالات الروايات التي اعتمد عليها مدّعو النسخ.. فانتظر.
ثانياً:
إنما يلاحظ التكافؤ بين الدليلين في صورة كونهما في مرتبة واحدة وأما إذا كان أحد الدليلين قطعياً وثابتاً وقد أثبت الحكم وعملت به الأمة ثم جاء ضعيف يدعي أنه ينسخه، وقد عورض دليل النسخ بما يدل على تأكيد البقاء، فإن دليل النسخ ليس في مرتبة دليل أصل التشريع لكي يدعى المعارضة بينهما
____________
(1) راجع نكاح المتعة للأهدل ص246 عن روح المعاني ج6 ص7 وتحريم المتعة للمحمدي.
________________________________________ الصفحة 80 ________________________________________
ويعمل بالمرجحات. بل هو في مرتبة الدليل الدال على عدم صحة النسخ المدعى.
الآية لا تدل على حلية المتعة «إلى أجل»:
ويقولون أيضاً: «ليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع إلى أجل مسمى حلال، فإنه تعالى لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل، بل قال تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن»(1).
ونقول:
أولاً:
سيأتي أن قرينة السياق تدل على أن المراد بها ذلك.
ثانياً:
كما أن قراءة الصحابة الآية بإضافة كلمة «إلى أجل مسمى» التفسيرية قرينة أخرى على المراد بها..
ثالثاً:
عدا ذلك، فإن نفس قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) يدل على أن الأجور تثبت بحصول مقدار من الاستمتاع ولو كان يسيراً.. وهذا إنما يكون في خصوص حالة توقيت
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 116.
________________________________________ الصفحة 81 ________________________________________
النكاح، فإنه يجب إعطاؤها من المهر بمقدار ما وفت به من المدة.. وإلا لثبت المهر في الدائم ولو من أجل تقبيلة أو لمسة، ولا يقول بذلك أحد..
والتفريق في التعبير الذي ذكره المستشكل لا يصلح فارقاً. بل هو على خلاف مقصوده أدل.. لأن العبارة القرآنية تفيد أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب ثبوت المهر. وليس الأمر كذلك في النكاح الدائم.
قراءة ابن مسعود خبر واحد:
وقالوا عن قراءة ابن مسعود: إنها ليست بحجة لأنها من أخبار الآحاد، ولا يلزم العمل بخبر الواحد في مثل هذه النقول على أنه قرآن على الصحيح من القول في ذلك.
فالمخالف ملزم بإثبات: أن ابن مسعود كان يقرأ بهذه القراءة على أنها قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن نسبت بعض الكتب التفسير ذلك القول إليه. فإذا لم يثبت ذلك فيلزم أن يفتري على الله ورسوله ويلزم المسلمين بقراءة شاذة لا يستطيع
________________________________________ الصفحة 82 ________________________________________
هو أن يثبتها أنها من قراءة النبي (صلى الله عليه وآله)(1)
ونقول:
أولاً:
قد قلنا أكثر من مرة إن المقصود من إيراد هذه القراءة هو تأييد كون الآية الشريفة المذكورة تتكفل ببيان حكم زواج المتعة. وليس المقصود اعتبار كلمة «إلى أجل مسمى» من القرآن ثم الاستدلال بها على هذا الأساس. ويكفي في ذلك خبر الواحد.. ولا حاجة إلى أزيد من ذلك..
بل لا حاجة لإثبات أنها قراءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإن فهم الصحابة لذلك أو فهم فريق منهم له كاف في إثبات هذا الأمر.. خصوصاً إذا كان هذا الأمر من الأمور التوقيفية التي لا ينالها الاجتهاد، بل تحتاج إلى دلالة من المعصوم.
ثانياً:
إن من يدعي نسخ حكم قطعي الثبوت بخبر الواحد.. ألا يكون ممن يفتري على الله ورسوله، ويلزم المسلمين بأمر لا يستطيع هو أن يثبت أنه صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة قطعية؟!
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 123.
________________________________________ الصفحة 83 ________________________________________
المقدسي وقراءة «إلى أجل»:
وقد حاول نصر بن ابراهيم المقدسي الشافعي التملّص والتخلّص من تبعات الالتزام بالقراءة التفسيرية للآية من قبل ابن عباس متعلّلا بما يلي:
أولاً:
إن الرواية عن ابن عباس قد اختلفت، حيث روي عنه أنها حرام كالميتة، والدم، ولحم الخنزير. فإذا ثبت أنه رجع عن التحليل إلى التحريم لم يصح التعلق بروايته(1).
أضاف البعض قوله: «وانتقده جماعة من الصحابة وغيرهم على الترخيص فيها عند الضرورة، ولم يسلم له رأيه»(2).
ثانياً:
لو كان هذا تفسيراً لوجب نسخه بما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «ثم هي حرام إلى يوم القيامة، نهيت عنها وعن لحوم الحمر الأهلية» وكذلك هي منسوخة بالنكاح والطلاق، والعدة، والميراث، والظهار، والاستباحة وغير ذلك.
ثالثاً:
إن من المفسرين من قال إن المراد بها هو النكاح،
____________
(1) وراجع أيضاً في ذلك: نكاح المتعة للأهدل ص307.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص 307.
________________________________________ الصفحة 84 ________________________________________
عن الحسن، وابن شهاب، وربيعة، وغيرهم.
وروي أن المراد بالآية تقدير الصداق.. وقد روي عن الحسن وقتادة أنهما قالا في هذه الآية إلى موت أو طلاق.
وعن قتادة: (فآتوهن أجورهن فريضة) أي بما تراضوا عليه من قليل أو كثير فقد أحل الله ذلك لهما.
رابعاً:
لو سلمنا الزيادة في القراءة، فلا تدل الآية على حلية المتعة، بل تدل على وجوب المهر ـ أي مهر المثل ـ على من ارتكب الحرام من ذلك ووطأ فيه.
ونحن نقول به:
أي أنه يلزم المهر بالوطء في المتعة لأجل الشبهة التي اسقطت الحد عنه وثبت لها مهر المثل، ولو أن الأمر اقتصر على العقد فإنه يفرق بينهما، ولا يجب شيء لا المسمى ولا غيره.. فهو نظير امرأة أجنبية نائمة ظن أنها زوجته فيجب مهر المثل لأجل الشبهة.
خامساً:
إن الزيادة المذكورة لا تدل على إباحة المتعة لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين)، لأن الإحصان لا يحصل بالمتعة، بل بالدائم ولأن المتعة سفاح وليس نكاحاً، والله سبحانه
________________________________________ الصفحة 85 ________________________________________
يقول: (غير مسافحين).
فالمباح هو النكاح بشرط الإحصان وعدم السفاح، فالإباحة معلّقة على شرط، فإذا انتفى الشرط ـ كما هو الحال في المتعة ـ انتفت الإباحة وصار كأنه منهي عنه بهذه الآية.
وذلك كله يبين لنا أن الآية واردة لدفع شبهة سقوط مهر المثل عمن ارتكب هذا الزواج المحرم، فبينت الآية أن المتعة ليست كالزنا الذي لا مهر فيه ـ لا المثل ولا المسمى ـ بل هي من قبيل وطء الشبهة..
فهي من قبيل قوله تعالى في قتل المحرم للصيد وذلك حرام عليه: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم).
انتهى كلامه بتصرف وتلخيص وإيضاح(1).
كلام المقدسي في الميزان:
ونقول:
إن جميع ما ذكره هذا الرجل لا يصح الإستناد إليه، ونحن نناقش كلامه ضمن العناوين التالية:
____________
(1) راجع: رسالة تحريم نكاح المتعة ص 90 ـ 96.
________________________________________ الصفحة 86 ________________________________________
1 ـ اختلاف الرواية عن ابن عباس:
يرد على دليله الأول؛ وهو الاختلاف في الرواية عن ابن عباس:
1 ـ إن المدار على ما هو ثابت عنه، وقد ثبت عنه التحليل بطرق صحيحة، حتى ادعوا: أن علياً عليه السلام قال له: إنك امرؤ تائه إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة يوم خيبر..
2 ـ لو كان الاختلاف المزعوم موجباً لرد روايته بالحلية لكان لا بد من رد رواية سبرة بن معبد التي اختلفت اختلافاً فاحشاً، ولكان اللازم رد رواية التحريم يوم خيبر، وسائر روايات التحريم المتناقضة.. وتبقى قراءة غيره ممن لم تتناقض الرواية عنهم على حالها من الاعتبار.
3 ـ إن هذا المستدل ـ وأعني به المقدسي ـ لا يرضى حتى بأن يقال: ان ابن عباس قد أحلها للمضطر، كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، حيث رفض الاستدلال برواية ابن ميسرة عن ابن عباس قال: «قيل له: إنك تفتي بإحلال المتعة حتى قالوا فيها الشعر، وأنشد بعض ما قالوا، فقال: ما لهم قاتلهم الله،
________________________________________ الصفحة 87 ________________________________________
والله ما حدثتهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها إلا في أيام على حالة ضرورة، على مثل ما أحلت لهم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، فعقب على هذا الحديث بقوله: الأولى أن لا يحتج بحديث ابن المنذر، لأن ظاهره مباح عند الضرورة كإباحة الميتة»(1).
مع أنه هو نفسه يستدل على رجوعه بحديث سعيد بن جبير عنه، مع أن حديثه لا يختلف عن حديث ابن المنذر في شيء.
ولكننا لم نجد أثراً لهذا الرجوع، بل وجدناه يصر في مقابل ابن الزبير على بقاء الحلية، رغم تهديد ابن الزبير له.. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
لكننا نجد في المقابل: أن الذين اعتذروا باختلاف الرواية عن ابن عباس قد اعترفوا بأن أصح الروايات عنه هي تلك التي تقول: إنه كان يحلها للمضطر(2). فشتان بين موقف المقدسي وبين موقف هؤلاء..
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 92.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص307.
________________________________________ الصفحة 88 ________________________________________
ولكن سيأتي الحديث عن أن هذا الأمر لا يمكن أن يصح أيضاً. وذلك في الأقسام التالية من هذا الكتاب.
4 ـ إن ابن عبد البر وغيره ـ حسبما ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب ـ قد صرحوا بأن روايات التحريم عن ابن عباس ضعيفة.. وروايات التحليل عنه أصح.
5 ـ إن رواية سعيد بن جبير نفسها تدل على بقاء الحلية للمضطر كما هو ظاهر.
6 ـ قول بعضهم: إنه لم يسلم لابن عباس رأيه لا يوجب الوهن في رأي ابن عباس، وسنعرف أن دعوى اعتراض علي (عليه السلام) عليه، غير ثابتة، بل هي لا تصح أصلاً.
وأما اعتراض ابن الزبير فهو غير ضائر فإن ابن الزبير لم يكن فقيهاً، ولا عالماً، وإنما كان عدواً لبني هاشم، وقد كان يسعى للحصول على أية فرصة ممكنة لإيصال الأذى إليهم. وقد جمعهم في الشعب ليحرقهم فخلصهم جيش المختار من براثنه.
فأين هي تلك الجماعة التي يدعونها، وما معنى دعوى انتقاد جماعة من الصحابة لرأي ابن عباس؟!
________________________________________ الصفحة 89 ________________________________________
2 ـ لو كانت «إلى أجل» تفسيراً لكانت منسوخة:
أما بالنسبة لقوله: لو كانت كلمة «إلى أجل» تفسيراً لوجب نسخها بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيرد عليه:
1 ـ إن حديث النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اختلف وتناقض فلا يصح الإعتماد عليه.
2 ـ بالنسبة للنسخ بالآيات القرآنية قد ذكرنا في هذا الكتاب فيما يأتي عدم صحة ذلك، فلا حاجة للتكرار، بل نكل الحديث في ذلك إلى موضعه.
3 ـ لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد.
4 ـ لا معنى لنسخ آية المتعة بآية النكاح الدائم، لأن المتعة نكاح، ولأن النكاح الدائم كان مشرعاً قبل وبعد تشريع المتعة.
5 ـ من قال: إن الظهار لا يقع في زواج المتعة؟.
3 ـ المراد بالآية النكاح الدائم:
أما بالنسبة لقوله: إن المراد بالآية النكاح الدائم أو تقدير الصداق، نقول:
________________________________________ الصفحة 90 ________________________________________
1 ـ إن حلية هذا الزواج لا تعرف إلاّ ببيان صريح من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد وردت الروايات المصرحة بحليته استناداً إلى هذه الآية الشريفة، وذلك يدل على أنهم قد أخذوا ذلك من مصدر الوحي، وليس قولاً من عند أنفسهم، لأن هذا الأمر ليس من الأمور التي تصاب بالعقول.. فلا يلتفت إلى المفسرين الذين يريدون إيجاد المبررات لما صدر عن عمر بن الخطاب من المنع عن هذا الزواج.
2 ـ إن القول بأن المراد بالآية هو النكاح الدائم يلزم منه التكرار في الآيات كما سنرى.
3 ـ إنه لا معنى للإصرار على أن المراد بالآية هو خصوص الدائم مع عدم وجود قرينة في الآية على هذا التخصيص، فلماذا لا يعترفون على الأقل بأن الآية تتحدث عن مطلق النكاح سواء أكان دائماً أم منقطعاً؟!
4 ـ قال سبرة: الاستمتاع ـ يومئذٍ ـ التزويج، فليس المراد به التلذذ الموجب لاستحقاق المهر.
5 ـ ليس كل تلذذ واستمتاع يوجب المهر، بل هو تلذذ خاص وهو الدخول، ومن الواضح أن الاستمتاع لا ينحصر بذلك
________________________________________ الصفحة 91 ________________________________________
فما معنى إيجاب المهر استناداً إلى ذلك؟.
6 ـ إن التعبير في الآية الكريمة بقوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) ظاهر بأن أي استمتاع يحصل مهما كان ضئيلاً يوجب مقداراً من الأجر بحسبه وهذا لا يكون إلا في نكاح المتعة.
ومع الاصرار على عدم التبعيض في المهر وعلى أن المقصود هو تمام الاستمتاع الذي يبلغ ذروته بالدخول كما يدعون، فإن عليهم أن يقبلوا بأن ذلك يلزم منه التحكم وفرض الرأي بلا مبرر فإن كلمة الاستمتاع أعم من الدخول وعدمه.. فلا معنى للتخصيص بالدخول.
كما أنه يحصر إرادة التعميم من حيث الكمية في مرات الدخول لا التعميم في مقدار الاستمتاع الذي يبدأ بالنظرة ثم باللمسة والقبلة.. وهكذا إلى أن يبلغ ذروته بالدخول.. والتعميم من حيث مقدار ما تفي به المتمتع بها من المدة فتستحق ما يوازيها من المهر.
فإن قلنا: بأن المراد بالآية المتعة، فالتعميم الأخير هو المراد والتعميم الذي سبقه لا ينافيه..
وإن قلنا: بما يقولون به فإن الأمر ينحصر في مرات
________________________________________ الصفحة 92 ________________________________________
الدخول.. فيكون التعميم في قوله (فما استمتعتم به منهن) خاصاً به دون سواه.. وهو خلاف الظاهر جداً من الآية، الدالة على أن مقدار المهر هو في مقابل مقدار ما يحصل من الاستمتاع وتفي به له من المدة..
كما أن إرادة تمام المهر من قوله (فآتوهن أجورهن) خلاف الظاهر أيضاً. بل المقصود هو الأجور التي تناسب مقدار الاستمتاع..
4 ـ الآية تدل على وجوب المهر بالدخول:
أما بالنسبة لقوله: إن المهر إنما يلزم بالدخول، ويسقط الحد لأجل الشبهة، فيرد عليه:
1 ـ لو كان المقصود مهر المثل، فما معنى قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، فإن الفريضة هي المهر المسمى، كما هو ظاهر.
2 ـ إن هذه الآية قد وردت في سورة النساء ولا شك أنها قد نزلت قبل خيبر، والفتح، وحجة الوداع، وحنين، وو.. وقد ثبت التحليل للمتعة في هذه المواطن، فما معنى تشريع مهر المثل، واعتبار المتعة وطء شبهة مع أن الحلية كانت موجودة آنئذٍ.
نعم، لو كانت هذه الآية قد نزلت بعد حجة الوداع لأمكن
________________________________________ الصفحة 93 ________________________________________
القول، لو صحت الروايات: إن هذا الزواج كان منسوخاً حراماً، فممارسته تكون من قبيل وطء الشبهة الموجب لمهر المثل وسقوط الحد.
3 ـ إن قياس المقام على وطء المرأة الأجنبية النائمة غير صحيح، لأن الآية إن كانت قد وردت بعد النسخ والتحريم، فلا شبهة في البين لورود البيان، بل هو زنا صريح، يوجب الحد بالرجم، أو الجلد، فجعل الوطء شبهة يسهل على الناس ارتكاب هذا الزنا المحرم الذي لا شبهة فيه أصلاً.
5 ـ الإحصان في زواج المتعة:
أما بالنسبة لقوله: إن المتعة من قبيل وطء الشبهة وأنها لا توجب إحصاناً فسيأتي الحديث عنه تحت عنوان المتعة لا توجب إحصاناً لكننا نكتفي هنا بما يلي:
1 ـ إن المتعة توجب إحصاناً عند بعض الفقهاء، كما ذكره الرازي(1).
2 ـ إنها حتى لو لم توجب ذلك لم يكن ذلك مضراً في
____________
(1) التفسير الكبير ج 1 ص 53.
________________________________________ الصفحة 94 ________________________________________
حليتها فإن الدائمة قبل الدخول زوجة شرعية، لكن ذلك لا يوجب إحصاناً.
والمسافر أيضاً لو زنى لا يرجم لعدم تحقق الإحصان فيه، مع أنه متزوج بالدائم.
3 ـ دعوى أن زواج المتعة سفاح وليس بنكاح(1) أول الكلام، لأن الله تعالى، قد شرعها، وعمل بها الناس، ولا يعقل أن يشرّع الله السفاح. أضف إلى ذلك أن سبرة بن معبد يقول في رواية التحريم يوم الفتح: «والاستمتاع يومئذ التزويج» فاشتراط التأبيد في النكاح ليس له ما يبرره.. نعم هو شرط في الدائم لا في مطلق النكاح.
4 ـ تشبيه المتعة بقتل المحرم صيداً، فإن ذلك حرام عليه، وذلك لا ينافي نزول آية تبين حكم من فعل ذلك.. في غير محله، فإن السفاح حكمه الرجم أو الجلد، وليس في السفاح مهر أصلاً، وقد ثبت ذلك بأدلة النسخ فما معنى إعطاء المهر للزانية؟.
____________
(1) راجع أيضاً: تحريم نكاح المتعة ص 96.
التعلیقات